أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - من ذكريات الشتاء بحينا الشعبي -فاس الجديد- ..















المزيد.....

من ذكريات الشتاء بحينا الشعبي -فاس الجديد- ..


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4688 - 2015 / 1 / 11 - 17:43
المحور: الادب والفن
    


من ذكريات الشتاء بحينا الشعبي "فاس الجديد" ..
المطر نعمة من نعم الله عز وجل ، فيه رخاء ونعيم البشر والحيوان والنبات ، ينقي النفس وتطهرها الخطايا وتغسل الذنوب كما في الحديث الشريف :" اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"..
لازلت أذكر ، عندما كنت صغاراً ، وكيف لي أن أنسى ، أن فصل الشتاء الذي كان "يهل" علينا أنذاك مبكراً مصحوبا بأجوائه القارصة القاسية ، كانت أمطاره الغزيرة ، تشكل فرصة مغرية للمجتمع المغربي عامة ، وساكنة حيي الشعبي "فاس الجديد" على وجه الخصوص ، للخوض في أحاديث أحوال الطّقس وتقلّباته ، وما يصحبها من نقاشات الشيقة ، حول ما تجود به السماء أو تضن به من أمطار ارتبطت في الذاكرة المغربية " وأيقن المغربي البسيط ، أن الرخاء مرتبط بها وأن "العام الزين" بفعلها جون غيرها من الأسباب ، تسقي الزرع والضرع والآدميين ، ولا يكف عن المقارنة بين هطولها أو إنحسارها ، في ما سلف من الأعوام .
فكم كنت أستغرب وأحتار أمام ناقض رجال حينا ونسائه وحتى شبابه ، حيث أنهم كانوا عندما تمطر السماء ، يتسابقون لشكر الله على الأمطار التي يعتبرونها من نعمه سبحانه ، التي تطمئن إليها قلوبهم ، فيقولون ما تقوله والدتي رحمها الله " الشتا رحمة ، كيشبع فيها المسكين بالبقولة والسلق" ، ونحتفل به نحن الأطفال الصغار بترديد ، وبشكل جماعي أغان الفرحة بالشتاء ، بإيقاعها الخفيف المحاكي لتساقط قطرات المطر ، غير آبهين بأنفلوانزا أو رشح أو حتى خائفين من أن تبتل ملابسنا البسيطة ، أو تتلطخ أحديتنا الأبسط ، فننشد ، ونحن نتقاغز ،ذلك الموروث القديم الذي ظلت الأمهات المغربيات تدغدغن به عقولنا الصغيرة حتى حفظنا منه تلك الأهجوزة المغربية الخالدة : "أشتاتاتاتاتا أوليدات الحراثة" التي بقيت صورتها منغرسة بين ضلوعنا ، ولازالت ذاكرة أغلبيتنا تختزن تفاصيلها بالكامل والتي تقول : آشتا تا تا ، يا ولاد الحراثة ، آ المعلم بوزكري ، طيب لي خبزي بكري ،
باش نعشي وليداتي
وليداتي عند القاضي
والقاضي ما جاب خبار
المجاعة نايضة فالدار
لا أتاي لا سكر
لا حليب لا قهوا
غير الحيوط والخوا
يطيح الفار يتزوا
راه با حالف فيا باش يقطع لي وذنيا..
أمك تجري وتطيح.. أباك داه الريح
والوجه الأخر من التناقظ الذي كنت أقف حائرا حياله : هو حجم الشكوى من نفس الأمطار كلما إنحسرت أو قالت أو حتى في حال تأخرها عن مواعيدها ، ما يلجئ ساكنة حيي "فاس الجديد" إلى القيام بمجموعة من الطقوس والشعائر المسماة بالاستسقاء ، سواء الرسمية منها كصلاة الاستسقاء في مساجد البلاد ، وغير الرسمية ، كتلك الممارسات التي تقوم بها العامة في القرى و الأحياء الشعبية للمدن العتيقة لاستدرارها ، وذلك بإخراج زمرة من الأطفال الصغار من "محاضرية المسيد" الكتاب ، -الذين يؤمن الكبار ببراءتهم- وجعلهم في مقدمة مسيرات طلب الغيث المتجولة في الأزقة والشوارع ، حاملين مغرفة ، "تاغنجة" باللغة الأمازيغية ألبست ثوبا أبيضا ، مرددين ما حفظنا أياه "الفقيه" من كلام موزون ، ما كان أغلبنا يعرف معناه ، مثل :
السبولة عطشانة =/= اسقيها يا مولانا .
بوغنجة حرك راسو=/= ياربي ترو ناسو
السبولة عطشانة =/= وارويها يامولانا
داح داح =/= القطرة تملى القداح
تاغنجة يا مرجة =/= يا ربي تعطينا الشتا .
