وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 15:43
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقالتي هذه تقوم بالتعريف بملامح سريعة جدا بكتاب الباحث( محمد مجيد بلال ) في كتابه الجديد والهام جدا والمعنون :
(الاسلام المبكر في التواريخ السريانية : دراسة مقارنة بين تاريخ الطبري وتاريخ ميخائيل الكبير ) – ط 1 – 2015 –دار الرافدين – بيروت .
( الكبير , ميخائيل الكبير (595 هجرية – 1199 م ) , تاريخ ميخائيل الكبير , ترجمه من السريانية الى العربية في اقدم الترجمات ( شمعون صليبا ).
يتناول هذا التاريخ الاحداث المدنية والكنسية منذ بدء الخليقة وحتى عام 1195 م وذلك في 21 كتابا , ليس من مقدمته سوى موجز بالارمنية مع ذكر للمصادر التي استخدمها . والذي يخص الدراسة هو الكتاب الحادي عشر الذي خصه ميخائيل الكبير بعصر صدر الاسلام والعصر الاموي يصلح مصدرا لمؤرخي هذا العصر , فان ميخائيل مؤرخ متاخر جمع في تاريخه خلاصة ماكتبه المؤرخون قبله ممن عاصروا العصر الاسلامي وكتبوا عنه كشهود عيان ويلاحظ في تاريخ ميخائيل الكبير اهتمامه في تدوين الفتوحات وعدم ذكره النواحي الحضارية والسياسية .
( 1 ) :
ولد ميخائيل في ملطية وهي بلدة تقع قرب نهر الفرات في تركيا في شرقها . سكانها خليط من الكرد والترك . وكانت معروفة لدى الاكديين واصبحت مركزا مهما للمسيحيين منذ القرن السادس , وخصوصا بعد تحول مركز الكنيسة السريانية الارثوذكسية في القرن العاشر .
كانت ولادة ميخائيل الكبير عام 1126 م وكان والده ايليا احد قساوسة ملطية من عائلة قنداسي , فيما كان عمه اثناسيوس زكي المتوفى في العام 1166 م مطرانا لعين زربة .
لقب بالكبير وبالسرياني , ويعرف كذلك ب (ميخائيل العظيم) . وهو احد اهم بطاركة الكنيسةالسريانية الارثوذكسية في العصور الوسطى . لقب بالكبير تمييزا له عن ابن اخيه ميخائيل الصغير وهو يشوع شفتانا , اي يشوع ذو الشفتين الكبيرتين الذي تولى كرسي البطريركية في ملطية من 1199 م الى 1215 م بعد اثناسيوس الذي خلف عمه .
لكن يذهب صليبا شمعون الى ان ميخائيل الكبير لقب بهذا اللقب للاعمال الخطرة التي اداها خلال خدمته .
كان ميخائيل قبل رسامته بطرياركا , راهبا في دير برصوما بالقرب من ملطيا . وقد قرر المجمع المقدس اختيار ميخائيل بطريركا للكرسي الرسولي في 18 ت1 1166م . وقد القى ابن الصليبي خطبة في احتفال رسامة ميخائيل .
لديه اعمال كثيرة في التاليف , منها في التاليف الكنسي وفي الجدل وفي التاريخ .
توفي ميخائيل في 7 ت2 1199 م بعد ان جلس على كرسي البطرياركية ثلاثة وثلاثين عاما وعشرين يوما عن عمر قارب 73عاما . دفن في كنيسة دير برصوما الجديدة في مقبرة بناها لنفسه . وقد وصفه العلامة ملفان المشرق ( ابن العبري )بانه كان رجلا عظيما , عالما باكتب المقدسة , ذا هيكل ضخم ووجه مليح وصوت واضح عذب .
( 2 ) :
من المعلوم ان التاريخ الاسلامي قد تعرض للتشويه وللحرق في مسيرته الاولى , تمثل ذلك مثلا في حرق واتلاف النسخة الشامية من السيرةالنبوية والتي دونت في زمن الامويين والتي احرقها العباسيون بحسب الباحث الفلسطيني الدكتور سليمان بشير في كتابه( مقدمة في التاريخ الاخر )
مقالتنا ( نحو قراءة جديدة للرواية الاسلامية )وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=323763
او ان التاريخ الاسلامي لم يكتب بايدي المسلمين , كما يذكر ذلك ناشر الكتاب في مقدمته ,الا ان هناك حقيقة اساسية يؤكد عليها ناشر الكتاب وهي (بان للسريان فضل واهمية في تدوين التاريخ الاسلامي , والباحث هنا يدافع في مكان ما عن هذه التواريخ و واحيانا يشكك فيها في مواضع او نقولات معينة ).
ويكتب الباحث محمد مجيد بلال في مقدمته التعريفية لكتابه على فضل السريان على الحضارة الاسلامية . ويقول في تعريفه للسريان في كتابه انهم (اعضاء كنيسة انطاكية السريانية الارثوذكسية , السلالة المباشرةلاجدادهم , السكان الاصليين لبلاد سوريا ولبنان وفلسطين واسيا الوسطى ومابين النهرين العليا والسفلى , اي العراق .
كانت لغتهم الارامية السريانية لغة سوريا القديمة التي تكلمها السيد المسيح. وهي اللغة التي كانت مهيمنةعلى تلك المنطقة حتى ظهور الاسلام . وقد استعملت القبائل العربية الى جانب لغتها العربية , اللغة السريانية في الطقس الكنسي . والى جانب هاتين اللغتين , كانت هناك اللغة اليونانية , اللغة الرسمية للدولة البيزنطية المحتلة لتلك البلاد .
لقد ادت النزاعات في الكنيسة المسيحية الى اضطهاد المسيحيين في المشرق وخلقت روح الكراهية والنفور في قلوب السريان تجاه السلطة البيزنطية . كما ان السلطة الفارسية اضطهدت المسيحيين كذلك . لذا يقول الباحث محمد مجيد بلال :
( فالسريان سواء اكانوا تحت الحكم البيزنطي ام الفارسي , استقبلوا العرب المسلمين الفاتحين كمحررين , وكانت امالهم كبيرة بالتخلص من نير المحتلين الفرس والبيزنطيين و ليس من محنتهم الدينية فحسب , بل ايضا من الضرائب الباهظة التي وضعت على كاهلهم , فقالوا: (نحمد الله الذي خلصنا من حكم البيزنطيين الظالمين وجعلنا تحت حكم العرب المسلمين العادلين ) (المخلصي : شهداء الفرس ص 13 – 15 ).
بعد ان حارب السريان الى جنب العرب المسلمين مع المحافظة على مسيحيتهم وحرروا البلاد من المحتلين , شاركوا في توطيد اركان الدولة الجديدة في مختلف ميادين العلوم والفكر والحضارة . واول من نال القرب لديهم عند الفتح العربي الاسلامي هو منصور بن يوحنا السرياني , الذي اصبح وزيرا للمالية في عهد الخلفاء الراشدين . اما ابنه سرجون , وحفيده يوحنا المشهور بالقديس يوحنا الدمشقي (749) فقد توليا ديوان الاعمال والجبايات في عهد الخلفاء الامويين .
وقد ولى الخليفة عبد الملك بن مروان ( 685 – 705 م ) اثناسيوس برجوميا السرياني الرهاوي الادارة المالية في مصر . وكتب الخليفة مروان (744 – 750 ) فرمانا سنة 746 للبطريرك ايونيس الرابع(740 – 755 م ) يخوله الولاية على جميع شؤون الكنيسة ( البيعة ) .
ومنذ ذلك الوقت , سرت تلك العادة . ومن الامور المهمة , ترجمة الانجيل المقدس من السريانية الى العربية بناء على طلب الامير عمير بن سعد بن ابي وقاص امير الجزيرة الذي اشترط على البطريرك ان يستثني من الترجمة كل مايختص بلاهوت المسيح وصلبه, والمعمودية . فاجابه البطريرك :
(معاذ الله ان احذف او ازيد حرفا واحدا من الانجيل المقدس , ولو صوبت نحوي كل حراب جيوشك واسنتها ).
فاعجب الامير من بسالته , وفوضه بالترجمة . وفي عهد الخلفاء الامويين ذاع صيت الشاعر الاخطل وهو تغلبي من ابناء الكنيسة السريانية الارثوذكسية . ونال حظوة لدى الخلفاء الامويين . حتى ان الخليفة عبد الملك بن مروان (685 – 705م ) لدى سماعه قصيدة (خف القطين ) التي يمدحه الاخطل فيها قال له :
( ويحك يااخطل , اتريد ان اكتب الى الافاق انك اشعر العرب ؟ ) , قال : ( اكتفي بقول امير المؤمنين ) .
لقد قام الباحث محمد مجيد بلال بدراسة اهم مؤلفين من كتب السريان والمسلمين هما : (تاريخ الرسل والملوك )للطبري , وتاريخ ميخائيل الكبير للبطريرك ميخائيل الكبير السرياني . والجزء الذي قام بدراسته الباحث هو الجزء الخاص بعصر صدر الاسلام والعصر الاموي . ويضيف الباحث ان ميخائيل الكبير لم يضف مادة جديدة , لكن الذي اختلف هو النظر في تلك المادة بعد جمعها , نظرة فاحصة منقبة , ناقدة و متعمقة .
ان ميخائيل الكبير يورد الاحداث متسلسلة متتابعة وفق الترتيب الزمني من دون ان يعتمد على روايات كثيرة متعارضة تجهد القاريء ولا تنتهي به الى وضع ثابت .
ان السريان ارسخ قدما في تدوين التاريخ . ان المدونات الاسلاميةعانت من مشكلة اساسية هي اعتمادها على روايات شفاهية تم تدوينها بعد اكثر من قرنين من زمن وقوعها , وهو ماخلق بعض الاضطراب في تسلسل الاحداث .
ان السريان كانوا شهود عيان على هذه الاحداث ووثقوها في كتب التاريخ التي كانوا يكتبونها . كما يلاحظ ان الروايات السريانية شكلت مصدرا مهما لكثير من المؤرخين العرب المسلمين . ولعل التاثيرات السريانية واضحة في تاريخ الطبري وكذلك في مؤلفات المسعودي .
يتبع ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