أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - ثلاث قصص















المزيد.....

ثلاث قصص


ناصرقوطي

الحوار المتمدن-العدد: 4510 - 2014 / 7 / 12 - 15:14
المحور: الادب والفن
    


قبلة عطشى وأخيرة من شفتيها النديتين، لثمة حلم وغياب. برشفة واحدة قلبت الزجاجة، أفرغت محتواها عبر جوفي الملتهب والتحمنا بعناق أبدي. النوارس تخفق بأجنحة سماوات بيض فوق مياه شط العرب وأنا أثمل قرب أحذية ضخمة علاها الصدأ والغبار، وهي تطير، تتصاعد، تنفتل بانحناءات نصف دائرية وأثمل أمام فواصل الجسر التي تربط الضفتين. تتجمع، ترتفع، تنأى، أثمل فتثمل وتتهاوى لاهثة متهافتة حول فتات أطعمة فاسدة دفعتها ريح مياه الخليج في غفلة من زمن مر نحو شاطئنا المهمل. نوارس أخرى تقف واجمة فوق النصب البرونزية لجنرالات وجنود ليسوا أكثر حياة من الكتل الكونكريتية التي ثبتت " بساطيلهم " عليها. نوارس متفردة تنفلت عن السرب، تنظف ريشا تها الناصعة مما علق بها من أدران العمق وتفرغ ذ روقها فوق هامات النصب والأكتاف المثقلة بالنياشين. على امتداد الشط نوارس بالعشرات تصيء، تقو قيء، تثمل بـينما كنت منشغلا بنقاء بلور زجاجتي الفارغة بعد إن أسلمت روحها إلي، وضعت في عتمتها البلورية كل ما أملك، أحكمت إغلاقها دافعا سدادة الفلين حتى منتصف العنق. كنت على حافة جنون....... نهرٍ جارٍ.. كلمات كتبتها على قصاصة ورق بيضاء كجناح نورس. أقفلت الزجاجة بإحكام، أودعتها كنزي الثمين، رميتها في التيار وهمست : اذهبي بعيدا هناك عند آخر بحر، إلى صحابي في بلاد ألغال واخبريهم عن هول مايحدث في عمق شاطئنا. أجراس نوتردام تقرع، تضج في رأسي بعنف تصلني عبر ترددات الريح والبرد حين انبعثت صرخة حبيسة من فم الزجاجة التي مازالت تترنح وتتقهقر بين المويجات الصغيرة الهاربة. تساءلت : أي صرخة تلك.؟ وأي أجراس يسمع رنينها الكنسي.؟..آآآ.. ربما قتلانا في الحروب الكثيرة الخاسرة أطلقوا صرختهم الأخيرة عبر طمي هذا الشاطئ بعد ان ألجمت أفواههم طويلا، وهاهي تنبثق الآن، وربما صرخة ذاك الأحدب الذي أثار غبار كلمات حين هز الناقوس فأودعها هناك، ربما ظلت بأعماق السين كل هذه الأعوام حتى وصلت مياه الشط. ولكن من يقدر على الغوص إلى العمق..؟ تساءلت وأنا أرى الزجاجة تتهاوى إلى القاع الطيني اللزج بعد ان أزيلت عنها سدادة الفلين بخطفة سريعة إثر هجوم عشرات المناقير الصغيرة الحادة والأظفار المعقوفة الناتئة، حتى تصادت الصرخة عبر الضفتين، بين زعانف الموج وتعرجات الزبد... الزبد الذي غدا كفنا مرقشا بأعواد القش وسدادات الفلين والأغصان الميتة، تابوتا للأحلام التي لم تثمر ولم تصل أبعد من موطئ قدمي حين هشمت الزجاجة وتناثرت أجزاؤها البلورية بين الأحذية الضخمة الصدئة والساقين المنفرجتين كعلامة نصر مقلوبة. واجما كنت أرى الزجاجة تتشظى أمامي وتتسرب الأحلام، تغور في مياه الشط، ناقرا بالسبابة والوسطى صفحة صدغي الملتهب، وجمجمتي الصلدة التي استحالت بشكل غامض إلى زجاجة أخرى تختنق حتى العنق بعشرات الأحلام والأسرار التي لم تخرج من عمقها الطيني اللزج وتصل إلى ساحل أو مدى، وربما ستظل عصية حتى تجيء لحظة البوح وتهشم على رصيف ما، لشاطئ ما ليس أكثر عمقا ولاحزنا من شاطئنا المهمل والغريق.

