أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - - ترانيم الغواية - في مدينة السماء : موطن الآلهة ومقام الأمم والأنبياء















المزيد.....



- ترانيم الغواية - في مدينة السماء : موطن الآلهة ومقام الأمم والأنبياء


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 28 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


* بوابة التاريخ !*
القدس . بيت المقدس . اورشليم . يبوس . إيلياء . اورسالم . مورياه . بنت صهيون . مدينة داود*1 ، وأسماء أخرى كثيرة بلغات مختلفة تجاوزت العشرين اسما لمدينة الآلهة*2 . مدينة عناة وعشتاروت وإيل وبعل . مدينة يهوة *3ويسوع المسيح والله .مدينة الأمم والطوائف. مدينة المعابد والكنائس والأديرة والمساجد . مدينة العشق والحب والآلام ، ظاهرها ايمان مطلق بآلهة ( أو إله ) بمفاهيم وأسماء متعددة ، وباطنها لا يخلو من غواية وضلال من أقدم العصور،لا لأكل تفاحة، بل للوقوع في الخطيئة الأكبر من أكل تفاحة حسب الشريعة . فمن على سطح بيته فيها ، المبني من خشب الأرز، رأى داود بثشبع الجميلة زوجة المحارب أوريا الحثي تستحم ، فأغوته،فاشتهاها وأرسل من يحضرها له ليواقعها، رغم مئات النساء والسراري لديه ، وليأمر بقتل زوجها ليضمها إلى نسائه لتحمل فيما بعد وتنجب سليمان الأسطورة : مروض الجن ومروع الأمم المولع بالنساء، الموله ببلقيس ملكة سبأ ، والمتمرد على عبادة يهوة! أثارداود غضب يهوة فأعلن " أن السيف لن يفارق بيته وأنه سينزل الشر به ويجعل نساءه تزني بأقاربهن أمام عينيه " فقام أبشالوم بن داود باغتصاب ملك أبيه والإستيلاء على نسائه وسراريه ، كما قام أمنون باغتصاب أخته ثامار شقيقة أبشالوم مما دفع أبشالوم لينتقم من أخيه أمنون بقتله، لتستعر الحرب بين داود وابنه أبشالوم ليقتل أبشالوم معلقا بين أغصان شجرة بطم " *4
مدينة اختلف المؤرخون حول تاريخها بين من أعاده إلى حوالي خمسة آلاف عام وآخر إلى قرابة ثلاثة ألاف عام ..هدمت وأعيد بناؤها ثماني عشرة مرة ** كانت تنهض من دمارها لتحيا من جديد وتبقى رغم أنف جميع الغزاة عبر التاريخ، من كلدانيين وفرس ويونانيين ورومان وصليبيين وإنكليز وإسرائيليين .
*ندبها أرميا في مراثيه " مترنما " بعد الغزو الكلداني ، وكأنه يندب حالها اليوم ، قائلا:
1 كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب كيف صارت كأرملة العظيمة في الأمم. السيدة في البلدان صارت تحت الجزية
2 تبكي في الليل بكاء، ودموعها على خديها. ليس لها معز من كل محبيها. كل أصحابها غدروا بها، صاروا لها أعداء
7 قد ذكرت أورشليم في أيام مذلتها وتطوحها كل مشتهياتها التي كانت في أيام القدم. عند سقوط شعبها بيد العدو وليس من يساعدها. رأتها الأعداء. ضحكوا على هلاكها
8 قد أخطأت أورشليم خطية، من أجل ذلك صارت رجسة. كل مكرميها يحتقرونها لأنهم رأوا عورتها، وهي أيضا تتنهد وترجع إلى الوراء
16 على هذه أنا باكية. عيني، عيني تسكب مياها لأنه قد ابتعد عني المعزي، راد نفسي. صار بني هالكين لأنه قد تجبر العدو
17 بسطت صهيون يديها. لا معزي لها. أمر الرب على يعقوب أن يكون مضايقوه حواليه. صارت أورشليم نجسة بينهم
19 ناديت محبي. هم خدعوني. كهنتي وشيوخي في المدينة ماتوا، إذ طلبوا لذواتهم طعاما ليردوا أنفسهم *5
15 يصفق عليك بالأيادي كل عابري الطريق . يصفرون وينغضون رؤوسهم على بنت أورشليم قائلين: أهذه هي المدينة التي يقولون إنها كمال الجمال، بهجة كل الأرض *6
1كيف اكدر الذهب، تغير الإبريز الجيد انهالت حجارة القدس في رأس كل شارع
4 لصق لسان الراضع بحنكه من العطش . الأطفال يسألون خبزا وليس من يكسره لهم
الذين كانوا يأكلون المآكل الفاخرة قد هلكوا في الشوارع . الذين كانوا يتربون على القرمز احتضنوا المزابل
6 وقد صار عقاب بنت شعبي أعظم من قصاص خطية سدوم التي انقلبت كأنه في لحظة، ولم تلق عليها أياد
7 كان نذرها أنقى من الثلج وأكثر بياضا من اللبن، وأجسامهم أشد حمرة من المرجان . جرزهم كالياقوت الأزرق
8 صارت صورتهم أشد ظلاما من السواد . لم يعرفوا في الشوارع . لصق جلدهم بعظمهم . صار يابسا كالخشب
9كانت قتلى السيف خيرا من قتلى الجوع . لأن هؤلاء يذوبون مطعونين لعدم أثمار الحقل
10 أيادي النساء الحنائن طبخت أولادهن . صاروا طعاما لهن في سحق بنت شعبي
12 لم تصدق ملوك الأرض وكل سكان المسكونة أن العدو والمبغض يدخلان أبواب أورشليم
13 من أجل خطايا أنبيائها، وآثام كهنتها السافكين في وسطها دم الصديقين *7
ويختتم أرميا مراثيه بالقول :
1اذكر يارب ماذا صار لنا . أشرف وانظر إلى عارنا
2 قد صار ميراثنا للغرباء . بيوتنا للأجانب
3 صرنا أيتاما بلا أب . أمهاتنا كأرامل *8
*وفي "ترانيم غوايتها" تغنت ابنة اورشليم بجمالها وسحرها وأسرار محبتها في نشيد الأنشاد:
2ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر
5 أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان
6 لا تنظرن إلي لكوني سوداء، لأن الشمس قد لوحتني. بنو أمي غضبوا علي. جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطره
7 أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى ، أين تربض عند الظهيرة. لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك
8 إن لم تعرفي أيتها الجميلة بين النساء، فاخرجي على آثار الغنم، وارعي جداءك عند مساكن الرعاة
10 ما أجمل خديك بسموط، وعنقك بقلائد
11 نصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان من فضة
13 صرة المر حبيبي لي. بين ثديي يبيت *9
2 كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات*10
1 ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك. شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد
2 أسنانك كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل، اللواتي كل واحدة متئم، وليس فيهن عقيم
3 شفتاك كسلكة من القرمز، وفمك حلو. خدك كفلقة رمانة تحت نقابك
4 عنقك كبرج داود المبني للأسلحة. ألف مجن علق عليه، كلها أتراس الجبابرة
5 ثدياك كخشفتي ظبية، توأمين يرعيان بين السوسن
7 كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة *11
4 أنت جميلة يا حبيبتي كترصة، حسنة كأورشليم، مرهبة كجيش بألوية
5 حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني.
6 أسنانك كقطيع نعاج صادرة من الغسل، اللواتي كل واحدة متئم وليس فيها عقيم
7 كفلقة رمانة خدك تحت نقابك
8 هن ستون ملكة وثمانون سرية وعذارى بلا عدد
9 واحدة هي حمامتي كاملتي. الوحيدة لأمها هي. عقيلة والدتها هي. رأتها البنات فطوبنها. الملكات والسراري فمدحنها
10 من هي المشرفة مثل الصباح ، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيش بألوية *12
1 ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع
2 سرتك كأس مدورة، لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن
4 عنقك كبرج من عاج. عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق
5 رأسك عليك مثل الكرمل، وشعر رأسك كأرجوان. ملك قد أسر بالخصل
6 ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات
7 قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد
8 قلت: إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها. وتكون ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح
9 وحنكك كأجود الخمر. لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين *13
مدينة الآلام :
في طريق جلجلتها سار يسوع المسيح مترنحا تحت وطأة صليبه ، حاملا آثام البشرية ، ليصلب على تلة من تلالها ، ولينهض في اليوم الثالث من لحده ويصعد إلى السماء .. ومن فوق صخرتها صعد محمد بدوره إلى السماء ليلتقي الله حسب الرواية الإسلامية .
تاريخ القدس تاريخ مخضب بالدماء والدموع وتحولات الشرائع. ولا غرابة إن قيل في الحروب الصليبية أن الخيول كانت تخوض في دماء القتلى العرب في ساحات الأقصى وحارات القدس .
هذه بعض الملامح التاريخية لمدينة الحب والآلام . المدينة التي تقبل كل الصفات والأسماء
بخيرها وشرها ، حسنها وقبحها ، وهذا ما سطرته ليلى الأطرش في روايتها .
عن مدينة الآلهة والأنبياء هذه، مدينة الآلأم والدموع ،كتب بعض الكتاب الفلسطينيين والعرب ،كان آخرهم محمود شقير في روايتيه المتميزتين ( فرس العائلة ) و(مديح لنساء العائلة ) وليلى الأطرش في روايتها ( ترانيم الغواية ) *14 تدخل ليلى خفايا الحارات المقدسية بما لم يفعله كاتب من قبل عبر ذاكرة امرأة ، لنشم بذلك عبق البخور المفوح من حول المحاريب والمذابح مضوعا فضاء المدينة .
سبق وأن كتبنا عن روايتي محمود شقيرفي شؤون فلسطينية عن (فرس العائلة) *15 وفي الإمارات الثقافية عن( مديح لنساء العائلة ) * 16وسنتناول في هذا البحث رواية ليلى الأطرش الممتعة والصعبة في الوقت نفسه .
وبما أننا أشرنا إلى صعوبة الرواية حتى على القارئ المثقف فما بالكم بالقارئ العادي ، سنقوم بلململة خيوط المحور الأساس الذي أقامت ليلى عليه خطابها الروائي في حوالي 300 صفحة ، لتسهيل وصول عالمه إلى القارئ، وهو سيرة حياة ميلادة أبو نجمة بطلة الرواية الرئيسة ، لتروي من خلالها سيرة العائلة ، بل وسيرة القدس لتشمل بذلك جانبا من سيرة فلسطين وبلاد الشام في ما يقرب من قرن من الزمان ، يبدأ من أواخر القرن التاسع عشر .. لنجد أنفسنا في النهاية أمام سيرة مدينة في حياة امرأة ،وإن شئتم تعبيرا أعمق وأشمل : المرأة المدينة ! وسنأتي فيما بعد إلى البناء الفني في الرواية الذي أقامت ليلى عليه صرحها الأدبي .
*ميلادة سالم أبو نجمة ، الملقبة ( ميلادة الحنش ) :
يوم أن كانت الحرب العالمية الأولى تقرع أبواب العالم " كانت ميلادة على صدر أمها يوم مات خالها *17، أعدمه الأتراك بالرصاص لهروبه من الجندية ، أي أنها ولدت مع الحرب الكونية الأولى ،وفي واحد من العامين 1915 أو 1916،وأنها تجاوزت العاشرة يوم الزلزال الكبير "
الذي ضرب البلاد عام 1927 . ( ص182)
ميلادة هي الإبنة الوحيدة لسالم أبو نجمة *18 بعد طفلين هما ابراهيم وحبيب . تزوج سالم المدمن على ركوب البحار والهجرات ، من مريم الضاوي بعد العودة من هجرته الثانية إلى التشيلي ، غير أنه ما لبث أن ترك زوجته وأولاده تحت وطأة العيش ، وخسارته الفادحة لمرج في بلدة عين كارم تمتلكه الأسرة مقابل صفقة حديد مستوردة لمد سكة حديد القدس - يافا ،غرقت في البحر.. فعاد إلى التشيلي ،ليحيا مع عشيقة تشيلية تزوج منها فيما بعد .
قسا الزمن بوطأته على مريم وأطفالها .. وساءت حال الأطفال بعد رحيل الأم بمرض الكوليرا .
