الحرية والتجربة الدينية وأشتراطات الطبيعة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 21 - 23:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

لا الدين له القوة والقدرة على مزاحمة ما هو طبيعي كالحرية والانتماء الوجودي للحياة ولا الحرية تستطيع أن تنتزع من الإنسان حسه الديني تحت أي عنوان لأنه أيضا عنصر طبيعي وتكويني ابتدائي في الإنسان ,الطبيعة وحدها هي التي تستطيع من خلال فهم قانون الأختيار الحر للفيم أن تمنح حدود متكافئة ومتساوية لكل العناصر التي تشترك في تأثيراتها على الوجود الإنساني الحسي والعقلي, وبالتالي فإن تصور المزاحمة بين هذه القيم التكوينية مجرد وهم وإنعكاس لفشل الإنسان في تتبع العلل والكشف عن أسيات التحريف والتضليل .
هذا الفشل مرده كما قلنا أما فهم غير صحيج لجوهر ومعاني وقصديات الحرية كمناط إنساني سلوكي وأعتقادي أو فهم غير كامل ولا تام لمعنى الدين وفلسفته العامة أو كلاهما معا أو الخلط الغير واع بين حدودهما أو المزج بين الإثنين في محاولة للتوفيق بهما وتجسيد صورة واحدة تسمى الدين الحر أو الحرية المتدينة ,طبعا هذا غير ممكن ولا يجوز أن نخلط ونمزج بين قيم ومكونات وجودية تسيطر على عالم الإنسان من أجل أختصارها بمحدد جديد ,لكون هذا الجديد غير طبيعي وغير قابل لأن يتحول طبيعيا بفعل أن المنتج الجديد ليس كليا بمعنى أنه نتاج كامل الوجود الإنساني وإنما يبقى وجهة نظر أو منتج لمجموعة من الناس يقبل به البعض ولا يقبل به أخرون .
هذا الفهم هو جوهر رسالة النبوة عندما يبعث الله نبي للناس كافة وبهم يخاطب الناس كافة ولأجلهم قال يا أيها الإنسان أراد أن يبين أن الدين قيمة عامة وكلية لا تستثني أحدا من الدعوة كما لا تطلب من الكل أن يكونوا واحدا ولو أنه قادر على أن يجعله كذلك , هنا فرق الله بالنبوة بين كونها رسالة عامة مجردة وبين الحرية كونها وضع طبيعي سابق ولكن أستخدم الحرية مجالا للدعوة ومن خلال كلية الحرية البشرية خاطب الإنسان المجرد كقيمة وجودية قابلة للتواصل والتفاعل ولم يخاطبة من جهة كونه خالق ومخلوق أو حق وواجب ومسئولية مخلوق ,بل قال من شاء فليؤمن ... وألحق ذلك بتذكير بالنتائج فقط ,هذا التذكير ليس قهرا وإلجاء بل تطبيق لمبدأ تذكر مسئولية الحرية أنها لا يمكن تصورها حالة مرتبطة بطرف من جهة والاخر سائب , الحرية حالة إنشداد بين الواقع والإنسان .
النبوة طريق أستثنائي ولكنه أصيل من طرق تواصل السماء مع الإنسان وجسرا من جسور الإنقاذ التي يمدها الله للبشر حينما تكون هناك دواع ومبررات قوية لا يمكن أن يشغلها أو ينوب عنها طريق أخر ,فهي خيار نهائي أو أخر الخيارات المتبقية لتصحيح خلل ما في البنية الوجودية للبشر أو تنبيه لأمر يحتاج تدخل بحجم عظمة الله ,هنا يمكننا أن نبدأ ومن خلال هذه الصلة أننا ككون متعدد الأرتباطات بحاجة إلى أنتباه وبحاجة إلى التدقيق من ضرورة الأمر القادم إلينا عبر النبوة أو الرسالة .
في لحظة الوقوف على أعتاب مرحلة النبوة والتي تبدأ مقدماتها الطبيعية منذ أمد بعيد قد يسبق حتى وجود المبعوث أو المرسل تتكون معطيات النبوة والتي تتمثل عادة بأركان ومراحل وأوليات ومقدمات جميعها أما تشير لضرورة البعث أو تمهد الطريق للبعث ويمكن لنا من خلال دراسة تأريخ الأنبياء أن نؤكد أن البشارات التي يروج البعض بوجودها أو سق معرفتهم بها ليست بالضرورة من النصوص الربانية أو من أخبار السماء , ولكن قلة من العقول الإنسانية تستطلع وتقرأ ما بين سطور الواقع ما هو أت .
إذن هناك حس وتجربة وقياسات منطقية وعقلية تشير لولادة اللحظات الكبرى والتبدلات الكونية المصاحبة والممدة للنبوة والرسالة مما في واقع الحياة الإجتماعية من سيرورة وتجربة وممارسة عقلية تسبق الحدث وتتوقعه بوعي وحس أستشرافي شديد التحسس تجاه نوعية العلاقات البينية داخل المجتمعات وأتجاهاتها العامة , ومنها يمكن أن نؤشر أن المجتمع هذا أو ذاك مقبل على تغيير ديناميكي أو مجرد حركة بينية ستهدأ وتنصلح مع توفر الإستجابة لبعض شروط الواقع .

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل