أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن محسن رمضان - بولس - 3 - بولس والشيطان















المزيد.....

بولس - 3 - بولس والشيطان


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4638 - 2014 / 11 / 19 - 18:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



(إني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح)
بولس مخاطباً أهل رومية
[رسالة بولس إلى أهل رومية 7: 18]



تطرقنا في المقالتين السابقتين إلى اعتقاد بولس بأنه ممسوس من ملاك أو رسول الشيطان في جسده، فهو يقول صراحة لأهل كورنثوس: (أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني)، وذلك حسب الترجمة الرسمية لرسالته، أما الترجمة الحرفية (أُعطيت شوكة في جسدي، رسول [ملاك] الشيطان حتى يعذبني بشدة) [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 7]. وأن هذا المس الشيطاني كان يسبب له عذاب هائل من نوع ما جسدياً وذهنياً [انظر الهامش رقم 1 و 2]. وقد برر بولس لأهل كورنثوس بقاء ملاك أو رسول الشيطان معه ليسبب هذا العذاب له حتى لا يكون (فخوراً)، ولكنه تضرع لإلهه يسوع ثلاث مرات ليزيل عنه ملاك الشيطان، إلا أن طلبه هذا قد رُفض بعد أن قال له إلهه، وحياً، (تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل) وذلك حسب الترجمة الرسمية لرسالته، أما الترجمة الحرفية لِما هو موجود في رسالة بولس: (قال لي: "نعمتي كافية لك، لأن القوة تُصنع كاملة في الضعف") [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 9] [انظر الهامش رقم 2]. إلا أن المشكلة هنا أن (ذلك التبرير الغريب) الذي كتبه بولس في رسائله لأتباعه ليفسر به ديمومة مرضه هذا، معتقداً بأنه مس ملاك الشيطان، قد ألقى بظلاله على كتابات بولس برمتها، (وليتحول إلى عقيدة راسخة ألقت بظلالها حتى على كتبة الأناجيل ذاتهم) الذي أتوا بعد وفاة بولس بعقود ليكتبوا أسطورة حياة يسوع. إذ (فكرة الشيطان) في المسيحية (قد تطورت على يد بولس بالذات، وبسبب مرضه هذا الذي اعتقد بأن المتسبب به هو الشيطان الموجود في جسده)، ولتأخذ أبعاداً غير مسبوقة إطلاقاً في الديانة اليهودية، ديانة يسوع وبولس الأصلية. فـ (الشيطان) في المسيحية هو (ذو هيمنة مطلقة) على الأرض وأناسه، وذو (استقلالية) في الأرض وممالكها وسكانها، وذو عداء شرس مع الله لا تشير لها، صراحة على الأقل، الكتابات المقدسة اليهودية. فعلى سبيل المثال، في (سفر أيوب)، أحد الأسفار اليهودية المقدسة، نجد حضوراً للشيطان مع الله في وسط (أبناء الله)، ونجد حواراً (هادئاً) ومِن ثم (رهاناً) بين الله والشيطان: (ذات يوم انه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، و جاء الشيطان أيضاً في وسطهم. فقال الرب للشيطان: من أين جئت؟ فأجاب الشيطان الرب وقال: من الجولان في الأرض، ومن التمشي فيها) [أيوب 1: 6-7]. حميمية الحوار واضحة جداً، والهدوء الذي يُميّز جواب الشيطان في حضرة الله أوضح من حميمية الحوار: (من الجولان في الأرض، ومن التمشي فيها). إلا أن قدرات الشيطان لا تزال (محكومة ومقننة) بمشيئة الرب في الفضاء اليهودي: (فقال الرب للشيطان: هوذا كل ما له [أي لأيوب] في يدك، وإنما إليه [أي على أيوب] لا تمد يدك) [أيوب 1: 12]. فالشيطان، في الفضاء اليهودي، معدوم الاستقلالية المطلقة في الأرض، إذ لا يزال الإله اليهودي هو (الحاكم المطلق) حتى عند قوى الشر التي نرى في مجرد تواجدها عنده، أي في حضرة الإله اليهودي، اقرار واضح منها (بأنها مجرد أداة في يده). إلا أن الفضاء اللاهوتي المسيحي، وعلى يد بولس بالذات، وبسبب اعتقاده بأن المسبب لمرضه المزمن هذا هو الشيطان، قد (طوّر) فكرة سلطة الشيطان ليخرج بها إلى (آفاق جديدة غير معروفة إطلاقاً في الفضاء الديني اليهودي الرسمي) ولكننا قد نجد بعض ملامحها في الكتابات المنحولة. فما الذي يدعو كاتب إنجيل لوقا، على سبيل المثال، أن يكتب على لسان الشيطان تلك العبارة في أسطورة تجربة يسوع من الشيطان: (ثم أصعده إبليس [أي أصعد يسوع] إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة [أي جميع ممالك العالم كلها] في لحظة من الزمان، وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إليَّ قد دُفع) [لوقا 4: 5-6]؟! جميع ممالك العالم المسكونة قد دفعها (الرب) إلى الشيطان، وهو، أي الشيطان، يتصرف بها بما يشاء ويرغب، مستقلاً عن إرادة الإله، ويعطيها مَنْ يشاء حتى إلى (إله بولس) نفسه، يسوع، وذلك فقط إذا رغب الشيطان بذلك؟!!! (هل لاحظ القارئ الكريم المفارقة هنا؟!). الشيطان هو، إذا رغب بذلك، يُعطي لإله المسيحية الأرض وممالكها وسكانها. هذا (التطور الهائل في فكرة الشيطان في المسيحية مقارنة باليهودية) هو الذي يُعطي المفتاح (لفهم الكثير من كتابات وعقائد بولس) بالإضافة إلى محاور أخرى بالطبع. إذ هي بالفعل (من أغرب العقائد في الشيطان عند الديانات التوحيدية الثلاث بدون استثناء، وأساسها ومصدرها ومنشؤها الأول هو رغبة بولس في تبرير مرضه أمام جمهوره الذي لاحظ أمراً غير طبيعي فيه)، ويالسذاجة البشر.

