أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - العيد الذي ينساه أطفالنا:














المزيد.....

العيد الذي ينساه أطفالنا:


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4524 - 2014 / 7 / 26 - 14:21
المحور: الادب والفن
    





العيد الذي ينساه أطفالنا:


إبراهيم اليوسف


ما الذي يقوله العيد للدم؟، سؤال يمكن أن يطرحه المرء، وهو مسكون بألهبة النار التي تستعر في روحه أنى شاهد بأم عينيه منظر الأطفال تستهدفهم القذائف، تخترق أجسادهم الغضة، تمزقهم أشلاء، وهو حال آبائهم، وأمهاتهم، حال جيرانهم، ومعارفهم، حال أبناء شارعهم، بل أبناء حيهم، وكل مدينتهم الصامدة، بل حال أشجارهم وهي تدفن في لحائها، وبيوتهم وهي تتهدم فوق رؤوسهم أمام أعين العالم جميعاً،]دوابهم، ودواجنهم، تختلط لحومها بلحوم أصحابها، الآدميين، معابدهم وهي تدمر، من دون أن يفعل أحد شيئاً لإيقاف نهر الدم الذي يجري.


مؤكد، أن العيد نفسه ليقف ذاهلاً أمام هول مايراه بأم أفراحه التي يرفل فيها-عادة- بل إنه ليغدو مع وقف التنفيذ، لأنه لايمكن للفرحة أن تكتمل، بل وحتى أن تبدأ مادامت هناك غصة في حلق أي امرىء من حولنا، ومادامت أن هناك أنة تعتصرالروح، أو ألم بشري نشمُّ رائحة نشيشه، فالعيد تتويج لحالة الفرح، وفيه من الترف الذي يمني به المرء نفسه الكثير، حتى وإن كان ذلك محض افتراض، وكأن العيد ممحاة الروح مما يعلق بها من غبارحركة الزمن، أووعثاء الهرولات على دروب الحياة.

ينام الطفل في بيته، عندما تفرخ الحرب مجازرها في كل الأمكنة، كي يستيقظ في المشفى، دون أب وأم أو أشقاء يحرسون جرحه المفتوح، إن لم يلحق-هو الآخر-بهؤلاء، أمام الهدايا التي توزعها طائرات الموت بهندسة مسبقة، أوخبط عشواء، حيث لا فرق بين الحالتين، مادامت آلة الموت تحصد أرواح الأبرياء، بل لا فرق بين الأبرياء ذواتهم، وهم في حلب إبراهيم، أو رقة الرشيد، أو كوبانية البرازي أو موصل أبي تمام أو الموصل، أوفي لجج عنوانهم الغزي، وكأن لهؤلاء جميعاً شجرة واحدة يشكلون فروعها، تجمعهم رابطة الدم، وهوما يجعل القاتل نفسه، غيرمتقيد بمجرد لون بزة عسكرية واحد، أولغة واحدة، فهومن فصيلة الوحوش التي تجد في فرحة الآخر مدعاة حزنه، وفي حضور الآخرغيابه، وفي تنفس الآخرالهواء ما يضيق عليه الخناق ويجعله يستشعر بغرغرة الموت، ولذلك فإنك تراه يستهدف كل ما هو مضيء في الحياة، كي تعم ظلمته، هذه الظلمة التي تمكنه من نشر ظلمه، في الاتجاهات كلها، بما يجعله مطمئناً على ديمومة عيشه، من خلال قتل الآخرين، بكل ما أمكن من أدوات تساعده في تحقيق معادلة بقائه.

قصص وحكايات كثيرة تتوالد، تصل مرحلة الأسطرة، تحت ظلال القذائف وهي تستهدف المكان، كلها أكبر من أن يتناول الحبر ولو القليل منها، لأن لا مدونة في إمكانها أن تسع أرومة الآمال وهي تتلظى-بغتة- في المحرقة المفتوحة على ابن الأرض من قبل القاتل الدخيل، القاتل الذي يفتقد ألفباء الأخلاق، بل هو يصنف في خانة المجرمين، كما أن لا مدونة يمكنها أن تصف حجم الحرائق في روح ثكلى يفور لبن صدرها من منابع حنوها أنى ذكر اسم ابنها، أو أنى لمحت آثار أنامله على الطين الذي يعبق برائحة دمه، ولا انكسار يعادل مرارة الإحساس بالفجيعة التي تتولد من جراء غياب أسرة واحدة من مجلد الحياة، من دون أن يعود أحد منها، ليتابع إشادة أحلامه الصغيرة أو الكبيرة.

أجل، ولهذا فإن الحبر يواصل ارتباكه، أنى أريد له أن يقتفي أثر الدم، يوثقها في الكراريس التي تنتظره، مادام أنه واثق أن مهمته المحرجة أكبر من مقادير الكيمياء التي هادنته، وارتكابات الرصاص لفعل الفناء القسري، للأرواح التي تزهق، والبيوت التي تفرغ من ذويها، والمدارس التي تحول إلى مقار للقناصة، والمستشفيات التي تقطع الكهرباء عن حواضن ما فيها من خدج، أو مرضى وجرحى في غرف العناية المشددة، أو العمليات، وهي مشيئة غرف عمليات أخرى، تتقفى أثر كل ما هو جميل كي تمحقه.

يتوارى العيد خجلاً، ساحباً أذياله، وهو يرمق المشهد في المكان، في ذروة تأججه، و ترمده، قبل أن يبدأ دورة الحياة الجديدة، يعيد معه، وهو يعود القهقرى، على رؤوس أصابع رجليه، أكياس السكاكر، وباقات النرجس والقرنفل، يتوجه بها إلى أقرب مقبرة، كي يرى عصافير الدوري الفزعة تلوذ بالأتربة الرطبة، بعد أن تهدمت أعشاشها، بعد أن غابت الظلال التي كانت تستأنس بها، كل شيء تبدل: أصوات المآذن باتت موغلة في نشيجها، ضحكات الطفولة لم يعد لها من أثر، النسيم يسير أعرج محملاً برائحة البارود والديناميت، الأشجار العالية أجهزت عليها الجرافات، هو موقن-حقاً- في قرارته أن ملامحه يشكلها هؤلاء البسطاء الذين كانوا أكثر من يحبونه، و هو هم الآن في مهب الفجيعة والمجازر المفتوحة، من كل حدب وصوب.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلسوف عبدالرحمن بدوي من الوجودية إلى-اللاوجودية-..!
- صندوق الدنيا
- من يقرؤنا؟
- تنبأ ب-الثورة- وبشربها ووقف محايداً حين بدأت أدهم الملا سرقه ...
- أمكنة الشعر
- برقية في ذكرى استشهاد المفكرالكردي د. عبدالرحمن قاسملو
- مابعد العبث:
- فوضى العماء:
- تحت جناحي عامودا.....!
- مارس دوره التنويري على أكمل وجه المفكرالكويتي خلدون النقيب أ ...
- ارجومنكم نشرهذه بدلا عن المنشورة وشكرا
- داعش ترحب بكم.....!:
- أستعيدُ أبي......!
- وحدة الخير وحدة الشر
- طفرة داعش: الواقع والآفاق
- بعد أن طرق بوابات الكرد بيده الملطخة بالعار والدم هل تكون كر ...
- ميشيل فوكو ثلاثون عاماً على الرحيل
- بعدأن طرق بوابات الكردبيده الملطخة بالعاروالدم: هل تكون كردس ...
- ماقبل الجاهلية:
- استبصارالعماء:


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - العيد الذي ينساه أطفالنا: