أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عطا درغام - الأرمن العثمانيون (1461-1909)-2















المزيد.....

الأرمن العثمانيون (1461-1909)-2


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4679 - 2015 / 1 / 1 - 23:49
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


عندما انهارت بنية الدولة العثمانية إداريا وعسكريا وماليا تحت وطأة الفساد الداخلي والتحديات الخارجية إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تعالت أصوات بعض العثمانيين الاحرار بأن استمرار دولتهم منوط بالإصلاح مما تمخض عنه ما عرف بالتنظيمات (1839-1876). وفي هذا الإطار، أصدر السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861) خطي "كلخانة" في 3 نوفمبر 1839 و"همايوني" في 18 فبراير 1856 وبمقتضاهما : كفل أمن الرعايا المسيحيين وحيواتهم وأعراضهم وملكياتهم. وألغي ضريبة القرعة العسكرية وأصبح المسيحيون مؤهلين لخدمة العسكرية( لكن مع حرية شراء الإعفاءات)، وفتح الوظائف المدنية أمام جميع الرعايا. وكبح جماح السلطة الدينية لرؤساء الملل علي نحو صارم.
ورغم الضجيج الذي ثار حول التنظيمات، فإنها عمليا لم تؤد إلي أي تحسين في الحياة اليومية للعوام خاصة الريفيين الذين لم يستفيدوا منها. بيد أن المراكز الحضرية الرئيسية قد استفادت فقط من هذه التنظيمات. وفعليا ، لم تحسن عقود التنظيمات أحوال الأرمن الغربيين ، بل زادتها سوءا. إذ امتعض الحكام الأتراك والأكراد من أي تدخل للعاصمة وشعروا أن التنظيمات قد هددت سيطرتهم علي القرويين المسلمين والأرمن التابعين لهم. ومن ناحية أخري، شجعت التنظيمات رؤساء القري الأرمنية ورجال الكنيسة في الأقاليم علي إرسال مظالمهم إلي الأستانة بغية إصلاح الأوضاع. ولهذا عهدت الحكومة المركزية للحكام من الأغاوات والبكوات والباشاوات للتحقيق في مظالم الأرمن مما عرضهم لثأر الحكام. ونجم عن هذا ، إزاحة الأرمن بعيدا عن أراضيهم، وتزايد عدد الذين فقدوا أراضيهم وهاجروا إلي المدن بشكل ملحوظ بعد عام 1856. أما أكثر الذين بقوا فيمكن وصفهم بمثابة رقيق أو أقنان.
ورغم هذا ، كان الأرمن أشد الشعوب المسيحية في الدولة العثمانية إخلاصا في خدمتها وآخرها في التحول عن الولاء لها. فلا غرو أن أطلق عليهم لقب " الملة الصادقة".
بيد أن صمة عوامل قد غيرت من سلوك الملة الصادقة . باديء ذي بدء، بحلول القرن التاسع عشر نجم عن التغييرات السياسية – الاجتماعية التي دعا إليها المتنورون والثورة الفرنسية (1789 ) في الدولة العثمانية إدخال الصحافة ووصول الخبراء التجاريين والفنيين الأوربيين . وكانت الأقليات المسيحية ، وعلي رأسها الأرمن ، اول المستفيدين من هذه التغييرات.
وأيضا ، تدخل الدول الكبري لا سيما روسيا القيصرية في الشئون الداخلية للدولة العثمانية. فقد سعت روسيا إلي كسب أراض عثمانية لمد إمبراطوريتها إلي المياه الدافئة في البحر المتوسط . لهذا، عملت علي تقويض القوة العثمانية من الداخل بإثارة الطموحات القومية لدي رعايا السلطان المسيحيين : اليونانيون والسلاف في البلقان والأرمن في الاناضول.
وكذا، تعد النهضة الفكرية عاملا قويا في اليقظة الأرمنية. كان المخيتاريون أول من أقاموا الاتصال الحقيقي بين الأرمن وأوربا في العصور الحديثة. فقد اهتم المخيتاريون كثيرا بحفظ الثقافة الأرمنية، وإحياء دراسة التاريخ الأرمني واللغة الأرمنية وفقهها. كما ترجموا الكلسيكيات الاوربية إلي اللغة الأرمنية وكتبوا أعمالا تاريخية ولغوية وأدبية ودينية معتمدين علي المصادر الأصلية باللغتين اللاتينية واليونانية وغيرهما. وجدير بالذكر ان المخيتاريين لم يمكنوا أوربا أن تطلع علي الماضي الأرمني فحسب، ولكن أعمالهم قد وجهت الفكر الغربي شطر الأرمن بالدولتين العثمانية والروسية، وقامت بدور رئيسي في صياغة النهضة الثقافية الأرمنية خلال القرن التاسع عشر.
كذلك، قام التعليم بدور رئيسي في اليقظة الأرمنية . ثمة عدد ضئيل من المدارس الابتدائية كانت قد افتتحت في الأستانة بين عامي 1790-1800 . ثم تأسست مدارس البنات بعد عام 1820. ولكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كان بالأستانة وحدها –إثر التنظيمات – مكا يقرب من "5000" تلميذ وتلميذة من الأرمن الذين يذهبون إلي حوالي "40" مدرسة. وقد ساعدت الضرائب المفروضة علي الأرمن هذه المدارس التي كانت مجانية تقريبا . ومكنت حوالي "24" طالبا من الحصول علي منح دراسية في فرنسا سنويا. وعند عودة هؤلاء الخريجين كانوا ينشرون الأفكار الحديثة عن طرق التدريس والتأليف وإصدار الصحف.