بسبب تلك (الحقيقة)، اتجهت أنظار الباحثين لمعرفة (أعراض مرض بولس) الذي اعتقد أن الشيطان مسؤول عنه. إذ بسبب هذا (المرض وأعراضه عنده) تكونت عقيدة مسيحية (يؤمن) بها مئات الملايين من البشر اليوم على أنها نتيجة (وحي إلهي مسؤول عنه روح القدس).

ما الذي كان يعاني منه بولس؟

حتى نجيب على هذا السؤال لابد لنا أن نركز انتباهنا على رسائل بولس التي مِن المؤكد أنها هو الذي الذي كتبها وليس الرسائل المزورة باسمه والمنحولة عليه [لقائمة الرسائل المزورة باسمه في العهد الجديد، انظر الهامش رقم 1]. فإذا قرأنا بتمعن هذه الرسائل فإننا (سنُصدم بنص فائق الغرابة) لأنه بمثابة (اعتراف من جانب بولس لِما كان يُعانيه). ففي رسالته إلى أهل رومية، كتب بولس لهم الآتي:

(إننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية، لأني لست أعرف ما أنا أفعله، إذ لست أفعل ما أريده، بل ما أبغضه فإياه أفعل. فإن كنت أفعل ما لست أريده، فإني أصادق الناموس أنه حسن. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة فيّ. فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ، أي في جسدي، شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد، لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة فيّ. إذا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي، فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي).
[رسالة بولس إلى أهل رومية 7: 14-23]

بالطبع، وكالعادة، الترجمة الرسمية العربية (مبهمة وغير قابلة للفهم السليم لِما قاله بولس على الحقيقة). إذ المترجمون المسيحيون العرب، وكما دللنا على ذلك مرات كثيرة، (لا يجدون حرجاً إطلاقاً) في تبديل معاني الكلمات أو تلطيفها أو حتى تزويرها لإخفاء المعنى الحقيقي. المشكلة أن الترجمات الغربية الحديثة، تحت ضغط النقد الأكاديمي الصاخب والواضح، قد تراجعت تدريجياً عن تلك الممارسات ونقحت ترجماتها، إلا، وكما هو متوقع، المترجمون المسيحيون العرب والمؤسسة الكنسية العربية، الذين يصرون على (تلك الكارثية العربية المترجمة والتي يسمونها "الكتاب المقدس") غير واعين، أو ربما متغافلين متعمدين، أن حتى لاهوتهم العربي المبني على تلك النصوص المترجمة واستدلالاتها هو (ساقط الدلالة وغير ذي قيمة لأنه مبني على ترجمة غير أمينة لتلك النصوص). ولكن، ولسبب ما، يبدو أن ذلك غير ذي أهمية عندهم. إذن، وحتى نفهم ما قاله بولس أعلاه، سوف أستخدم هنا ترجمة (The New Oxford Annotated Bible) ونسختي الشخصية هي النسخة المنقحة للطبعة الرابعة لسنة 2010. يقول بولس (حرفياً) في ذلك النص أعلاه:

