أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن محسن رمضان - منطق السقوط المعكوس















المزيد.....

منطق السقوط المعكوس


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4510 - 2014 / 7 / 12 - 20:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    





كتبت هذه المقالة خلال العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة في سنة 2009، رداً على بعض الأصوات والعقليات العربية والكويتية التي رأيناها آنذاك، ونراها اليوم، تبرر لهذا التوحش الساقط للاحتلال الإسرائيلي. وإن كانت المقالة آنذاك رداً على بعض كُتّاب الصحف الكويتية، فإنه اليوم رداً على بعض كُتّاب وطننا العربي بأسره الذي مارسوا نفس المنطق الساقط الذي رأيناه في 2009.



منذ سنوات قرأت في أحد الكتب أن مشكلة، أو بدعة، الأعمدة اليومية في الصحافة العربية هو أن الكاتب مهما كانت عبقريته لا يجد موضوعاً جاداً ليكتب عنه كل يوم. ولذلك فإن أصحاب تلك الأعمدة اليومية يجنحون أحياناً إلى السخافات وتوافه الأمور ليملئوا بها مساحاتهم المخصصة لهم. وبسبب تلك الرغبة في ملئ وتسويد مساحاتهم الصحفية اليومية فإنه حتى منطق الأمور السليم وقواعد الأخلاق ومبادئ البديهة يتم الافتئات عليها كلها لصالح كمية لا بأس بها من "التشنج" الصحفي والذي يوحي بغياب عقل صاحبه، لسبب أو لآخر، عند كتابة مقاله اليومي. فالشعارات، من على وزن (الوطنية) و (حب البلاد) وما شابهها من شعارات خالية المضمون في عقل مثل هؤلاء الكتّاب تكون جاهزة دائماً لتبرير كل "سخافة" يتفتق عنها عقله في قضية محددة يكتبها في هذا الواجب اليومي له المُسمى (عمود صحفي). فالإنسانية مثلاً يتم الافتئات عليها تحت دعاوى الوطنية، وكوارث السياسة والتخطيط يتم تبريرها تحت دعاوى الولاء بمختلف أنواعه، والدكتاتوريات يتم الرضى بقبول همجيتها تحت دعاوى الدين والمنهج. فكل شيء في عقول هؤلاء له شعار مناسب، وله منطق مناسب، يتم إلصاقه بكل حالة "هذيان" تتفتق عنها اذهانهم.

ولا تشذ الصحافة الكويتية عن هذا السياق، فلنا نصيبنا العادل من هؤلاء في صحف مختلفة. ولكن المختلف أن مثل هؤلاء الكتاب يمثلون كل شيء متناقض إما بين ما يكتبون وحياتهم الشخصية، أو بين ما يكتبونه اليوم وما كانوا يكتبونه بالأمس. ولا عجب، فالكاذب ينسى لا محالة، والمحتال تختلف أدواته بإختلاف الظروف. فـشعار "الوطنية" بالأمس كانوا يرقصون به لصدام حسين حتى آخر قطعة كانت تستر جسدهم، حتى إذا غزانا "سيف العرب" كما أسموه لنا، لبس هؤلاء الراقصون الوطنيون ملابسهم وركبوا سياراتهم وكانوا أول من وصل من الكويتيين إلى حدودنا الجنوبية. فـ "وطنية" هؤلاء تعني أنه لا بأس أن يغزو "حامي البوابة الشرقة" جاره الشرقي إيران ويحتل أرضها ويشرد شعبها ويقتل ويعتدي على أطفالها ونسائها و "يرش" سلاحه الكيماوي عليهم وعلى الأكراد، ولكن نفس هذه "الوطنية" عند هؤلاء لا تبيح له أن يفعل نفس الشيء تماماً معنا كجاره الجنوبي. وقبول شعار (من زاخو إلى البحر) هي ليست وطنية عندهم ولكن أفعال (من زاخو إلى طهران) هو لب الوطنية وجوهرها. فـ "وطنية" هؤلاء تحتمل ألوان الطيف كلها، وبها يتقلبون على الظهور والبطون كلما تغيرت درجة الحرارة في خارج ابواب مكاتبهم في الصحيفة، وربما أيضاً درجة تغير مزاج ولي النعمة حامي حمى "ثرواتنا" خلال غزو صدام حسين [المقصود هنا أحد مُلاك الصحف الكويتية]، سيفهم العربي، لبلادنا. وعلى هذا المنوال كان شعار (الفرس المجوس) في ثمانينات القرن الماضي عذراً كافياً ليتم تحت دعوى "الوطنية" تبرير حملة خفية بائسة لتغريب المواطنين الكويتيين من الشيعة داخل وطنهم واضطهادهم ومحاربتهم في كل شيء حتى لقمة عيشهم. فـ "بوابة" هؤلاء الشرقية كانت لابد وأن تمر على كرامة مواطنيهم المختلفين عنهم مذهبياً، حتى إذا اختلفت الظروف وتبدلت الأحوال طغت عليهم عقد نقص "الأصول" وأوهام "العرق النجدي النقي" وتبرير الهجرات شرقـاً وشمالاً، ثم لتتبدل وطنية "البوابة الشرقية" إلى وطنية الهيمنة السعودية والتي كانوا يعادونها عداءاً "وطنياً"(!) في الثمانينات، ثم ليكون الهدف واحد. فلا شيء مختلف هنا، اللهم إلا ملابس الرقص فقط.

