|
الأحفاد ودفئ التفاعل الاجتماعي
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 14:05
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الأحفاد ودفئ التفاعل الاجتماعي في خضم روتين معارك الحياة التي لا يميز أيامها عن بعض إلا كمية الملل المتراكمة ، وفي حضرة تلفزة مغربية تائهة بدون بوصلة وسط كثبان من سخافة لا تحترم أبسط معايير الجودة ، ورداءة لا تقيم وزنا لذكاء وآدمية المشاهدين ، وأمام وسائل إعلام أجنبية غارقة في أخبار الذبح والقتل والتنكيل .. في مثل هذه الأجواء الرتيبة المكتضة بالظواهر المقضة للمضاجع والصراعات المفتة للعزائم ، الزاخرة بكل ما يوتر على الأعصاب ، ويقلق النفوس ، تلبست أيامنا بأردية من الكآبة الرهيبة ، التي تنحولنا معها إلى كمن ينشد النجاة من غرق محقق ، ولا خلاص يلوح في الأفق ، غير تغيير الوجهة صوب أكبر المبتكرات الإنسانية ، واللوذ - بعناد شديد - بأكثرها ديوعا وشيوعا ، وأعظمها حساسية ودقة ، أضخم معاقل التواصل الافتراضي ذي الإمكانيات الكبيرة : "الأنترنيت" ، التي إرتمينا مستسلمين في اخضان شبكاتها المعنكبة ، وسجدنا طائعين في َمحارِبِ وسائطها المتعددة - من حواسب وهواتف وألواح ذكية - التي استطاعت أن تجعل بحق من هذا العالم قرية صغيرة ، يصعب تحقيق التواصل الإنساني بِدُونها ، وغرقنا في عبابها مرغمين ، نتنقل من خلالها من موقع لآخر ومن تطبيق للثاني، دون مراعاة أو تقدير لمن يشاركنا المكان والمجلس، والمناسبة ، أسرية كانت أو تجمع عائلي ، علنا نجد بين عناصرها الأساسية ، ما يخرجنا من كآبتنا ، ويبدد وساوسنا وينقدنا من وحشتنا .. لكن المفارقة المدهشة ، تكمن في أنه ، ورغم كل ما تحقق لوسائل الاتصال الحديثة تلك ، ولكل تطبيقاتها الذكية ذات الإمكانيات الخرافية من التقدم في العصر الحديث ، -الذي جعل بحق من العالم قرية صغيرة ، يسهل فيها التواصل وتبادل المعلومات والخبرات الكفيلة بتقريب الأشخاص المتباعدين جغرافيا – ورغم ما أصبح لها من قدسية وجبروت في أعماق الكثير البشر يمكنها من فرض الأحداث والمواقف ، لم تستطع ،مع الأسف، أن تعيد الأمور إلي نصابها من صفاء ونقاء ، و بدلا من أن تقوم بمد جسور التفاهم بين الناس ، وحفظ التوازن النفسي والفكري في نفوسهم ، فقد خبطت هي الأخرى مع الخابطين وسارت في نفس مسارات الواقع البئيس ، وطوحت بالمهوسين بها بعيدا في ما يبدو قرية صغيرة اتصالاً ، لكنه في حقيقة أمره عوالم شاسعة مختنقة بالمواقف الغريبة المتنائية قيما، والقصص العجيبة المتنافرة فكارًا ، والحكايات المضرّجة بسطوة الواقع وزيف الإفتراضي ، الذي فرض عليهم ذاتية وخصوصية مبالغ فيها ، ضربت اجتماعية الإنسان - واحدة من أكثر القيم الإنسانية المتعارف عليها عالميا - وزادت من إنعزاليته واغترابه ، وأسلته الحب العشق والهوى ، وشغلته عن الحوار الاجتماعي - كتعاطف إنساني – وحولته إلى وجبات سريعة تُلتهم على عجل وانفعال كبيرين ، تم ينقلب سريعا إلى حرب تستعمل فيها اللغة سكاكين تغتال الودية والتفاهم الأسري ، وتتحول خلالها المفردات إلى سيوف و"شواقير" تذبح والتساكن الاجتماعي ، وتصبح معها الكلمات حجارة تكسر حلو الذكريات ، والعبارات عصي تحطم نقي الأفكار والمفاهيم ، وتغذو الأصوات أثناءها منبهات زاعقات وصفارات انذار ، توقظ حموضة الأحكام البائدة ، وتشعل مفخخ الانفعالات ، وتؤجج جاهز الاتهامات .. وفي أثناء هذا التيه في معابد "الأنترنيت" ، وخلال ذاك التمسح بعتبات وسائط التواصل المبثوثة في مجاهل الإفتراضي وسراب عوالم أوهامه المكرسة للوحدة ، والمرسخة للفردنة ، والمعززة للذاتية والإنعزالية ، والملبذة لسماوات الفرد بضجيج "الكليكات" ، وطنين متنبه الرسائل والتطبيقات وأجراس التغريدات والشاطات ، التي وتفقد معها كل عقاقير الدنيا المنومة ، مفعولها، وتعجز على أن تجعل الكرى يأخذ الأعين بعيدا عنها في رحلاته الهادئة وعوالمه السحرية... في هذه اللحظات الحرجة ، بزغت في حياتي ، شمس جديدة ، بل شمسان مثقلتان بجرعات مكثفة من الأمل واللطف والبهاء ، كبديل للانترنت وكل مشتقاته الإتصالية ، وأدواته الحديثة التي أخذت الناس من بعضها ....