أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - لماذا لا تبرئ السلطة العراقية العراقيين من نقض (!) عهدهم للحسين؟















المزيد.....

لماذا لا تبرئ السلطة العراقية العراقيين من نقض (!) عهدهم للحسين؟


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 04:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كتب دانتي اليجييرى كتابه "الكوميديا الإلهية" للتكفير عن خطايا لم يرتكبها البشر. نعلم ان عقدة اوديب "الفرويدية" (رغبة الابن في قتل والده للاستحواذ على والدته) تثير مشاعر بالذنب (لاشعوريا) لاتحتمل. فقتل الاب والاستحواذ على الام (جنسيا) هي من كبرى المحرمات, ولا بد للعقل الواعي دفنها في العقل اللاواعي لحظة ظهورها.

ولكن لم الشعور بالذنب بسبب رغبة, مهما كانت بشاعتها, ما دامت هي رغبة ولم تنتقل الى مستوى الفعل؟ محاولة الاجابة على التساؤول مهمة, ولكنها لن تكون مكتملة مهما بذل من جهد. فالرغبة تتحول الى عقدة حال بروزها في الوعي في لحظة زمنية معينة, والشخص يدفنها حالا في ثنايا لاوعيه, ولذلك لا يمكنه التعامل معها ذهنيا بشكل واع ويعرضها الى امتحان فكري يميز بين الرغبة والشعور, من جهة, والفعل وتنفيذ الرغبة, من جهة اخرى. ولذلك تتحول الرغبة الى عقدة تسبب مشاعرا بالذنب هائلة لدى اغلب الناس او كلهم.

ولكن الاب قد يعني الاب الدنيوي او الرب في السماء. فالمسيح هو ابن الله, و كان صلبه وتحمله آلام لا تطاق هو الثمن الذي دفعه للتكفير عن خطايا البشر. لربما كان دانتي اكثر ذكاء من المسيح فاختار كتابة الكوميديا الالهية, بدلا من الصلب, للتكفير عن الخطايا, وقد يكون اقل مازوخية من المسيح لتحقيق ما ابتغاه المسيح (الانسان) بصلبه. ولكن الامور ليست بهذه السهولة, ولربما قد لا تعود الى اختلافات في تركيب شخصيتي المسيح و دانتي. لربما كان شعور المسيح بوطأة الذنب اكثر بكثير مما شعره داتتي. لربما لم يمتلك المسيح القدرات الفكرية التي امتلكها دانتي ليكتب ملحمته الشعرية للتكفير عن الخطايا.

كما ان المسيح لربما رأى ان صلبه وخلاصه من جسده سوف لا يحقق له فقط منزلة الرب, ولكن سيخلصه ايضا مرة واحدة والى الابد من عقدة اوديب, فمن لا جسد له لا يمكنه امتلاك رغبة الاستحواد على امه (والاستحواذ دوما جنسي ولذلك يشترط بالضرورة وجود الجسد). ولا ادري هل لعبت علاقة المسيح المتميزة بأمه دورا , كبر ام صغر, في تأجيج مشاعر الذنب. فلكونه لم يكن له ابا, كما تزعم الرواية الرسمية, فانه يستطيع الاستحواذ على امه حتى بدون قتل والده لعدم وجوده اصلا. اذا الاستحواذ على امه, وهي المرحلة الثانية في عقدة اوديب حيث يسبقها, بالطبع. قتل الاب, كانت اكثر سهولة نسبيا (!). لم يكن هناك من اب ليقول "لا, لا تستطيع الاستحواذ على امك". ولكن هذا لا يعني غياب ال "لا", ولكن من ينطقها باسم الوالد الغائب هو المجتمع باسره, والمجتمع باسره هو من ضحى المسيح بنفسه من اجله, من اجل التكفير عن خطايا الآخرين (والكل ذوي خطيئة بعرف المسيح كما يتبين بتسامحه ورفضه رجم عاهرة). لقد منعته "لا" المجتمع من تحويل الرغبة الى فعل. ولذلك فان تضحيته ىبفسه من اجل المجتمع, يمكن القول, لم تخلو من انانية, لانها خلصته الى الابد من مشاعر الاثم لسبببن. الاول, انتهاءه كجسد, ولا يمكن للرغبة الجنسية تجاه الام او غيرها ان تتواجد بدون جسد. وثانيا لتحوله الى رب. والرب لا ينصاع للرغبة, لكونه هو خالقها.

