أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - نيسان.. آه يا غربتي














المزيد.....

نيسان.. آه يا غربتي


سلوى فرح

الحوار المتمدن-العدد: 4424 - 2014 / 4 / 14 - 19:15
المحور: الادب والفن
    


خاطرة
نيسان.. آه يا غربتي

بقلم الكاتبة: سلــوى فـــرح

ها هو نيسان عاد يتبختر بسحره وروعته.. كيف لا وهو شهر الحب، والجمال، والخصوبة؟ كم أعشق نيسان وأجُله.. إنه سيد الشهور.. يتربع ملكا على عرش الربيع.. ويعبق بشذى عطر جميع الزهور..
كم أتمنى أن أضيع في غمرة نيسان و بين أحضان الأقحوان، والبنفسج.. استدفئ بلمسات النرجس وأتنفس من همسات المنثور.. و أكون برعماً صغيراً .. أتعمد بقطرات الندى فأتفتح كوردة جورية حمراء تملأ الدنيا بعبيرها المخملي..
أريد أن انصهر في روح الربيع فأغدو نسمة رقيقة تلامس رموش العاشقين، وأكفكف دموعهم الغالية.. و أغرق في خلايا النحل شهداً.. ليزداد نيسان حلاوة وعذوبة.. يا ليتني أصبح عندليباً يغرد بحرية بعيداً عن أقفاص البشر القاسية، وأن أتحول إلى فراشة حلم أطير أينما أشاء ولا أعود أبدا إلى عالم مريض مسحور بشعوذة المتخلفين وجهلة العقول..
آهٍ كم أفتقد نيسان وأحنُ إليه في بلاد الشرق، وكم تتراقص أحاسيسي طربا على إيقاعات ذكرى الأمس هناك في بلادي، كنت مع مجموعة من الفتيات الصغيرات نلهو و نمرح في بساتين التفاح كأننا نسابق الهواء بفرح غامر إلى نبع الصفاء في قريتنا لملئ جرارنا الفخارية، ثم نعرج إلى بساتين الورد نتجمع على شكل حلقة حول أزهار شقائق النعمان نقطف منها، وكانت كل واحدة منا تشتم شقائق النعمان وتغمض عينيها وتحلم بأمنية تتمنى أن تتحقق في حياتها ومستقبلها..
قالت إحداهن: أنها تحلم بالزواج، وثانية ترغب بأن تصبح طبيبة مشهورة، وثالثة تتمنى أن تصبح محامية وهكذا دواليك حتى جاء دوري.. أغمضت عينيّ، وقلت بعفوية: أريد أن أهاجر.. أريد أن أرحل إلى عالم بعيد جدا ولا أعود أبدا.. ولا أعرف لماذا اخترت حينها الرحيل ؟؟ ما زال عبق شقائق النعمان والأيام الخوالي ملاذاً لذاكرتي حتى يومنا هذا..
دار الزمان وكبرت معه، وتحققت أحلامي.. هاجرت إلى الغرب.. لكني الآن وأنا في الغربة أشعر بأصعب أنواع الحرمان والحسرة لعدم وجودي في الشرق والاستمتاع بجمال وسحر فصل ربيعه، و لأنه أيضا لا ربيع في الدنيا يضاهي ربيع وغناء جنان بلادي..
أما في الغرب فقد فارق العطر شفاه الورود فغدت دون رائحة، حتى أنني صرت أسمع زقزقة العصافير حزينة ، ولا تُفرح القلب، وليس للبابونج نكهة، ولا للبرتقال مذاق، وقد دمر صقيع الثلوج الجمال في مناخ الغرب وأصبحت العلاقات بين البشر بلا ربيع..
أتساءل كثيراً لماذا رحلت أنا؟ ولماذا يهوى الإنسان - بشكل عام في الشرق- الرحيل ولا يقدر نِعَم بلاده الوفيرة والمتنوعة بغناها؟ ولماذا يعتبر أن الغربة هي الجنة وأن الله قد منح كل المغريات المادية للمغتربين؟؟ أسئلة عديدة تدور في رأسي..