(إننا نعلم أن الشريعة اليهودية شريعة روحية، ولكن جسدي أنا قد بيع لعبودية الخطيئة. لا أفهم ما أفعله أنا. لأنني لا أفعل ما أريده، ولكنني أفعل الأشياء ذاتها التي أكرهها. الآن، إذا عملتُ الأشياء التي لا أريدها، فإنني سأرضى بأن الشريعة اليهودية شريعة جيدة. ولكن الحقيقة هي أننى لا أفعل أنا ذلك الآن، ولكن الذي يفعل ذلك هو الخطيئة الساكنة في داخلي. لأنني أعرف بأنه لا يوجد في داخلي شيء صالح، أي في داخل جسدي. أستطيع أن أريد ما هو صحيح، ولكنني لا أستطيع فعله. لأنني أنا لا أفعل الصالح الذي أريده، ولكن الشر الذي لا أريده هو الذي أفعله. الآن، إذا فعلت الذي لا أريد فعله، فإنه ليس أنا الذي فعله، ولكن الخطيئة الساكنة بداخلي هي التي فعلتها. لهذا، فإنني أجدها شريعة [قانون لازم لي]، وهي متى ما أريد أن أفعل ما هو صالح فإن الشر يكون دائماً قريباً من يدي. أجد سروراً في شريعة الله داخل أعماقي، ولكني أرى في أعضائي الجسدية شريعة أخرى تخوض حرباً مع الشريعة التي في داخل ذهني، وتجعلني أسيراً لشريعة الخطيئة الساكنة في داخل أعضائي).
[رسالة بولس إلى أهل رومية 7: 14-23]

لتفكيك هذا الجزء من الرسالة حتى نصل لفهم كامل لها، يجب أن نعي أولاً أن بولس كان يكتب لأهل رومية وهو (لم يلتقيهم من قبل ولا هم رأوه قبلها). فعلى عكس أهل غلاطية وكورنثوس، مثلاً، الذين رأوه وزارهم قبل أن يكتب رسائله إليهم، فإن أهل رومية قد (سمعوا عنه من مصادر مختلفة، معه أو ضده، فقط). ولهذا السبب (اختفت نبرة بولس المعهودة مع أتباعه)، فلا يوجد مرادف في رسالته لأهل رومية لعبارته الشهيرة لأهل غلاطية مثلاً عندما كتب رسالته لهم: (أيها الغلاطيون الأغبياء) [رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 1و 3]، أو اعترافه بأنه (أذكى)(!!) من أهل كورنثوس وأنه أخذهم بمكر واحتيال: (لكن، إذ كنتُ محتالاً، أخذتكم بمكر) [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 16]، هذه كلها اختفت في رسالته إلى أهل رومية. بولس (كان يعي ويعرف تماماً أن أهل رومية قد سمعوا من مصادر مختلفة، معه أو ضده، وأنهم قد ينقلبون عليه إذا حاول خداعهم أو استخدم عبارات غير مناسبة كالتي يستخدمها مع غيرهم، فكان يجب أن يكون "صريحاً" معهم إلى حد ما، ولكن في نفس الوقت يحاول "يبرر" لهم، فلسفيا(!)، "عيوبه"). وهذا كان (هو الدافع العام لتلك الفقرة أعلاه). بعد أن أن عرفنا السبب، لنتجه الآن إلى تفكيك محتوى الفقرة على (ثلاثة) محاور:


أولاً: [دافع بولس لكتابة الفقرة أعلاه]

معرفة بولس اليقينية أن أهل رومية قد سمعوا عنه من مصادر مختلفة، معه وضده، وبكل ما تحمله تلك المعلومات من تناقضات. فكان لابد له من توصيف وتبرير ما يعرف مقدماً أن أهل رومية قد سمعوا عنه من أعراض مرضه وما نتج عنه من أفعال.


