أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق محمد عبدالكريم الدبش - بصمات خلدها الزمن وأفرزتها الحياة















المزيد.....

بصمات خلدها الزمن وأفرزتها الحياة


صادق محمد عبدالكريم الدبش

الحوار المتمدن-العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 18:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بصمات خلدها الزمن وأفرزتها الحياة ...
يعيدني الزمن لعقود خلت ....وبالتحديد ما بين 1953 م---1955م ...الى سجن بعقوبة المركزي، وكان عمري ما بين السابعة والتاسعة ، فكنت أذهب بمعية جدتي أم والدي لزيارة عمي الشهيد ( أحمد عبد الكريم الدبش ) والذي كان يقبع في سجون ...سعيد قزاز!.. وبهجة العطية ، والذي حكم عليه بسبع سنوات ...بتهمة الأنتماء الى الحزب الشيوعي العراقي، والذي حوكم من قبل محكمة النعساني ، وقبل قدومه الى سجن بعقوبة المركزي ، كان يقضي محكوميته في سجن بغداد المركزي ، وبعد أن تم مهاجمة الشرطة السعيدية للسجن عام 1953م، ومهاجمتهم لنزلاء السجن من السياسيين الشيوعيين ، والذي أدى الى أستشهاد العديد من السجناء وجرح العشرات ، وقد تم أعلان أسماء الشهداء عبر أذاعة بغداد ، وكان أسم عمي من ضمن الأسماء التي تم الأفصاح عن مقتله أثناء هذا الأقتحام ، فذهب والدي أنذاك مع عمومتي لأستلام جنازته من مستشفى المجيدية والتي هي الأن تسمى مدينة الطب ، وعندما فتح ثلاجة الموتى تبين أن الجنازة ليست لعمي وأنما لسجين أخر ، فأخبروهم بوجود نفس الأسم جريحا في احدى ردهات مستشفى دار الشفاء ( القسم الخاص للأمراض العصبية والنفسية ) وفعلا ذهبوا الى هذا القسم فوجدوا عمي مصاب بطلق ناري أو أكثر وكانت الأصابة خطرة لكونها في الرأس ، وبعد ألتئام الجرح تم نقله الى سجن بعقوبة .
كنت أذهب لزيارته مع جدتي وكانت تذهب معنا أحيانا بنت عمي رحيم ، وكان في السجن بمعية عمي من بهرز الراحلين عبد اللطيف الرحبي وخاله عبد الوهاب الرحبي ، وكان عمي والأخرون أثناء أستقبالهم لنا مربوط في أحدى سيقان... كل واحد من هؤلاء السجناء سلسلة طويلة من الجنزير الغليض، ويحملوه على كتفهم ، فكنت أستغرب من هذا المنظر المخيف ، وكنت أسأل جدتي وأقول لها لماذا عمي مربوط في رجله ( زنجيل ...وجبير ...عمي صعب يحمله ) فكانت جدتي تسكتني ..وتقول لي لا تحجي ؟...تر بعد ما جيبك ويايه ( وأنا جنت فرحان بقدومي معها وكأني ...رايح وياها للسينما والتي لم أراها ...وأسمع بيها فقط ، المهم كانو يحتفون بنا وبشكل لافت ويقدموا لنا على ما أذكر شربت وبعض المأكولات التي هي بالحقيقة نحن من جلبناها لهم ، والشئ الذي دفعني وبمناسبة اليوم العالمي للسلام !....كانوا وأثناء زيارتنا لهم ..يعلمونا أن نقول ( عاش السلام العالمي ) وكان عمي يطلب منا أن نحفظ ما علمنا ترديده! ...وأن نتذكره في الزيارة القادمة ، وكذلك كانوا يعلمونا الهتاف ( يسقط الأستعمار ) ، وحقيقة بقية هذه الكلمات راسخة في مخيلتي وكذلك مشاهد السجن والسجناء ، ولاكن بالرغم من ذالك كان السجناء أنيقي الهندام... وحليقي الذقن وثيابهم نظيفة ، ويبدوا البشر والأبتسامة على محياهم ، ويتجاذبون أطراف الحديث مع بعضهم ومع أهاليهم وأقاربهم الزائرين ، وكنت بالرغم من هذه الأجواء التي كانت تبدولي يسودها البشر وحفاوة اللقاء ...كنت ألحظ على جدتي وأثناء الحديث مع عمي الدموع تنهمر من عيناها ، وكان عمي يهون عليها ويقبل رأسها ويبتسم بوجهها ويطمانها على صحته، ولاكن جدتي كانت تخفي ما في دواخلها وعلمها بأن عمي مصاب بمرض عقلي نتيجة الأصابة التي تعرض لها في سجن بغداد المركزي ، وكان يأتي اليها عبد الوهاب الرحبي... الى جدتي ويطمأنها ( أحمد صحته زينه ولا تخافين عليه حجية ) ولاكن أتضح فيما بعد بأن صحته أيلة للتدهور نتيجة غياب الرعاية الصحية ، وأمتناعه عن تناول الطعام بين فترة وأخرى حتى أطلق سراحه في أواخر عام 1957م لتردي وضعه الصحي وللجهود التي بذلها والده الحاج عبد الكريم الدبش وعمه عبد المجيد الدبش والذي كان أمام الحظرة القادرية أنذاك ولعلاقته الوطيدة بينه وبين الكثير من المتنفذين في الدولة ، لذلك أطلق سراحه ، وبعد ثورة تموز جرت محاولات حثيثة لعلاجه على يد الدكتور جاكي عبود الطبيب المشهور بالأمراض النفسية والعصبية ، ولاكن دون جدوى ...