أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - إسورة الصنوبر














المزيد.....

إسورة الصنوبر


سلوى فرح

الحوار المتمدن-العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 15:51
المحور: الادب والفن
    


أقصوصة
إسورة الصنوبر
بقلم الكاتبة: سلوى فرح

شارفت حصة الحساب الأخيرة على الانتهاء.. لم أستطع فهم كلمة واحدة مما شرحته معلمتنا "هند" في ذلك اليوم.. كنت منهمكة للغاية في عَدّ القروش القليلة التي كانت في جيب مريولي البيجي العتيق من أجل شراء هدية لأمي في يوم عيدها.. بعد عدة محاولات من البحث اليائسة اقتنعت بأن عدد القروش الموجودة بحوزتي لا يكفي لشراء الثوب المزركش الذي كانت أمي تحلم بارتدائه وأن تتزين به أسوة بباقي النساء في القرية، وقد رأيته في أحد محلات الملبوسات في القرية، وأنا برفقتها وسمعتها حينئذ تردد كلمات الإعجاب به.. استسلمت للأمر.. انتظرت حتى قرع جرس المدرسة إيذانا بانتهاء الدوام المدرسي.. حملت حقيبتي المدرسية.. وخرجت من صفي الثالث الابتدائي مطأطئة رأسي.. حزينة.. محبطة والدموع تترقرق في عينيّ.. والغصة تنهش صدري.. توجهت إلى شجرة الصنوبر الملاصقة لسور المدرسة.. جلست تحتها.. لا أعرف كيف أتصرف..قروشي قليلة لا تفي.. وأنا طالبة صغيرة لا زلت.. لا أملك وسيلة أخرى.. و لم أحصل من أبي في هذا الشهر على النقود الكافية نظراً لكثرة التزاماته، ومسؤولياته المعيشية تجاه أسرته المكونة من تسعة أنفار ناهيك عن دفع أجرة البيت الشهرية وتسديد مصاريف إخوتي المدرسية.. وكنت أنا البكر وأكبرهم جميعا و أحس بمدى المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتق أبي، وأتفهم مدى حاجة أمي لهدية ولو رمزية في مثل هذا اليوم الذي تحتفل به كل الأمهات في العالم.. مع أن هذه المسؤولية هي أكبر مني لكنها كانت تقرع في داخلي وتحثني على شراء الهدية كقرع جرس المدرسة..
نظرت إلى أعلى شجرة الصنوبر.. رفعت يديّ نحو صدري.. صلّيت وتَضرَّعت إلى الله أن يساعدني على إدخال البهجة والسرور في قلب أمي المهمومة، وأن أزيح بعضاً من الهم عن صدرها المغموم بهدية رمزية في يومها..
فجأة لمعت في ذهني فكرة.. تذكرت كلام جدتي عندما كنت عندها خلال العطلة المدرسية الفائتة وكيف علمتني أن أحيك عقداً جميلاً من أوراق شجرة الصنوبر الإبرية.. قمت على الفور بجمع كمية منها.. وقررت صنع إسورة لأمي منها.. فكنت أدخل ورقة الصنوبر إبرية الشكل في جذع الورقة فتتشكل حلقة مترابطة مع ثانية وثالثة متتالية جميلة الشكل، وهكذا دواليك حتى غدت إسورة فعلا خلابة خضراء زاهية.. فرحت بها و بقروشي القليلة.. عدت إلى المدرسة.. قطفت عدداً من بتلات ورد الجوري وصنعت منها ظرفاً صغيراً مزيناً بالقلوب.. وضعت الإسورة الصنوبرية بداخله.. فصارت الهدية خلابة المنظر.. هرعت مسرعة إلى البيت قبل عودة والدي وإخوتي من مدارسهم كنت أريد مفاجأة أمي بها.. قرعت الباب لكن أمي لم تسمع بسبب انشغالها وانهماكها في أعمالها المنزلية المتنوعة..