لقد كان الشتاء أنذاك بالنسبة إلينا نحن أطفال الحي ، قمة المتعة البعيدة عن كل ما يجري في الحي ، من نقاشات حية بين رجاله ونسائه ، وأفكار عجيبة إلى مذهلة ، وأحاديث شيقة حول امطار الخير ، بكل ما تحمل من خلفيات سوسيو/اجتماعية متقاربة جداً بين غالبية المغاربة ، والتي حفظت منها العبارة المألوفة " البرد هاذ العام واعر" التي اعتاد الناس على تررديدها بطريقة آلية تصل حد الغباء ، عند كل لقاء ، كما حفظت عن ظهر قلب الردزد والإجابات الجاهزة التي يرد بها في معظم الأحيان ، وبنفس الطريقة الآلية الغبية ، كل من لم يحالفه حظ سبق السؤال : "البرد هاذ العام أكثر من العام اللي فات ، إوا نحمد الله على الشتا " .
لقد كان نزول المطر ، قمة المتعة والمرح ، حيث كنا عند أولى تباشيره ، نهرول أفواجا نحو أزقة الحي الضيقة ، نجرى ونلعب تحت زخات المطر الباردة التي تدق رؤوسنا الصغيرة الحليقة . فكم كنا نغامر بالذهاب إلى "قبة السوق" أكبر شارع في الحي وقلبه النابض ، الشيئ الذي كان يغمرنا بالزهو والحبور، والإنتشاء ، خاصة حين كنا نشعر أننا نمتلك ذلك الشارع الكبير كلية ، بعد أن يهجره الباعة والمتسوقون ويدخل معظم الناس "قهراً" إلى بيوتهم خوفا من البلل ..
حيث كنا نجري على إسفلته وبين حفره في تمرد على كل من يقف في وجه رغباتنا وكبت حريتنا ، ونلعب على قارعته بحرية وضد كل قمع لذواتنا وحجر لحقنا في اللهو ، وندرعه ذهابا وإيابا في بهجة خارقة ، من مشارف "طالع أو هابط " المحادي للقصر الملكي وباب المكينة ، إلى باب السمارين وبولخصيصات ، فاتحين أفواهنا الصغيرة لقطرات المطر الباردة ، التي تغمرنا بها السماء ..
كان الليل بارداً وطويلاً ، والأزقة غير مضاءة في أغلبها ، تساهم في أعطابها الأسلاك الكهرباء المهترئة ، التي كانت فى عداء مستمر مع المطر ، فكثيرا ما كانت تصاب بأعطال بالغة مع أول قطرة ، فينقطع التيار ، وتنطفئ المصابيح البدائية ، ويعم الظلام ، الذي كان يسعدنا حلوله ونحن صغارا ، لأنه يمكننا من لعبة "الغمايضة" التيكانت تستقطع جزءا كبيرا من لهونا البريئ الذي ينهيه في الغالب آذان صلاة العشاء ، فنعود مرغمين إلى منازلنا ، حيت يتجمع أفراد الأسرة حول "النافخ " أو المجمر " يتسامرون تحت الأضواء الخافتة للشموع أو القناديل ، يأكلون ما أعدته الأمهات من أطعمة ساخنة ، كعصيد السميدة بالنافع ، ودادفي ، والبيصارة ، الأكلة الشتوية والاكثر شعبية وانتشارا وشهرة ، لرخص ثمنها ، ولكثرة فوائدها في أجواء البرد القارص، حيث تقاوم أمراض سرطان الفم ، وارتفاع مستوى الكولسترول، وقوية مناعة الجسم، وتكافح الإمساك ، والبقولة أو الخبيزة التي تعد طعام الفقراء، لرخص ثمنها هي الأخرى، وفائدتها فى علاج نزﻻ-;-ت البرد والأنفلونزا ..
وبعد كل ذلك نتكوم جميعنا في نفس الحجرة ، بجانب بعضنا ، قرب المجمر ، متدثرين ببعض الأغطية التقليدية -التي كانت تحيكها أمي بنفسها - التي لم يكن أنذاك هذا الثراء فى الأغطية ووسائل التدفئة ، كما هو الحال اليوم ..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام لا يحتاج شهادة تبرئة من أحد !!
- السفنج المغربي وما أدراك ما السفنج المغربي !!
- المصالحة المصرية القطرية
- في ذكرى رحيلك والدتي ..
- هدية السنة الجديدة
- شخصية عام 2014
- الشطابة -المكنسة- شعار المرحلة ا!!
- شجرة الحي المعمرة ..
- كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نملك نفس النظرة !!(3)
- أنا ما حبيب حد !!
- استطلاع رأي .
- كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نملك نفس النظرة !!(2)
- طارئ مرعب على متن الرحلة رقم MS 847 التابعة للخطوط الجوية ال ...
- كلنا نملك نفس العين..لكن لا نملك نفس النظرة !!
- هل نحن في حاجة ل “علالين” كثر لفضح الفساد الأمور ؟؟
- اسدال الستار على آخر فصول محاكمة القرن
- سوء تفاهم خاطرة واقعية.
- مراسلة من القاهرة قبيل انطلاق -مظاهرات 28 نوفمبر- بسويعات
- لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين !!
- في رحاب بلاد الكنانة ..


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - من ذكريات الشتاء بحينا الشعبي -فاس الجديد- ..