وبدء وضعه يتدهور وبشكل لافت ، وبدء يغادر البيت دون علمنا والأمتناع عن الطعام لاشهر ، مما أضطرنا لأيداعه في مشفى الأمراض العقلية في الشماعية وكنت أزوره أسبوعيا طيلت فترة تواجده في المستشفى حتى العام 1966م، وأخر مرة قمت بزيارتي اليه ، عندما ذهبت أليه ليلة عيد الأضحى ، فطلب مني أن أخبر جدي ( بأن عمي أحمد يريد رأيته ، فقلت له لك ذالك... وسوف أخبر جدي بذالك ، وفعلا بعد أن أخبرت جدي بأن رغبة عمي بزيارتك أياه ، وكنت حينها أعيش في كنف جدي ...فأرسل على والدي بأن نذهب في اليوم الثالث لعيد الأضحى لزيارة أحمد في المشفى ، وفعلا كان جدي وعمي فتاح وعمي عزيز ووالدي كانوا قد ركبوا سيارتهم التي يملكها جدي ( شوفر ليت موديل 56) والسيارة الأخرى كذالك كان يملكها جدي ويعمل بها أحد السائقين ويشغلها على طريق بهرز بغداد لنقل الفواكه من بهرز الى العلاوي في بغداد وتأتي بأحتياجات أصحابي المحلات من مواد من الشورجة ، فركبنا نحن الشباب والبنات والنسوة ....والدتي وزوجات أعمامي ، وذهبنا برتل كبير من الرجال والنساء والأولاد حتى وصلنا الى المشفى، وكان الوحيد الذي يعرف مكان الردهة التي يرقد فيها ...هو أنا فتقدمنا ..أنا وعمي فتاح رحمه الله لأخراجه من الردهة التي هو فيها وكان العاملون في هذا القسم من الممرضين والأطباء يعرفونني نتيجة زياراتي المستمرة لعمي ، وكذالك كنت أعطي للعاملين بين فترة وأخرى مبالغ مالية للأهتمام بعمي ورعايته ، فتقدمت وحييت أحدهم ورد علي السلام ...الرجاء أن تنادي على عمي أحمد لكي نجلس خارج الردهة مع والده وأخوته ، ففاجأني وقال عفوا أخي صادق !...ليش أنتم ما تعرفون ؟...فبادرته ....نعرف ماذا؟....فقال أنت على ما أتذكر زرته ليلة العيد ...أليس كذالك ؟...فقلت له نعم هذا صحيح ، وبعد ذهابك بساعات وفي المساء أصيب أحمد بنوبة قلبية ...وتوفي على أثرها ...وللأسف الشديد ...والبقاء في حياتكم ، فقلت له ...وأين الجثمان ، فقال لعدم وجود عنوان تم نقل الجثة ودفنها في مقبرة الغزالي ببغداد ؟....فقلت له ...كيف لا يوجد عنده عنوان ؟..وأضبارته التي تم على أثرها أيداعه المشفى !!...فقال هذا هو التقرير الذي وجد مرفقا بأضبارته .
وحدث مشهد من الوجوم والصراخ والنحيب من النساء والرجال على حد سواء ، وتماسك البعض وأعادوا توازنهم لكي يتدبروا أمرهم في مغادرة المشفى ، فأشار جدي على والدي بأن يبعث النسوة والأولاد عائدين في البيك أب الى بهرز ، وهم يذهبوا الى مقبرة الغزالي ، وفعلا وبعد أن تعرفوا على مكان دفنه ، أمر جدي بالأبقاء عليه في مكانه وعدم نقله الى بهرز لأعتبارات فقهية ....وهو عالم الدين والفقيه واللغوي المعروف على مستوى المحافظة وليس على مستوى بهرز .
وبذالك أسدل الستار عن هذا المناضل والرحل ......رحل كجندي مجهول ؟...يجهله الكثير من أبناء جلدته ، هذا المناضل الشجاع والذي له مواقف مشهودة أثناء محاكمته في دفاعه عن فكره وحزبه والقيم التي أمن بها وضحى من أجلها .
ستبقى ذكراه خالدة عند اهله وذويه ، ونحن أحفاده وأبنائه سنحفظ العهد ...ونستمر على نفس الطريق الذي أنتهجه ...طريق العدل والأباء ...طريق النضال الزاحف نحو الوطن السعيد ..الأمن والمستقر والمزدهر ، رغم كل المعوقات والصعاب ..ولاكننا ماضون وبعزيمة لا تلين حتي تحقيق أهداف من سار وضحى وقدم الغالي والنفيس لأسعاد الأخرين .
صادق محمد عبد الكريم الدبش
20/9/2014م



