وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4733 - 2015 / 2 / 27 - 10:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ذاكرة الانسان والوعي والروح !
الانسان يمثل وحدة شاملة لايمكن تقسيمه الى اجزاء منفصلة ..
يختزن الانسان في ذاكرته هويته الشخصية والوعي الجمعي ..
مقالة قد لاتعجب المتطرفين من الماديين..
وقد لاتعجب بعض المؤمنين ايضا ..
تشكل الذاكرة مع الوعي سمة رئيسية من سمات الشخصية الانسانية .فنحن لايمكننا ان نقوم بتجزئة الانسان الى اجزاء منفصلة ,عقل , نفس ,روح,ذاكرة,وعي ,مخيال ..
فعقل الانسان ووعيه يحتوي على سمات الشخصية ومخزون الذاكرة والعواطف والاحاسيس والمشاعر والقدرة على التخيل , اي مانسميه بالهوية الشخصية.
اذا فقد شخص ما قدرته على تذكر تجاربه وماضيه يكون قد فقد هويته تماما . وهو نفس ماحدث نتيجة للاحتلال الامريكي للعراق في نيسان 2003 حيث تم سرقة موجودات المتحف العراقي وتدمير الاثار العراقية وسارت سرف الدبابات الامريكية على تربة مدينة بابل القديمة .وتم حرق وسرقة ارشيف الاذاعة والتلفزيزن وكل الارشيف الثقافي العراقي وسرقة وحرق الوزارات العراقية .
اصبح العراق بلا(هوية ) تجمع العراقيين حولها ,بالاضافة الى الانقسام الطائفي والعرقي – القومي , والعشائري والمناطقي .
من خلال الذاكرة نشعر بهويتنا وبالترابط وبالتكامل بين الجسد والدماغ والعقل والنفس والروح والذاكرة .
يقول ( بول دافيز ) في كتابه(الله والفيزياء الحديثة) – ترجمة هالة العوري – ط1 – 2013 – صفحات للنشر والتوزيع – سورية – دمشق :
( لنفترض ان رجلا زعم انه تناسخ كنابليون ,وان لم يكن يشبهه ,فستبقى الذاكرة المعيار الوحيد للحكم على ادعائه ).
قال بول دافيز .. لنفترض ان صديقا قام بجراحة ولم يعد مميزا تماما , فكيف لنا ان نعرف انه الشخص ذاته , اذا روى لنا حقائق حول حياته المبكرة ؟
نميل الى تصديقه والقول انه نفس الشخص . ولكن في حال ازالت الجراحة جزءا كبيرا من ذاكرته او دمرتها , فالحكم على هويته يصبح اقل ثقة بكثير . فان لم يكن لديه ذاكرة بالمرة ينتفي الاساس بالقول بان الرجل الذي امامنا هو صديقنا رغم بقاء بعض سماته الجسدية .
اما كاتب المقال فيطرح التساؤل التالي :
اذا تم اجراء عملية جراحية تم فيها استبدال راس انسان تالف المخ براس انسان اخر فماذا ستكون هوية الانسان الجديد الهجين ؟ وماهي المشكلات الحقوقية والقانونية والشرعية المترتبة على ذلك ؟ وهل سيبقى هو نفس الشخص ؟
اما الروح فلا يمكننا الحديث عنها على طريقة علماء اللاهوت, بحسب كاتب المقال , فهي لايمكن تحديدها باطار جغرافي وزماني وبشكل محدد وبصفات محددة .الروح هي شخصية غير واضحة تماما للهوية الانسانية وللوعي الانساني وللذاكرة الانسانية , وهي تسكن في عالم نظرية الكم وليس في عالمنا او عالم الالهة وسماء الديانات .
ان الروح هي الوجه الاخر للمادة ولجسد وذاكرةوهوية الانسان , اي هوية وذاكرة الانسان في العالم المنطوي الكائن في التركيب دون الذري ,عالم نظرية الكم .
يثير بول دافيز مزيدا من التساؤلات حول الروح :
( اذا كانت الروح تعتمد على الدماغ كمخزن للذاكرة , فكيف يمكنها تذكر اي شيء بعد موت الجسد ؟ام علينا افتراض ان الروح نوع من اللامادة تدعم نظام الذاكرة , وتعمل في موازاة الدماغ ).
