أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عطا درغام - الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-3















المزيد.....

الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-3


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4727 - 2015 / 2 / 21 - 17:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


وبعد وفاة بوغوص، وخلال الفترة الممتدة من 1844 حتي 1849 اختل التوازنان البدني والعقلي لمحمد علي، فترك علاقات الحكومة المصرية بالدول الكبري وبالجاليات الأجنبية في أيدي آرتين تشراكيان الذي خلف بوغوص في منصبه منذ 13 يناير 1844 حتي 14 سبتمبر 1850 ، وهو الرجل الثاني في سلسلة أهل الثقة من الأرمن الذين قاموا بدور همزة الوصل الرئيسية بين محمد علي والأوربيين.
وخلال الفترة التي تقلد فيها آرتين منصب المسئول الأول في جهاز التجارة والخارجية ، انتهج سياسة موالية لفرنسا ربما لتعلمه بها وكونه كاثوليكيا .
وقد تمثلت مظاهر هذه السياسة في إطلاق حرية التصرف للموظفين الفرنسيين داخل الحكومة المصرية ، ومحاباة المقاولين الفرنسيين عند فتح عطاءات الحكومة ، وابتداء مهندس فرنسي العمل في قناطر الدلتا منذ أبريل 1847 طبقا للتصميمات الفرنسية، ثم تعزيز المهنديس جاليس الفرنسي لاستحكامات الإسكندرية طبقا للمواصفات الفرنسية وغير ذلك.
وفي مقابل هذه المحاباة لفرنسا ، كره آرتين بريطانيا وناويء سياستها وساهم في سحب الكثير من امتيازاتها بمصر . ولذا عاني مري القنصل البريطاني بمصر في هذه الفترة الكثير من الصعوبات في التفاوض حول العديد من الأمور المهمة. وأوعز آرتين إلي محمد علي بإلغاء أمره إلي جالوي الإنجليزي بإنشاء خط حديد القاهرة- السويس لتقريب الطريق إلي الهند . كما بذل مجهودا كبيرا في تحويل إدارة الشركة الهندية الشرقية الإنجليزية إلي إدارة الترانزيت المصرية ، وفي حماية إدارة الجمارك والبريد والمحاكم التي تنظر في الشئون التجارية من هيمنة القناصل الإنجليز.
وفي نفس الوقت ، اضطهد الإنجليز آرتين وسعوا أكثر من مرة إلي عزله ، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك خلال حكم محمد علي.أكثر من هذا ، اضطهد الإنجليز أقاربه وأصدقاءه. ففي عام 1847 ، توجه الطبيب بيدان بك تشراكيان – من أسرة آرتين – علي رأس فريق لتسليم ملكة بريطانيا هدايا من الحكومة المصرية . فأرادت الملكة الإنعام عليه بنيشان الفارس. عندئذ ، ثارت الصحافة الإنجليزية ضدها لأن بيدان من أقارب آرتين ، ومنحه هذا النيشان يعد إذلالا لهيبة بريطانيا.
ولهذا ، فشلت محاولة الإنعام بالنيشان علي الطبيب بيدان. ويلاحظ أن بريطانيا هي الدولة الكبيرة الوحيدة التي لم تنعم علي آرتين بأية نياشين ، في حين أنعمت عليه الحكومات العثمانية بنيشان افتخار ، والفارسية بنيشان الأسد والشمس ، والروسية القيصرية بنيشان آنا العذراء، والإيطالية بنيشان سان جورج فضلا عن نياشين أخري من الحكومات الروسية والفرنسية والبرتغالية.
وعندما تولي عباس الأول حكم مصر في 2 أغسطس 1849 أخذ ينقلب علي معاوني محمد علي الخصوصيين ، لا سيما من ذوي التوجهات الفرنسية الذين كانوا محل ثقته وعلي رأسهم آرتين الذي هرب من مصر في أغسطس 1850 ، واشترك آرتين من منفاه في المؤامرات التي حيكت ضد عباس بالأستانة من أقاربه والصدر الأعظم رشيد باشا الذي كان متلهفا علي استخدام القوي المعارضة ضد عباس لاسترداد السلطة العثمانية الفعالة علي مصر- واستغل مري- قنصل بريطانيا العام في مصر- غياب آرتين وتزايد المعارضة ضد عباس لزيادة النفوذ البريطاني في مصر بالوقوف إلي جانب عباس وحمله مقابل هذا علي إنشاء الخط الحديدي الذي ألغاه محمد علي بناء علي نصيحة آرتين.