عمق آخر...

انه ذات الرصيف المهمل عند حافة الشط، غير ان مدا آخر جرف الزبد وأحال النهر إلى بركان، فانهارت النصب وجلسنا ثانية نحتسي ذات الزجاجة، نسفح نخبها على ماتبقى من وطن ولم يك ثمة أحد. لاأحذ ية ضخمة تسحقك، لانوارس بيض ترفعك إلى سماوات حلمك ولاجنود بسبابتهم التي تومئ وتشير إلى الضفة الأخرى... لاأحد... صديقان.. أنا و أنت، لم يتغير شيء. حين سقطت شفتاك على جوف الزجاجة وزجرتك، بل صرخت بك : قليلا من الصبر، فكلانا سيفرغ زجاجته ويمضي نحو متاهاته، فعلام العجالة بالشرب..؟ حدق في البعيد وكانت أضوية المصابيح تتراقص على مياه الشط، تندغم، تذوب مع بعض : إ يـ......... ــه... عقودا انتظرنا ويجيء زمان قبيح آخر لا... لايمكن هذا، لم أعـد أحتمل أكثر. صرخ واقفا أمام الدكة الكونكريتية، وحيدا في الظلام : انظر هناك.. انه الشط كم يبدو راسخا وأمينا وهو يحتضن كائناته الضعيفة... : أعرف ذلك وأنت تعرف، فطالما تنسمنا هواءه سوية... : ولكن الأسماك/ مابها.!/ انها تختنق في ذروة فرحها لتطول هواء غير ملوث. كان يصرخ باصقا في المياه :/ياصاحبي إنها الدهلة، السديم والعماء.. حيث لاأمل لمن لاظل له. قلبك سراجك، بوصلتك الأزل يوم العماءات والسدم. همست لصاحبي، أناي الأخرى، كان يلعن النصب التي ثقلت عليه ردحا من الزمن طويلا./ الظلام ينبع من القلب./: القلب مضخة لاأكثر، إنما روحك أين أصبحت ؟... تذكر فلن يسعفك إلا بعضك.. جرحك شظايا فوق رصيف الشاطئ.. الوطن.. لملم ما تبقى منك./لا.. لا.. لألأ وأغفى على شفة الزجاجة التي لايعرف أسرارها إلانا/ سأشتم الرئيس وليسقط الجميع/ ولكن ليس ثمة رئيس/ سأبول على نصبه المهزلة..! حدق إلى الوراء.. لاأحد ولا أثر للأصنام ياللكارثة لن يسعفك أحد فأين تصب سخطك،/ غضبك المتفجرة والعالم كلب ينزو ويـبـول على ذيل قديس أعرج قلت له:/ إلا أنت.. أنت أنا.. فلتوقظ نرسيسك الغافي عبر تخوم كهولتك وغمرات مستنقعك/ و... على حلم غفا حين ثقل الرأس بالهم والخمر.. فحملت أناي، حملتها على كتفي وطرقت الباب، باب نزله، انفرج عن وجه كصفحة ماء راكد. قلت لزوجته : انه تعب وبردان، خذيه دفئيه وحاولي ألا تفقديه. أما أنا فرجعت إلى رصيف الشاطئ ذاته، لم تسألني يوما... لم تسألني عما حدث لي وأي ظل كان ينسحب ورائي. كنت محتقنا بالهم وأجترح قلائد من أقمار تنعقد على جيد الشاطئ، وكان الآخرون يوصدون نوافذهم عبر الطريق و.. هكذا بصعوبة بالغة تحسست وحدتي المريرة واستطعت أن أصل إلى الشاطئ الذي لم أبرحه لحظة. كنت وحدي.. أغفو مثل جنرال مهزوم خسر آخر جولاته فوق الدكة الكونكريتية، في انتظار من يوقظ جرسي ويهز صحوتي على فجر اقل خوفا وسماء أكثر امتلاءً بالنجوم.