جاء في رسالة شقيقها يوسف إلى سالم " رحمة الله عليها ،وصبرنا على فراقها ،وكان في عون أيتامها ،كانت الأب والأم لهم في غيابك ،راحت بالهواء الأصفر " ( ص 93)
عاش الأطفال بعد ذلك في كنف الخال يوسف ، الذي راح يستولي على المصروف الذي يرسله الأب لأطفاله .. ولم تكن زوجته ( أم عوض ) أقل ظلما منه ( تحملوا شتائم امرأة الخال وتبرمها ،وكفاف العيش ،والتعليم الهزيل في مدارس الروم ، وثيابا لا تتغير ) ( صراخ زوجة الخال تجاوز الجدران والأبواب ) ( ص 99)
أراح الخال زوجته من تربية الأطفال بأن أدخلهم مدرسة شنيللر الألمانية شريطة أن يتعهد بتعميدهم على المذهب البروتستانتي حسب طلب المدير الألماني . ظل الخال يماطل للحصول على موافقة الأب في التشيلي ، إلى أن وضعه المدير أمام خيارين : إما توقيع التعهد أو إخراج الأطفال من المدرسة . فاختار إخراج الأطفال .
جاء الفرج لأم عوض بالخلاص من الولدين حين أرسل سالم تذكرتي سفر بالباخرة إلى ولديه ، على أثر رسالة مؤثرة كتبها ابراهيم له :
" وإن لم تسحبنا خلال شهر ، فأقسم بروح أمي أن نمشي أنا وحبيب إلى يافا ،ثم نقطع البحر سباحة ، فإما أن نموت أو نصل إليك .. أما لو عشنا فسنسحب أختنا ميلادة ."( ص100)
وهكذا سافر الولدان ليجدا أن أباهما متزوج من شابة جميلة ولديه طفل وامرأته حامل ، ويعيش في بيت كالقصر ! لم يمكثا كثيرا في كنف أبيهما.. فتسللا إلى أميركا في هجرة غير شرعية في سفينة شحن صغيرة ،وعاشا بضعة أعوام ثم عادا إلى فلسطين . عمل ابراهيم مترجما في مقر المندوب السامي البريطاني .فيما عمل حبيب في محلات أي بي سي البريطانية .
أم عوض رأت في ميلادة كنزا بعد سفر الأخوين إلى التشيلي ، فقررت أن تزوجها إلى ابنها عوض ، قائلة ليوسف :" سيغتني ابنك من خير سالم وأخويها لو تم المراد ،واقرب الغني بتغنى ،وليس بعيدا أن يسحبونا إلى التشيلي .( ص100)
تحققت أحلام أم عوض ، وتزوج عوض من ميلادة .. ابتلع يوسف النقود التي أرسلها سالم من التشيلي لتجهيز ابنته وإقامة عرس لائق لها تفرح به . فتزوجت " في عرس بسيط ... وفي جهازها فساتين قليلة فصلتها خياطة في عين كارم " ( ص105 )
كانت ميلادة تبكي حالها بصمت ، وعرفت متأخرة أن أباها أرسل لها ما يكفي لنفقات عرس كبير .
في يوم الزفاف في الكنيسة أشرقت بوادرترانيم مستقبل مختلف يرسمه القدر لميلادة ..فالخوري الكاهن متري الحداد الذي يقوم بطقوس الزفاف ، والمولود يوم وفاة زعيم الطائفة البهائية ،ويوم تسيير أول قطار بين القدس ويافا في السابع عشر من تموز عام 1892 ، وقف مبهورا بجمال ميلادة وهو يمسك بيد زوجها ليدور بهما حول المحراب ويعلنهما زوجا وزوجة . يقول في أوراقه لابنه رفيق : ( وميلادة تشبهني . فرس شاردة مما يطاردها . جامحة أمام ما تخشى . تنفلت مما يقيدها إلى أكوان بعيدة . رأيت هذا في عينيها فسحبني إلى غربتها .. عيناها حمامتان تبحثان عن لا شيء. طرت وراءهما .. فتهت في عالم لم أعرف طريق عودتي منه ." والعين سراج الجسد ") ( ص 167- 168)
من هنا بدأت " ترانيم الغواية " وبانتهائها سيسدل الستار !
رحلت زوجة الحداد بحمى النفاس بعد أن وضعت ابنها رفيق .. الذي ما أن كبر حتى راح يكره أباه لهيامه بعشق ميلادة فيما بعد ،وعدم تحمله لمسؤولياته الكهنوتية .
تزوج ابراهيم وحبيب من معلمتين أصبحتا مفتشتين في عموم فلسطين. أنجب ابراهيم ابنا هاجر إلى أمريكا . وتبنى حبيب طفلة امرأة يهودية يشك في أنها عاهرة . لم تكن علاقة ميلادة مع أخويها وزوجتيهما على ما يرام ، بل كانت متوترة في معظم الأحيان وخاصة مع حبيب وزوجته .
رحل عوض بانفجارالزائدة الدودية ،فترملت ميلادة قبل أن تبلغ سن العشرين .
* قصة اللقب وفضيحة العشق الحرام !
سبق وأن أشرنا إلى أن ميلادة لقبت ب ( ميلادة الحنش ) ولذلك قصة تداولتها الألسن همسا
وعلانية بعض الشيء :
( خرجت " ميلادة " تتنزه في أحراش دير المسكوب .. داست على حنش تكوم في شمس الربيع ، فهاجمها . تسلق ساقها وطوق خصرها وبدأ ينقبض ويرتخي . قالت لم تره ! معقول؟! على طوله وضخامته؟ أكيد.. العشق بيعمي ! قالت لمزارعين هبوا لصراخها : قتلته وحدي، فلم يصدقها أحد ..ونبع الشك من سكوت الرجال . رفض أي منهم أن يحكي عما رأى . كل ما قالوه بعد إلحاح . الله يستر على ولايانا .. وصلنا ورأسه مسحوق ! لكن من يقتنع أن صبية تقتل حنشا وحدها ؟! يعجز عن هذا رجل بطول وعرض! وبعد الحادثة إذا تحدثت النساء عن ميلادة تغامزن وقلن " الحنش راح والحنش جاء "( ص11+12)
شاعت قصة الحب على الألسن إلى أن بلغت بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية اليوناني ذيميانوس . قرر الحداد أن يترك الكهنوت . غير أنه فوجئ بصد البطريرك قائلا : ( لن تحتمل كنيستنا فضيحة ثانية ، يتحلل كاهنان من الرهبنة من أجل النساء والشهوات ،ستنال الطوائف من سمعتنا ،وكنيستنا ما زالت تقاسي من فضيحة الراهب أشيل، بعد أن فشلنا في السيطرة على رعونته . لن نحتمل فضيحة أخرى " ( ص 152)