وهكذا ، يلاحظ أنه في إطار الاقتصاد الموجه الذي ساد حتي نهاية حكم محمد علي تمتع ناظرا التجارة والعلاقات الخارجية بقسط كبير من النفوذ استمداه من ارتباطهما بمحمد علي وولائهما له وتنفيذهما لسياسته. ولكن ، مع سيادة الحرية الاقتصادية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتغلغل رأس المال الأوربي في السوق المصري وارتباط المصالح به، لم تعد سياسة الولاء للحاكم تتفق وهذه التطورات.
لذا ، أقيل ناظر الخارجية إسطفان دميرجيان في سنتي 1853 و1857 بسبب عدائه للرأسمال الأوربي خاصة البريطاني. بيد أن نوبار قد استثمر فرصة الحرية الاقتصادية وتطور الأوضاع السياسية في الوصول إلي عدة مناصب مهمة بفضل تحالفه مع الرأسمال الأوربي.
وكذا ، أسفر توغل رأس المال الأوربي عن الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882 ، وأصبح الخديو توفيق (1879-1892 ) ألعوبة في أيدي الإنجليز ، ولكن ابنه عباس حلمي بدأ حكم مصر في يناير 1892 باتباع سياسة عدائية ضد الإنجليز.وجدير بالذكر أن ديكران آبرويان الذي تولي نظارة الخارجية في 14 مايو 1891 حتي 15 أبريل 1894 قد أيده بشدة في هذه السياسة وأبدي وطنية شديدة أدهشت عباسا لدرجة أن قال :" كنت قبل أن أصير خديويا أعرف ان ديكران باشا أرمني. ولقد دهشت لرؤية أرمنيا مثله أن يكون مخلصا لمصر إلي هذه الدرجة". وفي نفس الوقت، تغيرت حكومة بريطانيا حيث حل جلادستون الذي يميل إلي سرعة الجلاء عن مصر محل سالسبوري المؤيد لاحتلال مصر.
لهذا ، رأي ديكران وهو علي وعي تام بالرأي العام البريطاني من خلال مطالعته للصحف الإنجليزية في هذه الظروف فرصة مناسبة لخلع نير بريطانيا.
ومن ناحية أخري، استاء عباس الثاني بشدة من مصطفي فهمي- رئيس النظار وقتئذ- بسبب استسلامه للسياسة الإنجليزية حتي صار أداة سهلة جدا في يدي المعتمد البريطاني بمصر ، مما جعل المصريون يطلقون علي نظارته لقب " نظارة الأراجوزات" باستثناء ديكران آبرويان الذي أعطي لهذه النظارة توازنا نسبيا وأبي أن يكون أراجوزا . ولذا ، استغل عباس فرصة مرض مصطفي فهمي في أواخر ديسمبر 1892 لتغيير نظارته وترشيح ديكران آبرويان رئيسا للنظار لأنه رجل صادق ونشيط ومستنير ، والأهم أنه ليس دمية.
بيد أن كرومر رفض هذا الترشيح خوفا من المشاكل التي سيتعرض لها عندما يتولي ديكران النظارة، لذلك مابرح يقاوم هذا الترشيح بكل ما أوتي من قوة. فاقترح بداية علي عباس تعيين رئيس نظار مسلم أفضل من ديكران الأرمني المسيحي.
وعندما رفض عباس هذا الاقتراح، أرسل برقية إلي روزبري وزير خارجية بريطانيا- مفادها ان عباسا ليس علي معرفة وثيقة بالرأي العام ولا يفهمه، وطالبه بإرسال برقية تفيد بأن تعيين ديكران لا يتفق مع هيبة الحكومة المصرية مما سيجعل عباسا يتنحي عن تصميمه. وقد جاء رد روزبري متفقا مع رأي كرومر في أنه من الأفضل ان يكون رئيس النظار مسلما وأن يتجنب تعيين ديكران بكل ما أوتي من سلطة ونفوذ.
ثم واصل كرومر تحديه لديكران وشدد الهجوم عليه مستندا إلي أنه ليس مصريا ولا يتفق مع المصريين في جنسهم ولغتهم وعاداتهم وديانتهم. وأشاع كرومر ان ديكران يتظاهر بعدائه للإنجليز وليس جديرا بدرجة تؤهله لتقلد هذه المهمة. أكثر من هذا، أعلن كرومر أن تعيين ديكران رئيسا للنظار سوف يدعو للأسف بدرجة قصوي لانه سيسبب العديد من المشكلات للإنجليز.
هذا ، ويكمن السبب الحقيقي وراء اعتراض كرومر علي تعيين ديكران آبرويان رئيسا للنظار في أنه كان ماقتا للإنجليز. وبالأحري كان يريد العمل مع المصريين الوطنيين.كما خشي كرومر في أن تعاق سياسته وسلطته إذا حاول ديكران أن يحكم مصر مطبقا لأفكاره المستنيرة والتي لن يستسيغها كرومر علي الإطلاق.
