أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - -فتحية العسال- وحصان عم محمد














المزيد.....

-فتحية العسال- وحصان عم محمد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4489 - 2014 / 6 / 21 - 13:37
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


رقم هاتفِك محفورٌ في ذاكرة هاتفي. لا ينبغي له أن يُمحى. سأهاتفُك اليومَ وغدًا وبعد الغد. وستجيبين على صوتي برغم الموت الذي يزعمون؛ لكنه أخفق ان يطالك. لن أصدّق الأخبارَ الكذوب ولا كلمات الرثاء على صفحات الجرائد. ولن أصدقَ مراسمَ الجناز وخشبَ التابوت. لن أصدق السوادَ الذي يُدثّر النساء المتشحات بالحَزَن. ولن أصدق دموعهن تبكيك وتقول إنكِ لم تعودي هناك. أنت تسكنين قلبي. وقلبي صندوقٌ من الأبنوس الصلد. لا يفرّط في كنوزه حتى وإن هوَت فوق أقفاله المطارقُ ودقّت جدرانَه المعاولُ. رديّ على هاتفي يا أستاذة فتحية بحق السماء. أهاتفك منذ ساعات!

***

كان هناك صبيُّ صغير، يهوى القراءة منذ طفولته، ويطارد أدباءَ مصر الكبار ليحظى منهم بكتاب أو مخطوطة لا يقدر أن يشتريها بقروشه الضنينة. أحبّه الأدباءُ بدورهم فأغدقوا عليه من فيوض فكرهم وآدابهم فعرف في سنواته المبكرة يوسف الشاروني وعبد الحميد جودة السحار وشقيقه سعيد جودة السحار، ونجيب محفوظ وسواهم من قامات مصر الشاهقات، ومنحوه حُنوّهم واحتواءهم حينما تأكد لهم نهمُه للمعرفة، فأيقن، عبر مواقف كثيرة، أن امتهان الكتابة والفكر لابد يقترن بنبل الخلق وسمو الروح، وإلا كان الأديبُ زائفًا. لكن حادثة بعينها سترسّخ تلك الفكرة.
وكانت هناك شابّةٌ ثائرة على القبح والجهل. حُرمت من التعليم في طفولتها بحكم التخلف المجتمعي الذي كان يقصر التعليم على الذكور. لكنها رغمًا عن ذلك ستهوى القراءة وتمتهن الأدب وتحمل مشاعل التنوير لتُضيء جنبات مصر المظلمات، وتقف في وجه المستعمر الإنجليزي تطالبه بالجلاء عن وطنها، وتنضم إلى صفوف النضال التقدمي بحثًا عن حقوق الفقراء التي نهبتها بطونُ الإقطاعيين.
كيف يمكن أن يلتقي خيطان لا يربط بينهما رابطٌ؟ خيطُ الصبيّ الفقير الذي يهوى القراءة ويستخدمه الثوارُ ليحمل رسائل مناضلي اليسار المعتقلين في سجون 59 إلى ذويهم، وخيط الشابة المناضلة التي صنعت ثقافتها بنفسها رغم حرمانها من مقاعد المدرسة، وتعرضها لشتى صنوف القهر الذكوري تارةً باسم "الشرف" (الذي لا يتجاوز قطرة دم على قطعة من الشاش الأبيض)، وتارة باسم "الشرع" (الذي يلوي عنقه الذكرُ الجهول ليقمع امرأة)، وتارة باسم "التقاليد" (التي نسجها رجالٌ مأزومون ليمتلكوا نساءهم المستضعفات).
كان الصبيُّ يحمل رسالة لأحد معتقلي اليسار. وكانت الشابة قد تزوجت وتحمل في أحشائها جنينًا في شهره التاسع؛ وتقود إحدى التظاهرات التحررية. جاء حصانٌ جامح يمتطيه سجّانٌ غليظ يحاول الفتك بالصبي الصغير تحت حوافر الحصان قبل أن يوصل الرسالة للسجين. فألقت الشابةُ بنفسها لإنقاذ الصبيّ؛ غير عابئة بالجنين يسكن أحشاءها ينتظر أن يرى النور.
سيكبر الصبيُّ الفقيرُ ويغدو "عمّ محمد كامل"؛ الرجل البسيط الذي كتبتُ عنه عدة مقالات يحمل أحدها عنوان: "أجمل قارئ في العالم"، حتى تركنا وغادر عالمنا قبل عامين بعدما كرّمه أدباءُ مصر في أتيلييه القاهرة العريق. وستنضج الشابة النبيلة لتغدو أستاذتي الجميلة "فتحية العسّال"، الروائية وكاتبة السيناريو والمناضلة الحقوقية المدهشة، التي تركتني لحزني وطارت عن عالمنا قبل أيام.
لماذا انتقيتُ هذا الخيط النحيل بالتحديد، من بين نسيج فتحية العسال الثريّ بالخيوط المتشابكة المعقدة؟ لأن ذاك الصبيّ، وتلك الصبية، هما أكثر مَن احترمتُ وأحببتُ من صادقين وحقيقيين معدودين، في هذا الوسط الثقافي الحاشد بالزيف والتشوهات والأمراض.
‫-;---;--أستاذتي وحبيبتي، فتحية العسال،‬-;---;-- ‫-;---;--كيف تمضين قبل أن نحقق الأفكار الطيبة التي حلُمنا بها معًا؟!‬-;---;-- ‫-;---;--كيف تطيرين إلى حيث العُلا قبل أن تعود العصافيرُ المهاجرة إلى أعشاشها؟!‬-;---;-- ‫-;---;--كيف تُخلفين وعدَك معي، وما عهدتُك تخلفين وعدًا؟!‬-;---;-- ‫-;---;--مَن عداكِ اليوم يصرخ في وجه الظلوم وينتزع الحقَّ للمظلوم؟ مَن سواك يعلّم الصبايا كيف يدهسن المستحيلَ بأحذيتهن ويسرن فوقه؟! كيف تتركين مصرَ قبل أن يكتمل إكليلُها الوضّاء؟! مَن سواك يُلبسها طوقَ الفُلِّ الذي تجدله البناتُ الآن للعروس؟ نامي يا سيدة العدل والتحضر ملء جفونك عن شواردها، وسوف نسهرُ نحن تلامذتك، نسعى للحق والخير والجمال، ولا نختصمُ.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخبت بدمائها وطفلة تغني
- الخطاب الديني والتحرش، يا ريّس!!!!
- حكيم عيون
- بيان مهم من الكاتبة فاطمة ناعوت
- النور يعيد السيدة العجوز
- اليومَ إكليلُ الجميلة
- الصخرة والسراويل الساقطة
- نوبل السلام لأقباط مصر
- ليندا جورج سيدهم...... ثمنُها يفوقُ اللآليء
- السلام الوطني وحزب النور
- -نوال مصطفى- وأطفال السجينات
- هو ينفع منزلش؟
- انتخبوا.... لتعارضوا
- بشرة خير، ورقص المصريين
- العصافيرُ لا يملكها أحد
- لمن سأعطي صوتي (2)
- المصريون بالخارج.... والمقاطعون
- رسالة إلى الرئيس عدلي
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، في يدي سوط نيتشه
- الطعااااام! أفسحوا الطرررريق


المزيد.....




- فرصة ذهبية لكل امرأة.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة ...
- ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف ا ...
- سجلي الآن..خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجز ...
- مهاجراني.. استشهاد 72 امرأة وطفل جراء العدوان الصهيوني على ا ...
- “شغال” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 بال ...
- بادري بالتسجيل” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- “خدلك راتب شهري” رابط التقديم في منحة المرأة الماكثة بالبيت ...
- هيني سرور: -المرأة هي التي تدفع أكبر ثمن في الحروب..-
- نحو انتكاسة خطيرة لحقوق المرأة في تونس: تعديل مجلة الأحوال ا ...
- قبل الأوان … قتل العاملات بين تواطؤ الدولة واستغلال السوق


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - -فتحية العسال- وحصان عم محمد