#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى اصدقائي وأحبتي
- تعليق على صورة زهرة ترجم حتى الموت .
- نداء استغاثة لأنقاذ ما بقي من بساتين بهرز على قيد الحياة
- من الذاكرة العراقية وأثرها في الحاضر السياسي
- ماذا وراء طلب ألغاء المسائلة والعدالة
- المهمة الملحة والعاجلة امام القوى السياسية العراقية
- رحيل اخر الكبار من شعراء المقاومة والثورة سميح القاسم
- لتتوقف العمليات الأرهابية الممنهجة من قبل الميليشيات الطائفي ...
- خاطرة وتعليق على وفاة الدكتور ماجد كنون علي .
- من يركب البحر لا يخشى من الغرقي
- لا تلعبوا بالنار يا حكام بغداد
- أزف الموعد ..والأجراس تسمع من بعيد
- صباح الخير يا شرقنا الاوسط الجديد
- نداء ومناشدة بالتصدي ولجم ختان الفتيات في العراق
- خطاب مفتوح للأستاذ سعدي يوسف
- نداء تضامن عاجل لأطلاق سراح مدير مفوضية الانتخابات في محافظة ...
- وقوف الجميع مع العراق ضرورة وطنية عاجلة
- تعليق على صورة ما يجري للنازحين من المناطق الغربية في العراق
- رسالة على الهواء الى السيد نوري المالكي
- مهمات القوى الديمقراطية والشيوعية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق محمد عبدالكريم الدبش - بصمات خلدها الزمن وأفرزتها الحياة