ولا يشذ عن هذه "الوطنية" عندما كتبوا يمتدحون قتل جنود المارينز الأمريكيين بواسطة سيارة مليئة بالمتفجرات في بيروت، فيومها كانت هذه هي "الوطنية"، ومن قام بها "وطني". ولكن اليوم تبدل "المايسترو"، فتبدلت المعزوفة، وبالتالي تبدلت "الوطنية". فأصبح أبطال الأمس، خونة اليوم ووسيلة إيرانية لبسط هيمنتها في لبنان، وأصبحت إسرائيل بريئة في هجومها على لبنان، وكل الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء الذين سقطوا في لبنان سنة 2006 هم جريرة أبطال الأمس.

وعلى هذا المنوال، منوال الوطنية الزائفة المزعومة، كتب هؤلاء يبررون للعدوان البربري على غزة، يبررون قتل الأطفال والنساء والشيوخ، يبررون هدم المساجد والمدارس على رؤوس من فيها، ثم لتتصدر مقالاتهم موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية [كانت وزارة الخارجية آنذاك ترصد المقالات العربية المؤيدة لها وتنشرها على موقعها الإلكتروني]، وكل هذا لأنهم "وطنيون". فـ "الوطنية" بعد أن شربت "كأسها" ودخنت سيجارها الكوبي وراجعت شجرة النسب لتتأكد فقط من "أصلها" ثم تذكرت الفنادق التي مرت عليها خلال الإحتلال العراقي للكويت والتي "كافح" منها هؤلاء خلال نضالهم الوطني، قررت أن آباء هؤلاء الأطفال ربما قد يكونوا هتفوا لصدام حسين خلال غزوه للكويت، ولذلك فلا بأس أن يموت الأطفال والنساء وتهدم البيوت والمساجد والمدارس فوق رؤوسهم أجمعين. وإذا كان منطق هؤلاء الوطني يقول لهم هذا، فمن باب أولى أن "الراقصين" لصدام حسين أيضاً يجب تعليقهم على الخوازيق في (ساحة الصفاة) عندنا، لأن الرقص أشد "عرياً" من مجرد الهتاف وأدنى كرامة وأحط عزة وأقل رجولة. أم أنه يجوز لهؤلاء "الوطنيين" من الرقص ما لا يجوز لغيرهم من الهتاف (؟!). وأما دعوى "إرهاب" حركة حماس وأن اليهود إنما يقومون بعمل ضد هذا الإرهاب، فلا أدري في الحقيقة ما أجيب هؤلاء به، والسبب هو أن "المال الحرام" لا ينبت عليه إلا "اللحم الحرام"، واللحم الحرام لا ينبت إلا بعد أن يمتلك صاحبه ضميراً حرام. والضمير الحرام سوف يتقلب ذات اليمين وذات اليسار حتى إذا سأل أحدهم صاحب هذا الضمير متعجباً "إنتْ يهودي؟!"، والسؤال باللهجة العامية الكويتية، كانت الإجابة تحمل نبرة الفخر بـ "الوطنية" عابرة القارات والأديان. ولا شيء يستعصي على "وطنية" هؤلاء.

وغير هؤلاء، هناك آخرون تفتقت أذهانهم عن حجة "ذكية". يقولون لا يحق لكم الاعتراض على قتل أطفال الفلسطينيين ونسائهم في العدوان على غزة لأننا لم نسمع أبداً أنكم اعترضتم على قتل أطفال الصومال وأطفال الكونغو الديموقراطية (!!!) ولأن (المبادئ لا تتجزأ). وأنا أقول جيد جداً، وعلى هذا المنطق (الذكي) فليقتل من يشاء أطفالكم أنتم وليهدم بيوتكم فوق رؤوس نسائكم، كما لا يجب أن يفوته أن يهدم أيضاً المدارس "الوطنية" الأمريكية والإنجليزية فوق رؤوس من يدرسون فيها حصصاً أكثر من (الموسيقى) كما طالبتم من قبل، ولا يحق لكم أيضاً أن تعترضوا لأننا لم نسمع أبداً أنكم كتبتم حرفاً واحداً عن أطفال الكونغو الديموقراطية، أم أن مبادئكم تتجزأ ومبادئنا لا (؟!). أمّا إذا قررتم الإعتراض و "الصراخ" كما فعلتم من قبل في مواضع كثيرة، فلماذا لا يحق لنا أيضاً أن نعترض(؟). ولا أعتقد أنني سوف أسمع إجابة منطقية لأن هؤلاء في يوم ما أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما حكمت المحاكم الكويتية بتجريمهم في إهانة الأنبياء على أساس أن ما قالوه هو "حرية رأي وتعبير وفكر"، ولكنهم بعد ذلك كانوا أول من ركض إلى المحكمة ليرفعوا دعوى ضد من انتقدهم وانتقد أفكارهم وما يكتبوه. وعلى هذا الموقف الفذ، جاء المنطق الفذ أعلاه، ولا فرق بين الأمس واليوم.

أما أخيراً، فأنا أعف واتقزز أن أجعل ختامها بمثل هؤلاء وبذكرهم، ولكنني أقول:

صبراً أهل غزة، فما ضرّ أهل بدر هجاء عبدة الأوثان.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
- يسوع والمرأة السورية – 6
- أكره أن أودع أحداً
- حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
- يسوع والمرأة السورية – 5
- أنتم صنعتم داعش
- يسوع والمرأة السورية – 4
- يسوع والمرأة السورية – 3
- يسوع والمرأة السورية – 2
- يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
- السلفية المسيحية
- مقدمة في مفهوم السلفية
- لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
- في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
- لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن محسن رمضان - منطق السقوط المعكوس