أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والسياسة المصرية -2















المزيد.....

الأرمن المصريون والسياسة المصرية -2


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4635 - 2014 / 11 / 16 - 11:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يلاحظ أن وضعية أرمن مصر إبان مظاهرات مارس 1919 قد اتسمت بالارتياب من جراء تطورات الأحداث. وقد وقعت خلالها بعض المناوشات الفردية بين رعاع الأرمن والمصريين ، ولكنها لم تقد إلي ردود عنيفة . وحتي ذلك الحين ، لم نلمس أي دور للاحتلال في تأجيج الفتنة بين الأرمن والمصريين.
أما بالنسبة لموجة مظاهرات أبريل 1919 ، فقد بدأت في 3 أبريل بحادثة إطلاق أرمني يمي أرتين أبكاريان " رعية عثماني حماية إنجليزية" النار علي المتظاهرين في ميدان عابدين بالقاهرة . وتتفق جميع المصادر التي عالجت ثورة 1919 علي هذه الحادثة. ويصفها احمد شفيق بقوله:" وحدث أن أقيمت مظاهرة كبري في ميدان عابدين ثم سارت حتي وصلت إلي شارع محمد علي. وبينما كانت في الميدان المذكور أطلق الأرمني الرصاص علي المتجمهرين من أحد المنازل فقتل واحدا منهم. فغضب الناس وأخذتهم الحمية وأرادوا الانتقام من هذا الأرمني نزيل البلاد التي لا ناقة له في الأمر ولا جمل ويعتدي علي الناس بإطلاق الرصاص عليهم، وهم يعبرون عن مكنون ضمائرهم ، فحملوا علي الدار التي أطلق منها الرصاص وأحرقوها انتقاما من هذا الفضولي، ولكن الجنود أطلقوا الرصاص علي المتظاهرين فقتلوا منهم تسعة وجرحوا كثيرين..
ورغم فردية هذه الحادثة وخلفية دوافعها العثمانية- الإنجليزية الواضحة ، إلا انها كانت بمثابة الشرارة الأولي لتأزم العلاقات بين المصريين والأرمن وقتئذ ودخولها في منعطف جد خطير . وطبيعيا ، بدأت أحداث العنف ضد الأرمن منذئذ في دائرة عابدين التي وقعت فيها الحادثة . ولذا ، التمس في اليوم التالي مباشرة بعض الأرمن قاطني عابدين من مطرانية الأرمن الأرثوذكس أن تطلب من السلطات العليا حمايتهم من همجية واشتطاط العنصر العربي ( المصريين).
كما خلقت هذه الحادثة تحديدا ، مناخا ملائما لترويج الإشاعات ضد الأرمن ومناخا أفضل لقبولها. ففي أثناء المظاهرات ، بينما كان الجنود الإنجليز يطلقون النيران علي المتظاهرين، كانت بعض العناصر تمرر إشاعات في لحظة إثارة مثالية ، مفادها أن الجنود الذين يطلقون النيران علي المتظاهرين بينهم مرتزقة من الأرمن المصريين جندتهم السلطات البريطانية لقتل المصريين . وقد انتشرت هذه الشائعات التي وصفها الاتحاد القومي الأرمني بالأسطورة الأكذوبة- بسرعة ملفتة للنظر بين كافة فئات الشعب المصري المتهيج :" .. لم يكن هناك مصري واحد غير مقتنع بالجريمة المزعومة التي ارتكبها الأرمن. فقد بني كل شخص تصوره ورأيه في هذه الإحداث بناء علي ما سمعه من شخص آخر أو معلومات نقلت إليه من مصادر غير رسمية وسرعان ما أدان الرأي العام وبدون دليل ملموس ورسمي الأرمن الموجودين في مصر".
في إطار هذا المناخ المشبع بالتوترات والمحفوف بالمخاطرات والمجازفات والملبد بغيوم الإشاعات اندفعت الجموع الغاضبة ، وأكثرها من العوام، تهاجم الأرمن وممتلكاتهم بشراسة وضراوة في العاصمة والثغر وبعض الأقاليم . ففي القاهرة ، تلاحقت الأحداث بصورة خطيرة وتتضاعفت حدة هجمات العوام علي الأرمن بعد أقل من خمسة أيام علي حادثة عابدين . خرجت أحداث العنف من نطاق عابدين إلي معظم أحياء القاهرة المأهولة بالأرمن . وشهد يوما 8-9 أبريل أعنف مواجهات العنف ضد الأرمن وأكبر قدر من خسائرهم ( 18 قتيلا و19 جريحا ). ويصف المطران توركوم كوشاجيان هذه الأحداث في تقريره قائلا :" .. إن ولع عدد لا حدود له من السوقة العاديين والمتطرفين والثائرين بدون أي معني، لم يكن ممكنا أن يبقي في وضع سلام . فها هي أحداث العنف المتوقعة قد بدأت في 8 أبريل . فتأسيسا علي اتهام كاذب تماما أن الأرمن فتحوا النيران علي الجموع ، وهاجم الغوغاء منازل الأرمن ومحلاتهم ونهبوا محتوياتها وجرحوا الأرمن في الشوارع ببشاعة تحت ضربات الشوم...".
