|
الاغتراب في رواية -درب الفيل-
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4745 - 2015 / 3 / 11 - 20:59
المحور:
الادب والفن
الاغتراب حالة الرفض والتمرد ناتجة بطبعة الحال عن وجود نظام مجتمع/ سياسي لا يلبي طموحنا في الحياة، فيجعلنا نبدي الامتعاض منه ثم يحولنا شيئا فشيئا إلى ناقمين، إلى أن نصل إلى متمردين ثائرين." اخترت العزلة بإرادتي لكي لا تكون سجنا، واخترت الإقصاء والتهميش لأن الروائي يكتب في كل شيء من اجل أن ينبذه المجتمع البليد، الفاقد الأخلاقية لأنه يخلق السلطة ولا يواجهها، يخلق رؤوسا عفنة ويدين بالولاء لها"ص10، هذا الرفض ناتج عن حالة تناقض مع المجتمع، مجتمع منافق، يصنع قيده بيده، ويتعايش معها، وكأنه مريض بالمازوشية، يتلذذ بالألم، ويستمتع بالقهر، ويقبل ـ برحابة صدر ـ الظلم والظالم، من هنا لا بد من الخروج من هذا الواقع، حتى لو كان هذا الخروج يحملنا على العزلة والوحدة، فهي يبقى أفضل من المساهمة وتنمية هكذا واقع. فالرفض في بدايته، يأخذ شكل العزلة، التنسك مع الذات، وهجر الناس/ الواقع، وهذا الأمر ـ العزلة ـ لا بد من وجود تعليل له، يقنعنا بهذا السلوك غير العادي والمتناقض مع العرف والعادة، يوضح لنا "سعيد حاشوش" هذا الأمر قائلا: "المجتمع الذي يعيش كل شيء بإكراه أتمنى أن أعيش على هامشه لأن التاريخ نصنعه نحن المهمشون المنبوذون، المهمش المعزول عن القطيع ولا مرجعية لي سوى الروح التائهة لأن التاريخ نصنعه نحن المهمشون المنبوذون" ص10، استخدم المنطق والعقل لاستخراج حقائق تجعلنا نتوغل أكثر بما نقوم به، وأيضا تمنحنا المقدرة على نقاش ومواجهة الأفكار العادية السائدة، فهنا يختزن هذا المغترب/ المعتزل بذرة التغير والثور، وكأنه يقوي نفسه بهذه العزلة، لكي يشحذ ذاته بالمزيد من الطاقة ومن ثم يكون اقرب لنصر في مواجهته. لكن هل المشاركة العددية والكمية والمجتمعية في التمرد/ الثورة تلبي طموح المتمرد؟، هل يمكن للفرد المتمرد أن ينخرط في جموع؟ وهل ستكون هذا المجموع بعيدة عن النقد، مقدسة كما يقدس المجتمع جلاده؟، يجيبنا الكاتب بقوله: "أصيب البعض بالتفسخ لأنه صمم على البقاء قرب فراح النظام وأيتامه أما الآخرون من جماعتنا هربوا إلى أمكان قصية وخفية ووجدوا أنفسهم يمارسون عبادات سرية وثنية لتخليص الشعب من رائحة الموتى في زمن يصعب فيه تميز القاتل عن القتيل والميت عن الحي،... تبجح المثقفون بالقول إنها العولمة تجعل الإنسان يسلق جلد نعاله ليأكل والأخر ينبطح بانبطاحة ثورية متحدية من اجل بضعة نقود وأن يهيئ نفسه ويفتح ساقيه على اتساعهما ليستقبل التطور الاقتصادية الجديد المنفتح من أساسه" ص11، إذن التمرد والنقد لا يقتصر على النظام وحسب، بل أيضا يطال حركة التغير وجموعها، وهذا التكامل والاستمرار في التمرد لا يقوم به إلا المنتمي الحقيقي، والمؤمن الواثق، والمنسجم بين القول والفعل، بهذه الصفات يمكننا تحديد المنتمي الحقيقي للتمرد، ومن هو راكب للموجه. طريق الخلاص من رتابة الواقع تأخذ أشكلا عديدة، الانخراط في تنظيم معارض، ومنها النقد، أو الكتابة، وتبقى الكتابة أكثرها حضورا وأهمية، خاصة إذا كانت هذه الكتابة أدبية، إن كانت شعرا أو قصة أو رواية فهي أكثر حضورا وتأثيرا من غيرها، وهذا ما يؤكده الراوي، "يا حياة أن سر كتابتي الأوراق كلها لأني لا أريد أن اسقط في الكآبة والجنون.. أن انتشل نفسي واحلق عاليا مثل طير اخضر في النص ص33، أذن يضاف إلى دور الكتابة المتمردة، أنها تمنح الهدوء والراحة والسكينة، وتخلص الكاتب من حالة البؤس التي يعاني منها، فالكتابة هنا تمثل فعل تفريغ للإنسان، تجعله يشعر بسقوط الأثقال عن كاهله، فهي كالمرأة، وتماثل معها في مقدرتها على جعل الرجل ينتقل من حالة التعب إلى حالة الراحة. بعد هذه المراحل المتعددة حاول فيها "سعيد حاشوش" مواجهة الواقع، النظام والمجتمع والمعارضة، لكنة يصل إلى نتيجة أنه ينفخ في قربة مثقوبة، يسير في متاهة، يبدأ يكفر بكل شيء، بالتاريخ، بالثورات والثوار، بالأحزاب السياسية والجماعات الدينية، فكان يعبر عن واقعه بهذه الكلمات، "...لم أتمكن من القيام بواجبي تجاه هذا الإنسان المسكين.. الإحباط يمكن في عدم تمكني من نيل حريتي وحرية الآخرين، أنا محبط، اكره كل ما في الكون من كائنات لعدم تمكني من الإسهام في تأكيد الإنسانية للذي يمشي على قائمتين.. أنا في الحقيقة اشعر بالكره والقرف من كل قومي وطائفي..لهذا السبب سأتعلق بكتابة الرواية" ص66، إذن مجتمعنا عاقر، لا يلد فيه إلا الخراب واليأس والبؤس والموت والاغتراب و...، من هنا يتجه الكاتب إلى ذاته، إلى شيء يخصه هو، يظهر مقدرته على الإبداع، وأنه ليس متماثلا من الأشخاص العادين، فكانت كتابته لرواية "درب الفيل" مظهرا فيها قدرته الأدبية، وأيضا ستكون الرواية قد أثرت في الواقع، إن لم يكن الآن فغدا.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثوري في رواية -درب الفيل-
-
الأبض والأسود في رواية -درب الفيل- سعيد حاشوش
-
رواية -درب الفيل- سعيد حاشوش
-
السادية العربية
-
رسالة إلى كتاب الحياة الجديدة
-
قصة -أنا أحبه-
-
قصص الجيب والقرن الماضي
-
رواية -النخلة والجيران- غائب طعمه فورمان
-
هكذا يقتلون فلسطين
-
بين الرسول محمد (ص) ومهدي عامل
-
نهج واحد
-
ما أحوجنا إلى الفكر
-
التداخلات والتناقضات في المسألة السورية
-
الهجوم الشرس
-
فلسطين من اللا إلى النعم
-
قتل الإبداع الفلسطيني
-
موت فلسطين
-
رواية -الصوت- غابريل اوكارا
-
-الصبي الخادم- فردينا أويونو
-
الولد الأسود
المزيد.....
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
-
لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
-
مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|