|
بغداد .. شيءٌ من تاريخ السُلطة ، و تاريخ الرجال
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4811 - 2015 / 5 / 19 - 22:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بغداد .. شيءٌ من تاريخ السُلطة ، و تاريخ الرجال
[ بعد أن وردَ لعبد الله أغا " فرمان " التعيين ، دخلَ بغداد وتسلّم مقاليد الحكم من سلفه عبدي باشا ، الذي لم يبق في الولاية سوى سبعة عشر يوماً . لم يكن عبد الله باشا بمستوى الأحداث . فقد انصرف إلى اللهو والملذّات . لذا لم يقم بأية محاولة لأسترداد البصرة التي سبق وان احتلّها الأيرانيّون . فأستاء الباب العالي منه ، وأرسل إلى بغداد مبعوثهُ سليم سري أفندي ، الذي وعدَ بانقاذ البصرة . وسرعان ما تلاشتْ الآمالُ التي عُقدتْ على قدوم مبعوث الأستانة إلى بغداد . إذ إنغمس هو الآخر باللهو والملذّات ، بتشجيعٍ من معتمد الولاية " الخزينة دار " محمد العجمي ، الذي كان يُعرف بإسم ( عجم محمد ) ، ونسي ، هو الآخر ، المهمة التي جاء من أجلها . وكان ( عجم محمد ) قد جاء إلى بغداد في أيام الوالي سليمان باشا " أبو ليلة " ( 1750-1762) وكان آنذاك شابّاً أمردَ جميل الصورة ، تصحبهُ أمّهُ وأختاهُ اللتان كانتا على جانب عظيم من الجمال . فألّفَ ( عجم محمد ) جوقاً موسيقياً منهُ ومن أسرته . فكانت أختاه ترقصان ، وأمّهُ تنقُرُ الدف ، وهو يُغنّي . وراجتْ في بغداد بضاعته . وأفتتنَ الناسُ بجمال أختيه ، ولاسيما كبار رجال الحكومة . وصارَ يتوسطُ للناسِ في قضاياهم . وبمرور الأيام تمكّنَ من بسط تأثيره ونفوذه على الوالي ( عمر باشا ) ، فعيّنهُ " دويداراً " ( أي حامل الدواة ) في حكومة الولاية . ولما قُتِلَ عمر باشا ، وتولى مصطفى باشا الولاية بعده ، تمكن عجم محمد بدهائه من السيطرة عليه ، وأصبح موضع ثقته ، فولاّهُ منصب " الخزنة دار ". وفي عهد الوالي عبد الله باشا ، جمع عجم محمد ثروة كبيرة مستغّلاً منصبهُ أمينا للصندوق . ثم أخذ يطمحُ أولاً لمنصب " الكتخدائية " ، ومن بعد ذلك كان يرى نفسهُ سيّد " الباشويّة " ذاتها . وعندما عجز عبد الله باشا عن ادارة الولاية بسبب المرض ، قام بإسناد جميع سلطاته إلى عجم محمد . وبايعازٍ من المبعوث السلطاني سليم أفندي ، تم عزل اسماعيل أغا من منصب " الكتخدادون " ، وتعيين عجم محمد مكانه ، مع منحه صلاحيات واسعة ]. وعندما مات الوالي عبد الله باشا ، وأصبح سليم سري افندي واليا بالوكالة ، لحين تعيين والٍ جديد ، نشبتْ حرب أهلية دامت خمسة أشهر ، تحوّلتْ شوارع بغداد خلالها إلى ساحات قتال . فقد تنافس على الحكم ( عجم محمد ) والكتخدا السابق اسماعيل أغا ، وراح كل منهما يسعى لجمع الأتباع . وفي هذا الصراع وقفتْ محلات الميدان والمهدية والقراغول والفضل ورؤساء الأنكشارية إلى جانب (عجم محمد ) ، بينما وقفتْ محلات رأس القرية وباب الشيخ والشورجة وما جاورها ، ومعظم المماليك إلى جانب اسماعيل أغا . ولم يقتصر الأمر على هؤلاء وأولئك ، بل كانت القوات المحلية تقاتلُ في صفّ الطرف الذي كان يدفعُ لها مالاً أكثر من الطرف الثاني . ولما رأى سليم أفندي ما آلتْ اليه الأمور ، استعانَ برئيس عشيرة العُبَيد ( سليمان الشاوي ) لفضّ النزاع . غير ان عجم محمد رفض هذه الوساطة ، وأصرّ على مواصلة القتال . وأغاظ موقفه هذا سليمان الشاوي ، فانظمّ إلى مؤيدي اسماعيل أغا ، ودعا عشيرته إلى نجدته ، وقام بتجميع افرادها في جانب الكرخ ، حتّى أصبح يعجّ بهم . أما رئيس الجنود المحليين " اللاوند " ، الذين كانوا يُعسكرون في بعقوبة ( واسمهُ أحمد أغا بن محمد الخليل ) فقد ارسل بدوره عددا كبيرا من هؤلاء الجنود إلى بغداد لنجدة (عجم محمد ) . وفي خضم هذه الأحداث كان الباب العالي قد أسند " الباشوية " إلى حسن باشا والي كركوك . وكان حسن باشا قد ارسل إلى الباب العالي تقريرا مفصّلا بما يدورُ في بغداد ، واستعدادهُ لأنهاء حالة الفوضى فيها . ومع وصول الفرمان إلى بغداد ، انطفأتْ نار الفتنة ، وتمزّق شمل المتخاصمين ]. ( المصدر:علاء موسى كاظم نورس. حكم المماليك في العراق 1750-1831 . p38-41 )
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعيشُ طوال اليوم
-
في هذا البلد الفارغ
-
العُطَل العظيمة .. في العراق العظيم
-
عطلة .. ورة .. عطلة
-
عن هذا الحِداد .. الطويل الأجل
-
بعد خراب الموصل ، وغيرها .. وقبل خراب المدن ، التي لم تُخَرّ
...
-
قُبْلَة
-
في هذه المدينة التي بلا قلب
-
1 آيار .. 2 آيار
-
الأشياءُ .. وما تستحّق
-
هل هذا كابوس ؟
-
حجم الأنفاق ، وجدوى الأنفاق ، في الموازنة العامة للدولة . قط
...
-
صباحوووو
-
بسمارك
-
فتى الأبتدائيّة الوسيم
-
ريال مدريد و برشلونة .. والطائفيّون في الوطن الجميل
-
عندما يعودُ الجنودُ إلى البحيرة
-
من سبيٍ .. إلى سبي
-
الدم العراقيّ .. الذي يشبه الماء
-
عن أحوال العراق .. واحوال دوري ابطال اندية اوروبا
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر
...
-
إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي
...
-
مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي
...
-
بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس
...
-
مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
-
السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد
...
-
الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال
...
-
إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
-
ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن
...
-
أمير قطر يصل إلى نيبال
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|