عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4619 - 2014 / 10 / 30 - 19:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إن محاكمة ونقد الروايات التأريخية التي سردت أحداث كبيرة وسطرت من خلال تلك الرواية تاريخ نسب للأمة ولمنحاها الفكري والوجودي هي الأهم في أعادة صياغة الوعي السياسي للأمة, عليه يكون التركيز مهم جدا عن البحث عن كل الزيف والتضليل والتخريف الذي أصابها ومن ثم تسلل هذا المرض إلى جسد الأمة أننا أذ نورد أمثلة معينة لا نستهدف فئة معينة ولا نشير إلى صوابية المعتقد ولا صوابية الفعل ولكننا نناقش عملية التزييف والضلال فقط في الرواية.
في عام 60 هج وبعد أن أصبح الصدام حتمي بين منهجي متعارضين في كيفية فهم الإسلام كرسالة وكدين ,وفهم هل أن الدولة الإسلامية هي دولة دين أم أن ما يستلزم هذه الدولة فقط حس ديني وشعور بالانتماء الحقيقي للرسالة والدين, فكانت التناقضات التي تراكمت نتيجة التحزب الفكري والسياسي وصلت ذروتها بين طائفتين من المجتمع الإسلامي أمتد من أواخر حياة الرسول صل الله عليه وأله وسلم وحتى مجيء حاكم الدولة الإسلامية الجديد الذي شكل تواجده في مقر الرئاسة صدمة للغالبية الشعبية.
كل النذر تشير إلى حاجة للمواجهة وضرورة وقوعها في لحظة ما بصورة أو أخرى وبالتالي فأن التصادم قادم لا محالة ولا بد منه لكلا الطرفين بين من يريد أن يثبت أن النظام الجديد خالي من الشرعية وفاقد لها ,وبين من يريد أن يرسى منهج أكثر ملائمة في ذهنية لحياة العرب حتى لو كان فيه تعديا على بعض جوانب الرسالة, أن الصراع كان واقعا وحتميا ينتظر فقط أن تنطق الشرارة لأولى, هنا أختار الحسين بن علي عليه السلام أن يتصدى لها ويتحمل نتائجها متيقنا أنه واجب ليس إلا واجب تجاه الرسالة والناس وبقبال الذات.
سارت الأراداة متجه نحو نقطة التلاق التي أريد لها أن تكون حيادية بعيدة عن مركز الرسالة المدينة المنورة وبين دمشق العاصمة السياسية, أنه خيار تخفيف وقع الأثر على المجتمع الإسلامي, وتحيد للعوامل الوجدانية أيضا إلى غير ذلك من المبررات التي ومن ضمنها توفر قاعدة مهمة لطرفي النزاع في مجاور المنطقة الهدف الكوفة والبصرة, فكلاهما رمز لأحدي طرفي النزاع كانت القضية التي تدور لأجلها روح المواجهة هي الحق والباطل, الخير والشر لم تكن مواجهة عسكرية هدفها السلطان بحد ذاته, كانت الحركة من الحسين عليه السلام هي تعرية منهج التدين بالوعي الاستعماري متذرعا ومتسلحا بعدم شرعية النظام أصلا الذي جاء بيزيد لسدة الحكم, أما يزيد فكان مستندا لشرعية سياسية باركها هرم المؤسسة الدينية التي صاغت أصل مدرسة الخلافة الأموية.
لقد صور المؤرخ الإسلامي كل حسب توجهه بأن الصراع كان من قبل السلطة السياسية صراع وجود للرسالة وحفاظا عليها وتأمينا للمكاسب التي جعلت من المجتمع الإسلامي مجتمع جماعة متراصة (من خرج عن إمام زمانه مات ميته جاهلية) هكذا كان المنطق السياسي والديني الذي تسلحت به دمشق وهكذا روج لها مؤرخها لتكون النتيجة أن الحسين بن علي إنسان كافر وخارج عن الملة وأن مقتله شرعي وأن مقتله أيضا كان يسر جده رسول الله وأن من قتله مثاب عند الله وسيرزقه الجنة ليذهب الحسين بفعلته للنار.
لكن في العودة للتراث الذي تذكره البعض عن رسول الله صل لله عليه وأله وسلم وبعد حين أن الحسين قد كانت في نبوءة النبي سيد شباب اهل الجنة, فكيف يتم التوفيق بين نتائج الصراع ورأي المؤرخ الأموي في أن الحسين ذهب للنار غير مأسوف عليه وبين مقولة النبي أنه سيد شباب أهل الجنة, هنا جاء دور الديني الذي يبيع ويشتري في الرسالة ليقول أن سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين وكلاهما في الجنة وكلاهما على الحق وإن الحادثة ما هي إلا اجتهاد من الطرفين مثابان عليه, وأن هذا النزاع يجب أن لا يلقي ظلاله على الأمة وعلى الأمة أن تواصل طاعة الأمير ولو أخذ مالك وجلد ظهرك وحملك ما لا تحمل؟!!!!.
المؤرخ المقابل الذي وإن كان متيقنا أن نتيجة الصراع هي خسارة مادية فحسب أما قيمتها المعنوية فهي بقدرتها على بعث روح الحرية مقابل الاستعباد والاستبداد الطاغوتي وأن ما قدمه الحسين ليس مجرد تنفيذ أرادة ربانية وجهاد في سبيل الله, لكنه في مقابل ذلك ولتبرير مفاصل مهمة مسكوت عنها من قبله يحاول أن يحرك الوعي بالمشكلة بصورة وجدانية حسية ويعبر بها من أطار الفهم الرسالي للجهاد إلى وعي الإنسان المسلم لكي ينسى الكثير من التفاصيل التي لا بد من تذكرها ونحن نعيش القصة.
المؤرخ الكربلائي العاشورائي تجاهل أن الحسين بن علي عليهما السلام كان ضحية التيار الذي يمثله ويسعى لتثبيت قيمه وإن كان ما يسعى إليه هو روح الرسالة, لقد ضحى هذا التيار بجبنه بالحسين والفئة التي نصرته مقابل منفعة مادية أو جبن وبالتالي فأن هذا التيار مشارك في المجزرة بصورة ما ولا يمكن نكرانها ورمي الذنب على المعسكر المقابل, أن هذا التيار هو من قدم رأس الحسين للجلاد بعدما أستدرجه لمكمن الخطر, الحسين لا يتحرك ضمن قاعدة العلم بالغيب دون أن يكون هذا الغيب له مقدمات حضوريه وإن كان عالما بها وبالنتيجة,
خطيئة المؤرخ العاشورائي ليس في تبرئة التيار والكذب على الذات من خلال تصوير المعركة بأنها صراع بين سبعين الف مقاتل مقابل سبعين شخص ليصنع صورة زائفة للبطل الأسطوري الذي يمثل فيه شخص مقابل الف هذا لا يغني القضية التي جاء بها الحسين ولا يخدم بصورة اخرى الهدف الرسالي من النهضة الحسينية التي كان يعلم الإمام الحسين علم اليقين ماهيتها ونتائجها على المدى القريب والبعيد, بما أمتلك من عقلية ترى وتحلل وتكتشف الأفق ببعد نظر يخترق الاعتيادي ويتجاوز المألوف كيف لا وهو من تمتع بمنزلة علمية ودينية لم يتمتع بها احد في كل العالم في وقته.
لقد حول المؤرخ العاشورائي قضية الحسين من ملحمة تصدي للطاغوت إلى ملحمة وجدانية بكائية تخاطب النفوس الضعيفة ولا تخاطب العقل وتحاكم التأريخ, إن نجاح الثورة الحسينية في بقاء شعلتها متوقدة ليس في سردها التأريخي الذي مارسه العاشورائيون ولكن من خلال الفئة القليلة التي جعلت منها طاقة محركة للرسالة على امتداد قرون حتى ترسخت في وجدان الأمه أنها صراع حق ضد الباطل صراع الإيمان بالله أو الإنحياز للطاغوت.
لم ينجح المؤرخ العاشوري في تسويق الحدث تأريخيا كما هو أو كما يجب أن يكون ,أنه أطاح بفكرة الجهاد ضد الباطل وفي سبيل الله من خلال زرع اليأس والخوف والتردد في النفوس بعرض القضية على أنها مصيبة ورزية ومجزرة قبل أن تكون بطولة وتضحية وجهاد, لقد لمسنا في السرد الكربلائي الآهات والندم والعتاب المر بين الحسين وأهل بيته على تلك الفجيعة, بل وصل الأمر في المؤرخ الكربلائي أن جعل الجانب السلبي المتمثل بالبكاء والحسرة والألم هو النتيجة التي ألت لها القضية, حينما يصور أن الأمام السجاد كان باكيا شاكيا طول عمره ولا شرب الماء إلا ونزلت دموعه لتختلط به.
هذا التصور المبالغ في تراجيديته لا يتوافق مع موقف السيدة زينب بنت الامام علي عليهم السلام ولا مع موقف السجاد ذاته وهو يحاجج يزيد في قصره وفي عقر داره عندما تجيب السيدة الكريمة على سؤال يزيد بقولها((فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولأخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة, ونَسأله أن يُكمِل لهم الأجر، ويُجزل لهم الثواب والذخر, ونسأله حسنَ الخلافة، وجميل الإنابة ،إنّه رحيم ودود) أي ان ما تراه السيدة الكريمة أنه نتيجة طبيعية للالتزام بالرسالة وأن ما حدث ما هو إلا قدر مقبول به بل مرحب به دوما, هنا نرى الفرق بين الرواية العاشورائية وبين حقيقة الحدث.
لقد تناولنا صورتين متناقضتين ليس فقط بالمؤدي ولكن أيضا بالتناقض الذي وقعت فيه,ليس المهم أن تورد رواية وتعتقد بصحتها وتتبنى ما تحكم به من نتائج لكن المهم والأهم في القضية أن تعرض هذه الرواية على النقد مقابل معيار جاد ومجرد وحقيقي لتكتشف أن إيمانك بها أو عدم إيمانك إنما يستند إلى قاعدة متينه لا تخرجك من حق ولا تدخلك في باطل, إن النموذجين بالرغم من رسوخ مفاهيمهما في عقلية وذاكرة الغالبية من المسلمين لا يشكلان حقيقة مهمة بل يكشفان عن عمى ألوان عقلي فقط.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