ثانياً: [توصيف بولس للأعراض التي يجدها داخله]

1- جسدي أنا قد بيع لعبودية الخطيئة.
[يُمهد بولس لتوصيف الأعراض بأن جسده قد استعبد للخطيئة. والضمير المستخدم هنا في التوصيف يعني بأن عملية البيع والاستعباد أتت على خلاف رغبة بولس وموافقته. والضمير لـ "السيد" هنا يعود للشيطان الذي استعبده لتلك الخطايا، إلا أن عملية البيع ذاتها، أي الضمير العائد لمن قد تولى البيع مبهم ولم يوضحه بولس، ولكنها قد تشير إلى مسؤولية إلهه الذي رفض تخليصه من "لطم الشيطان" كما كتب إلى أهل كورنثوس]

2- لا أفهم ما أفعله أنا.
[يبدأ هنا بولس في التوصيف الحقيقي لأعراضه المرضية. فيعلن عجزه عن فهم أفعاله. فهو يعاني من حيرة فعلية في فهم نفسه. تلك "الحيرة وعدم الفهم" هو المدخل لشرحه للتناقضات التي يقع فيها كما سوف يشرحها لأهل رومية]

3- فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ، أي في جسدي، شيء صالح.
[بعد أن يعلن عجزه عن فهم أفعاله، يقر بولس بأن ما يوجد داخل جسده، أي المتلبس به، هو ليس صالحاً، والإشارة قطعاً هي للشيطان لأنه كان يعتقد بأنه المتسبب بما كان يعانيه. وهو تبرير استباقي، وسوف يكرره بولس مرة أخرى في تعليله بحيث يتم الفصل الكامل بين "ذهن" بولس ورغباته وبين أفعال جسده والخطيئة، بحيث يكون بولس هو ليس الجسد الذي يفعل الخطيئة، ولكن بولس هو فقط الذهن والرغبة اللتان تريدان الخير والفضيلة (!!!)]

4- أستطيع أن أريد ما هو صحيح، ولكنني لا أستطيع فعله [...] لأنني لا أفعل ما أريده، ولكنني أفعل الأشياء ذاتها التي أكرهها. لأنني أنا لا أفعل الصالح الذي أريده، ولكن الشر الذي لا أريده هو الذي أفعله [...] متى ما أريد أن أفعل ما هو صالح فإن الشر يكون دائماً قريباً من يدي.
[بولس يصف حالة من حالات العجز الجسدي التي يرفض الجسد فيها إطاعة الإرادة الذاتية للفرد. فبولس في توصيف أعراضه يقول بأن في استطاعته أن "يرغب" في أن يفعل الخير، ولكن جسده عاجز تماماً عن فعله ويختار بدلاً من ذلك الشر. فالضمير هنا ضميران: ضمير عائد على "رغبة بولس وذهنه"، وضمير آخر عائد على "جسد بولس". فهو هنا يؤطر لفكرته في الفصل بين ذهنه وجسده، وأن بولس الحقيقي، من وجهة نظره، هو ليس جسده وأفعاله التي تفعل الشر والخطيئة، ولكن بولس الحقيقي هو ذهنه فقط ورغبته في فعل الخير. و "تكرار" هذه المسألة في نص رسالته، والتي تؤكد على أن أفعال بولس تخالف معايير أخلاقية محددة، "يؤكد" على حساسية الموضوع عند بولس وعند أهل رومية معاً. فمن الواضح أن بولس يعرف مقدماً أن أهل رومية ينتقدون عليه بعض أفعاله، أو ربما بعض أعراضه المرضية، ولذلك كان لزاماً عليه أن "يكرر" حتى يركز اهتمام القارئ على تلك الجزئية. فهو يقر لأهل رومية بـ "العجز" وسوف يستخدم هذا العجز كمقدمة للتعليل لِما انتقدوه عليه من أفعاله]

5- أجد سروراً في شريعة الله داخل أعماقي، ولكني أرى في أعضائي الجسدية شريعة أخرى تخوض حرباً مع الشريعة التي في داخل ذهني، وتجعلني أسيراً لشريعة الخطيئة الساكنة في داخل أعضائي.
[يصل توصيف بولس لأعراضه إلى "نقطة الذروة" هنا في تلك الجملة. فهو، من وجهة نظره، يخوض "حرباً في داخل ذهنه"، ولكنها "حرباً خاسرة" لأنه لا يستطيع أن يفرض إرادته على جسده الذي يتصرف "خارج إرادة بولس". فهو "أسير" لشريعة الخطيئة لأن جسده لا يطيع إرادته، وأن تلك "الحرب الذهنية" التي يخوضها قد تركت آثارها على تصرفاته]

