أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: اشتباك














المزيد.....

قصة: اشتباك


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


بعد مئة وعشر سنوات مات، لم يفقد تعلقه اللذيذ بالحياة حتى اللحظة الأخيرة، لم يكن مكروهاً من أحد، عاش حياة مديدة فيها الكثير من التقلبات، شارك في العديد من الثورات، وحينما حلت الهزيمة الكبرى لم يفلسف الأمر لأنه – أصلاً – لا يجيد التفلسف، وإنما اكتفى بأن قال: آخ. لم يفرط في التعلق بشهوات الحياة، كان يعشق التدخين في عهد الصبا، ثم ما لبث أن أقلع عن التدخين حفاظاً على عوده النحيل، لم يذق الخمرة بتاتاً ولم يأكل لحم الخنزير، تزوج عدة مرات لأنه لم يرزق بولد إلا وهو في الثمانين من عمره، لكنه رزق بالعديد من البنات.
كان طيباً مع الزوجات الطيبات، إلا حين يغضب منهن، فقد كان يكثر من اشتقاق الألقاب القبيحة لهن، ثم لا يلبث أن يرضى فلا تمحّي الألقاب ولا تذوب، كانت الزوجات يلاحظن أرقه المزمن في ليالي الشتاء، حيث يجلس في فراشه محدثاً نفسه بصوت مسموع، وحينما كانت الزوجات يستيقظن من نومهن ويسألنه عما يفعل، كان يقول، إنه جده السابع الذي مات قبل ستمائة عام، يأتي، فيقصّ عليه أعذب القصص ثم يتبادلان الكلام، فلا تفعل الزوجات سوى الركون إلى الصمت، إذ لم تكن لديهن حيلة أخرى.
كان له صوت خافت فلم يرتفع يوماً بأذى ضد الناس، كانت له ضحكة ناعمة فلم يقهقه في حياته مرة واحدة، وكانت له طريقته الخاصة في المزاح، أحبّ أطفال الحي كلهم، وأطفال الحي بدورهم أحبوه، كان يداعب الواحد منهم قائلاً له "تعال يا أبو خصوة"، وحينما يفرط في المزاح كان ينادي الواحد منهم قائلاً: "تعال يا كلب يا ابن الكلب" ثم يطلق ضحكته الناعمة، ويقبل الأولاد على الجبين.
كان يذهب كل صباح إلى حانوته الصغير، يبيع القمح والشعير والذرة، ولا يتقاضى الثمن من زبائنه الفقراء إلا مرة كل عام، كان لا يعرف الكتابة، وكان يقول: إن عقلي دفتر لا تضيع منه شاردة أو واردة. لم يكن محباً للتبذير والمباهاة، كان يتناول طعامه البسيط في المطعم القريب، ويصلي في المسجد صلاة العصر ثم يعود إلى بيته في المساء.
مات على حين غرة في الصباح الماطر، اجتمع أهل الحي واجتمع الشباب، هيأوا له جنازة مهيبة في الزمن الذي تفاقم فيه القتل على أيدي الأعداء. مات وهو يتأسى على مصير البلاد، خرجت جنازته تدوي بالهتاف وبالنشيد. جاء الجنود وصبّوا على الجنازة وابلاً من قنابل الغاز، ما اضطر أهل الحي إلى الدخول معهم في اشتباك.
الرجل الذي مات في فراشه هذا الصباح لم يعجبه هذا الحال، صاح وهو في ذروة موته: سأقارع الغزاة.
حينما انفضّ الاشتباك، عاد أهل الحي ليجدوا النعش فارغاً، والرجل الميت لم يعد إلى نعشه حتى الآن.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: وديدة
- قصة: التمثال
- قصة: حالة
- قصة: العلم
- سطوح الأشياء
- قصة: الراقصات
- قصة: إقليم الحليب
- قصة: منال
- قصة: خروج
- مروان
- قصة: انتحار
- عرض أزياء
- قصة: مرايا
- قصة: بيان
- قصة: كلاب
- قصة قصيرة جدًّا: أرغفة
- قطط
- الاحتفال
- مطر
- زمن آخر


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: اشتباك