ويؤكد أحمد شفيق توصيف المطران بقوله :" .. فوقعت علي الطريق وفي وسط الميادين مظاهر تقشعر منها الأبدان وتطير ها الأفئدة، ولم تغن نصائح الناصحين ولا إرشادات المرشدين عن غضب الشعب فتيلا ..." . كما زادت الصحافة المعاصرة من مصداقية هذا التوصيف :"... وكان الاعتداء الذي قام به الرعاع المسلحون بالسكاكين والمدي والبلط معظمه موجها ضد السكان م ن الأرمن...".
وقتئذاك ، تسربت سريعا أخبار حوادث"العنف ضد الأرمن" وأسبابها إلي الإسكندرية مما أدي إلي اضطرابات شديدة واعتداءات خطيرة ضدهم هناك.
ولكن ، هذه الاضطرابات وتلك الاعتداءات الجماعية ضد أرمن الإسكندرية لم تستمر طويلا ولم تكن بضراوة أحداث القاهرة. سرعان ما تحولت الهجمات الجماعية علي الأرمن إلي هجمات فردية ، ثم توقفت الاعتداءات الفردية ، ونشر البعض ".. إعلانا صغيرا في الشوارع يدعو فيه الجمهور الوطني إلي مقاطعة الأرمن مع عدم الاعتداء علي أحد منهم...".
ورغم أن العنف ضد أرمن الإسكندرية كان أقصر عمرا وأقل خطرا وخسارة عن القاهرة، إلا أن أكثر من "600" أرمني قد لجأوا في 17 أبريل 1919 للاحتماء بكنيسة بوغوس بدروس الأرمنية في شارع أبي الدرداء خوفا من تطورات الموقف.
ولكن بعد حوالي أسبوع ، وعندما تأكدوا من استتباب الأمن ، عادوا إلي ديارهم ومحالهم.
وبخلاف الإسكندرية ، ترامت أخبار العنف ضد الأرمن إلي الأقاليم ، ولكنها لم تولد أصداء عنيفة ضد الأرمن هناك . ففي شبرا البلد ، انزعج الأرمن بشدة من جراء حوادث القاهرة . ولكن المصريين " بادروا إليهم وأنزلوهم في منازلهم وطيبوا خواطرهم وأفهموهم أنهم يعيشون عيشهم ويحيون حياتهم ". وفي الجيزة ، طبقا لرواية الأهرام:" جاءنا شاب أرمني من الجيزة ، فقص علينا انه كان يعمل هو ورفاقه الأرمن مع إخوانهم المصريين ، فلما أشيع ما أشيع أخذوهم إلي منازلهم ليكونوا مرتاحين مطمئنين".
ونبتعد عن المناطق المجاورة للقاهرة لمتابعة صدي الأحداث في الوجهين البحري والقبلي. ففي طنطا ، وزعت" بعض العناصر.. وريقات صغيرة يتهم فيها ناشروها إخواننا الأرمن سوء النية ". وقد انبرت جريدة ا" الممتاز" الصادرة هناك في دحض هذا الاتهام واصفة إياه بأنه ظن فاسد ، ووصفت الأرمن بأنهم قوم هادئون ، لا تهمهم السياسة في أي شيء لأنهم ليسوا طلاب وظائف. وجل رغباتهم الحصول علي قوتهم،.. وما رأيناهم يوما ما تداخلوا في شئون المصريين ولا شذوا عنا في شيء خصوصا وأنهم قوم عقلاء يعرفون من أنفسهم أقليتها رغما عن أنهم ضيوف في بلادنا. والضيف عادة يقف عند حد الأدب" .
وفي الفيوم ، لم يتعرض الأرمن إلي أية اعتداءات من رعاع المدينة ، ولم يصابوا بأي أذي في الأرواح والأموال بفضل حماية فريق من المصريين لهم خاصة "أحمد بك فنحي عين أعيان المدينة الذي آوانا في بيته".