ان الوعي الانساني يتسق مع علم الانسان بوعيه لذاته . قال جون لوك 1690 انه من المستحيل لاي شيء ان يدرك دون ادراك انه يدرك .
يقول ج .آر . لوكس ( فيلسوف اكسفورد )..
( ان القول بان الكائن الواعي يعلم شيئا ما فنحن لانقول هنا انه يعلم فحسب بل انه يعلم بانه يعلم هذا , وبانه يعلم انه يعلم هذا . وتنشا مفارقات الوعي لان الكائن المدرك يمكنه ان يعي نفسه واشياء اخرى كذلك . ولهذا لايمكن تفسيره في الحقيقة ككائن يقبل القسمة الى اجزاء ).
لهذا كانت غلطة الكنيسة المسيحية منذ انعقاد اول المجامع الكنسية انها فصلت بين الجسد والروح والنفس والعقل , وتحدثت عن الانسان والمسيح ككائن منقسم ومنفصل الى اجزاء ولم ينظروا الى وحدة الانسان الكلية الشاملة والتي لاتتجزا .لذا فان العقل مفهوم شمولي لايمكن اختزاله , وليس بمقدورنا فهم العقل بالعودة الى مكوناته الذرية .
من الواضح ان خاصية وعي الذات شمولية بامتياز ,ولا يمكن ان تنسب الى آليات كهرو كيميائية في الدماغ .. ان محاولات فصل الدماغ عن العقل , الجسدعن الروح يعد بمثابة ارباك , وهو محاولة لفصل هذه المستويات المختلفة بعضها عن بعض او مايسمى ب (تشابك التراتبية ) وفقا لتعبير هو فستاتر , لان تشابك المستويات هو مايجعلك انت .. انت .
وقد قطعت العقيدة المسيحية حاليا شوطا كبيرا لدمج العقل مع الدماغ مع تاكيدها على القيامة من خلال المسيح . وليس عبر فكرتها التقليدية بالحديث عن روح خالدة فحسب .
يزعم هوفستاتر انه عبر دمج درجة معينة من مرجعية الذات وبرمجتها في الحاسوب سيبدا الحاسوب في التصرف معتقدا امتلاكه ارادة حرة .
ان برمجة الدماغ بالحاسوب لايقلل من قيمة العقل الانساني اطلاقا . ان التاكيد على ان الدماغ هو دوائر الكترونية وتفاعلات كيميائية ينكر حقيقة تفرد الدماغ بالعواطف والاحاسيس وقدرته على التخيل التي لايستطيعها الحاسوب . كما ان الزعم بالطبيعة الحتمية لنشاط الدماغ يجعل من الارادة الحرة مجرد وهم .
اذا تصورنا ان الدماغ قد زرع في جسد آخر , فهل يمكننا القول بان لديه جسدا جديدا ؟ وهل يمكن اعتباره انه نفس الشخص وان بجسد مختلف ؟.ولكن ماهو الحال لو ان ذاكرته قد ازيلت تماما اثناء عملية جراحية ؟..
ايمنحنا ذلك اي احساس باعتبار الفرد الجديد هو نفسه ؟
لقد كتب كثيرا حول اصحاب الشخصية المتعددة المصاحبة للاضطراب العقلي , وكذلك حول حالات مرضية بسبب قطع الاتصال بين نصفي كرة الدماغ . ورغم ان بعض هذه الافكار يبدو مخيفا , لكنها تبقى مشبعة بالامل بان للخلود معنى علميا , اي بقاء النظام داخل الدماغ وليس الدماغ نفسه .وربما تمثل ذاكرة الانسان ارشيف الانسان الخاص به وهي هويته الشخصية . ولا يستبعد انها تكون محفوظة في عالم الكم .
تم الموضوع ..
هذه السلسلة من المقالات ( الله والكون في الفيزياء الحديثة ) ستبقى مفتوحة على الابدية ولن تغلق ابدا ...
مقالات ذات صلة :
مقالتنا(الله والكون في الفيزياء الحديثة – ج 2 )وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=455956
مقالتنا(الله والكون في الفيزياء الحديثة- ج1 ) وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=453881
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