، جاء الشمسان المتمثلان في حفيداي بارك الله فيهما وحفظهما من كل سوء وعين حسود ، جاءا لينتشلاني مما تبقى من أرتباكات ذكريات الأمكنة والأزمنة الموبوءة ، وركام أحلام صور الذات ومعنى الحياة ومثاليتها المزعومة في مباحث العم "جوجل" و"جوجل +".. جاء حفيداي "لينا ووسيم" ليبدلا احوالي ويعيدا إلي حلاوة الأحاسيس النابضة بالحياة العامرة بالحب الصادق ، والمشعار الزاخرة بدفئ التفاعل الاجتماعي الصحي العامر بالحب والتفاهم المقرب إلى الله سبحانه وإلى الأهل والأحبة والأقارب والرفاق .. جاءا ليجنباني أحزان الوحدة وهمومها ، وينجياني شرور الفردانية ومآسيها ، ويمنحاني بَهْجَة المشاعر الطيبة والعواطف الصادقة والأحاسيس الفياضة التي تدفع لمراجعة النفس وإعادة النظر في كل ما هو سلبي من افعل وتصرفات ، وتحفز على تعظيم الأعمال الإيجابية وتبني معايير الخير فيها .. لقد بعثت حكمة السماء بهما ليبعداني عن آلية العلاقات و"ربوتوتية " التواصل مع الآخرين ، ويعوضاها بدفئ المشاعر ، التي لا تقوى عليها برامج أو تطبيقات الذكية . كم هو شعور غريب مقدم الأحفاد ، انه حظوة كبيرة عند من حضي بها ، حهظ الله حفيداي وبارك في آبائهما الذين شرفوني ومنحوني لقب الجد الذي انتظرته طويلا ، وشكرا لله .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قيمة الأمتعة من قيمة أصاحبها ، أو على وجه الجلدة كيتباس الكت
...
-
اربعينية بونوارة ، حلت دون استئذان !!
-
ليس مراعاة لخاطركم ، لكن احتراماً لأرواح الشهداء الابرار ..
-
مصائب قوم عند قوم فوائد ..
-
نعم للتضامن لا للوم والعتاب !!
-
ظاهرة التلصص على الآخرين !!
-
لكل جهنمه ! (5)
-
مراسيم تشييع جثمان -بونوارة-
-
قد جاء دورك يا -بونوارة- فمت قرير العين بما ينتظرك عند ربك!!
-
بدعة التسابيح وموضة التسبيح
-
ألا في مثل هذا فليتنافس المتنافسون .
-
لماذا تأهلت لنهائيات كأس العالم الدول التي ترأسها النساء فقط
...
-
هل بعث الله لمصر من يصلح لها أمر دينها ودنياها
-
سلامة الإنسان في سلامة بيئته .
-
وبضدها تتميز الأشياء !!
-
الصبر والدعاء لا يكفيان لمجابهة المصائب يا نساء !
-
على هامش إحتفالية توزيع الجوائز بمنتزه -جنان السبيل- التاريخ
...
-
هل هي مؤا مرة على المرأة ، أم على الإسلام ؟
-
المنتدى المغربي للمبادرات البيئية بفاس ينظم حفلا بيئيا بجنان
...
-
هل هي عنصرية صرفة أم هي مجرد ذوق عام ، أو ثقافة اجتماعيّة تق
...
المزيد.....
-
الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح
...
-
تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه
...
-
الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
-
حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
-
استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا
...
-
الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ
...
-
بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
-
صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
-
انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
-
باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|