أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - الدولة الوطنية و المصالحة القومية















المزيد.....

الدولة الوطنية و المصالحة القومية


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 4796 - 2015 / 5 / 4 - 12:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تسيطر على وجودنا العربي حالة من التخبط و التواطئ بسبب الأزمات المستحكمة التي تقتحم معيشنا من الداخل حتى قارب على الإنطمار فلم تعد الحرب كوضعية قصوى أو الإرهاب كاعتداء يمزّق هويّتنا يتولّد من الخارج ، من عدوّ إبليسي ، من الآخر الصهيوني ، بل صار عكس ذلك و بالإضافة إلى ذلك ، اعتداء الذات العربية على ذاتها ؛ و بصورة سيكولوجية إدماجية نحن إزاء إعتلال ذات منسحقة لم تجد من دور سوى أن تتلذّذ بايقاع الألم على ذاتها . ذات مازوشية تعاني من عقدة ما ، من خلل ما. ذات تورطّت في مغامرة الانغلاق و التطرّف و الإيماءات المحرّضة.
إن هذا الإستنفار البربري للقتل المؤسس في اليمن و سوريا و العراق و ليبيا... يضعنا على عتبة القطع النهائي مع السياسوية ( اليوتوبيا القائمة على الحدّية الإيديولوجية ) لأجل خلق عقل يباشر عمله في صميم الراهن و ما سوف يكون في المستقبل القريب أو البعيد. عقل يتحرّر من المسلّمات و المطلقات الإيديولوجية المكتملة . عقل يتعقّل ذاته من خلال الإقرار بأولوية السياسي كاختيار يحدد شروط نماء و تطوّر المجتمعات. عقل يعيد ترتيب علاقاته و ينخرط في صناعة قواعد جديدة للعمل السياسي العربي . وهو هم لطالما انخرط في بلورته الجابري و محمد علي الكبسي و علي حرب ... قصد استشراف أنثروبولوجيا سياسية جديدة للمشروع الحضاري العربي.
و لعله من الأحوط و نحن نقدّم هذه الورقة أن نحدد الإطار السياسي الذي سنتحرّك فيه و الذي يقودنا مباشرة إلى موضوع الدولة الوطنية . وهو موضوع ورد ، كما تلاحظون ، موصولا بالمصالحة القومية.
و إنها لفرصة سانحة هنا أن نشير أن فهمنا للدولة الوطنية يفترض إجابة بدئية عن السؤال التالي : هل المقصود بالدولة الوطنية هي الدولة القطرية أو بمعنى أخص الدولة الإقليمية؟ و هل يمكن أن نعتبر هذه التسمية مبرّرة؟
لنكن صرحاء ، إن تناول الدولة الإقليمية بما هي دولة وطنية ، يجلب الخلل و الفوضى لتاريخ الفكر القومي التقدمي ؛ لأنها تستعيد أطوار تلك المحاكمة التي أفضت إلى إدانة الإقليمية و ما يعنيه ذلك من رفض للتجزئة . بلا شك إن إدانة الدولة القطرية أدّى إلى معادات توجهاتها وفق تصوّر يضع الوحدة كأولوية مقابل تأجيل هموم التنمية مثلا. و هو موقف يستبطن فكرة أن التنمية لا يمكن أن تحدث داخل الدولة القطرية . أليست الدولة القطرية مدعوّة إلى أن تتصدّى لحل مشاكل التنمية في مجتمعها بوصفها مسئولة أمام شعبها الطامح للأفضل؟ أنا لا أناقش هنا الموقف الذي يقول إن التنمية الحقيقية لا تتحقق في شكلها الأمثل إلا حين تستجيب لحتمية التكامل العربي ، و إنما أطرح التنمية كمشغل أساسي للدولة القطرية كمنطلق لإنجاح الإنتقال الديمقراطي.
تبدو هذه الملاحظة ذات تأثير حاسم ، لأن الإقرار بإمكانية وجود تماثل بين الدولة الوطنية و الدولة القطرية يخلخل الأحكام المسبقة و الإيحاءات الإيديولوجية و المعيارية. فنحنة ننتقل من نظرة تبخيسية تحيّز الدولة القطرية كنقيض للوجود القومي و اعتداء على وحدته لنكون بعكس ذلك على استعداد لمنحها ما يضمن لها قدرا من المشروعية.
من المؤكد أن مثل هذا التماثل لا يجري التفكير فيه في كلّيته ، و إنما يكتشف بالرجوع إلى التوجّه السياسي و الإقتصادي و الثقافي للدولة القطرية. بمعنى آخر ليس هناك تمثّل صنمي للدولة القطرية ، إذ هي لا تجد ضمانتها الخاصة في ذاتها و إنما فيما تطرحه من مضامين لكسر عزلتها و تبيئة وجودها مع عمقها القومي. عندئذ يتّضح لنا بالطريقة نفسها ، أن وجودنا الهووي هو وجود مركب . و بالتالي نفهم الوطنية في سياق قطري و قومي.
إختيارنا للدولة الوطنية إذن ليس مجرد مساجلة مكشوفة ( غير بريئة) لإثبات معقوليتها ، فيجري قبولها وفق منطق التبرير و التقريظ و التمجيد بلا حد أو قياس. الأمر مختلف عن ذلك تماما ، فمقصدنا يتنزل في سياق فهم تطوّر نظرتنا للدولة القطرية كدولة وطنية. غير أن هذه الصفة تقوم على جملة من المحددات و الركائز التي سنأتي على ذكرها لاحقا.
من وجهة النظر هذه سنمارس صراحة ضربا من الإستفزاز لسيكولوجية الجمهور العروبي الذي يرفض بصورة قبلية الوجود العياني للدولة القطرية. أجل حصل هنا نوع من الديماغوجا العفوية و حتى اللاعقلانية التي حجبت أهمية أن يدمج الفكر القومي التقدمي في اهتمامه ، دمقرطة الدولة القطرية ، لأن الطريق الصحيح وفق ما تعلّمنا من درس ثورة 17 ديسمبر ، أن بناء الوحدة لا يتحقق إلا بين شعوب ديمقراطية . لقد ولّى عصر الإنقلابات العسكرية و عصر الدولة الإستبدادية و إن كانت ترفع راية الوطنية. لذلك نعتقد ، وهذا هو الشيء المهم ، أن هناك حاجة لتعديل الطريقة والفهم حول كيفية التعامل مع الدولة القطرية . ولكن بقي علينا أن نعرف متى و كيف يمكن أن تتحوّل الدولة القطرية من دولة إقليمية تناقض الوجود القومي إلى دولة وطنية قد تؤسس له؟
من الأكيد أن هذه الصيغة التي ستتخذها مطارحتنا من جهة كونها سنحت للدولة القطرية أن تحصل على قدر من المشروعية ، تتطلب منا إيضاحا لمفهوم الدولة الوطنية و ضبط شروط إمكانها.
إذا بحثنا عن تعريف عام للدولة الوطنية ، فإنها تبدو ، من زاوية ما ، نقيضا لدولة الإستبداد . غير أن ذلك لا يغنينا عن مواجهة اعتراض خطير مفاده: و هل ينهار معنى الوطنية بغياب الشرط الديمقراطي؟
صدام حسين مثلا كان وطنيا و دكتاتورا في الآن نفسه و الأمر يصدق على بشار الأسد. هؤلاء هم رموز للمقاومة الوطنية التي أبت أن تركع للأمركة و الصهينة .
إن إهمال هذه النقطة الفاصلة يدخل كثيرا من اللخبطة في مستوى المناقشة . صحيح أن الدولة المستبدة قد تعمل لأجل غايات و أهداف وطنية ، كأن تنخرط في معركة الإنفكاك من التبعية و تحرير الثروة ، غير أن الإستبداد لا يؤهلها لكي تجابه التناقضات الحاصلة في مجرى التطور الإجتماعي. إن الإستبداد يتحوّل ، من وجهة النظر هذه ، إلى مشكلة هيكلية لأن الدولة القطرية تدرك أن نظام وجودها الخاص مكوّن بمدركات مفروضة على الوعي المجتمعي.هنا تظهر وظيفة الديمقراطية كأساس لحل هذا التناقض لأن غياب الشرط الديمقراطي يعمّق أزمة الدولة القطرية رغم كونها تشدد على ما هو وطني لتعود لنقطة انطلاقها ، أي بوصفها وجود غير شرعي مناقض لا فقط للوجود االقومي و إنما أيضا للوجود القطري.
هذا الفرق بين الدولة الوطنية و الدولة المستبدة يبلغ ذروته عندما يمتلك الشعب مقدرته الفعلية على ممارسة الثورة ضد الدكتاتورية . من هنا نعتقد أن ثورة 17 ديسمبر تؤلف إحدى الصفات الأكثر ألمعية في تاريخنا العربي المعاصر ، لأنها جسّدت الأصالة الأساسية للنموذج التصوّري لمفهوم الدولة الوطنية( لم أقل العياني) كوجود سياسي يجب أن يحترم المبادئ التالية:
ـــ إستقلالية القرار الوطني
ــ تجذير الديمقراطية التشاركية التي تحترم إرادة الشعب و كرامة المواطن.
ـــ مقاومة الظلم الإجتماعي من خلال تطبيق منوال تنموي يكرّس مبدأ العدالة الإجتماعية.
ـــالحوكمة الرشيدة و مجابهة كل ضروب المحسوبية و استباحة المال العام.
ـــ الوعي بخلفية الإنتماء للوجود القومي العربي و ترجمته في التوجهات السياسية و الإقتصادية و الثقافية .
وفق هذه المبادئ نقر بوجود علاقة وثيقة بين الدولة الوطنية و رهان المصالحة القومية . إلا أنه من الضروري هنا أن نتحدث عن مضمون المصالحة . بمعنى أدق : أي مصالحة نريد؟
تفاعلا مع هذا التساؤل نكتفي بالإشارة إلى الضوابط التالية:
ــ إن المصالحة بما هي ضرورة تاريخية تجعل من الدولة الوطنية كدولة قطرية تناضل لأجل تعزيز انتمائها في محيطها العربي ، إلى الحد الذي يملي عليها أن تضع كل إمكاناتها لأجل انبعاثه.
ــ إن المصالحة تكون ممكنة متى كانت الدول تعبيرا عن إرادة الشعوب . ولن تكون كذلك إلا إذا كانت نظمها ديمقراطية.
ـــ إن المصالحة مسئولية شعبية قبل أن تكون مسئولية أنظمة و دول.
ــ إن المصالحة هي معركة القوى الديمقراطية التقدمية بتياراتها الإيديولوجية و نقاباتها و هيئاتها المدنية و ليست حكرا على تيار سياسي بعينه.
إلى هذا الحد ننتهي إلى نقطتين أساسيتين:
ـــ إن تقويض الدولة القطرية اليوم يكشف عن إرادة تتعجل القفز نحو الفوضى السحيقة حيث تتشكل طبيعة مؤلمة لما دون الدولة القطرية.
ـــ لا يسعنا ، في ظل هذا السياق التاريخي، أن نستبعد مطلقا حقيقة الإعداد للدخول إلى عتبة الحكم وفق نظرة متجهة نحو دمقرطة الدولة القطرية لتغدو دولة وطنية داعمة مرحليا لوجود سياسي عربي موحد.