وأشيل هذا " أحد رهبان أخوية القبر المقدس ، شاب يوناني وسيم . أديب وشاعر . ترقى إلى أعلى مراتب الكهنوت .أحب صبية يونانية (صونيا) ابنة لأحد تجار المجوهرات . جمالها فريد . ترك عبادته وتبع الصبية في الدروب والأزقة . لم ينتظر قرار البطريرك . قص شعره وخلع ثوبه ،ولزم من يحب " ( ص 153بتصرف)
ومما زاد الطين بلة "أن أرشمندريت روسي في دير المسكوبية في عين كارم أصيب بفالج بسيط. أشرفت على علاجه لمدة طويلة ممرضة عزباء جميلة هي خالة صونيا . واللغط جاوز البلدة . تدارك المسكوبي خطأه بما انقلب فضيحة مدوية . فقد منح الممرضة بيتا موقوفا للكنيسة لتترك الدير . غير أنها حولت البيت إلى خمارة ،ومجلس انس لكبار القدس ، سهر وغناء وكاس وطاس لم تغب صونيا أو أشيل عن ليلة منها " ( 153-154بتصرف)
حاول متري الحداد مقاومة قدره . ترك ابنه في رعاية جدته لأمه "وأبحر يطلب الخلاص في دير بستان العذراء فوق قمة جبل آثوس اليوناني .. متوحد يراقب البحر . زاهد يتعبد لخالقة . يسبح بترانيم الإعجاز صبحا ومساء " ( ص155)
كاد أن يحدث مع الحداد ما حدث مع نيكوس كازنتزاكي خلال اعتكافه في الجبل نفسه وربما في الدير نفسه بحثا عن الله ، (وهذا ما سنأتي عليه فيما بعد ) فقد " سبقت صورة ميلادة رحيله ،وسكنت كهوف تبتله . تجلت في صلاته لوحة على جدران الدير . تعربشت أشجارا تحرس البحر . غطت صفحة الماء " ( ص 155 بتصرف )
" البقاء بين نساك عابدين أثقل صدر الحداد، زهدهم زاد من ذنوبه. عاد إلى القدس ليتحلل من قسم قطعه على نفسه ،فخذلته قدرته" ( ص 155 بتصرف )
أعلن للبطريرك صراحة " أيها المبجل .. نفسي تدفعني إليها وعاجز عن ردعها . سنوات وأنا أقاوم رغبة المعصية ،ولا مجال لاحتمال أكثر، يراودني الإغواء كل لحظة ،وستتحمل ذنبي يا عظيم الإحترام " ( ص 155 )
بعد مداولات" ومشاورات مع رهبان أخوية القبر المقدس ، هداهم الله إلى قرار أملوا أن يكون فيه الخير ، رغم تعارضه مع قوانين الكنيسة ونواميس الشريعة ، وهو السماح بزواج كاهن أرمل لحماية الكهنوت ولدرء خطيئة الزنى ، شريطة أن يقسم الحداد على الكتاب المقدس ، أن يظل الزواج سرا لا يعترف به لأحد ، حتى ابنه"( ص 156 بتصرف )
" ركع متري الحداد أمام ذيميانوس وقبل يده حين وجد نفسه عاجزا عن رفض القرار " ( ص 156 بتصرف )
وهكذا ترنح الكهنوت تحت وطأة الغواية ورضخ للأمرالواقع !
" في دار ذيميانوس تم عقد الزواج ،وكان الإشبينان ( الشاهدان ) عليه مدبرة المنزل وزوجها اليوناني " ( ص 156 بتصرف )
عاش الحداد تحت وطأة معاناة هائلة ، خاصة أمام ابنه " وسط همس الظنون والأقاويل وكتمان الحقيقة .. وكثيرا ما راودته نفسه أن يعترف له، بل وأن يخرج إلى الشوارع صارخا بأنه وميلادة زوج وزوجة ، غير أن قسمه كان يردعه " ( ص 156-157 بتصرف)
" لم يكن خالصا لها يوما .. لكنها تغض الطرف عن غيابه .. بلا عتاب أو لوم تحتضن عودته . تلم اغتراب روحه وتهدهد قلقه .لم تطالب بوقت لا يعطيه . تمسح لهفتها الحرج عن غيابه ..وهي الجميلة بين النساء .. المتفردة باللهفة إليه . تحملت شك العيون ،وحرقتها ألسنة السوء دون تذمر أو اعتراض" ( ص 159 بتصرف )
في إحدى رسائل الإعتراف لإبنه لم تصل إليه كونه مات قبله . يقول متري الحداد عن القدس المدينة " القدس أضاعتنا لأنها تشبهنا . مدينة مثلنا بوجهين . دروبها العتيقة تصل أبواب الخلاص . تنشد الغفران في كنائس وأديرة ومعابد وزوايا ومساجد وكنس وتكايا .. وتفتح أبواب سورها على ملذات تقود إلى ضلال.. " ( ص 157)
هذا عن حال متري مع ابنه وميلاده والقدس، فماذا عن حال ميلادة ومعاناتها في ظل هذا الزواج السري ، الذي لا أذكر أنني قرأت مثيلا له في الأدب رغم كثرة ما قرأت ، فجاء معبرا بمنتهى الصدق عن واقع مدينة ظاهرها ايمان وباطنها غواية وضلال ولو من منظور الشريعة الي تكللها برموزها !!
تقول ميلادة من قلب أثقله الحزن " الدنيا كانت قاسية . وأنا قبلت قسوتها علي وبخلها ..استكثرت سعادتي معه فأعطتها بشروط صعبة ، حرمتني حتى فرحة الأشياء البسيطة ، أن أستقبله وأودعه عند الباب .أحضر له ما يحب . أن تختلط روائح ثيابنا في خزانة واحدة . أن يرى الجيران ملابسه على حبل غسيلي. أعاتبه وأغضب إن تأخر . كان يغيب ولا أعرف متى يعود . يقولون الإنتظار يجدد اللهفة ، لكنه متعب .. تصوري ! أنا لم أدخل داره ،حتى يوم مات رفيق لم أذهب للعزاء .. خفت أن تطردني زوجته ،ومن نظرات الإتهام في عيون النساء . حتى وهو ميت وقف يمينه ( حال قسمه ) بأن يظل الزواج سرا بيني وبين تابوته ، حرمني أن أرتمي فوقه وأبكي وأنوح مثل أرملة " ( ص 286) ( لم أستطع كبح دموعي خلال قراءة وكتابة هذا المشهد )
تقص ميلادة لحظات من لقاء جمعها بالحداد :
" بعد انتهاء عزاء ابنه جاء . دموعه بللت حضني . وابنه مثله مات بلا إشارة أو مرض . نام وما قام . قال : يا ميلادة ، أنا والدنيا ظلمنا رفيق . عاش ومات غريبا ويتيما : قلت : أنا اليتيمة . رفيق عاش تحت جناحك ، لم تبخل عليه بشيء . فبكى واهتز مثل ريشة وقال : أبوك هاجر إلى بلاد بعيدة . بينك وبينه بحر ومراكب وسفر . وبيني وبين رفيق بحر من الجفاء والبعد ونحن تحت سقف واحد. ليست الغربة بعد البلاد . الغربة بعد الأرواح "( ص 287)
*كل من أحبتهم أو عايشتهم ميادة رحلوا .
