أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - مقدمة في مفهوم السلفية















المزيد.....

مقدمة في مفهوم السلفية


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يبدو مصطلح "السلفية" من أكثر المصطلحات غموضاً في أذهان كثير من الناس. بل إن هذا الغموض امتد ليشمل قطاع عريض من الكُتّاب اليوم إلى درجة أن بعضهم "سلفي" أكثر من السلفية الإسلامية التي ينتقدها في كتاباته وآرائه، ولكن من دون أن يعي ذلك أو حتى يدركه. وإن كانت تلك الحالة العامة هي في حقيقتها حالة (طريفة) كان يتندر بها بعض المثقفين في الغرف المغلقة، إلا أنها اليوم تطورت إلى حالة (مأساوية) في المفاهيم والقناعات العامة بحيث أصبح (المفهوم الخاطئ للسلفية) هو الراسخ حتى في الذهنية الثقافية. هذا الرسوخ للمفهوم الخاطئ للسلفية بصورته العامة وصل إلى درجة في الأذهان إلى الحد أن أي محاولة لإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح تواجه إما بعدم الفهم أو حتى أحياناً بالرفض. وإن كنت قد كتبت مقالات سابقة، بالإضافة إلى كتاب مستقل، في السلفية، إلا أنه من الواضح أن هذا المصطلح بحاجة إلى توضيح وشرح، وربما تبسيط، حتى يتجلى المقصود منه عند إطلاقه على عمومه، وحتى يتضح للقارئ الكريم كيف يُميز (السلفي) أياً كان دينه أو موقفه الأيديولوجي أو الفكري عن غيره.

السلفية، كمصطلح، (ليس مذهباً دينياً إسلامياً) كما يعتقد البعض، ولكنه (منهج عام) يقود الطريق إما إلى عقائد أو قناعات أو مواقف محددة. السلفية هي (قناعة راسخة بأن "الحقيقة" قد حازها أُناس [رموز] سابقون في الزمان، وأن "الطريق" إلى تلك الحقيقة هو بتبني آراؤهم وقناعاتهم ومناهجهم، ولا سبيل إلى "السعادة" [السعادة هنا هي بالمعنى العام المطلق للكلمة] إلا بالعودة إلى فضاء هؤلاء السلف الماضون). إذ الترجمة الأكاديمية (الصحيحة) المرادفة لـ (مصطلح) السلفية في اللغة الإنجليزية هي (Orthodoxy) (أرثوذكسية)، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مفاهيم ومواقف وآراء. جذر الكلمة اليوناني يشير إلى الاعتقاد الراسخ في (ذهنية السلفي) أياً كانت ديانته أو قناعاته الفكرية والأيديلوجية. فالكلمة اليونانية (أورثوس) (orthos) تعني (الصحيح أو القويم)، بينما كلمة (دوكسا) (doxa) تعني (الرأي أو الاعتقاد). وبالتالي فإن (كل موقف فكري أو أيديولوجي أو عقائدي يرى في نفسه، [يقيناً من دون أي احتمال ولو كان بسيطاً بخطأه]، بأنه صحاب الرأي أو الاعتقاد أو الأيديولوجية الصحيحة بسبب [تراث أو نصوص أو مواقف سابقة عليه تاريخياً] فإنه ينطلق من موقف [أرثوذكسي]، أي من موقف سلفي). ولذلك فإن (السلفية) لا تقتصر على دين محدد ناهيك أن تقتصر على مذهب ديني واحد، لأن (كل توجه فكري أو عقائدي أو أيديولوجي أو حتى عرقي من الممكن أن يستظل تحت ظل "السلفية" كمنهج). فكما لدينا التوجه السلفي الإسلامي السني الرسمي (المملكة العربية السعودية) لدينا أيضاً التوجهات السلفية الإسلامية المتطرفة (الجماعات الإرهابية المنتشرة في كل مكان)، وهما متعارضان عدوّان كما هو واضح، ولدينا أيضاً التوجهات السلفية الشيعية (إيران وبعض التوجهات الشيعية في العراق)، وتواجدت السلفيات العرقية (هتلر والرايخ الثالث)، والسلفيات المسيحية (تاريخ المسيحية كله، والتوجهات المسيحية اللبنانية، وبوادر بروزها بين الأقباط، واليمين المسيحي المتطرف في الغرب)، وهناك سلفيات علمانية (النموذج الأتاتوركي في تركيا، وبعض الكتابات الشيوعية). فـ "السلفية" هي (منهج) يرى أتباعه في زمان مضى معين ومحدد، برجاله وعقائده وآلياته وحتى حلول إشكالياته، هو أساس الخلاص ولب الحقيقة وطريق السعادة.

