أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا لاغة - هايدغر و الإنتقال من الميتافيزيقا إلى فلسفة الوجود















المزيد.....

هايدغر و الإنتقال من الميتافيزيقا إلى فلسفة الوجود


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 13:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الفكر العقلاني يخشى دوما من أن تتسلل إليه علاقات لا تنتمي إلى العالم الموضوعي . وهو اختراق لا يقاوم ، ينزع عن الإدراك سمته الموضوعية. و لطالما أثبت كارل مانهايم " أن الموضوعية تظهر بانكشاف الأقنعة الإيديولوجية . أما اختفاء العنصر الطوباوي من الفكر الإنساني فسيكون له شأن آخر .فقد يمثل ذلك المعضلة العظمى"1 .هذا يعني أن الفكر الموضوعي نفسه يمكن أن يتخذ صورة محتملة تحيي ، وفق تعليل مبسّط، ضربا من الشرود أو الانزياح عن الموضوعية فيقع من حيث لا يدري في ما يناقضه . وكلمة الحقيقة ذاتها يمكنها أن تنشأ بمقتضى معيار إدراكي يتنابذ مع رهاناتها . هذه العذوبة القلقة التي تغمرك ، و أنت تترحّل في كتابات هيدغر ، تثير في دواخلك قدرا من التشويق فأنت تنشد الحقيقة و في طريقك لتحصيلها تصطدم بمأزقين: إما أنك لا تعرفها و حينها تبدو كمن يحب أن يتحرر دون وعي مم سيتحرر أو أنك تعرفها فيستحيل إدراكك لها إلى مجرد "معرفة ملتبسة". يقول هيدغر:" عندما نطالب بالحقيقة الواقعية فإنه يتعيّن أن تكون لدينا من قبل معرفة بما هي الحقيقة من حيث هي كذلك"2 . غير أننا أثناء التفكير في الحقيقة بما هي كذلك " نجد أننا لا نملك منها سوى معرفة ملتبسة" 3 .
إن استنهاض الفكر و صيانته من زلل الالتباس ، مرده " كثرة الاستعمال ، لهذه الكلمة النبيلة ، المنهكة ، لدرجة أنها أصبحت فارغة من المعنى"4 . لتفكيك معالم هذه المفارقة يلقي بنا هيدغر داخل ثنائية الحقيقة و الواقع متحريا ما إذا صح القول بأن الحقيقي هو الواقعي . إن التورط في مثل هذا التبسيط يورث صعوبة في مسرح هذه العلاقة . أليست الملفوظات بدورها حقيقية عندما تتطابق مع موضوع حكمها؟ ذلك ما يفضي بهيدغر إلى إقرار أن " الحقيقي سواء كان شيئا أو حكما هو ما يتوافق و يتطابق بين الشيء و ما تتصوره و بين ما يدلّ عليه الملفوظ و بين الشيء"5 .
نحن إذن إزاء خاصية مزدوجة لمعنى التوافق ، إلا أنها خاصية تضعنا إزاء التعريف التقليدي لماهية الحقيقة أي بما هي تطابق الشيء مع العقل. يعتبر هيدغر أن هذا التصور لم يحظ بالتأمل الكافي في أسسه النظرية فما زال هناك ما نحتاج لكي نكتشفه عن ماهية الحقيقة . يقول :" إن التطابق لا يمكن أن يعني حدوث تماه فعلي بين شيئين مختلفين في طبيعتهما . فماهية التطابق تتحدد بطبيعة العلاقة القائمة بين المنطوق و الشيء"6 .
أن يكون معنى التطابق مبهما بهذا القدر، من جهة كونه يحمل على معان مختلفة ، فهذا يشوّه مرتبة الحكم الذي لم يعد" المقر الأصلي للحقيقة"7 . ولكن ما مآله حينئذ؟
هو يظل مجرد إمكانية . ومتى تتحقق؟ يجيب هيدغر:" إذا كنا أحرارا تجاه ما هو متجلّ ضمن المنفتح"8
يبدو أننا بدأنا نتفكّر في الحقيقة من زاوية الذات ، أي إرجاع الحقيقة إلى ذاتية الفاعل الإنساني. يقول:" إن التفكير في هذه العلاقة الإنسانية بين الحقيقة و الحرية يقودنا إلى تتبّع مشكل ماهية الإنسان"9
كنا ننشد معرفة الحقيقة فإذا بنا نستدعي مفهوما أكثر إلغازا هو الحرية. هذا التمركز الذي يخوض به هيدغر إستراتيجية البحث عن الحقيقة ، يقوم على مرجع يصحح المسار بالتساوق مع الحرية بما هي " فسح المجال أمام انكشاف الموجود من حيث هو كذلك" 10 . إن الحرية التي يقصدها هيدغر هنا هي " ترك الموجود يوجد" 11 ، إنها " تحقق ماهية الحقيقة على شكل انكشاف للموجود"12
أن تنكشف ماهية الحقيقة كحرية ، لا يجعلها تتمحور حول التفكير الميتافيزيقي ، بل يجعلها في مواجهة كل تفكير ميتافيزيقي. و ما طاقة التمرد و إرادة التنصل من الميتافيزيقا ، إلا لكون الميتافيزيقا تتضمن إستراتيجية منع انكشاف الحقيقة بما هي حرية ، إذ لا انكشاف في ظل نسيان الوجود.
إن جرم الميتافيزيقا أنها تضع الوجود دفعة واحدة خارج الزمان حيث العدمية و النسيان. و لعل المغامرة التي تتيحها لنا الأسئلة الهيدغرية تكفي لتعويض الردة التصورية و توضيح شروط بزوغ خطاب انتهاكي للميتافيزيقا.
هذه الحركة الموسومة عبارة عن " تمتمة معذبة تصارع من أجل النهوض من نسيان الوجود"13.
يقول غادامير :" كان السؤال الأول الذي جاء في البدء هو: ما حقيقة وجود الدازين ؟ من المؤكد أنه ليس مجرد وعي. و لكن ما نوع هذا الوجود الذي لا يدوم و لا يحصى كما تدوم النجوم و كما تحصى الحقائق الرياضية ، إنما هو يتضاءل بثبات مثل الحياة العالقة بين الميلاد و الموت و مع ذلك فرغم تناهيه و تاريخيته يكون موجودا هناك و هنا و الآن و حضورا لحظويا ، و ليس كنقطة جوفاء بل كزمانية مشبعة و كلية و متراكمة؟"14 .
إذا كانت الميتافيزيقا أهملت سؤال الوجود ليسقط في النسيان فإن هيدغر في محاورته للميتافيزيقا ( الوجود و الزمان) يستكشف جغرافيتها من أجل تقويضها بوصفها عاجزة عن النفاذ إلى الوجود . فهي نمط من التفكير يقوم على فكرة نسيان الوجود ؛ و لكن الملفت للنظر أن انخراط هيدغر في مطارحته لسؤال الميتافيزيقا هو بمعنى ما مباشرة لتلافي ما تجاوزته حول حقيقة هذا الوجود ." إنها علامة تبشّر بإعلان ابتداء فهم نسيان الوجود" 15
بمعنى آخر لو جاز لنا القول بأن الميتافيزيقا انخرطت في التفكير فيما لا يجب التفكير فيه ، فإن مقاربة هيدغر هي من هذا المنظور ضرب من الفضح لتاريخ الميتافيزيقا التي انشغلت فيما ينوب الوجود . هناك تيه ما ، يصور الوجود بمعزل عن ماهيته , وهو وفق هذا المعطى لا يظهر ، إنه محتجب و غائب؛ و التفكير في ما وراء الميتافيزيقا هو استرجاع لهذا اللامفكر فيه . و ليس لنا من بد سوى أن نسلك طريق اللا نظام ، أن نقوّ ض طريق انبعاث نظام الميتافيزيقا ، أن نستأصل الجرم الأفلاطوني ، أن نحفر في الأبنية النسقية حيث ينكفئ الوجود في عزلته .
لا مناص من أن نخرج السؤال من الأفق الميتافيزيقي لأن " أي أنطولوجيا مهما بلغت قوة المقولات في تماسكها تبقى في الأساس عمياء و تفسدها المقصد الأخص ،طالما لم تبدأ بتوضيح معنى الوجود بشكل كاف و لم تفهم هذا التوضيح بوصفه مهمتها الأساسية"16
إن هذه الكلمات تفوح منها رائحة المفارقة التي تنشد اشراقة الوجود من خلال الولوج إلى الميتافيزيقا ، إذ لا يتسنى لنا تعلم لعبة الخروج من نسقية الخطاب الميتافيزيقي إلا متى فكرنا من داخله قصد إعادة صياغة مستلزمات التفكير في الوجود الني لا ينفك عن الإنسان؛ لأن فهم حقيقة الوجود تستدعي أن نعتني بالوجود الخاص للإنسان . هنا تتحيز اللحظة الإفتراقية للعبور من الميتافيزيقا إلى الأنطولوجيا. " إن طرح سؤال الوجود يحتاج إلى الموجد بوصفه الخيط الهادي إلى استعادة معنى الوجود"17
يهذا التحول من العلاقة بين الوجود و الموجود يعتبر غادامير أن السؤال الميتافيزيقي يصبح ممكنا لأنه يبرز معالم المطارحة التي تبسط الدليل الأنطولوجي لإثبات حقيقة الوجود المنقذف في النسيان.
ألا يستنى لنا الجزم هنا أن أزمة الأنطولوجيا الكلاسيكية إنما مردها مصادرة هذه الوحدة الصماء بين الوجود و الموجود؟ ألا يتسنى لنا أيضا الجزم أن الحداثة الغربية إنما نجحت في اثبات حداثتها بتمثلها لذاتها كبحث في هذا الانشباك الذي يتوارى و ينكشف في آن؟
يقول هابرماس:" إن الذات ليست هي التي تأخذ المبادرة للارتباط بشيء ما في العالم. العالم هو الذي يخلق السياق و يسمح ما قبل الفهم بلقاء الوجود الذي يضع الإنسان في علاقات مع العالم ، يمنحه امتيازا على كل الموجودات الأخرى في هذا العالم" 18
و لأن هذا لاالإلتقاء بين الوجود و الموجود يحدث في الهنا و الآن فهو بلا شك لقاء مشحون بزمنية ما. زمنية تنهمك في بلورة المضامين الأنطولوجية لهذا التلاقي ، لأنه تلاقي يقوم على القصدية. يقول هيدغر:" لا يمثل العالم هذه الحزمة من الأشياء ، هو يمثل إمكان كل معنى و أساس كل تسخير"19 .
فهل تحولت الحداثة إلى حكاية تصور لنا خاتمة التاريخ الميتافيزيقي الذي ينفتح على بداية جديدة؟
المراجع:
1 ــ الإيديولوجيا ، اليوتوبيا ، مقدمة في سوسيولوجيا المعرفة . كارل مانهايم ، ترجمة عبد الرحمان الديريني ، ص 247 ، جامعة الكويت.
2 ــ التقنية ، الحقيقة ، الوجود .هيدغر ، ترجمة محمد سبيلا و مفتاح عبد الهادي، ص 11 ، المركز الثقافي العربي.
3 ـــ نفس المرجع
4 ــ نفس المرجع
5 ــ نفس المرجع
6 ــ نفس المرجع ، ص 17
7 ــ نفس المرجع ، ص 20
8 ــ نفس المرجع ، ص 20
9 ـ نفس المرجع ، ص 22
10 ــ نفس المرجع ، ص 25
11 ــ نفس المرجع ، ص 26
12 ــ نفس المرجع ، ص 26
13 ــ طرق هيدغر . غادامير ، ترجمة حسن ناظم و علي حاكم ، ص 87 ، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط 1 ، 2007
14 ــ نفس المرجع ، ص 79
15 - Dépassement de la métaphysique . Gallimard. Paris 1956 .p 90.
16 - Heidegger . être et tems. Gallimard. Paris 1986 .p 52
ـ نفس المرجع ، ص 26 .17
18 ــ القول الفلسفي للحداثة ، هابرماس ، ترجمة فاطمة الجيوشي ، ص 233 ، منشورات وزارة الثقافة.
19 – problèmes fondamentaux de la phénoménologie . Gallimard. 1984 . p 359.