الخلاصة: أعراض بولس المرضية تتلخص في: وجود ما يصفه بـ (حرب داخل ذهنه) بين مشيئته التي يختارها وبين جسده الذي يختار دائماً طريقاً مخالفاً. وأنه عاجز عن فهم نفسه تماماً ولماذا هو هكذا. وأنه يريد شيئاً ولكنه "مضطراً" لسبب ما أن يفعل شيء مخالف تماماً لإرادته. وأنه فاقد القدرة [ربما المقصود هنا فترات متباينة وليس بصفة مستمرة] على جعل جسده وأفعاله تخضع لرغباته. وأنه يعتقد بأنه قد "بيع" إلى مَنْ يتحكم بجسده [الإشارة للشيطان].


ثاثاً: [تعليل بولس]

(الحقيقة هي أننى لا أفعل أنا ذلك الآن، ولكن الذي يفعل ذلك هو الخطيئة الساكنة في داخلي [...] إذا فعلت الذي لا أريد فعله، فإنه ليس أنا الذي فعله، ولكن الخطيئة الساكنة بداخلي هي التي فعلتها).
[بولس يقول لأهل رومية: بأن ما قد سمعوه من أفعاله غير المحبذة (ليس هو الذي فعلها)، ولكن الخطيئة الساكنة داخل جسده [الإشارة للشيطان] هي التي فعلتها. ولذلك فإن (بولس بريئ من تلك الأفعال التي فعلها جسده وانخرطت بها أعضاؤه)، وإنما الملوم هو الشيطان الذي أشار إليه في رسالته إلى أهل كورنثوس. وبولس فَصَلَ تماماً بين جسده وأفعاله من جهة وبين ذهنه ورغباته من جهة أخرى. فالأولى، أي جسد بولس وأفعاله مسؤول عنه الشيطان حصراً وليس بولس، أو كما يقول بولس في رسالته لأهل رومية، ولاحظ أنه (يكررها مرتين):
(فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة فيّ) [رسالة بولس إلى أهل رومية 7: 17 و 20]
أما الثانية، أي رغبات بولس الخيرة وذهنه الفاضل كما يقول لأهل رومية، فهذا هو "بولس" الحقيقي. ونراه يختم هذا الأصحاح بعبارة معبرة جداً:
(أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس الخطية) [رسالة بولس إلى أهل رومية 7: 25]
فالفصل الكامل بين "ذهن" بولس ورغباته، وبين أفعال جسده والخطيئة، بحيث يكون بولس هو ليس الجسد الذي يفعل الخطيئة، ولكن بولس هو فقط الذهن والرغبة اللتان تريدان الخير والفضيلة هو التعليل الذي قدمه لأهل رومية فيما سمعوه عن أفعاله التي لا تتسق مع معايير أخلاقية محددة].
انتهى تفكيك النص


ما قرأه القارئ الكريم للتو، تحول إلى (عقيدة مسيحية) راسخة في اللاهوت المسيحي فيما يتعلق بمصطلح (الخلاص). ولكن حتى لا تطول المقالة أكثر من ذلك، سأترك بيان ذلك للقادم من أجزاء هذه السلسة.


....يتبع



هـــــــــــوامــــــــــــــــــش:

1- بولس – 1

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=440701


2- بولس – 2 – بولس والشيطان

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=441248



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بولس – 2 – بولس والشيطان
- بولس - 1
- في مسألة طيران بولس
- حرام - وسيأتي
- مغالطات يسوع المنطقية - 4
- مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
- مغالطات يسوع المنطقية - 3
- مغالطات يسوع المنطقية - 2
- مغالطات يسوع المنطقية - 1
- الإزدواجية العقلانية المسيحية
- في مسألة كلبية يسوع
- في مسألة عري يسوع
- نصوص كذب يسوع
- غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
- التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
- الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
- نصوص التوحش الإسرائيلي
- منطق السقوط المعكوس
- جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
- يسوع والمرأة السورية – 6


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن محسن رمضان - بولس - 3 - بولس والشيطان