كما قامت الطباعة والصحافة بدور حاسم في اليقظة الأرمنية. ففي عام 1812 أصدر الأرمن "رقيب بيزنطة" بالأستانة ، ثم أسسوا "14" دورية بالعاصمة العثمانية – نتيجة التنظيمات – بين عامي 1840-1866 . من أهمها :" ماسيس"( جبل آراراد" و"هايرنيك"( الوطن). وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قامت هذه الدوريات- التي أصبح بعضها يوميا – بدور رئيسي في اليقظة السياسية لدي جموع الأرمن القاطنين بالأناضول.
ثمة قوي أخري أدت إلي إيقاظ الروح الأرمنية تتمثل في ضغط الإرساليات التبشيرية الغربية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر مما أسفر عن تأسيس ملة أرمنية كاثوليكية مستقلة في 24 مايو 1831 وأخري بروتستانتية في 27 نوفمبر 1850. وقد منح تأسيس هذه الملل للأرمن الكاثوليك والبروتستانت فرصا كي يواصلوا تعليمهم العالي في وطنهم الأم او بالخارج، وأن يسافروا إلي أوربا والولايات المتحدة . ناهيك عن تمتعهم بالحماية الدبلوماسية من نظائرهم الأوربيين والأمريكيين.
كما أثرت هذه النشاطات التبشيرية تعليميا وثقافيا وإداريا في الملة الأرمنية.إذ تزايدت الحاجة إلي المدارس العليا داخل الملة الأرمنية لمقاومة المؤسسات التعليمية البروتستانتية. وأصبح طلاب أرمن كثيرون منذ منتصف القرن التاسع عشر علي علاقة وطيدة بالحياة الغربية وفكرها من خلال مختلف المؤسسات التعليمية لا سيما الفرنسية. وقد قامت مجموعة من هؤلاء الشباب ممن لديهم معرفة علمية وأفكار من الديمقراطية في أعقاب عودتهم بصياغة نظامنامة الملة الأرمنية؛أي الدستور الأهلي الأرمني في عام 1860 وصدقت عليه الحكومة العثمانية في 30 مارس 1863.
تلك، هي أهم العوامل التي غيرت المجتمع الأرمني وجعلته أخيرا يمتلك أدوات بدء إحياء سياسي بعد خمسة قرون من سقوط آخر مملكة أرمنية مستقلة في عام 1375.
بيد أن هناك أسبابا جعلت الأرمن هم فقط الملة المسيحية الكبيرة علي الرغم من انتعاشها ثقافيا لم تطالب بحكم ذاتي أو استقلال عن العثمانيين. فمن ناحية الاستيطان الأرمني، نجم عن الغزوات المستمرة والهجرات الأرمنية واستقرار الأتراك والأكراد والجراكسة وغيرهم في أرمينية أن أصبح الأرمن لا يشكلون إلا تجمعا في بعض أماكن ولم تكن لهم أغلبية إلا في مناطق ضئيلة بأرمينية الغربية. إذ تداخلوا بشكل وثيق في النسيج الديموجرافي المسلم بما لا يسمح لهم تكوين نواة دولة مستقلة منفصلة شأن العرب أو مسيحي البلقان.
أكثر من هذا ، تكونت الزعامة الأرمنية من الرأسماليين المدنيين الذين لم يعيشوا في أرمينية بين جموع الرءفيين المستائين ، بل عاشوا في الأستانة وأزمير والقاهرة والإسكندرية وحلب وتفليس وباكو وناخيتشيفان الجديدة وموسكو أو في المراكز الحضرية الأخري باوربا وآسيا. ولم يكن للأرمن داخل بلادهم قادة عسكريون أو نبلاء يستجمعون قوي السكان باستثناء شريحة جبلية ضئيلة.
وتجدر الإشارة إلي أن الأرمن اندمجوا في الهيكلين السياسي والإداري للدولة العثمانية بشكل أكثر من أية أقلية غير مسلمة مما جعل مكانتهم أكبر في الدولة في عين اللحظة التي غدا فيها وعيهم بهويتهم القومية أكثر حدة. وفي الواقع وجدت الصفوة المدنية الأرمنية أن العمل مع القوة الحاكمة مفيدا لرفاهيتهم الاقتصادية- الاجتماعية ، وبالتالي، سعوا إلي الحفاظ علي أوضاعهم دون إحداث تغيير مفاجيء ونصحوا رعاياهم بارتضاء أوضاعهم.
زرد علي ماسبق، الموقف السلبي للدول الأوربية تجاه الأرمن حيث كانوا يرمون إلي إبقاء الدولة العثمانية والدفاع عنها ضد توسعات روسيا.
لهذا، لم يسع الأرمن الغربيون إلي الانفصال أو الاستقلال عن الدولة العثمانية، بل طالبوا فقط بإجراء إصلاحات داخلية في الولايات الست وقيليقية في نطاق بقائهم ضمن رعاياها، ورغبتهم في تحقيق الحماية لأنفسهم وأملاكهم من الموظفين الفاسدين ومن عصابات النهب ، فضلا عن مساواتهم مع الرعايا المسلمين.
وبدلا من القيام بإصلاحات للأرمن ، سعت الحكومة العثمانية للاستيلاء علي إقليم زيتون الجبلي ذي الحكم الذاتي بولاية مرعش شمال شرق قيليقية. إذ بعد محاولات فاشلة لكبح جماح استقلال زيتون المتزايد، قررت الحكومة في عام 1862 ان تسيطر علي زيتون إثر انزعاجها من التدخل الفرنسي في لبنان العام السابق.فادعوا أن سكانها لم يدفعوا الضرائب. ولذا ، هاجم جيش عثماني ضخم المنطقة. وفي 2 أغسطس 1862 هزم الأرمن هذا الجيش وألحقوا به خسائر فادحة واستولوا علي مدافعه وذخيرته. ثم حاصر الجيش العثماني زيتون بغية تجويعها. عندئذ ، ناشد الأرمن- علي نحو ما فعل موارنة لبنان- مساعدة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الذي أجبر العثمانيين علي علي فك حصارهم مقابل السماح لهم ببناء قلعة في زيتون ومركز للجنود بها.وقد ترك تمرد زيتون أثره، إذ توالت الانتفاضات في فان(1862) وأرضروم(1863) وموش(1864). ويري بعض المؤرخين أن هذا التمرد ربما كان الإشارة الأولي ليقظة الأرمن الغربيين سياسيا.



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرمن العثمانيون (1461-1909)-1
- نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 4
- النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-2
- النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-1
- صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -2
- صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -1
- نشاط الجالية الأرمنية في التعليم في مصر خلال القرن التاسع عش ...
- مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-4
- مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-3
- مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-2
- مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-1
- الأيتام الأرمن في مصر (1923-1927)
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -7
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -6
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -5
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -4
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -3
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
- الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
- النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر


المزيد.....




- السيسي يعزي البرهان هاتفيا في وفاة نجله بعد تعرضه لحادث سير ...
- مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون يتحدثون عن أيام لإتمام صفقة الر ...
- مقتل 5 فلسطينيين في الضفة الغربية
- وسائل إعلام فلسطينية: -حماس- وافقت على المقترح المصري لوقف إ ...
- القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تصدر بيانا بشأن وفاة ...
- قوات كييف تهاجم قرية موروم بطائرتين مسيرتين
- دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية تضر بنمو الدماغ
- مصر.. القبض على المتهم بالتعدي على قطة في محافظة بورسعيد
- الأسد: في ظل الظروف العالمية تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهم ...
- مصر.. الحبس 3 سنوات للمتهمين بقتل نيرة صلاح طالبة العريش


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عطا درغام - الأرمن العثمانيون (1461-1909)-2