#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آل سعود و النازية الجديدة
- الدولة الوطنية و المصالحة القومية
- العمل النقابي و سلطة الوساطة: قوة كلمة أم قوة نضال؟
- العمل النقابي و التحزب: تسامح أم تنافس؟
- القوى الناصرية : مستلزمات البناء و مهام عاجلة
- حرب اليمن و الغموض الإستراتيجي
- التقاطعية و جسر الهويّات
- شقوة مخبّأة في قفا خربشة جريئة
- هابرماس و اجتراح مكانة لسوسيولوجيا ذات معنى
- يمنيّ حانق أنا
- الإرهاب و استدرارالطاعة بين - إدارة التوحّش - أو الهيمنة و - ...
- من قانون الدول إلى قانون الشعوب، جون رولز نموذجا
- هجوم باردو بين المنطق و اللامنطق
- الاغتيال السياسي : تنظيم داخل التنظيم
- أضواء ساطعة حول الإغتيال السياسي: الرفيق شكري بلعيد و الأخ م ...
- قتل بإستيطيقا غامظة
- حيز يقطن فيه الأمل : تبيئة للفضاء العمومي الهابرماسي
- إلي أيقونة القلب: فلسطين
- احتمالات معاكسة لليقين و اللايقين
- تفجير الحداثة من الداخل : نقد لها أم تضحية بالحداثة؟


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا لاغة - هايدغر و الإنتقال من الميتافيزيقا إلى فلسفة الوجود