صناعة الكذب

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي
(Jassim Al-saffar)

الحوار المتمدن-العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 22:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مرت امس الذكرى السنوية الثالثة عشر لأحداث 11 سبتمبر الامريكية. ذلك الحدث الجلل الذي مهد لمنعطف خطير في السياسة الامريكية واحدث خللا في قواعد العلاقات الدولية. ومع ان رؤيا جديدة صادقة لملابسات هذا الحدث لم تتجلى حتى وقتنا الحاضر فان الريبة بقت تظلل تفكيرنا ونحن نستذكر تلك الاحداث في مقدماتها وما تلاها.
والمشكلة هي ان امريكا منذ بداية النصف الثاني للقرن الماضي قد خلطت الوهم بالحقيقة في سياستها الدولية وجعلت الكذب قاعدة لكل تصرفاتها. انها تسخر من عقولنا وتفتت الاسس المنطقية للتفكير السوي عند المتابع للأحداث السياسية. وقد وجد جيش من الكتبة الذين يسارعون لتفسير الحدث كما هو دون اي تمحيص او تأني في القراءة، فالوقت عندهم لا يتسع للتفاصيل غير المرئية. كما ان منطق الاشياء وطبيعة عملهم كناشرين او صحفيين تجعلهم غير معنيين ورافضين لأية قراءات اخرى تناقض رواياتهم ولو بعد حين.
فهل قام فعلا زعيم القاعدة اسامة بن لادن من مغارته في "تورا بورا" بأفغانستان بالتخطيط لعملية معقدة للغاية تنفذ في ظروف اخرى مغايرة ليس فقط لميدان نشاط بن لادن بل ولأسلوب عمله ونمط تفكيره. وهل كان لمنظمة مثل القاعدة، مهما كانت قدرة اذرعها في اوربا، ان تقوم بعمل مثل هذا دون معلومات استخباراتية شديدة الدقة، لا تملكها في العالم كله الا الموساد والسي اي اي.
ويستوقفنا حدث غريب اخر حصل بعد سنوات من الصراع بين القاعدة (وليدة السي اي اي باعتراف هيلري كلنتن) وامريكا، بأن تفاجئنا امريكا باعتقال زعيم القاعدة بن لادن، والادعاء فيما بعد انها قد اعدمته والقت بجثته الى البحر. فان كان بن لادن قد اعدم في مقر اقامته في الباكستان فلمَ يجازف الكوماندوز الامريكي الذي تعطلت وقتها واحدة من طائراته، بان ينقل جثة بن لادن ليلقيها في البحر. وان كان بن لادن قد خطف حيا من قبل الامريكان فلمَ اعدامه والقائه في البحر وهو كنز ثمين للسي اي اي، بما يملكه من خزين هائل للمعلومات؟
لا اقول اني املك الحقيقة عندما اشكك "بالحقيقة" الامريكية، ولكني لا احب الخداع والاستهانة بعقول الاخرين. وان كان خاتمة حبل الكذب الامريكي هو تلك الفبركة السخيفة لعملية ذبح الصحفي الامريكي من اجل التبرير للتدخل العسكري المباشر في سوريا لإعادة ترتيب التوازن المختل بين النظام السوري ومعارضيه المسلحين. فقد سبقت ذلك سلسلة من الاكاذيب، اهمها موضوع استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة السورية وقبلها فبركة مبررات احتلال العراق لجعله اسيرا ابديا للقرار الامريكي.
كنت في روسيا فترة الصدام الجورجي الروسي وقد حزنت لمنظر الرئيس الروسي ميدفيدف عندما ظهر في مؤتمر صحفي في بداية ولايته، اثر تلك الاحداث ليفاجأ بسؤال صحفي اوربي عن ما اسماه "الاحتلال الروسي لجورجيا"، مع ان روسيا كانت هي المتضررة من العمل الاستفزازي الجورجي الذي ذهب ضحيته افراد من قوات حفظ السلام الروس. وبعد تردد وذهول راح مدفيدف يسأل الصحفي ذاته عن مدى قناعته بان روسيا هي التي اعتدت على جورجيا. ولم يرد الصحفي سوى بابتسامة ماكرة تدلل على ان الغاية من السؤال ليست كشف الحقيقة بل تمرير اكذوبة اخرى جرى فبركتها في مصانع السياسة الامريكية.
ثم ها هي امريكا في 17 تموز/يوليو المنصرم، تضحي بالطائرة المدنية الماليزية بكامل طاقمها وركابها، كما ضحت قبلها في ثمانينات القرن الماضي بطائرة مدنية كورية (اخترقت وقتها الاجواء السوفيتية)، من اجل فبركة اسباب لمعاقبة روسيا وقبلها الاتحاد السوفيتي وشحن الاجواء الدولية.
وعلى اي حال فليست غايتي من الكتابة في هذا الموضوع كشف خفايا السياسة الامريكية او القاء الضوء على اهم اركانها، بل الاشارة الى خطل وهزال منطق الكتبة المسوقين للكذب سواء تعمدوا ذلك او لم يتعمدوه.

#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)       Jassim_Al-saffar#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل