عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4830 - 2015 / 6 / 7 - 15:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك مثلا لا يمكن أن يغادره كل من درس علم الأجتماع وخاض في الحقل التجريبي والتقصي عن ألملامح المهمة في دراسة الشخصية العراقية هي قابلية هذه الشخصية على التغيير الإيجابي في المستويات التفاعلية مع محددات مثل الفضيلة والخير والشجاعة والنخوة في حالة أستثارة هذه الشخصية ,وهذا يعود للتراكم اللا واعي في الذاكرة المحركة للسلوك العراقي لو تم أستفزازها بطريق علمي وعملي يمكنها أن تعيد جزء من المخفي منها وإعادة أنتاجه ليكون مظهر عام مع الأحتفاظ بالعوامل المشجعة على ذلك .
في ثورة العشرين ضد المحتل الإنكليزي قاوم العراقيون بدون الخوض في صحية أو عدم صحية الثورة نضالا عنيفا ومتواصلا وجماعيا ضد ما أعتبره أنتهاك للشخصية الوطنية وأعتداء على مرتكز أجتماعي أساسي وهو الدين أو الوطن أو حتى القيم الجامعة , وهو يعرف أنه يواجه أمبراطورية قد لا يفكر شعب أخر بمواجهتا بنفس موازين القوة وأعتبر أن ذلك من باب الفضيلة , هذا التصرف الأجتماعي الجمعي المنظم والمقاد بدوافع إيجابية يظهر تناغم حقيقي بين إيجابية الشعب العراقي وبين الكثير من الشعوب التي حققت حريتها بالعمل الجماعي ويظهر عدم صحة ما يفرض عليه من توصيف خارج عن الحقيقة من أنه شعب لا أبالي يفعل شيء ويؤمن بشيء أخر .
تكرر هذا الموضوع كثيرا في التاريخ المعاصر العراقي ففي 1948 و1956 و1973 وفي فترة الحرب الجزائرية التحريرية ضد الأحتلال الفرنسي وفي الأعوام التي أمتدت من 1980 لغاية 1988 في مرحلة ما عرف بالحرب الإيرانية العراقية أظهر الشعب العراقي حقيقة مهمة هي أنه قابل للقيادة والتوجيه بفعل ميله للأستجابة لما يعتقد أنه عمل إيجابي ذو صفة متعلقة بالفضيلة والخير والتعاون والمسئولية التضامنية .
لكن الإشكالية أنه في كل مرة يصطدم بنتائج مخالفة للدوافع والأسس التي بموجبها أندفع لذلك وساهم بقوة مما ولد لديه إحساس أن من زج به أو وظف هذا الفعل الأجتماعي قد خان القضية وبالتالي سيكون شعوره في المرة القادمة أقل حماسة وأضعف في الإستجابة وهو ما برر مثلا ضعف مقاومة الأحتلال الأمريكي للعراق بعد عام 2003 ليس لأنه مؤمن بالأحتلام ولكن لعلمه أن النتيجة ستكون مجرد خيانة له .
إذا كثيرا من المظاهر الأجتماعية التي تحسب على الشخصية العراقية لم يتم دراستها وتحليلها للعوامل الأساسية وأصبحت من أدبيات علم الأجتماع العراقي دون حتى التأكد من مصداقية الطرح أو أمتحانه ,في الجانب الديني مثلا نشهد ميل غريب للتدين الطقوسي في غالبية المجتمع العراقي ولكن في ذات الوقد نشهد غياب حقيقي للإهتمام بالدين الرسالي وأسسه ومرجع هذا لا يعود للمزاجية الأجتماعية ولا متعلق بالشخصية العراقية بالقدر الذي يتعلق بعوق المؤسسة الدينية التي تستغل ميل الإنسان الطبيعي للجانب الروحي عندما تغمره الأزمة ويتمسك بهذا الجانب ويلجأ له ويخضع لكل أشتراطاته , وبما أن الساحة العراقية واحدة من أشد ساحات النزاع الديني التاريخي فقد تسلحت مختلف أطراف المؤسسة الدينية بتغييب الوعي الحقيقي بالدين لصالح مظاهر التدين لكسب القوة العددية والجماهيرية مقابل الخصوم ,فأخذت تشجع حتى الإنحرافات وتمنحها الشرعية حفاظا لى مكتسبها وتدعيما لواقع يجب أن يبقى كذلك لأستمرارية بقاء أطراف النزاع الديني .
في غياب مؤسسة واعية تهتم بالدين كمحرك أجتماعي عقلاني يقود المجتمع للتعاون والتأزر والوحدة فرض نوع من الإنكسار المنحرف عن الدين على قواعد التدين الشعبي وترسيخ وتجذير البديل المزيف وطرحه على أنه هو الخلاص وهو السفينة التي تحمي المجتمع من أعداءه الذي في الواقع هو الأخر العراقي ,وشخصنة الصراع بمحددات بشرية لتتحول نمطية العبادة من عبادة الله إلى الخضوع لعبادة الشخص وإن تحت عنوان أنه باب الله والطريق الوحيد الذي يمثله حقيقة .
هذا التناقض ليس شخصيا وفرديا ولا من خصائص الفرد العراقي ولكنه نمط الدين السائد في المجتمعات المأزومة بالصراع التاريخي , فهناك مجتمعات تأريخية غارقة أو يراد لها من خلال الدين والعرف الأجتماعي أن لا تغادر جغرافية التاريخ ليسهل السيطرة عليها من قبل القوى السلفية الفكرية ,وهناك مجتمعات تأريخ تسخر كل الجوانب المضيئة في التاريخ لتدعم الشخصية المعنوية الفردية, الفرس واليهود مثالان حقيقيان للمجتمعات التأريخ بالرغم من أن التأريخ اليهودي غالبا ما خضع للتزوير والتضخيم لكنهم نجحوا في جعل هذا التاريخ مصدر قوة ليس لهم فقط بل فرضوا جزء منه على الشعوب والمجتمعات الأخرى لتؤمن به وتعتمد عليه كمصدر طبيعي محفز للتطور والنهوض الحضاري .
المجتمع العربي ومنه العراقي وليس الآن ومن لحظات تكونه الأولى فشل في جعل التاريخ جذوة له وفشل أيضا في أقناع الشخصية الفردية أن التاريخ هذا ممكن أن يكون عنصر قوة لأن المؤرخ هو الذي أسس لحالة الفرقة والتنازع ووضع الخطوط الحمر أمام فكرة التسامح والعيش خارج الواقع المأزور وأصر على أن الحق مطلق لجهة ما دون الأخرى وعلى الإنسان العربي أن يخضع لهذا الحق حتى لو وجد أن ترديد عبارات المؤرخ نوع من الهرطقة والجنون الفكري .
هنا الشخصية العراقية لا تلام على صناعة الواقع الذي يرفض مغادرة التأريخ وما فيه من أزمة وهو يخضع دائما للسلطة الأجتماعية والسياسية الحريصة دوما على صيانة هذا التاريخ وتمجيده مع أختلاف مشارب السلطو وتنوعها , فمثلا مع تبدل الحكم الأموي إلى العباسي إلى نهاية الحكم العثماني ثم الملكي والجمهوري وأنتهاء باليوم نجد أن كل السلطات التي مرت على المجتمع العراقي لا تختلف في تقديسها لهذا التأريخ بما فيه من فتن وإنحراف وتزييف دومن محاولة الكشف عن العفن والإنحراف ومواجهة الحقيقية , لذا كان الهم الأساسي لها أن هذا التاريخ يبرر لها المشروعية في ممارسة السلطة وأستغلال مقدرات الشعب والمجتمع لذا فالفرد العراقي يعيأن ضحية التاريخ والسلطة وعليه أن يقاوم هذا الجور من خلال سلوك اللا ابالية تجاه المحافظة على المجتمع ومرتكزاته لأنه يعتقد أنه مهمش خارج أسواره وما يفعله هو ردة فعل طبيعية على التهميش والطرد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