رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 15:08
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
بالرغم من طرح مسودة المشروع فى منتصف شهر أغسطس للحوار المجتمعى الاّ أن التفاعل حول تلك المسودة لا بسير على النحو المأمول بإعتباره أهم القوانين الحاكمة لتطور العلاقة بين الطبقة العاملة وأرباب العمل سواء كانت الدولة أو الرأسماليين أفرادا وشركات، وفيما تم حتى الآن من مناقشات فمشروع القانون الجديد يلقى معارضة شديدة من قبل العمّال ورجال الأعمال معا، ولن نستطيع هنا عرض كامل المسودة التى تحتوى على 57 مادة ولكن سنلقى نظرة سريعة على أهم المواد المثيرة للجدل، ونذكر أهم الإعتراضات الشكلية من قِبَل الطرفين (العمال وأرباب العمل) على المشروع بزعم أنهما لم يتم مشاورتهم قبل طرحه للحوار المجتمعى، بينما يعترض رئيس النقابة العامة للعاملين بالبناء والاخشاب على توقيت عرض المشروع مقترحا تأجيله للعرض على مجلس النواب بعد انتخابه وطالب بأن يناقش المشروع الجهات المعنية به مباشرة وهم العمال والحكومة ورجال الأعمال مستبعدا مناقشته على المستوى الحزبى والاعلامى والمجتمعى.
يتضمن مشروع القانون ( تعديلات على القانون رقم 12 لسنة 2003 المعمول به حتى الآن) عدة أبواب تبدأ بالأحكام العامة والتعريفات ويهتم بتعريف العامل وصاحب العمل والأجر والإضراب والإعتصام، يلى ذلك باب علاقات العمل الفردية ويهتم بنظام التشغيل وباب عن الأجازات وآخر عن واجبات العمال ومساءلتهم وغيرها، وهذا القانون يعد بالغ الأهمية لمستقبل الطبقة العاملة لسنوات طويلة، كما أقرت وزارة القوى العاملة أيضا قانون النقابات العمالية ورفعته لمجلس الوزراء لإقراره وتم ذلك فى غياب أو عدم إهتمام منظمات المجتمع المدنى من نقابات عمالية وأحزاب سياسية وخاصة الاحزاب اليسارية التى تدّعى تمثيل الطبقة العاملة ولا تبدى إهتماما حقيقيا بتلك القوانين المفصلية "بينما هى مشغولة للأسف بموضوعات يومية ومتكالبة على تحالفات إنتخابية للبرلمان القادم بينما أوضاعها التنظيمية وبنيتها الحزبية شديدة التهالك".
لقد فقدت الحركة العمالية استقلالها منذ عقود طويلة تمتد الى خمسينات القرن الماضى عندما إنحاز العمال فى مارس 1954 الى معسكر مجلس قيادة الثورة فى مواجهة محمد نجيب ( رغم أن ذلك بدأ بمؤامرة "طعيمة والطحاوى" ولكن جموع العمال انحازت بشكل حر ضد الديموقراطية وعودة الجيش لثكناته)، وتكرّس ذلك بإعلان قيام إتحاد عمال مصر فى 1957 وصدور قانون العمل الموحد فى 1959 ثم قانون النقابات العمالية فى 1964 ليقضى نهائيا على إستقلال العمل النقابى ويلحق الحركة العمالية بالجهاز التنفيذى والحزب الحاكم فى مقابل بعض المكاسب الإقتصادية والإجتماعية مع حظر الاضرابات والنص على شرط عضوية الحزب الحاكم (هيئة التحرير – الإتحاد القومى – الإتحاد الإشتراكى) للترشيح لجميع المستويات النقابية مع استمرار مبدأ الجمع بين رئاسة اتحاد العمال ووزير العمل لعقود طويلة، وبعد حرب 1973 تسارع معدل اندماج الاقتصاد فى السوق الرأسمالى العالمى مع تراجع النظام عن المكاسب العمالية التى منحتها ثورة يوليو لهم، وشهدت جميع الإنتفاضات العمالية والحركات الإحتجاجية منذ 1967 حتى ثورة 25 يناير ظهورها وتأججها من خارج اتحاد العمال الحكومى والنقابات العمالية الرسمية بل فى مواجهتها ونشأت الحاجة لوجود أشكال نقابية تدافع عن حقوق العمال خارج ما هو قائم من نقابات مباحثية واتحاد رسمى، وقبل وأثناء وبعد ثورة يناير نشأت النقابات المستقلة واتحادات العمال المستقلة للتعبير عن حركة عمالية مستقلة حقيقية، بينما تحاول السلطة والرأسماليين تقييد تلك الحركة والمحافظة على الطابع "الأصفر" الموالى للسلطة من خلال الإسراع فى إصدار قانون العمل وقوانين النقابات فى غيبة من وجود مجلس تشريعى منتخب.
ليس مجال هذا المقال الحديث عن ايجابيات مشروع القانون " رغم وجودها" فهذا ما أسهبت فيه وزيرة القوى العاملة والمسئولين فى وزارتها لكن الهدف هو دراسة أوجه القصور به ولعل الجدير بالملاحظة هو أن الآراء المختلفة حوله تعكس التناقضات الطبقية فى المجتمع ففى الوقت الذى يعتبره العمال منحازا لرجال الاعمال والرأسماليين على حساب العمال فإن إتحاد الصناعات يرفض المشروع معتبرا أنه لا يخدم الإنتاج ولا الإستثمار ويغلّب مصلحة العمال على مصلحة الوطن ككل باقراره حق الإضراب فيما يرى إتحاد العمال الحكومى أن المشروع يسعى لتفتيت الحركة العمالية وذلك لنصه على التعددية النقابية بينما وصل الأمر بالبعض للمطالبة بحملات عمالية لجمع استمارات رفض للقانون الجديد "على غرار حركة تمرد"، ولكن اتفق الجميع عمالا ورجال اعمال على أنهم لم يشاركوا فى صياغة مواد المشروع أثناء إعداده وأن توقيت طرحه يجب تأجيله حتى إنعقاد البرلمان الجديد.
مع إقرار المشروع لجملة حقوق للعمال الاّ أنه نزع عنها إمكانية تحقيقها وذلك بتمييع تلك الحقوق وعدم وجود عقوبات رادعة لصاحب العمل فى حال الإخلال بها، مثال على ذلك عملية التفاوض الجماعى الذى لم يحدد لها سقف زمنى محدد وعدم تحقيق عقوبة رادعة لأصحاب العمل فى حال عدم إستجابتهم لمطالب العمال والسماح لهم بإغلاق المصنع وتسريح العمال، لقد خاض عمال مصر صراعا مريرا على مدى ما يقرب من القرن من أجل نيل حقوقهم وعلى رأسها "المفاوضة الجماعية" وليس مقبولا بعد ثورتى يناير ويونيو أن يتنازلوا عنها أو أن يتم تشويهها بهذا الشكل، وتتوسع مسودة المشروع فى الفصل التعسفى للعامل وبدلا من أن يقوم رب العمل بالتوجه الى المحكمة العمالية بطلب فصل العامل المخالف فإن على العامل (الطرف الأضعف) أن يتوجه هو الى المحكمة محتجا على قرار الفصل دون أن يملك قوت يومه أو الإمكانيات المادية للتقاضى وتم إلغاء دور اللجنة الثلاثية فى الفصل واسناده الى قاضى الامور الوقتية بالمحكمة العمالية مع التوسع فى مسببات الفصل لتشمل الاخلال بالشرف والامانة والاداب داخل دائرة العمل وأيضا الحفاظ على كرامة العمل واتباع السلوك القويم وكلها مفردات فضفاضة وغير محددة، ويحظر المشروع فى المادة 57 على العمال جمع التبرعات أو توزيع منشورات أو جمع توقيعات وتنظيم اجتماعات داخل مكان العمل بدون موافقة صاحب المنشأة، كما ينظم ذلك المشروع أيضا ما يسمى "شركات توريد العمالة" بدلا من حظرها على أن تقوم وزارة القوى العاملة منفردة بهذا الدور، كما فرّق المشروع بين الاجازات "المستحقة وليست الممنوحة" لعمال القطاع الخاص والعاملين فى القطاع العام والحكومة لصالح عمال الحكومة وحدد لصاحب العمل وحده تحديد مواعيد الأجازات للعمال وعدم النص على صرف بدل نقدى عن الإجازة فى حال عدم الحصول عليها.
باختصار فإن مسودة المشروع مليئة بالثغرات وتنحاز بشكل مباشر لطمأنة أصحاب العمل وتدليلهم على حساب العمال باعتبار الأخيرين هم وحدهم المسئولين عن تدهور الانتاج وعن جميع الكوارث الاقتصادية بعد الثورة، وبحجة خلق مناخ مواتى للإستثمار وإنطلاق الإقتصاد وتعويض ما فقد بسبب الإحتجاجات العمالية وتمكين الرأسماليين الجدد والقدامى ورأس المال العربى والأجنبى العمل فى بيئة نقية وخالية من المنغصات والاحتجاجات تم وضع تلك المسودة والتى هى بالفعل كذلك.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