قد يبدو غريبا جدا للوهلة الاولى الزعم بان افراد منظمة داعش يسلكون سلوك المسيح الى حد كبير. انه زواج مصالح براغماتي بين الاسلام والمسيح(ية). فلتخليص انفسهم من مشاعر الذنب ينفون اجسادهم. ولكنهم يعتقدون ايضا بانهم يؤدون معروفا للآخرين عندما يخلصونهم من مشاعر الذنب, طبعا باسم الاسلام(!), بالقضاء عليهم جسديا.

المرحلة الاولى تكتسب طابعا طائفيا, ولكن حلقة الفعل ستتسع تدريجيا لتشمل حتى من هو من طائفتهم. ولكون الرغبة الجنسية تحتاج الى افراغ فلا بد من نكاح الجهاد. ونكاح الجهاد لا يهدف اساسا الى التفريغ الجنسي, بل, وهو الاهم بما لا يقاس, الى تقليل الرغبة بالاستحواذ على الام. اي ان نكاح الجهاد يهدف الى التقليل من الطاقة الجسمية, عصبية- عضلية, واضعاف ما هو متوفر منها لتغذية عقدة اوديب. انه اختراع عبقري, وان كان شيطانيا, فللتخلص من الذنب يتم التضحية بالجسد و/ او اشاعة نكاح الجهاد. ولكن قد يعترض القارئ ويقول "ولكن ماذا عن النساء الداعشيات, ما الذي يدفعهن لممارسة نكاح الجهاد, فهن لا يشعرن بذنب العقدة؟". انه تساوؤل مبرر ومفهوم تماما اذا اثاره احدهم. ولا ادعي امتلاكي جوابا, واجد انه هروبا في السهولة لو زعمت انهن "مغسولات دماغ". لربما مجاهدات النكاح هن النمط الداعشي للحركة النسوية الاوربية التي دشنت ولادتها سيمون ديبفوار في منتصف القرن الماضي وبلغت ذروتها في الثورة الجنسية في باريس في ستينيات القرن الماضي. هل نساء داعش استثناء من جنس النساء؟ بالطبع لا, وخصوصا فيما يتعلق برغباتهن الجنسية والتوقي الى اشباعها. انهن تلميذات (نجيبات) ل سيمون ديبوفوار, ولكنهن في الوقت تفسه يؤكدن انهن عبيدات لسطوة الجنس. انهن يثبتن انسانيتهن وامتلاكهن لاجسادهن. الوسيلة قد تكون شيطانية, ولكن مملكة الجنس لا تمارس التمييز وتؤمن بالمساواة المطلقة بين الملائكة و الشياطين.

ولكن اعداء داعش هم اعداءها طائقيا فقط. فهم حلفاء في عبوديتهم لاوديب وعقدته. انهم يسفكون الدماء كل عام للتكفير عن خطاياهم "المزعومة", و لربما ايضا تعبيرا عن حزنهم (وان كنت لا افهم سفك الدماء بسبب الشعور بالحزن). للتذكير فقط, تقول الرواية الرسمية ان الحسين بن علي قد اختلف مع الخليفة الاموي يزيد بن معاوية ورأى نفسه اكثر احقية بالخلافة منه. راسل الحسين اهل العراق فوعوده بالمساعدة, ولكنهم نقضوا وعدهم عندما حلت الساعة.

بغض النظر عن صحة الرواية من عدمها, وخصوصا فيما يتعلق بمعلومة نقض العراقيين للعهد, فاني اعتقد ان نقضهم لعهدهم عملا لا اخلاقيا بالمرة, ويمكن ان يشكل مصدر شعور بالذنب. ولكن ما لا افهمه بالمرة هو استمرار الشعور بالذنب طوال مئات السنين. فالجريمة لربما ارتكبها الاجداد, والفطرة السليمة لا تقبل بتوريث الجريمة او مشاعر تأنيب الضمير التي تسببها الجريمة. اذا مقتل الحسين, او بالاحرى الشعور بالذنب الذي سببه نقض الوعد, هو اشارة الى كون امكانية اعادة تكرار قتل الحسين, قتل الاب.