وقد صرح كرومر بأنه لن يتدخل في حالة اختيار عباس أي شخص لرئاسة النظار خلفا لمصطفي فهمي باستثناء ديكران الذي لا يريد ان يراه في هذا المنصب. كما كررت الخارجية البريطانية تشديدها إلي كرومر بضرورة تجنب تعيين ديكران بقدر المستطاع. ونقل كرومر هذه التعليمات إلي عباس الذي أبدي تصميمه علي تعيين ديكران خلفا لمصدفي فهمي. وفي 15 يناير 1893 أقيل مصطفي فهمي ورفض ديكران قبول منصبه خوفا من تشكيل نظارة لا يرجي دوامها.
وتجدر الإشارة إلي أن ديكران ظل يناويء السياسة البريطانية في مصر حتي زيارة عباس الثاني للأستانة في مايو 1893 والتي كان يبغي من ورائها كسب السلطان العثماني إلي جانبه ضد النفوذ البريطاني. وبينما كان عباس يسعي وراء ذلك، طفق ديكران يطوف السفارات الأجنبية بالأستانة مدافعا عن مصر التي استوطنها ومؤيدا حجتها. بيد أن السلطان العثماني الواقع تحت السيطرة البريطانية ، قد خيب آمالهما، فنصح عباسا بطريقة أبوية أن يفوض أمره إلي الله ويرضي بما قسمه له ويقيم دوما علاقات حسنة مع الإنجليز، وأنذر ديكران بألا يتبع سياسة ينتج عنها قلاقل وألا يشير علي الخديو بمثل هذا.عندئذ، توقف ديكران عن معاداة الإنجليز.
ولكن ، ظل الإنجليز ينظرون إلي ديكران علي أنه مصري وطني غير مخلص لهم. ويذكر كرومر انه لا يمكن توجيه أي لوم أدبي إليه علي عدم إخلاصه لأنه لم يكن ماقتا للإنجليز بالمعني المألوف للكلمة ، بل كان يعارض الخطوط العامة للسياسة البريطانية في مصر. ويعزو كرومر موقفه هذا إلي طموحاته الشخصية في الوصول إلي رئاسة النظار. بيد أن ديكران يصرح علانية أنه ككل مصري ينتظر الوقت الذي لا تحتاج فيه مصر إلي مساعدة القوة العسكرية الإنجليزية، ويتمني استعادة مصر وحدها حكم السودان لأن به منابع النيل الذي هو حياتها.
ورغم ميوله إلي فرنسا- تعلم بها وصب تفكيره في قوالب فرنسية- إلا أنه لا يحبذ احتلالها لمصر في حالة خروج بريطانيا لأنه يري أن الخديو ومعيته قادرون علي تولي الحكم دون أية مساعدة أجنبية. ولكنه كان من أنصار استمالة فرنسا لتأييد المسألة المصرية ضد بريطانيا.
وجدير بالذكر أن ديكران آبروديان لم يستمد مكانته وشخصيته المميزة من مجرد قرابته لنوبار باشا ومصاهرته وتدربه سياسا علي يديه فقط ، بل لانتمائه إلي المدارس الفكرية السياسية الحديثة ، وإخلاصه تماما لمصر وسعيه جاهدا إلي تحقيق بعض آمال أهلها.
ورغم هذا، لم يكن مقبولا لدي الكثيرين لكونه أرمنيا مسيحيا. ولكن تجدر الإشارة إلي أن معظم معاصريه قد وصفوه بأنه من أصغر الرجالات البارزين في الإدارة المصرية وأدهاهم وأكفأهم ويبزه قليل من النظار الكبار في كفاءته.



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-2
- الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-1
- الدكتور محمد رفعت الإمام بعيون أرمنية (رؤية الأستاذ أنترانيك ...
- إدارة الأرمن للأقاليم التابعة لمصر في القرن التاسع عشر
- الكماليون والأرمن ( 1919-1923)-3
- الكماليون والأرمن ( 1919-1923)-2
- الكماليون والأرمن ( 1919-1923)-1
- الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)-5
- الأرمن تحت تحكم الاتحاديين (1909-1918)-5
- الأرمن تحت تحكم الاتحاديين (1909-1918)-4
- الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)-3
- الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)-2
- الأرمن تحت تحكم الاتحاديين (1909-1918)-1
- الأرمن العثمانيون (1461-1909)-5
- الأرمن العثمانيون (1461-1909)-4
- الأرمن العثمانيون (1461-1909)-3
- الأرمن العثمانيون (1461-1909)-2
- الأرمن العثمانيون (1461-1909)-1
- نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 4
- النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-2


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عطا درغام - الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-3