أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - وداع














المزيد.....

وداع


سلوى فرح

الحوار المتمدن-العدد: 4512 - 2014 / 7 / 14 - 22:32
المحور: الادب والفن
    


وداع
بقلم الكاتبة: سلـوى فـرح
يا إلهي.. لقد حلّ وقت الفراق! تجَهَمت السماء تَذرِف دموعها بحرقة.. وتنزف الغيوم ألماً وسط الضباب الكثيف والحزين الذي لَفّ المكان..
كيف سأسافر وأترك وطني وأهلي وحارتي وأزهار الياسمين.؟؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني تحتاج إلى أجوبة سريعة ولا وقت لها.. اقتربت مرتعشة من إخوتي الذين كانوا ملتفين حولي كباقة زهور ملونة.. طفقت أعانقهم واحدا تلو الآخر وتتصاعد سيمفونية الدموع في ذاك الصباح الرمادي ثم مشيت بخطوات وئيدة، وحائرة إلى مصير مجهول.. وأما قلبي فكان كالعصفور الجريح لا يعرف إلى أي اتجاه يطير أو يُغرد..
يا له من موقف مؤلم.. إنها آخر إيماءة يا إخوتي العصافير التي تعودت ألا تغفوا أبدا إلا على وقَعِ غنائي وألحاني.. لكن القدر قال كلمته وكانت مشيئته، وقد دَنت لحظة الرحيل..
توجهت إلى الحافلة التي ستُقِلّنا إلى مطار دمشق الدولي.. صعدت بحذر وتردد.. جلست أمي الحبيبه بجانبي في المقعد، وطوال الطريق وهي تطوقني بذراعيها الغاليتين، وتشُمّ أنفاسي العطرة، وتردد لي - بصوتها المتهدج- أغاني الوادع الشبيهة بتراتيل السماء.. أما أبي المسكين فكان يجلس في المقعد الأمامي، و بين الفينة والأخرى يرمقني بنظراته الصامتة كعادته كأنه يقول: لا ترحلي يا غالية.. وكانت تلك تراتيل وداعية..
منذ الوهلة الأولى انتابني شعور بأن الشارع المؤدي إلى المطار ثقيل الظل، واللحظات قاهرة، وأنفاسي تختنق ولا تدري كيف تَشق طريقها بِيُسر إلى صدري، ونبضي يتقطع من نزيف روحي.. يا إلهي هل هو حلم أم حقيقة؟
نعم.. هل هو حلم أم حقيقة؟ فجأة صرخت أمي بصوت غريب عندما توقفت السيارة أمام مدخل المطار الرئيسي.. وبدأت تمطرني بوابل من الأسئلة، هل هي حقيقة إلى أين تغادريننا يا عصفورتي؟ لا.. لا لن ترحلي.. ولماذا ترحلين؟ هل ضاق بنا العيش إلى هذه الدرجة في كوخنا الفقير، وما عاد يستوعب طموحاتك؟.. أم أنك تشعرين بالظلم؟ سامحينا يا ابنتي لو ظلمناك.. لكن كل شيء سَيُصَلّح.. لا تسافري.. لا تسافري.. ثم أصيبت بنوبة هسترية من البكاء والصراخ، وكادت تمزق معطفي وهي متشبثة به في محاولة لمنعي.. وانقسم جسدي إلى نصفين ما بين أحضان الأم الحنونة الباكية، وأولى درجات سُلم الطائرة.. وأما أبي فلم يستطع أن يتمالك نفسه هو الآخر، وبالرغم من محاولاته المتكررة الحفاظ على رباطة جأشه إلا أنه انهارَ في اللحظة الحاسمة كطفل صغير ينتحب وهو يعانقني عناق الوداع الذي أدخل الرجفة إلى نفسه، وقال: سنفتقدك يا سلوتنا.. سنفتقدك يا ابنتي..
ابتدأ مصعد الطائرة يعلو وأنا أعلو، وصارت أمي تَلْطِم على وجهها.. هذا المشهد هَزَّ مشاعري فعادت مشاعري أدراجها إلى أمي على وجه السرعة.. عانَقَتها بحرارة.. وَوَعَدَتها بأنني لن أطيل عليها الغياب، وَطمأنَتها بأنني سأعود في أقرب فرصة ممكنة.. عندما وصلت قمة المصعد وقفت مَلياً عليها وأنا أحدّق في وجهي الوالدين وهما يلَوّحان لي بأيديهما حتى نبهتني المضيفة إلى الولوج سريعا داخل الطائرة، فقطعت مشهد اللحظة الأخيرة وكانت النهاية.. جلست في مقعدي أنتحب وحيدة.. وشعرت حينئذ و لأول مرة في حياتي باليُتم الحقيقي !!..وتمنيت لو أن الزمان يعود إلى الوراء وأعود طفلة صغيرة أجلس في حِضنَيّ الوالدين وألتف حول إخوتي.. ولكن هيهات تلك العودة... لقد مَرَّ قطار الأمنيات ولم ينتظرني...
ما زالت لحظات الوداع الأخير تلك تؤلمني، وتتغلغل في شعاب روحي ووجداني، بالرغم من مرور السنين الطوال على غربتي، وهي محفوظة في شريط ذكرياتي ، ولا أنسى صورة الانسلاخ التراجيدي عن الجسد الأم وانشطاره إلى نصفين، نصف في أسفل مصعد الطائرة حيث أمي ترتدي المعطف الأسود والدموع تنهمر كالأنهار من عينيها، وتلَوّح بيديها الطاهرتين وبقي في الوطن.. ونصف آخر تختطفه الهجرة والغربة من أحضان الوطن الأم، كلٌ منهما يَشُدني نحوه.....
______ كندا: [email protected]



#سلوى_فرح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَمْض
- مُهرةٌ مِن ريح ..
- شَهقةِ النعنَاعِ
- دراسة حول ديوان الشاعرة السورية المغتربة سلوى فرح بقلم : الك ...
- رَقصَةُ المَطرْ
- هل أخْبرتُكَ؟
- لهيب النرجس
- نبوءَةُ عِشْق
- غربة نيسان
- نيسان.. آه يا غربتي
- قراءة في صدور ديوان -أزهر في النَّار- للشاعرة سلوى فرح
- إسورة الصنوبر
- عُشَّاقِي سَنَابِلُ تتفتَّحُ
- تنويه وتوضيح
- نَكْهَةُ الأُسطورةِ في شَفتَيها
- لأِنني أَحلَمُ ........
- لا يكفي أن تُجَنَّ بِي
- غربة الروح
- كَرنَفال ُ التُفاَح
- أميرة القمر


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - وداع