لا بد اذا من التظاهر بالشعور بالذنب ولا بد من خلق ما يمكن خلقه لاعطاء الدراما بعدا ميلودراماتيكيا لاقناع الآخرين بالشعور بالذنب. النفس نفسها لا يمكن اقناعها من قبل مالكها, لان الشعور غير متوفر على مستوى العقل الواعي. انه غير متوفر ككلمات لانه مطمور في العقل الباطن. العقل الباطن لا يهمه قيد شعرة ان كان الشعور بالذنب هو لسبب ظاهري: نقض عهدهم للحسين, او لسبب حقيقي: مشاعر ذنب ناتجة عن عقدة اوديب, وهي ستتواجد بوجود الحسين او عدمه, بمقتله او عدمه, او بنقض العراقيين لعهدهم او عدمه.

السلطة الحالية ليست طائفية فحسب, ولكنها محكومة هي الاخرى بعقدة اوديب, وهذا الكلام ينطبق على السلطة الدنيوية كما ينطبق على السلطة الدينية. فلا السلطة الدنيوية, الحكومة, ولا السلطة الدينية, المرجعية, تواقة الى اصدار قرار يبرئ العراقيين الحاليين من جريمة نقضهم لعهدهم للحسين. انهم يخشون الثورة على عقدة اوديب ومشاعر الذنب لانهم يعتقدون في خفايا انفسهم بان ثورتهم قد تعني خللا اخلاقيا جسيما يوازي الجرم نفسه, قتل الاب للاستحواذ على الام. فيتعلمون من داعش, وان كان العكس اكثر صحة. ففي حالة داعش وفي حالة الطائفة المضادة يتم نفي الجسد بقتله كليا او جزئيا (الضرب بالسلاسل او القامات الخ.), ووسيلتهم الاخرى لتقليل الطاقة الجسمية المغذية لعقدة اوديب هي زواجات او نكاحات, مثل زواج (نكاح) المتعة, حيث تشكل هذه الزيجات رديفا للصيغة الداعشية, نكاح الجهاد, فالفروق بين المتعة والجهاد هي فروق كلمات فقط.

وكلا الطرفين لا بد ان يكرر هذا العبث الى ابد الآبدين. فثورة ضد عقدة اوديب لا تعني لهم سوى الثورة على الموت التي ستحمل الموت على معاقبتهم كما عاقب سيزيف من قبل عقابه العبثي والازلي. فهم لا يملكون استراتيجية المسيح او عبقرية دانتي لاستخدامها للتكفير عن الخطايا. ولذا فان سفك الدم سيستمر. وصخب ما يسمى العملية السياسية هو صخب اطفال لم يبلغوا سن التخلي عن حفاضاتهم.



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن الآن بحاجة الى ماركسية سيزيفية
- الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين 3/3
- الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين 2
- الثورة الروسية وعدم اكتمال القرن العشرين 1
- آخر رئيس وزراء لالمانيا الديموقراطية حول البيريسترويكا وانهي ...
- العلوم العصبية والنضال الاجتماعي من اجل العدالة
- كارثة استخدام المحتل لليورانيوم المنضب في العراق
- اعادة اختراع الديموقراطية
- حرب أهلية طائفية هي إرث الغرب المرير في العراق
- الاضطراب النفسي -ما بعد الصدمة- وتأثيره (السياسي) المدمر على ...
- رأس المال في القرن الحادي والعشرين (2)
- رأس المال في القرن الحادي والعشرين (1)
- الولايات المتحدة دولة عصابات واستبداد 2
- الولايات المتحدة دولة عصابات واستبداد 1
- غابرييل غارثيا ماركيز‏ يسرد احداث مقتل الليندي - 4
- غابرييل غارثيا ماركيز‏ يسرد احداث مقتل الليندي - 3
- غابرييل غارثيا ماركيز‏ يسرد احداث مقتل الليندي- 2
- غابرييل غارثيا ماركيز‏ يسرد احداث مقتل الليندي- 1
- -ديموقراطية- الولايات المتحدة تعقم السجينات لخفض التكاليف!
- اخطار السياسة المحافظة على الصحة: السمنة كمثال


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - لماذا لا تبرئ السلطة العراقية العراقيين من نقض (!) عهدهم للحسين؟