رحل الأب سالم في الغربة . جاء نبأ رحيله في رسالة من زوجته التشيلية . تقول : إن الله أخذ وديعته . مات فجأة فدفنته في مقابر عائلتها. اطلبي له الرحمة يا ميلادة وسامحيه . كان يعرف أنه قصر في حقك ويتعذب " (ص 103)
ورحل الحداد فجأة .. عاش تائها بعد موت ابنه " كل من أحبتهم ميلادة رحلوا دون أن يفكروا بها ، حتى الحداد دمره موت رفيق فلحق بابنه وتركها .. لم يفكر بأنها ستعيش تائهة من بعده .. علمها الحياة ثم راح .. اختفى فجأة بلا إنذار ،اهتزت الدنيا وطوحت بها مثل زلزال لا يتوقف .. رأسها يلف ولا تدري ماذا تفعل بنفسها .. تركها فأحست أنها غريبة عن حالها . حياتها معه غيرتها فلم تعد هي .بعد موته لم تعرف على أية صورة ستكون ليقبلها من حولها ... في حياته لم تكن في حاجة لأحد ،وبعد موته صارت وحدها " ( بتصرف ص 288و 287)
" عارفه شو يعني وحدي ؟ كان لا يمل ولا يتوقف عن تعليمي وتدليلي ونحن نلف البلاد .. ثم فجأة اختفى .. مات " ( ص 288)
******
هذا بعض ما حصلت عليه المخرجة السينمائية الشابة راوية بنت عيسى من شتات ذاكرة قريبتها العجوز وهي تقاوم الزهايمر على أعتاب الثمانينات بإرادة لا تلين ، لتبدده على مدار ما يقرب من ثلاثمائة صفحة ، مختلطا بوقائع سياسية واجتماعية وإقتصادية وصراعات دينية بين طوائف وأمم وعائلات ..لأقوم بلملمة بعض ما يتعلق منه بحياة ميلادة أبو نجمة ، لأسهل فهم النص على القارئ .
سأنتقل الآن إلى المضمون الفكري في الرواية الذي بني على فهم فلسفي للروائية بنت عليه وقائع روايتها لتخرج برؤية تنسجم مع رؤيتها لكل ما يحيط بالواقع الإنساني . تاركا الحديث عن المعمار الفني في الرواية إلى الآخر إذا ما أتاح المجال لنا ذلك . دون أن نغفل ما علّقت به وأوردته حتى الآن عن هذه الخلفية الفلسفية القائمة على مكابدات الروح في مواجهة رغبات الجسد ، أو الكهنوت في مواجهة الطبيعة الإنسانية والصراع القائم بينهما .
* المضمون الفكري في الرواية .
لسنا في حاجة إلى الكثير من التفكير لنرى خيوط الصراع الأممي الدائر على الساحة المقدسية الفلسطينية ، فكل أمة تريد أن تثبت وجودها في مدينة الله لتكون على مقربة منه واتصال به . . يونانيون . مسكوب . فرنسيون . ألمان . انكليز . يهود . عرب . مسلمون ومسيحيون بطوائف متعددة . كنائس ،معابد ،كنس ، تكايا ، صوامع ، جماعات ، زوايا.. والسر في كل هذه الفانتازيا السريالية هو سر وجودي يتعلق بالخالق . فكل طائفة تريد أن تثبت ارتباطها به حسب مفاهيمها له التي لا يطالها الشك ، فهي حقائق مطلقة غير قابلة للشك على الإطلاق . . فالصراع صراع ديني يأخذ لبوسا سياسيا في بعض الأحيان ، يشمل كافة مناحي الحياة الإجتماعية . نشكر الله أن ديانات الهنود والصينيين ليست سماوية ، ولولا ذلك لكنا الآن واقعين تحت وطأة صراعات أعقد بكثير مما هو قائم حاليا في مدينة السماء وحولها .
يا لهذا الحظ الذي جعل من بلادنا مصدرا لعقائد أكثر من نصف البشرية . وبدلا من أن تحتفي البشرية بنا كوننا مصدرين لعقائد وغير مستوردين ، راحوا يزاحموننا على عقائدنا بذريعة حمايتها بدءا من الحروب الصليبية وانتهاء بالزمن الحاضر الذي تحاول اسرائيل فيه إحياء عقيدة مر عليها قرابة ثلاثة آلاف وخمسمائة عام وتستولي على وطن متذرعة بها .
هذا في الظاهر ، فماذا عن الباطن في واقع الحياة اليومي ، هل علاقة هؤلاء البشر وبكافة فئاتهم ، من مسلمين ومسيحيين ويهود ، تخضع لنواميس شرائعهم ؟! هذا ما لا نلمسه في الرواية وبشكل شبه مطلق . وإن حدثت هبات سياسية نتيحة لواقعة دينية قام بها طرف ما أو طائفة ما ، فهي لا تأتي في حقيقتها للدفاع عن دين بقدر ما تأتي للدفاع عن تراث لا غنى عنه لكل فئة. تراث يشكل مقومات شخصية رغم كل سلبياته ، دون أن يعني ذلك تقيدها بشرائع دينية . كعاهرة أو زانية مسلمة أو مسيحية أو يهودية تتمسك بحقها في ممارسة الدعارة والزنى في الوقت الذي تدافع فيه عن دينها كأحد أهم مقومات شخصيتها .