وقفت أتأملها.. أراقبها من خلال الشباك.. وأيقنت أنها لن تسمعني وهي تخوض معركة طاحنة مع بابور الكاز حيث تارة يختنق ويخبو فتنكشه فيتدفق الكاز كالنافورة ، وتارة أخرى يرتفع لهيبه، وهكذا حتى هدأت حالته وتمكنت أخيراً من وضع الطنجرة النحاسية عليه لطهي الطعام.. وشاهدت خلال هذه المعركة كيف كانت تكويرات العجين تتمدد وتترنح على صينية القش تنتظر دخولها في بطن التنور وأن يلتهما شوق لهيبه المستعر .. ولا زلت أراقب أمي عن كثب من الشباك ماذا تفعل وكيف تكافح في حياتها..
أثناء ذلك انتقلت لأداء مهمة أخرى.. أحضرت طشت الغسيل جلست حوله القرفصاء.. وانكبت على غسيل الملابس بيديها المبللتين على وقع أنغام صوت ببورها.. كم كنت أشفق عليها وأنا أرى العرق يتصبب من وجهها كقطر الندى يداعب خديها الورديين.. ليس لديها الوقت الكافي لتتذكر عيدها السنوي..
تسللت من على سور البيت كالعادة واتجهت نحو أمي خبأت الهدية التي أعددتها خلف ظهري.. ناديتها: يا أماه.. يا أماه أحضرت لك مفاجأة..أغمضي عينيك.. ففعلت .. عندما فتحت عينيها فرحت كثيراً.. و بكت كثيراً عندما قلت لها: كنت أود أن اشتري لك الثوب الذي ترغبينه لكنني لم أملك النقود الكافية فصنعت لك هذه الإسورة كما علمتني جدتي.. احضنتني بحرارة وقبلنا بعضنا بعضا وهنأتها بعيدها..ثم ساد البيت حالة من الصمت لكن نوبات ببور الغاز أعادتنا إلى واقع الحياة فقمنا بإنهاء الإعمال المنزلية معا وساعدتها في عملها ..
مرت الأيام ورحل عهد الببور والتنور وطشت الغسيل.. وها أنا الآن أعيش في بلاد التكنولوجيا، ولكن كل أنواع الخبز الإفرنجي التي آكلها لم تشبع روحي كما أرغفتك السمراء يا أمي، ورائحة التنور ما زالت عالقة في ذاكرتي حتى طعامك المطهي على ببور الكاز له نكهة خاصة ما أزالتها مباهج الغربة.. كما أن رائحة غسيلك حكاية بحد ذاتها..
وقد فاجأتني والدتي عندما أخرجت من خزانتها القديمة ظرفاً، وقالت: لقد تلقيت الهدايا الكثيرة يا بنيتي في حياتي لكن إسورة الصنوبر التي حاكتها براءة طفولتك لها وقع مؤثر على نفسي لن أنساه مدى حياتي عندما قمت بزيارتها خلال السنة الفائتة وقد تقدم بها العمر..
واسمحي لي يا أماه في هذا اليوم أن أهديك هذه القصة في عيدك وكل عام وأنت بألف خير وجميع الأمهات.
______



#سلوى_فرح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُشَّاقِي سَنَابِلُ تتفتَّحُ
- تنويه وتوضيح
- نَكْهَةُ الأُسطورةِ في شَفتَيها
- لأِنني أَحلَمُ ........
- لا يكفي أن تُجَنَّ بِي
- غربة الروح
- كَرنَفال ُ التُفاَح
- أميرة القمر
- غَيثٌ دُونَ اِبْتِسامَةٍ
- يَمامَةُ العِشقِ
- حينَ لا يغفو النِّسْرينِ
- وشم المطر
- غيمةُ مِنْ الياسمِينَ
- كُروم الحُلم
- خاطرة العيد
- مَهلاً ياسمينُ الشَام
- جَسدي شدو النَبيذ
- الماطرُ بقَلبي
- التفرّد
- أَحْلَمُ بوطنٍ لا ينتحِرُ


المزيد.....




- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - إسورة الصنوبر