وهكذا، يلاحظ أن أخبار حوادث العنف ضد الأرمن التي انتشرت بالقاهرة خلال يومي 8-9 أبريل 1919 قد انتقلت من العاصمة إلي الثغر فالأقاليم . ولكن بينما بلغت ذروتها في القاهرة ، وتأرجحت صعودها وهبوطها في الإسكندرية، وتلاشت أصداؤها العنيفة في الأقاليم. إذن ، اتخذ العنف منحني بدا عاليا في القاهرة وانخفض تدريجيا بالابتعاد عنها. ولما كانت القاهرة تمثل بؤرة الأحداث ومحورها ، فنترك الثغر والأقاليم عائدين إلي قلب الميدان.
أحدثت وقائع يومي8-9أبريل هلعا شديدا في نفوس الأرمن وطوفت بمخيلتهم ذكريات الدولة العثمانية الدموية الأليمة. ولذا ، لجأ كثير منهم إلي أفنية مطرانيتي الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك ومدرستي كالوسديان الأهلية وطاشجيان الخاصة. كما ان سكان المنزل الواحد من المستأجرين الأوربيين أو المصريين أو السوريين بداوا يرغمون الأرمن علي ترك منازلهم خوفا من هجمات العوام. ولهذا ، اكتظت بهم الأماكن الآنفة عن آخرها . أما الأرمن المقتدرون ماديا ، فقد انتقلوا إلي الفنادق الكبري أو إلي منازل مأمونة في الأحياء الأوربية أو رحلوا إلي مدينة مصر الجديدة المنشأة حديثا آنئذ.
بلغ إجمالي الخسائر الأرمنية البشرية "60" قتيلا ، منهم "20" شخصا تعرف عليهم ذووهم وأقاربهم ، أما ال"40" الباقون، فلم تعرف هويتهم حيث كانوا من الأيتام . كما بلغ عدد الجرحي"25" فردا تلقوا إصابات بالغة وخطيرة وعاهات مستديمة . ناهيك عن الذين تعرضوا للإهانات والسباب والمعاملة المشينة. أما الخسائر المادية ، فطبقا لإحصائيات الاتحاد القومي ، تعرض أكثر من "550" منزل ومحل تجاري مملوكين للأرمن إلي السلب والنهب والتحطيم وسرقة مقتنياتها الثمينة والسندات والجواهر والنقود والأثاث.
وبدراسة ظروف وملابسات مقتل "20"أرمنيا تحري عنهم الاتحاد القومي الأرمني ، يمكن الوقوف علي جملة ملاحظات :
أولا : تركزت معظم حالات القتلي والجرحي طبعا ، في منطقة عابدين – مهد الفوران- وباب اللوق وشوارع محمد علي وعبد العزيز والموسكي وكلوت بك والظاهر.
ثانيا : تراوحت أعمار القتلي بين 20-35 سنة (10 حالات) و40-50 سنة (7) حالات ، والثلاث الباقيات غير معروفة العمر.
ثالثا: جميع القتلي والجرحي أيضا ، من الذكور دون الإناث.
رابعا : كان معظم القتلي من الحرفيين البسطاء أو صغار الموظفين : بائع الأحذية، إسكافي ، بائع كتب، فران، بقال، لبان، موظف بالمدرسة الأرمنية..إلخ.
خامسا : اشتركت عناصر من الشرطة المصرية في بعض الأحياء الشعبية مع الجموع المتظاهرة في مطاردة العائلات الأرمنية. وكانت تقتل بضربات السونكي الأرمن الذين كانوا يحاولون فقط إنقاذ زيجاتهم وبنيهم.
سادسا : بينما كان قطاع من المتظاهرين المستثارين يضطهدون الأرمن ، ففي المقابل ، كان ثمة فريق آخر من المصريين يدافعون عنهم وينقذونهم ويحمونهم ويحثوهم علي الابتعاد عن بؤرة الأحداث لاسيما من جيران القتلي والجرحي.
سابعا: ثمة ملاحظة جد مهمة كشف عنها شهود العيان المصريين للاتحاد الأرمني مؤداها أن عمليات الهجوم علي الأرمن لم تكن عشوائية، بل اتسمت بالتنظيم المحكم. فقد أعدت كشوفات بأسماء الأرمن وأرقام المساكن التي يقطنونها استعدادا للانقضاض عليهم.



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرمن المصريون والسياسة المصرية
- الصراع الحزبي الأرمني في مصر-2
- الصراع الحزبي الأرمني في مصر-1
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-3
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-2
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-1
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-7
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-6
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-5
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
- الجمعيات الأرمنية في مصر-5
- الجمعيات الأرمنية في مصر-4
- الجمعيات الأرمنية في مصر-3
- الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
- الجمعيات الأرمنية في مصر-2
- الجمعيات الأرمنية في مصر
- ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والسياسة المصرية -2