ثمة شخصيات كثيرة في الرواية ومن كافة الطوائف الرئيسة الثلاث تمارس ما يخالف نواميس الشريعة ..وتأتي قصة الأب متري الحداد وميلادة لتتوج مجموع هذه التناقضات الإجتماعيىة ، طارحة أعقد المشاكل الإنسانية مع الشريعة ، وهي العلاقة بين متطلبات الروح ورغبات الجسد ، أو الشرائع الدينية والحاجات الإنسانية الغريزية التي تظن بعض الشرائع أن هذه الأخيرة لا تحمل بعدا روحيا .. رغم أن الآداب البشرية طرحت هذه المسائل منذ القدم ،وبعد أن انتهى عصر الألوهة الأنثوية غير المنزلة من السماء ، الذي قدس الغريزة الجنسية وقدس حتى دم الطمث والولادة، ولم يعتبره دنسا ، في عقائد بابل وسومر وغيرها ( حيث لم تكن قوانين التحريم سائدة ، فكان الفراعنة يتزوجون حتى من اخواتهم ،كزواج ايزيس من اوزيريس ) ، ليحل محله عصر الألوهة الذكورية الذي توج بظهور الإله اليهودي وما بعده . فمعظم ملوك وأنبياء وأبناء بني اسرائيل مارسوا الزنى بكافة أشكاله ، حتى مع المحارم كمواقعة ابنتي لوط لأبيهما ومواقعة أمنون بن داود لأخته ثامار ، وغير ذلك كثير .. وهذا اوديب في الملحمة الإغريقية يحاول الهروب من قدره دون جدوى، ليتزوج من أمه لتنجب منه ، وهو الشخص الوحيد في تاريخ الأدب البشري الذي عانى من الإثم إلى حد قلع عينيه، فيما شنقت أمه نفسها ..
ولو عدنا إلى بداية صحوة الفكر الإنساني لوجدنا جوته في فاوست يطرح الجنس كحاجة غريزية روحية لا غنى للإنسان عنها . فيعشق جرتشن ويحضر له مفستوفليس( الشيطان ) هيلين الطروادية رمز الجمال الأوروبي ، ليتزوج منها وينجب ابنا ،وحين يموت فاوست نجد الملائكة تحف بروحه وتصعد بها إلى السماء لتستقبلها مريم العذراء بينما يذهب جسده مع التراب في المطلق الأزلي ! *19
لقد قدم جوته أول فهم إنساني رحماني لعلاقة الإنسان بالإله ، وحاجة الإنسان إلى تلبية غرائزه دون تشريع ينزل من السماء أو شأن للإله به ، أو حتى بالشرائع الدنيوية كلها ، ليقدم إلها محبا يسمو فوق الشر والعذاب . لا يمكن لعقل نابغ أن يتصور إلها يعذب . فالدول والحكومات ، أي الإنسان هو الموكل بهذه المهام، لوضع قوانين ودساتير وغيرها تسير حياة الإنسان بما يلبي احتياجاته كلها ، التي تظل العلاقة بالخالق دونها ناقصة . فلا يعقل أن يكون الخالق قد وضع غرائز في الإنسان ليقوم الإنسان بالحد منها أو قتلها ، بما يخالف نواميس الخالق نفسه .
وهذا دوستويفسكي في ( الجريمة والعقاب ) يجعل راسكولنيكوف يسجد أمام العاهرة سونيا معلنا لها أنه يسجد أمام عذابات البشرية . لم ير راسكولنيكوف عهرا في شخص سونيا بل عذابات وآلام .
وهذا نيكوس كازنتزاكي في مذكراته يعلن أنه أمضى عمره في البحث عن الله ، فذهب إلى فلسطين وإلى مصر . كان كلما التقى راهبا سأله عما إذا رأى الله ، فلم يجد أحدا رأى الله . غير أن راهبا في دير سان كاترينا أسر له بسر معلنا أن الشريعة لم توفق بين الروح والجسد ، فقتلت الجسد لصالح الروح ! وربما لهذا لم ير أحد الله !! وحين عاد كازنتزاكي إلى اليونان
اعتكف في دير في جبل آثوس ،وفيما كان نائما ذات ليل أيقظه راهب من رهبان الدير ليهمس له أنه رأى الله . هب كازنتزاكي بكل حواسه ليسمع القصة . قال الخوري ما معناه :
( أرسله القائم على الدير ليساعد الفلاحين في موسم الحصاد وليجمع حصة الدير من غلال الحنطة . حين وصل إلى حقل حصاد رأى امرأة ترضع طفلا .. لم يكن الخوري قد شاهد نهدا في حياته،ربما غير نهد أمه الذي أرضعه ومحته الذاكرة . صرخ بالمرأة أن تختشي من الله وأن ترضع ابنها بعيدا عن أعين الناس . امتثلت المرأة واتخذت مكانا جانبيا . في المساء افردت غرفة للراهب لينام فيها . .لم يفارق النهد مخيلته . رآه في ضوء اللمبة . وحين أطفأها راى النهد يضوي فيها ! جاءت له المرأة نفسها بطبق العشاء .. وحين عادت لتأخذ الطبق وجدت أنه لم يأكل .. هتفت له قائلة : إن لجسده عليه حق كما أن لله عليه حق . قاصدة أن يأكل .. تكرر الأمر في اليوم التالي .. وحين استدارت المرأة ببطء لتخرج من الغرفة . فوجئت بالراهب يثب عن سريره ويأخذها من كتفيها ويطرحها على السرير ويشرع في مواقعتها .. وينهي الراهب حديثه لكازنتزاكي قائلا : ( وفي ذلك الصباح شاهدت الله ،كان يقف فوق سريري ) *20 لم تتم رؤية الله إلا عبر ما تعتبره الشريعة خطيئة . وبهذا ربط كازنتزاكي بين التواصلين الروحي والجسدي ، السماوي والدنيوي، ليشكلا وحدة لا تنفصم للوصول إلى المحبة الإلهية المطلقة ،وربما الذوبان فيها عبر المواقعة بحد ذاتها كطقس يشكل تواصلا مقدسا مع السماء !
وإذا ما انتقلنا إلى الأدب الحديث جدا سنجد أن بطل اسم الوردة ( داسو) ل امبرتو إيكو، وبطل عزازيل (هيبا ) ليوسف زيدان،لم يستطيعا كبح رغباتهما الجنسية رغم أنهما راهبان، فالأول مارس الجنس مع فلاحة في الدير ليشعر بطمأنينة وراحة نفسية ،والثاني ما رسه مع وثنية( اوكتافيا ) في الإسكندرية ومن ثم مع (مارتا) في الدير الحلبي.
