أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - في مسألة عري يسوع















المزيد.....

في مسألة عري يسوع


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 23:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في البداية شكر خاص:
أتقدم بالشكر الجزيل إلى البروفيسور جيمس آلف (Stephen Ulph)، من مؤسسة جيمس تاون (Jamestown Foundation)، على رغبته ومن ثم تطوعه بترجمة بعض مقالاتي على الحوار المتمدن إلى اللغة الإنجيليزية وإصدارها في كتاب مستقل ضمن مقالات آخرى. وسوف تشمل الاهداءات لهذا الإصدار، كما قال لي، ليس فقط المؤسسات العلمية ولكن وسائل الإعلام أيضاً. فله مني جزيل الشكر وعظيم الامتنان على تطوعه الكريم هذا وتصديه لصعوبات الترجمة.




لا أزال في إجازتي السنوية، ولا تزال النقاشات والمحاورات، بصورة مباشرة أو من خلال المراسلات، مستمرة بصورة متقطعة. آخرها كان نقاش مباشر ممتع جداً مع صحبة رائعة عن مسألة (عري يسوع). وفي الحقيقة، لقد تطرقت لهذا الموضوع في أماكن أخرى، ولكن نزولاً عند رغبة بعض القراء والمتحاورين الكرام، فإنني أضع أدناه خلاصة، من مقالات سابقة، لهذه المسألة.



كتب البابا يوحنا بولس الثاني (Pope John Paul II) في سنة 1981 مقالة بعنوان (العري ليس [بعمل] غير محتشم) (Nakedness Is not Immodest). نقل هذه المقالة (جِيم كانغهام) (Jim C. Cunningham)، ولكن بصورة مختصرة، في كتابه (المسيحية والتعري) (Nudity and Christianity). في هذه المقالة نجد البابا يوحنا بولس يقول: "إن الاحتشام الجنسي لا يمكن أن يكون طريقاً للاستدلال عليه من خلال استخدام الملابس، كما أنه لا يمكن الاستدلال على انعدام الشعور بالخجل أو بالعار (shamelessness) من خلال انعدام الملابس والعري الجزئي أو الكلي (...) انعدام الشعور بالخجل والعار لا يجب أن تتم مساواته بالعري. انعدام الاحتشام موجود فقط عندما يلعب التعري دوراً سلبياً فيما يخص قيّم الإنسان (...) اللباس هو دائماً مسألة اجتماعية". بالطبع، البابا يوحنا بولس الثاني كان مضطراً اضطراراً إلى هذا الرأي، لأنه، وببساطة شديدة جداً، إذا تبنى عكس هذا الرأي (فإنه سيطعن بإلهه المصلوب عارياً على الصليب) [سوف أتطرق للأدلة على عري يسوع أدناه]. (النصوص المقدسة المسيحية تضطره إلى هذا الرأي). فهذه النظرة للجسد الإنساني ليست نابعة من تأمل فلسفي مجرد كما يحلو للبعض أن يتوهم، ولكنها (اضطرار عقائدي يريد من خلاله أن يُحصّن ذات إلهه المصلوب وفضاء قيمه الأخلاقية). إذ بدون هذا الموقف الأخلاقي وتلك النظرة للجسد العاري فإن (يسوع سيتدنى جداً وينحدر، بعريه التام على الصليب، في المعيار الجمالي المطلق). وهذا هو بالضبط المعيار الأخلاقي المسيحي العام الذي يدافع عنه المناخ المسيحي الكاثوليكي بشكل خاص من خلال الإشارات والإيحاءات المباشرة في الرسومات العارية للجسد الإنساني التي تملأ حيطان وأسقف الفاتيكان على الخصوص، واعتبار أن الموقف الاجتماعي والثقافي العام من (التصوير العاري) (pornographic culture) والتعرض العام له هو مجرد سياق نسبي اجتماعي. إنه موقف اضطراري مسيحي (من دونه سيسقط إلهه ذاته، يسوع). إذ العري كان محصوراً في (الإنسان) فقط، وليس الآلهة، في نصوص العهد القديم [آدم وحواء على سبيل المثال]، ولكن نصوص العهد الجديد المسيحية وجدت نفسها، من دون قصد أو رغبة ولكن على الأرجح كانعكاس للثقافة الرومانية التي تصوّر آلهتها عراة، أمام إله جديد، يسوع، تريده أن يُعبد ولكنه يقف عارياً تماماً في أكثر من مناسبة وعلى الصليب أمام الناس. شيء صادم جداً، ومتدني أيضاً، للثقافة اليهودية على الخصوص الذي نشأ فيها يسوع. فكان ولابد أن تجعل هذا العري لا يناقض القيم الاجتماعية السائدة وإلا انحدر يسوع أخلاقياً معها. أيضاً، هي مفارقة غريبة وطريفة في آن واحد. هي غريبة لأنها تُثبت تدخل رجال اللاهوت المسيحي في تحوير وتغيير القيم الأخلاقية والجمالية لصالح عقيدة مُسبقة، بالرغم ما قد يصاحبها من أمراض نفسية وسلوكية. وهي طريفة لأن المجموع العام للمؤمنين المسيحيين لا يزال لديه انطباع بأن التعري يناقض الفضيلة الأخلاقية، ويتعامل مع كهنته على هذا الأساس، (بينما رجال كهونته يتبنون عكس الموقف الأخلاقي تماماً ولكن من دون أن يبرزوها كدعوة عامة لأتباعهم). وبهذا يكون لرجال الكهنوت المسيحي معيار أخلاقي مغاير لذلك الموجود عند عامة المسيحيين، بل هو (أكثر تحرراً، إن صح التعبير، فيما يخص التعري والنظر للجسد العاري). ومِن هذا المعيار ينطلق الكهنة المسيحيون في سلوكياتهم من دون شك. وبالتالي فإن النظرة المسيحية العامة للجسد العاري على أنه في ذاته لا يُمثل قيمة أخلاقية متدنية عن الجسد المكتسي (لابد وأنها ألقت بظلالها على ممارسات الكهنة المسيحيين في اعتداءاتهم الجنسية على الأطفال والبالغين معاً) [انظر سلسلة مقالات: مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي]. فالقضية كلها (تدور على النص المسيحي المقدس وتأثيراته على الوعي واللاوعي الإنساني، وما ينتج عن هذا النص من آثار وسلوكيات سلبية داخل الإطار الكنسي ومن جانب رجال دينه). وهذا في ذاته نقطة تستحق الدراسة والبحث المتعمق.