بعد هذه السنين والتحديات التي عشتها في الغربة أدركت أن السعادة الحقيقة ليست في السفر والهجرة، وإنما هي في دواخلنا وليست في تغيير المكان.. وإن لم يشعر بها الإنسان في داخله لن يجد السعادة في أية بقعة أرض يكون.. ويبدو أن بحث الإنسان عن السعادة الوهمية- برأيي- يجعله يرى أن المجهول هو الحلم الوردي ولكن للأسف الشديد ربما هو الحلم الأسود لمن خاض هذه التجربة.. لذلك علينا تجديد ذواتنا من الداخل وتغيرها نحو الأفضل وليس بالتنقل والرحيل..
الغربة هي صقيع قاتل، و يدفع المغترب ضرائب باهظة خارج وطنه.. لا أحد يشعر بها إلا من عاشها.. ويجمع آلامه المُبرّحة في ثنايا ضلوعه.. فيعيش المغترب غربتين.. غربة عن الوطن الأم، وغربة عن ذاته والإحساس بالوحدة في داخله..
ولكونه فقط عربي الملامح و الهوية سيظل متهماً والنظرات تطارده وتحاكمه وتتهمه على جرم هو لم يقترفه أبدا.. إنه شعور مؤلم أن يحاسب الشخص على جرائم الآخرين، ويدفع ثمن أخطاء غيره من الجهلة.. و غدت حياة المغترب الشرقي مرهقة، وجامدة، وموت بطيء، مضافاً إلى ذلك أن دوران آلات العمل وساعاته الطويلة أحرقت الياسمين في أنفاسه وأفقدته الإحساس بذاته وبحياته الاجتماعية..
لقد فقد المغترب هويته.. ولن تعترف به الأجيال القادمة ولا بشرقيته.. الآن هو يعيش في حالة رعب حقيقية، ويخوض صراعاً عنيفاً لإثبات ذاته.. لا يستطيع العيش في وطنه ولا العيش خارجه.. نزيفه موجع في الحالتين .. أضحت روحه- رغم ألم الغربة وحنين الوطن- مدمنة على الرحيل.. وصدق من قال: من اغترب مرة واحدة أصيبت روحه بداء الرحيل ..والغربة هي شروع في معانقة الموت..
المغترب لا يرى، ولا زال يحلم بانقشاع الضباب ليرى النجوم والشمس على حقيقتها.. الألم أكبر من أن تعبر عنه الكلمات..
لقد تقاذفتني الأمواج إلى ديار الغربة ولا أدري ما الذي جرى حقا هل هو قدر طلبته روحي لاكتشاف ذاتي أم ماذا ؟ لكن ضريبة الغربة كانت باهظة الثمن .. وكم هو مرير بأنك في حاجة إلى غمرة من أقرب الناس إليك ولا تجدهم حولك لتنالها، أو كلمة حانية تدفئ بردك ولا تسمعها.. لكن اليوم تغيرت قواميسي وطقوسي ونضجت حكمتي.. أتمنى أن أعود صغيرة إلى بساتين التفاح في وطني وأجتمع مع صديقات طفولتي لنقطف معا أزهار شقائق النعمان من جديد وشوقي إليه لا يوصف، فلو عدت طفلة ثانية، واجتمعت مع صديقات طفولتي سأقطف من أزهار شقائق النعمان وأغمض عينيّ، وأقول: أريد البقاء في وطني والموت على ثَرَاه الغالي..
________
*كندا- hotmail.com @ tender.breeze



#سلوى_فرح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في صدور ديوان -أزهر في النَّار- للشاعرة سلوى فرح
- إسورة الصنوبر
- عُشَّاقِي سَنَابِلُ تتفتَّحُ
- تنويه وتوضيح
- نَكْهَةُ الأُسطورةِ في شَفتَيها
- لأِنني أَحلَمُ ........
- لا يكفي أن تُجَنَّ بِي
- غربة الروح
- كَرنَفال ُ التُفاَح
- أميرة القمر
- غَيثٌ دُونَ اِبْتِسامَةٍ
- يَمامَةُ العِشقِ
- حينَ لا يغفو النِّسْرينِ
- وشم المطر
- غيمةُ مِنْ الياسمِينَ
- كُروم الحُلم
- خاطرة العيد
- مَهلاً ياسمينُ الشَام
- جَسدي شدو النَبيذ
- الماطرُ بقَلبي


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - نيسان.. آه يا غربتي