|
-اعطيني صاكي- ، والرأي العام !!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4710 - 2015 / 2 / 4 - 19:15
المحور:
المجتمع المدني
"اعطيني صاكي" ، والرأي العام !! الرأي العام ، عادة ما تصنعه القواعد الجماهرية ، في البلدان المتقدمة ، وتتحكم في صياغته ، وبلورته حسب أمزجتها ، لكن الأهمية الكبرى تكمن في معرفة من هم الموجهون، ومن هم ، تدرسها، وتأخذها في عين الاعتبار في تقييم الرأي العام والاستجابة له . لكنها في البلدان التي تسير على رأسها ، فإن النخب السياسية المتكيفة مع الواقع أيا كانت مرارته ، هي من تصنع "الرأي العام" في غمرة صراعها على السلطة وحفاظها على مصالحها ، بما تسعى به إلى توجيه الجماهير نحو صورة معينة صحيحة كانت أم غائمة أو مؤدلجة ، للتأثير على توجهاتها حسب انتهازيتها ، التي هي صفة ظاهرة وليس متنحية ، غير آبهة لمعاناة الجماهير ، التي زاد طينها بلة ، غياب النخب الثقافية أو تقاعسها عن القيام بدورها التنويري ، ربما لجبنها التقليدي أو لخوفها على مصالحها المتشابكة مع النخب السياسية بشكل أو بأخر .. لكن المسألة تبدو معكوسة في بعض المجتمعات ، التي عودتنا -كما هو الحال السواد الأعظم من المجتمع المغربي - ألا يهتم الناس فيها بمعالجة قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المرتبطة أساسا بما تعرفه أحوالهم وأوضاعهم ، من فقر وبطالة وإجرام وتشغيل الخادمات واغتصاب ، ويرجعون جل أسبابها ومسبباتها ، مستسلمين ، للأقدار والعدو الخارجي من ظواهر الطبيعية وعفاريتها وتماسيحها غير المرئية ، التي ألفوا أن يلقوا عليها تبعات ما يلاقوه ويواجهوه من صعوبات الحياة ، ويحملوها وزر انحدارهم وتخلفهم وفشلهم . لكني فوجئت مؤخرا –خلال زيارتي لبعض الأهل والأصدقاء الذين لا زالوا متشبتين بالسكن في الحي – ودهشت كثيرا لانشغال شرائح واسعة من ساكننته ، بمستجد احتل صدارة أحاديث رجاله ونسائه ، صغيرهم وكبيرهم ، وأثار بينهم جدلا شديدا ، ودفع بالكثير منهم لاتخاذ ردود أفعال قوية ، تناقلتها أحاديث شوارع الحي المكتظة ومقاهيه الشعبية العامرة ، وواكبت صخبها المنتديات وصالونات الحلاقة والحمامات ، وأذكتها الصحف المكتوبة والالكترونية مواقع التواصل الاجتماعي المحلية والوطنية .. والغريب في ذلك المستجد الذي استأثر باهتمام هذه الفئة المشغولة على الدوام بكسرة الخبز ، رغم أنه لم يكن من القضايا الحيوية ، ولا يتعلق بحياة العباد ولا بتقدم البلاد أو تأخرها ، ولا يهتم بأوجاعها الاجتماعية السياسية ، ولا ينشغل بأحوالهم الاقتصادية من بورصة وتضخم ونسبة النمو ، بل كان من القضايا المتعلقة بعالم الفن والنجوم والمشاهير وما عرفه من حديد الأغاني التي طرحت مؤخرا كأغنية "اعطيني صاكي " للداودية ، والتي قابلها مجتمع الحي ، من يعرف منهم ، في الفن ومن لا يعرف، بإجماع غريب -ليس من طباعه- تصدي خلاله بالصراخ ضد الأغنية على أنها تفسد الأخلاق ، والأغرب في الأمر هو أنني حين سألت بعض من قابلت صدفة أو تعمدت مقابلتهم "هل استمعت لأغنية "اعطني صاكي"، والذي كان الجواب عنه ، في الغالب الأعم ، بالنفي القاطع المصحوب بـ "أعود بالله "و "اللهم إن هذا لمنكر" وذلك في انسياق ومحاكاة وتقليد تلقائي للسائد .. وعند محاولتنا تحليل هذه الظاهرة ، سنجد وبسهولة كبيرة أنها ناتجة عما يطلق عليه في علم الاجتماع "عقلية القطيع " التي تشربها إنسان حينا الشعبي ، كما في باقي الأحياء الأخرى على الصعيد الوطني ، مند طفولته تشرباً تلقائياً ، مهما كان سخفُها وبعدها عن الحق ، وتشكلت بها عقليته ، وتقولبت بها عواطفه ، وصيغت بها ذاته ، وتحددت بها شخصيته واهتماماته ، وأصبح لا يرى إلا بها ، ولا يقيس ولا يحكم إلا من خلالها ، ويظل مغتبطاً بها طول عمره لا يحاول الانفكاك عنها ، مستميتاً في الدفاع عنها ، مقتنعاً بأنها هي عين الصح والحق والعقل والنقاء ، مهما كانت غارقة في الوهم والخرافة ومشحوناة بالاضطراب والاختلاط .. ما يعنى أن إنسان حينا ، كائن متبرمج بسهولة ، كما هو حال الإنسان المغربي عامة ، يمتص الثقافة السائدة وينساق تلقائياً إلى التقليد والمحاكاة ، يجتر ما من معارف وأفكار ورؤى تجتره الجموع بشكل عفوي ويمتزج معه في انسياب عاطفي ، دون فهم أو وعي لخطورة وأثره على سلوكه ، وذلك إيمانا منه بالأمثال الشعبية: دير ما دار جارك ، أو حول باب دارك والمصل :" دير راسك بين الروس وقل قطاع الروس" التي عايشها معايشة حميمة حتى أصبحت من مسلماته الذهنية والعاطفية ، وصفاته الطبيعة البشرية التلقائية لجماهير البسطاء من عامة الشعب التي برع الشاعر في قوله: هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد . حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعم نحن مع بناء مؤسسة برلمانية قوية ، ولكن !!
-
وبينما المتقاعدون منغمسون في أحلامهم المؤجلة ؟؟
-
كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نلك نفس النظرة !!(5)
-
عندما يتاح المجال لمن يمتلك الموهبة في خدمة الوطن والمواطن !
...
-
-شارلي ابدو- من الخاسر ومن الرابح ؟؟
-
الملكية تاج لا يراه إلا الجمهوريون ..
-
ليلة رأس السنة الأمازيغية ID N SGGAS !!
-
من ذكريات الشتاء بحينا الشعبي -فاس الجديد- ..
-
الإسلام لا يحتاج شهادة تبرئة من أحد !!
-
السفنج المغربي وما أدراك ما السفنج المغربي !!
-
المصالحة المصرية القطرية
-
في ذكرى رحيلك والدتي ..
-
هدية السنة الجديدة
-
شخصية عام 2014
-
الشطابة -المكنسة- شعار المرحلة ا!!
-
شجرة الحي المعمرة ..
-
كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نملك نفس النظرة !!(3)
-
أنا ما حبيب حد !!
-
استطلاع رأي .
-
كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نملك نفس النظرة !!(2)
المزيد.....
-
البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية
...
-
احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا
...
-
الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال
...
-
إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
-
الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
-
-نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب
...
-
العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية
...
-
إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما
...
-
انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
-
خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|