عندما يقرر الرومان، منذ ما قبل عهد يسوع وخلال عهده وبعده، أن يصلبوا أي أحد كان، مهما كان وضعه أو مركزه السياسي أو الاجتماعي، رجلاً كان أو امرأة، وبدون استثناء [الصلب عقوبة العبيد على أية حال، ومن أحط العقوبات الرومانية] فإنهم (يصلبونه عارياً تماماً). هي (حقيقة تاريخية ثابتة لا يعرف لها التاريخ الروماني أي استثناء إطلاقاً). ولذلك فإن (يسوع، في الحقيقة، لابد وأنه صُلب عارياً تماماً كما ولدته أمه)، على عكس الذهنية المسيحية العامة التي تراه عكس ذلك مصوّراً في الكنائس وبعض النصوص. تلك (الحقيقة التاريخية) نراها واضحة في إنجيل مرقس، أول إنجيل كُتب من حيث التاريخ. إذ نقرأ في هذا الإنجيل قصة صلبه هكذا: (وبعدما استهزأوا به، نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه، ثم خرجوا به ليصلبوه [...] ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها: ماذا يأخذ كل واحد [...] فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح) [مرقس 15: 20 و 24 و 37]. يسوع، في إنجيل مرقس، كان عارياً تماماً على الصليب وثيابه اقتسمها الجنود وهو لا يزال حياَ. أما في إنجيل متّى فنجد يسوع (يقف أمام كتيبة عسكرية كاملة عارياً تماماً). إذ نقرأ في هذا الإنجيل مقدمات صلبه هكذا: (فأخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة، فعروه، وألبسوه رداءً قرمزياً) [متى 27: 27-28]. ثم بعد ذلك، في قصة إنجيل متّى، يتم اقتياده لمكان الصلب ويُصلب هناك. وبالطبع، كاتب إنجيل متّى كان (محرجاً جداً) من حقيقة صلب يسوع (عارياً تماماً) أمام الجميع هذه المرة. إذ (صلبه عارياً تماماً) حقيقة لا يمكن له أن ينكرها في جيله، لأنها، وببساطة، (حقيقة مُشاهدة لقرائه). إنها تجربة مُشاهدة للمجتمع بأجمعه عن كيفية صلب الرومان لكل من يخالف قوانينهم أو يخرج على سلطاتهم. إنهم، وببساطة، يصلبونهم عراة تماماً كما ولدتهم أمهاتهم ثم يتركونهم بعد ذلك لوحوش الأرض والحيوانات الضالة لتنهش أجسادهم. فكيف له أن يبرر (مسيح-إله) عارٍ تماماً، كما ولدته أمه، أمام شعبه؟

كان لابد لكاتب إنجيل متّى أن يُبرر هذه الحقيقة المُحرجة، فبررها هكذا في إنجيله: (ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي: "اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة") [متى 27: 35]. حاول كاتب إنجيل متّى هنا أن يجعل الأمر وكأنها نبوءة إلهية، أو غرض إلهي من نوع ما، بحيث يكون هذا (المسيح-الإله) لابد له أن يصلب عارياً تماماً أمام خلقه ولهدف إلهي خفي لا يُعرف. ولكن، وبالطبع، أينما تقرأ في العهد الجديد كلمة (قيل بالنبي – بالأنبياء - مكتوب)، أو كلمات مشابهة مبهمة من غير تحديد، فشك مباشرة في أن الأمر (خدعة غير نزيهة وتمويه). إذ كاتب إنجيل متّى هنا يقتبس من المزمور رقم 22: (يقسمون ثيابي بينهم ، وعلى لباسي يقترعون) [مزامير 22: 18]، ويحوّل النص على أنه (نبوءة قادمة) في (مسيح-إله) يهودي قادم سيُصلب (عارياً تماماً كما ولدته أمه) أمام خلقه. وهذا المزمور بالذات، المزمور 22، هو من النصوص اليهودية المفضلة جداً في النصوص اللاهوتية المسيحية وعند المبشرين المسيحيين كلهم ولأسباب عديدة. وأيضاً، هذا المزمور هو (أكثر مزمور على الإطلاق تعرض لتزوير الترجمة من العبرية إلى اللغات الأخرى من جانب المترجمين المسيحيين بعد أن كان أولهم كاتب إنجيل متّى نفسه). وإن كنت لا اعتزم التطرق إلى ما فعله المترجمون المسيحيون في النص العبري في هذه المقالة، (فهذا موضوع يستحق مقالة خاصة مستقلة)، ولكن النُقاد يوجهون أنظار اللاهوت المسيحي، ومعه كل من يعتقد بتلك النصوص، بأنهم جميعاً لم يقرأوا، ولا يريدون أن يقرأوا، هذا المزمور كاملاً و (بتجرد نزيه). إذ حتى ولو (افترضنا جدلاً) أن هذا المزمور هو (نبوءة)، وألغينا كل ما نعرفه عن العبرية وتركيباتها اللغوية وقواعدها من معارفنا ومن منطقنا، وغضضنا النظر وتغافلنا عن عمليات تزوير الترجمة التي قام بها المسيحيون، فإن هذا المزمور يقول (العكس تماماً) عما يريده المسيحيون أن ينطق به عن إلههم. إذ المتكلم في هذا المزمور يقول عن نفسه وعن مَنْ تعرض لاقتسام الثياب: (أما أنا فدودة لا إنسان. عار عند البشر ومحتقر الشعب) [مزامير 22: 6]. فهل هذا أيضاً نبوءة في يسوع وتلك هي صفاته؟!



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصوص كذب يسوع
- غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
- التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
- الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
- نصوص التوحش الإسرائيلي
- منطق السقوط المعكوس
- جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
- يسوع والمرأة السورية – 6
- أكره أن أودع أحداً
- حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
- يسوع والمرأة السورية – 5
- أنتم صنعتم داعش
- يسوع والمرأة السورية – 4
- يسوع والمرأة السورية – 3
- يسوع والمرأة السورية – 2
- يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
- السلفية المسيحية
- مقدمة في مفهوم السلفية
- لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
- مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - في مسألة عري يسوع