الإبادة الأرمنية في الدولة العثمانية 1915-1916

عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4754 - 2015 / 3 / 20 - 08:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

عن سلسلة لجنة مئوية الإبادة الأرمنية ، يكتب الدكتور محمد رفعت الإمام كتيبه الذي يحمل رقم "4" ضمن سلسلة الإصدارات التي يكتبها بمناسبة ذكري مئوية الإبادة الأرمنية.
وتكشف الدراسة عن برنامج الإبادة الذي انتهجه الاتحاديون ضد الأرمن ، والقضاء علي أي تواجد أرمني ، سواء بالنفي أو بالإبادة.
أصبح الاتحاديون القوة المسيطرة علي الدولة العثمانية ، ولزم عليهم العمل علي إنقاذ وحدة دولتهم المهددة. فلذا ، اتبعوا سياسةً عرقيةً انتهجت فيها سياسة عثمنة ثقافية ، لم تُثمر إلا عن استثارة السخط لدي القوميات الأخري في الدولة العثمانية.
وعندما اندلعت الحرب البلقانية (1912-1913)، أمرت الدولة العثمانية بتجنيد الأرمن في جيوشها لأول مرة ، وشكلت منهم وحدة خاصة وزعتها علي الجبهات الحربية . ولم يعارض الأرمن هذا ، بل وجدوها فرصة لإثبات ولائهم للدولة العثمانية ، ومن ثم تحقيق مطالبهم.
في ذات الوقت، سعي الاتحاديون للبحث عن بنية جديدة ومتجانسة للدولة التركية عوضًا عن الدولة العثمانية متعددة الأعراق ، إلي أن تحمست بشدة للقومية لتكون أحد دعامات النجاة النادرة التي يمكن التشبث بها.
وإزاء التطورات الدولية المتلاحقة ، طالب الأرمن بعض الإصلاحات في الولايات الأرمنية ولم يطلبوا انفصال أرمينية الغربية عن الدولة العثمانية.
انزعج الأتراك من بعض الإصلاحات التي رأوا فيها حكمًا ذاتيًا تدريجيًا ربما يُفضي إلي استقلال نهائي علي نحو ما حدث في البلقان، ومن ناحية أخري ، راحت الدولة العثمانية تستطلع سرًا اتجاهات ممثلي قومياتها المتباينة في حال دخولها حرب البلقان.
ووعد الاتحاديون الأرمن بدولة أرمنية مستقلة تضم أرمينية الشرقية وولايات أرضروم وڤ-;-ان وپيتليس، نظير تحريض حزب الطاشناق للأرمن في أرمينية الشرقية ( الروسية) بالثورة فيها بهدف تسهيل دخول القوات العثمانية إلي ما وراء القوقاز.
ألقي الاتحاديون بتبعة هزيمتهم في حرب البلقان علي الأرمن ، فقد استغل الاتحاديون وجود الأرمن المتطوعين في الجيش الروسي، واتهموا الأرمن العثمانيين بالخيانة العظمي لأنهم لم يتطوعوا في الجيش العثماني، ولم يتعاطفوا مع الدولة العثمانية بل انضم بعضهم إلي الجيش الروسي.
أفضت هذه المقدمات إلي اتخاذ السلطات العثمانية قرار إبادة الأرمن خلال فبراير 1915 في سرية تامة ، وكان الولاة والضباط الاتحاديون المحليون قد أبلغوا شفهيا أو برقيا بالمهمات المنوطة بهم ، بينما وقعت مهمة تنفيذ الخطة علي عواتق الدرك والعصابات والتشكيلات المخصوصة ، ولم يكن الجيش متورطا فيها بشكل مباشر.
بدأت عمليات نفي الأرمن منذ أوائل أبريل 1915 من ژيتون بعيدا عن الجبهة القوقازية : جبهة الحرب، واعتبر جودت بك أن ما حدث في زيتون من تمرد إيذانا بعصيان مسلح كانت الأستانة تنتظره أكثر من شهرين.
أُعد المسرح لحل القضية الأرمنية نهائيا . ففي مساء 24 أبريل 1915، اعتقلت السلطات الاتحادية أكثر من مائتي أرمني واقتيدوا بعيدًا عن منازلهم ليلاً ثم قُتلوا.
نفذت الأستانة برنامج الإبادة علي مرحلتين :أولاً ، قتل كل الرجال الأكفاء ، ثم ثانيًا ، نفي بقية الأرمن. بيد أن النفي لم يكن سوي الفصل الثاني من برنامج الإبادة.
وعمل الاتحاديون علي نقل أرمن الولايات الشرقية علي نحو منتظم إلي منطقة النفي جنوبا ، ويتضح أنه خلال الفترة الممتدى بين مايو – يولية 1915 ، كان جميع أرمن الولايات الشرقية قد اختفوا (1.200.000نسمة) من منظقة كانت مركز أرمينية التاريخية.
ولم يقتصر برنامج النفي والإبادة علي أرمن الولايات الشرقية ، بل امتد ليشمل غرب الأناضول وقيليقية ونظمت السلطات العثمانية لهم عمليات نفي حقيقية.
أيضا ، امتدت عمليات النفي إلي ولاية حلب العربية ، لكن واليها قد تمكن من إنقاذ الأرمن حتي يولية 1915 .
ويكشف الحصاد الإبادي عن قطع الناجين مسافات تجاوزت ألف كيلو متر مربع سيرًا علي أقدامهم . تركتهم الحكومة العثمانية لمصيرهم المحتوم ، فتقلصت أعدادهم بصورة كبيرة .
وبتقدير منطقي ، يمكن الافتراض بأنه من أصل "2.100.000 نسمة" أرمني في الدولة العثمانية، لم ينج سوي "600" ألف وقتل" 700" ألف في الولايات الشرقية واختفي "600" ألف أثناء مسيرات النفي ، وخضع "200" ألف للتتريك.
نجح الاتحاديون تماما في تصفية الأرمن أراضيهم التاريخية التي قطنوها منذ ماينيف علي ثلاثة آلاف سنة. ويكمن أساس هذه المسألة في تبني الاتحاديين المتعصبين قومية متطرفة ،وليس في خيانة الأرمن كما ادعت السلطات العثمانية.
وهكذا ، ارتكب الاتحاديون أول إبادة جنس جماعية في القرن العشرين باغتيالهم أمة الأرمن مع سبق الإصرار والترصد .. وفي غرة يناير 1917، انهت الحكومة العثمانية القضية الأرمنية رسميا ، وأبطلت المادة"61" من معاهدة برلين 1878 مدعيةً بأنها عقيمة لا جدوي منها ؛ إذ لم يعد ثمة وجود للأرمن في الدولة العثمانية.

#عطا_درغام (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات