أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 42














المزيد.....

سيرَة حارَة 42


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 12:44
المحور: الادب والفن
    


1
" أولاد أرْمَحي "؛ هم آخر من مارسَ رعي الغنم في الحيّ. وكانت لهم دار تقع في مدخل زقاق آله رشي، يفوح منها دوماً رائحة السماد الحيواني، الحرّيفة....!
" مستو الأعرج "، هوَ أحد أولئك الأخوة، وكان يكبرنا ببضعة أعوام. كان فتىً ربعَ القامة، أسمرَ البشرة، وكانت البثورُ ترقّشُ صفحةَ وجهه. حالَ أهلِهِ، كان هذا الفتى ما يفتأ يرتدي الشروالَ الأسود اللون، المموّه ببقعٍ قذرة. وقد اعتدنا على مصادفته في البساتين المجاورة، وهوَ يسرحُ مع الغنم مُطلقاً نحوها الصيحات مع الأحجار الصغيرة الحجم....!
في أحد الأيام، كنا نتدرب بكرة القدم في ملعب البدوي ( مساكن برزة حالياً )، حينما لاحظنا أن مستو الأعرج يراقبنا باهتمام. على الأثر، تقدم منا واقترحَ أن ننازلَ فريق زقاقه في عطلة الجمعة المقبلة. في ذلك الوقت، كانت المباريات تجري على رهن مالي. وإذاً، ما أن حضرَ الراعي الفتى مع فريقه ليواجه فريقنا، حتى مدّ يده الى جيب شرواله وأخرجَ ليرةً فضيّة. هنا، شاء صديقنا، " نبيل ظاظا "، أن يدخل المراهنة بليرة أخرى. هذا المبلغ الجسيم، عُهدَ به إلى أحد الحضور المحايدين. في أوج المباراة، تعثرَ أحدُ لاعبي الفريق الخصم فيما كانت الكرة تدخل شباك مرماهم. رفض مستو الأعرج قرارَ الحكم باحتساب الهدف، وأعلن عن انسحابه. فما كان من المؤتمَن على مبلغ الرهان إلا أن أعطاه لصديقنا نبيل، قائلاً له: " المَسحوب مَغلوب! ". جن جنون مستو، فانقض على الآخر يحاول انتزاعَ ليرته منه. فكانت واقعة مشهودة، سالت فيها الدماء على وجه الراعي المسكين بما أن خصمه قد حصل على معونة أشقائه. إلى أن تدخلَ القبضاي " أكرم عرب "، الذي كان ماراً بالصدفة، فأوقف العراك وأخذ بتوبيخ المشاركين فيه وتذكيرهم بأنهم أولاد حارة واحدة.

2
سوق الجمعة، هو أشهر أسواق دمشق خارج أسوارها، ويربط بين الصالحية والأكراد....
ويحدّثنا المؤرخون، من أمثال ابن طولون الصالحي، أن هذا السوق العريق قد تشكّل في زمن صلاح الدين من المحلات التجارية التي تحف بجانبي الدرب الطويل، الواصل بين مدرسة ركن الدين منكورس ومقام الشيخ العفيف. ثمة، حيث انتشرت بين البيوت السكنية المدارسُ والمساجد والخانقاهات والمكتبات والقيساريات، مثلما نلحظها من كثرة القباب الرائعة، العائدة إلى تلك الأزمان....
شخصياً، لي ذكريات حميمة في سوق الجمعة، تعود خصوصاً لفترة عملي مراقباً صحياً تابعاً لمحافظة دمشق. إذ كان دوامي تارةً نهاراً وأخرى ليلاً، مما هيأ لي فرصة ملاحظة حركة السوق بشكل جيّد. كذلك، كنت أطلع على كنوز الأوابد العتيقة هناك، كمقام الشيخ محي الدين بن عربي، شيخ الصوفية، والمسجد المظفري والمدرسة الخاتونية وغيرها من الأماكن؛ أنا من كان منذ ذلك الوقت يهتمّ بتاريخ وآثار الشام في العصور الوسطى.....
ومع الأصدقاء، اعتدت على أن أغشى السوق ليلاً في جولة على الأقدام إلى أحد المحلات الثلاثة لآل " بوز الجدي "، المعروفين بتقديم أشهى الفتات والفول والحمّص والفلافل. هناك، كنا أحياناً نلتقي مع أفراد الفرق الفنية، الذين كانوا يهرعون إلى هذه المطاعم بعد انتهاء عروضهم على خشبات مسارح المدينة؛ مثل المرحومين المبدعين محمود وناجي جبر وطلحت حمدي وياسين بقوش وزياد مولوي.