السلفي يعتقد بأن (المعرفة المنطقية والاستدلالية قد وصلت ذروتها مع هؤلاء القدماء [كلمة "قديم" هنا بمعناها النسبي]، ولا سبيل إطلاقاً لـ "حقيقة" من دون استخدام قواعد "سلفه" المنطقية والاستدلالية). وهذا "المنطق" السلفي يقود أتباعه إلى الاستنتاج أنه إذا ما تم تبني منهج هؤلاء "القدماء" فإن طريق "السعادة" هذا سوف يكون ممهداً للخلاص النهائي [الخلاص هنا أيضاً بالمعنى العام المطلق للكلمة، سواء في السماء أو على الأرض]. تلك هي خلاصة "الحقيقة" من وجهة نظر السلفي. فالعقل السلفي لا يستطيع أن يشكك أبداً في (منطق وقواعد استدلال سلفه). عقله لا يعمل في هذا الفضاء إطلاقاً. بل هو يرفض من يشكك فيه، ويعاديه [لاحظ على سبيل المثال الاصرار على رفض الدلالة المباشرة للنص المقدس عند سلفيات الأديان الثلاثة وإصرارهم على الرجوع للتفاسير]. ولكن عقله يعمل فقط، وحصراً، في (استنباطات مختلفة من خلال استخدام قواعد سلفه ومنطقهم ونصوصهم)، ولا شيء آخر. ولهذا السبب فإن "السلفي" يهمه جداً (حرفية النص، نص سلفه بالتحديد)، حتى وإن عابه على "السلفيات" الأخرى من دون أن يعي ذلك [لاحظ على سبيل المثال الجدال الذي يدور بين الشيوعيين على الترجمة الدقيقة لحرفية كلمات كارل ماركس ودلالاتها]. إذ النص عند السلفي، (نص سلفه هو بالتحديد)، هو الشرعية الوحيدة، وما سوى ذلك وهم أو خديعة أو كذب.

المنهج السلفي يقود أتباعه بالضرورة إلى (إيمان راسخ) بأن أدوات (سلفه) المنطقية والفكرية وربما حتى العملية والسلوكية هي الأفضل بمراحل كثيرة من الرؤية المعاصرة. فالقضية عند (السلفي) ليست مخترعات وتطور علوم تجريبية كما يعتقد الكثير، القضية عنده هي مسألة (خلاص نهائي) ولكنها تأخذ أسماء وصور وأشكال متعددة ومختلفة باختلاف السلفيات مثل: (جنة، سماء، القدوم الثاني للمسيح، مملكة إسرائيل، المجتمع الشيوعي، عِرق مهمين ...الخ). ولذلك فإن (السلفية)، أياً كانت هذه السلفية، (تقود أتباعها إلى تلك النظرة التي تزدري الواقع المعاصر)، أي واقع مهما كان، لأنه لا يمثل بتاتاً تلك "المدينة الفاضلة" التي يتوهمون أنها ستقوم لو المجتمع تبنى مفاهيم "سلفه". (فالفرد السلفي في حالة حرب دائمة مع واقعه والمجتمع، لأنه، وببساطة، يزدريهم)، حتى وإنْ حاول اخفاء ذلك بسبب صراع مرحلي أو ضغوط مجتمعية أو قانونية. الفرد السلفي يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه يمتلك الحقيقة النهائية المطلقة للخلاص، ولكنه يرى الواقع والمحيط الاجتماعي والسياسي يستعصي عليه ويرفض أن يخضع لحقيقته "السلفية"، فهما ضدان متناقضان. ولأنهما كذلك فهما، أي الفرد السلفي والمجتمع، في حالة حرب، خفية أو معلنة، إلا أن (أدوات هذه الحرب تختلف من سلفية لأخرى). فالسلفي يرى كل مَنْ يرفض الحقيقة السلفية التي يتوهم امتلاكها إما مبتدع أو كافر أو مجنون أو هرطوقي أو إرهابي أو خائن أو طابور خامس أو عدو أو شاذ متخلف أو ربما (سلفي)(!!!) ولكن من نوع رديئ، لأن مَنْ يرفض الحقيقة بإرادته، الحقيقة التي يقدمها هذا السلفي بالذات للآخر المختلف عنه، كما قال روجيه غارودي، هو مبتدع أو كافر أو مجنون أو خائن أو هرطوقي أو عدو ومكانه ساحات القصاص والمحاكمة أو المصحات العقلية (مراكز الإرشاد الديني، مراكز إعادة التأهيل الشيوعية ..الخ) لإعادة تأهيله.

الخلاصة هي أن (السلفيون) هم كثُر حولنا، وينتمون إلى أديان ومذاهب وعقائد وفلسلفات متعددة وكثيرة ومتنوعة. وإنما الوهم ينشأ في تحديدهم على أنهم كذلك من حقيقة أن التركيز الإعلامي هو على التطرف السلفي الإسلامي بالتحديد بحيث أصبحت الذهنية الثقافية، بل أحياناً الأكاديمية للأسف، لا تستطيع أن ترى (السلفي) إلا ضمن هذا المحيط الإسلامي المتطرف. السلفية هي (منهج) وليست (دين).

السلفيون، حليقي اللحى طويلي الثياب من الرجال، والسلفيات سافرات الوجوه وقصيري الثياب من النساء، حولنا كثير.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
- في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
- لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
- ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 3
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
- كتابي في نقد النص المسيحي المقدس
- تزوير مسيحية يسوع – 28
- تزوير مسيحية يسوع – 27
- عندما يُنتحل اسمي في مقالة
- تزوير مسيحية يسوع – 26
- عندما تسحب السعودية والبحرين سفيريهما
- تزوير مسيحية يسوع – 25


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - مقدمة في مفهوم السلفية