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمل النقابي و سلطة الوساطة: قوة كلمة أم قوة نضال؟
- العمل النقابي و التحزب: تسامح أم تنافس؟
- القوى الناصرية : مستلزمات البناء و مهام عاجلة
- حرب اليمن و الغموض الإستراتيجي
- التقاطعية و جسر الهويّات
- شقوة مخبّأة في قفا خربشة جريئة
- هابرماس و اجتراح مكانة لسوسيولوجيا ذات معنى
- يمنيّ حانق أنا
- الإرهاب و استدرارالطاعة بين - إدارة التوحّش - أو الهيمنة و - ...
- من قانون الدول إلى قانون الشعوب، جون رولز نموذجا
- هجوم باردو بين المنطق و اللامنطق
- الاغتيال السياسي : تنظيم داخل التنظيم
- أضواء ساطعة حول الإغتيال السياسي: الرفيق شكري بلعيد و الأخ م ...
- قتل بإستيطيقا غامظة
- حيز يقطن فيه الأمل : تبيئة للفضاء العمومي الهابرماسي
- إلي أيقونة القلب: فلسطين
- احتمالات معاكسة لليقين و اللايقين
- تفجير الحداثة من الداخل : نقد لها أم تضحية بالحداثة؟
- هو ذا طريقنا
- الحداثة المعطوبة بعيون هابرماسية و الدور الملهم للإرث الديني ...


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - الدولة الوطنية و المصالحة القومية