الراهبان مارسا خطيئة الزنى . والراهبان انتهيا إلى الحرية ،وإن كانت حرية آدسو ذهابا في المطلق " وستنسى ( روح آدسو ) كل الفوارق . سأكون في الآس المجرد وفي الصحراء الصامتة ، التي لم ير فيها أبدا اختلاف ، وفي الجوهر الذي لا يجد فيه أحد نفسه في مكانه ، سأسقط في الألوهية الصامتة واللامسكونة ،حيث لا عمل ولا صورة " ( ص 538 )
إنه الذهاب في المطلق الذي تحدث عنه جوته . و قد يقصد به الطاقة السارية في الخلق .أما هيبا فقد ترك الكهنوت إلى غير رجعة لعدم اقتناعه به :
" ولسوف أدفن معه ( المخطوط ) خوفي الموروث وأوهامي القديمة كلها ، ثم أرحل مع شروق الشمس حرا " ( ص 368)
هذا بعض أهم ما تجلى في " ترانيم الغواية " الصراع بين الروح والجسد . الروح كرابطة تصل الإنسان بالخالق ، والجسد كنظام غريزي يصل الإنسان بشقه الآخر( أنوثة وذكورة ) ، لخلق حالة توازن روحية بين الإنسان والخالق ، يظل الإتصال دونها ناقصا . لم نر في سلوك الأب الحداد ما يشيرإلى أن الله تخلى عنه بعد زواجه المخالف للتشريع الكهنوتي ،وخاصة بعد أن تخلص من الصراع الذي كان يمور في دخيلته قبل الزواج ، فنرى أن علاقته بالخالق قد توطدت أكثر حين أوكل أمره إلى مشيئته " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف ؟ الرب حصن حياتي ممن أرتعب " حتى أنه حمل البطريرك اليوناني المسؤولية إذا لم يتم الإذعان له :"يراودني الإغواء كل لحظة وستتحمل ذنبي يا عظيم الإحترام " لقد أصبح الذنب عدم تلبية رغبات الحداد في حب ميلادة،وليس العكس !( وهنا يكمن فكر ليلى الفلسفي،لا سبيل للنجاة إلا بالحب ولو أدى الأمر إلى الإنعتاق من حضن الكهنوت ) لذلك جاء هذا الحل التوفيقي الذي اتخذه رهبان أخوية القبر المقدس للإحتفاظ بكهانة الحداد وعدم التفريط بعشقه .
قصص العشق المخالف للشريعة تحدث مع أكثر من شخصية من شخصيات الرواية ، فعدا ما أوردناه من قصة الراهب أشيل وقصة الأرشمندريت المسكوبي ، هناك سالم أب ميلادة الذي كان عاشقا لتشيلية رغم أنه متزوج ، وحبيب شقيقها ثمة شك في علاقة تربطه مع الجارة اليهودية التي ادعى أن ابنتها ندى هي ابنته من زوجته .. وأب الحداد نفسه هاجر إلى بلاد المسكوب سعيا وراء صبية روسية جميلة عشقها " فضاع في بلاد البلشفية " بعد الثورة . وعن المسلمين فحدث ولا حرج ، ففخري النشاشيبي أسكن عشيقته اليهودية في " البيت الأحمرالوقف التابع للجمعية الروسية ، بعد أن منحه إياه الأرشمندريت الروسي ، على أثر خلافه مع الكنيسة اليونانية بزعامة ذيميانوس .
هذه بعض الوقائع شبه الخفية في حياة سكان مدينة السماء .
يتجلى موقف ليلى النقدي لهذا الواقع في أكثر من قصة وواقعة في الرواية ، عدا عن إحاطتها بالتاريخ السياسي للمدينة .. في موقف آخر وخلال مشاهدة فيلم شمشون ودليلة على التلفاز تتحدث عن التحريف الذي أجراه منتجو الفيلم على قصة شمشون ودليلة ، ليظهروا الفلسطينيين قساة القلوب يقتلون ابنتهم لأنها تزوجت من يهودي ، مع أن حقيقة القصة غير ذلك . *21
* المعمارالفني في الرواية :
لا شك أن ليلى وظفت خبرات سردية اكتسبتها من قراءات مختلفة لنصوص أدبية عربية وعالمية لتقيم صرحها الروائي بخصوصية متميزة . فلجأت إلى مخرجة سينمائية (راوية ) ترغب في انتاج فيلم يحقق طموحا عالميا لها . فقررت الذهاب إلى القدس للقاء قريبة مسنة لها ( ميلادة ابو نجمة ) تحوي ذاكرتها الكثير من الأحداث التاريخية المقدسية لحياة أسرة "أبو نجمة " ونظرا لأن ميلادة مسنة وتجهد لمقاومة التخوف من إصابتها بالزهايمر أو استفحاله بها ، فقد تركت لها حرية إيقاظ ذاكرتها كما تشاء مستعينة ببعض الحبوب المنبهة والمنشطة . لذلك جاء الشكل الفني مستندا إلى تداعيات الذاكرة . فالعمة ميلادة ، تستيقظ ذاكرتها أحيانا على حدث موغل في القدم من أيام الطفولة ،وأحيانا على حدث أقرب منه زمنيا . وهذا ما قررت الكاتبة استغلاله لبناء خطابها الروائي،مما أتاح لها إدخال متحدثين وساردين آخرين تخللت رواياتهم ذكريات العمة ميلادة ، عدا أنه أتاح للمخرجة التحدث بدورها والدخول كساردة أيضا لبعض الوقائع ،مستعينة بوثائق تاريخية أدخلتها في متن النص المسرود ، ليشكلا وحدة سردية متماسكة تنهض بخطاب روائي رفيع ومتميز . ومن هنا جاءت صعوبة النص على القارئ العادي ( وخاصة في نصفه الأول ) الذي يبحث عن نص يسليه ولا يشغل عقله . فقد بدا النص كلوحة فسيفسائية ترصّع قطعة قطعة لا يمكن فهمها دون رصع جميع القطع . وحتى هذه العملية لن تكون سهلة على القارئ العادي ، كما لم يكن سهلا علي جمع مقتطفات من متفرقات حكائية متناثرة وردت على لسان العمة ميلادة . لأسرد قصتها بشكل شبه متسلسل . وقد ساعد هذا الأسلوب اللعب على تجاوز وطأة الزمن الواقعي ، لنجد أنفسنا امام زمن روائي يحتويه بفنية عالية . ولا شك أن تجاوز الزمن يشكل عبئا على الفنون الدرامية كلها وخاصة تلك التي تجري أحداثها عبر عقود أو قرون ..
لم تلجأ الكاتبة إلى إيراد الوثائق التاريخية ضمن حواش أسفل الصفحات كما فعل ابراهيم نصر الله في بعض الوثائق في "زمن الخيول البضاء" و" قناديل ملك الجليل "وحتى ايرادها ضمن النص لم يشعرنا أنها وردت كما هي بالضبط ،مما بدا واضحا أنها استلهمتها وأعادت صوغها روائيا لتنسجم مع المعمار الفني الذي اختطته .