3
" أحمد فؤاد "؛ كان فتىً من جيل شقيقي الكبير، يقيم مع عائلته في أعلى زقاق آله رشي. عندما كان يقف على شرفة منزله ويخاطبُ أحدهم، فإنني كنت أميّز صوته المبحوح وأنا في حجرتي. هيئته كانت مميزة أيضاً، برأسٍ مائل إلى جانب وعينينِ زائغتين. لقد كان مبتلىً بمرض الصرع؛ أو مرض العظماء، كما يُدعى عادةً....!
الشقيقة الصغرى لصاحبنا هذا، كانت أيضاً تعاني من نفس المرض. لقد عملت متدربة عند جارتنا الخياطة، إلى أن تمّ صرفها بعدما جاءتها نوبة الصرع ذات يوم وسبّبتْ هلعاً كبيراً. هكذا نوبة، انتابت مرةً شقيقها وعلى مرأىً مني. كان قادماً لزيارة شقيقته الكبيرة ( المقترنة بابن جيراننا من آل حوطيش )، حينما سقط فجأة على الأرض وهوَ يتشنج بشدّة. ولأنني كنتُ ساذجاً في ذلك العمر، فما أن همدَ المريضُ على أثر انجلاء نوبته، حتى هرعتُ الى البيت كي أقول لأمي: " أحمد فؤاد مااات "....!
والد هذا الفتى المسكين، ما لبثَ أن توفي. كان صديقاً حميماً لوالدي، جمعتهما ميول سياسية واحدة علاوةً على عملهما في مشتل الورود بأمانة العاصمة. على ذلك، سعى والدي في التوسّط لابن صديقه الراحل ليخلفه في العمل هناك. من ناحيتي، تسنى لي أكثر من مرة مرافقة الأب إلى مكان عمله، الأشبَه بجنّة أرضيّة. ثمّة، التقيتُ بجارنا الفتى، الذي اعتاد أن يرحّب بي في الفة كبيرة حينما كان يزور شقيقته. ولكن، لسوء الحظ، فإنّ المقامَ لم يطل بالمسكين في تلك الجنّة. كان يقوم ذات يوم بسَقي الأزهار في منطقة نائية بالمشتل، حينما داهمته نوبة الصرع. أحد العمال، كان عندئذٍ يمرّ بالصدفة من المكان نفسه، حينما بوغتَ بمشهد زميله المنكبّ على وجهه في الحوض الغارق بالماء. ولقد أمكن انقاذ حياة الفتى، إلا أنّ مسألة صرفه من الخدمة كانت قد تقررتْ على الأثر.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25


المزيد.....




- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...
- بين الذاكرة وما لم يروَ عن الثورة والانقسامات المجتمعية.. أي ...
- كيف نجح فيلم -فانتاستيك فور- في إعادة عالم -مارفل- إلى سكة ا ...
- مهرجان تورونتو يتراجع عن استبعاد فيلم إسرائيلي حول هجوم 7 أك ...
- بين رواندا وكمبوديا وغزة.. 4 أفلام عالمية وثقت المجاعة والحص ...
- المعمار الصحراوي.. هوية بصرية تروي ذاكرة المغرب العميق


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 42