نمل وسُكَّر...
أسراب نمل حركت بدبـيـبها غصون يأسي. حائرا كنت وكان الكأس يشكو نضوبا وحنين.(لاتُكثر الشرب بني)همست أمي من بعد ماطال العناء./ يائس ياأم من هذه الحياة، اتركيني برهة عسى أن أكمل إنجيلي وأتم تراويح الصلاة/.. جيوش النمل تغزو، لاتهادن، تهيمن على ماتبقى من تضاريس الجسد العليل : مالهذه الديدان لاتبقي على شيء أو تذر..؟ ساءلت نفسي ورسمت بطرف سبابتي وهم سور فاضطربت، ظلت تدور، ربما أربكها محبس وهمي والحروف السود التي سطرتها ذات يوم وهي أقرب إلى شعر الرثاء، رثاء نفسي الواهمة بجدوى الوجود..(حتى النملة تخبئ قوتها ليوم مطير ألا تتعلم) لست نملة ياوالدة وأعرف السعي الشريف، ولكن ليس من وراء أقنعة الذئاب/.. كنت أحلم ذات يوم بأجنحة الطيور وأنا أحدق في الأفق البعيد، بحثا عن جناح خافق يهز ذاك الركود، كنت أنظر حتى يصاب رأسي بالدوار.
( ولكنه يقضي عليك، ستقتلك الأحلام يابني ).... أنها حبات سُكَّر نقعت بأمواه الحنين، فهي تسكن هاهنا وهنا ومن الطبيعي ان تجيء الأسراب نحوي، فمجساتها الفطنة تستشعر حلو المذاق حتى في الظلام، وان دق ناقوس الخطر والعمر يمضي، يتسرب من بين الأصابع كحبات الرمال. فنحن على موعد قريب، ستتبعني للقبور وتظل تقضم حتى انطفاء جذوتي وانحسار عبق ضوع طفولتي بين الشواهد، والشموع الراجفات يبددن الظلام، يموت قلبي في الظلام، والمجرات البعيدة المقذوفة في السد يم، الأصدقاء، وجوهكم تذوي. العوالم كلها تتلاشى ذات يوم وسيقرع ناقوس وحيد لبشرى الفناء، ولكن ذلك لن يطول حتى تنقلب الأمور لترفعي كفيك إلى السماء وتهمسي بما تبقى من دعاء.. ( ليت زمانك يعود) وستعرفين أكذوبة المناورين خلف الأقنعة الكثيرة وهم يقتلون في الخفاء، ستسقط اللحى المستعارة للدمى ذات يوم وتذوب ألوان الطلاء وتتضوع روائحهم وهم ينفضون غبار أسلافهم فوق رؤوس الحالمين، بفردوس كم تمنوه على الأرض نقيا كسماء./ مرارا قّلبت يأسي لزمان قد يعود/. صاحت الأم بفزع (لاتقل ذلك لا، وحذار من التكهن بما ستؤول إليه الأمور، مد جسورك نحوهم، فثم مرتقى صعب، وجنائز ستسير خلفها وأنا بدءالطريق) لاتقولي، بل نمت وتضلين أنتِ بجبالك والسهول، بسعف نخيلك والمياه/.. أسراب نمل حركت غصن أمل، كنت أجلس في الترب ثملا بين القبور، وكان صوت أمي خافتا، مضطربا تبرقه ريح المنون..( لاأحد غيركم سيعيد صوتي للوجود ). وكان النمل يسعى، يحفر خرائطه العميقة في الرمال، وسبابتي ترسم سورا في التخوم لتوقف الزحف الأخير.



#ناصرقوطي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربع قصص قصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- تهافت التهافت
- وطن بين الأرانب والسلاحف
- نص
- تصريح أخير لااعتزال الكتابة
- أيتها الشعوب العربية
- الكفاح دوّار والطغاة في دوار
- قصة شيطان وملائكة
- ماحدث قصة
- قصة الزورق
- نصوص قصيرة جدا
- قصة جدار
- المضمر من علامات الترقيم
- خلوة حارس الكرسي الدوار
- انتظار الظل
- ليل الأبد
- حلم غريق
- لعبة
- حلم يقظة


المزيد.....




- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - ثلاث قصص