تطعيم المسرود الشعبي سواء على لسان العمة أو غيرها بمفردات شعبية أو مفردات أعجمية ( تركية ) ساعد على رسم صورة الشخصية والزمن المسرود عنه . وقد حافظت الكاتبة على لغة سهلة رفيعة خالطتها شاعرية شفافة في بعض أحاديث العمة عن آلامها ورسائل متري الحداد إلى ولده رفيق ، وخاصة حديثه عن ميلاده ولوعته وولهه بحبها .
وصف بيوت المدينة وأحواشها وحاراتها وأزقتها وما حوته من كنائس ومعابد ومساجد وأديرة ،وغير ذلك ، جعلنا نستشعر وجود القدس حقيقة لا وهما .
تطرقت الكاتبة إلى العديد من الوقائع التاريخية السياسية كاشفة الكثير مما كان مجهولا لدى الناس، وخاصة في ما يتعلق بغباء السياسة العربية.
أخيرا يمكن القول بثقة إن ليلى الأطرش قدمت صرحا أدبيا رفيعا ومميزا وفريدا ليس في تاريخ القدس فحسب ، بل في تاريخ الأدب الفلسطيني ـ الأردني ، لم يسبقها إليه أحد ، ولم يبلغ مستواه أحد أيضا ، متمنيا لها دوام الخلق والإبداع .
م.ش.
كاتب ومفكر فلسطيني أردني .
*********************

* نورد هذه المعلومات دون اعتمادها كنص وثائقي تاريخي حقيقي .
*1تاريخ مدينة القدس . الموسوعة الحرة ومواقع أخرى على النت .
*2همسات فلسطينية . نت . ومواقع أخرى على النت.
*3 الإسم المميز للإله في المفهوم اليهودي .
*4 راجع الكتاب المقدس . سفر صموئيل الثاني . الإصحاح الثامن وما بعده .
** راجع همسات فلسطينية والموسوعة الحرة ومدينة القدس تاريخيا على النت .
*5 مراثي ارميا الإصحاح الأول .
*6 مراثي أرميا الإصحاح الثاني
*7 ( من 1 إلى 13 ) مراثي أرميا الإصحاح الرابع .
*8 (1-2-3-) مراثي أرميا الإصحاح الخامس.
*9 نشيد الأنشاد الذي لسليمان . الإصحاح الأول .(2-15)
*10 المصدر نفسه الإصحاح الثاني.
*11نفسه .. الإصحاح 3 ( من 3-7)
*12 نفسه الإصحاح 4 ( من 4 – 10 )
*13 نفسه الإصحاح 7( من 1- 9)
*14 ترانيم الغواية . ليلى الأطرش . منشورات ضفاف . 2014 . الطبعة الأولى . 294 صفحة.
*15 البطولة الجماعية في فرس العائلة . محمود شاهين . شؤون فلسطينية . عدد مزدوج 253+254
*16 الشكل والمضمون في مديح لنساء العائلة . محمود شاهين .مقال أرسل في آذار الماضي ل ( الإمارات الثقافية ) ولا أعرف إن نشر في عدد نيسان الحالي ،خلال كتابة هذا البحث .
*17 لا أعرف إن كان هذا سهوا من المؤلفة أو إشارة إلى خال آخر لميلاده لم يذكر اسمه. فالخال يوسف عاشت ميلاده في كنفه إلى أن أدخلها مع أخويها مدرسة الأيتام الألمانية (شنللر ) ومن ثم طردوا منها لعدم تعميدهم كبروتستانت حسب طلب المدير الألماني . واحتفظت زوجة المدير بميلادة لتساعدها في أعمال البيت ، ولتتعلم "الطهي والكعك والتطريز " ( ص100) ثم إن يوسف عاش إلى ما بعد زواج ميلادة من ابنه عوض.
*18 الأسماء أينما ترد لا يشملها النحو .
*19 لمن يرغب في الإستفاضة يمكنه مراجعة بحثنا على النت " أيوب التوراتي وفاوست جوته "
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=448863
كذلك يمكنه مراجعة بحثنا ( ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=462123
* 20 سقت القصة من الذاكرة وبإسلوبي لعدم توفر المصادر لدي . والأمر نفسه ينطبق على القصص التي لم أشر إلى مراجعها .
*21 يمكن مراجعة بحثنا على النت " دليلة الغزاوية تقص شعر شمشون "
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=456539



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفر الحكمة 25/3/ فصل 143: اختلاط الحابل بالنابل ويهوة بالمسي ...
- سفر الحكمة 25/2/ فصل 142. أكبر خطأ ارتكبته الكنيسة هو دمجها ...
- سفر الحكمة 25 /1 / فصل / 141. الشيطان اللئيم لعنه الله هو من ...
- نشيد الأنشاد 24/2/ فصل 140. العروس تدخل جنة سليمان وتأكل شهد ...
- سفرنشيد الأنشاد /24 /1 / فصل 139. بنات صهيون ينظرن إلى سليما ...
- ترقبوا سفر نشيد الأنشاد الذي هام به الشعر والشعراء والأوغاد ...
- سفر الجامعة 23 /2 / فصل 138. لم يجد سليمان المرأة التي تطلبه ...
- سفر الجامعة 23 /1/ فصل 137. الكنيسة ترى أن سليمان تاب وعاد إ ...
- سفر أمثال /22/4 /فصل /136. الجاهلون مغضوب عليهم عند سليمان .
- سفر أمثال /22/ 3/ فصل 135. تربية الأبناء بالعصا ضرورة تأديبي ...
- سفر أمثال /22/2/ فصل134. محنة العقل البشري تكمن في فهم الدين ...
- سفر أمثال 22/ 1 فصل 133. أمثال سليمان تشير إلى المسيح الكلمة ...
- سفر المزامير (21) 8 فصل 132/6. طوبى لمن يجازي ابنة بابل !!
- سفرالمزامير/7/فصل/132/5 رب رحيم ببني اسرائيل ورب مبيد للأمم ...
- شاهينيات 1081. تفاعلات المادة والطاقة لم تبق عبثية !
- سفر المزامير(21) 6فصل 132 (4) الملك داود كان يعرف أن المسيح ...
- ترقبوا الفصل القادم من سفير المزامير ؟
- سفر المزامير (21) (6) فصل (132) (3) تناقضات في فهم شخصية يهو ...
- سفر المزامير (21) (6) فصل (132) (2) يهوة يصبح إلها كونيا ويل ...
- سفر المزامير (21) (6) فصل (132) (1) القديسون آلهة !!


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - - ترانيم الغواية - في مدينة السماء : موطن الآلهة ومقام الأمم والأنبياء