أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - المشهد السفلي














المزيد.....

المشهد السفلي


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1268 - 2005 / 7 / 27 - 07:33
المحور: الادب والفن
    


من نافذة غرفتي في القبو الأرضي، أرى سيقانا تمشي على الرصيف، تمر من دون هوية. سيقان الناس، فيبدو لي المشهد غريبا. فأتذكر " غابة من سيقان" الفيلم الذي لعب بطولته محمود ياسين. تحت الطاولة هناك.. ماذا تفعل السيقان تحت الطاولة، منفصلة عن الرؤوس؟ ومحمود ياسين يحبو تحت الطاولة ينظر إلى سيقان تنفرج عن كراسيها في قعدة تقلد لعبة الليل.
لا تصلح هذه المقدمة لقصة قصيرة، لكنها صالحة لكتابة نص يبدو فيه جزؤه الأسفل يمر أمام نافذتي الواطئة. ليس. من أمام النافذة، وهي ليست نافذة لكنها منفذ لأشعة الصباح حين تخترق الغرفة العزلاء وتحمل معها الغبار وأوساخ الرصيف.
لنر الناس من الأسفل. لنر أوساخ الطريق. هيا. ليس هيا بل هلم. سأرى نفسي من الأسفل. ليس من الأسفل لكن من خلال المستنقع الذي يعكس لي الفضاء وهناك غيوم بيضاء راكضة بعد أن أمطرت السماء ليلة البارحة وكان الجو قلقا مضطربا والريح التي تقلد نفسها منذ زمان بعيد، تعوي فوق الأرض الممتدة الفسيحة وتجلب بعوائها المطر. لقد انطفأت الكهرباء وجاء الرعد القاسي. مع البرد والليل. جاءت الخلخلة. المكان. فعرفنا أن العالم قد تغير قليلا، لم يعد فيه الاطمئنان السابق. لقد بدا فيه روح المغامرة. وهذه الروح، روح المغامرة وجدتها روحا بليدة تعوي عواء الريح أيضا.
كيف لي أن أفسر النص السابق؟
ثم ينهمر المطر. تعصف الرياح بقوة ويمسي الرصيف مجرى للمياه الساقطة. تسقط مع العواء على بلاط الرصيف وأسمع الخرير النازل من سطح المبنى وهو يهدم الأرض ويهدر وبعد قليل سيبدأ بالفوران وبالنزع.
في طريقي الى بروكسل، في المطار، ليست بروكسل، بل في مطار باريس. نزل المطر وصارت قبة المطار الزجاجية مياه تسيل وتقرأ لنا كيف تنزل السماء علينا وكيف نراها من الأسفل.
وأصبحنا على حين غرة قاعا لنهر.
التجوال في المطار هو تجوال لرؤية أسفل الناس المسافرين. سيقان المسافرين. تنزل السيقان، الأرجل، الأقدام، تنزل كلها دفعة واحدة مسافرة تريد الوصول.
لماذا تريد الوصول؟
لقد خطت منذ زمان على طريقها. وكل مرة تهبط قليلا في مطار، في كراج، تنزل حمولتها عند أقرب واحة.
هذه الكتابة بدأتها من دون واعز. لم يكن هناك شحنة تلح على الكتابة. بل وجدت أن لدي فراغا مناسبا لها، ثم منذ زمن لم أمسك. لم أكتب.
بالتأكيد، الجلوس إلى طاولة الكتابة، محاورة القلم واستحضار الخيال لعمل أدبي سيكون ميتا ولا روح فيه إن كان من دون طاقة تشتعل في النفس. فالطاقة التي أعنيها هنا هي الروح التي تحرك الناس، تحرك السيقان لمشهد نافذة واطئة أرى منها الحركة أرى منها الرصيف والغبار. لقد بعثت الشمس فضاءها وتغلغل في قضبان النافذة، فانكشف الغبار مع محمول المدينة تثيره أقدام نظيفة. ينقلون الأقدام بتؤدة وبعض الأحيان بتردد. بعض الأقدام تقف في وسط النافذة، الأقدام، ثم تعود أدراجها لا تتابع. مع كل العلم أن العودة ليست ناجعة. حين خرجت من المنزل احمل سيقاني وأقدامي، حين خرجت كان علي أن أكمل المشي على الرصيف، حتى أصل.
لكن الحزن الآن واسع، سوقه مقبي. وعلى الجانبين دكاكين قديمة. مفتوحة أو مغلقة وفيها بائعون ومشترون. فيها...
لا أتصور أنني أمشي نحو الأمام. الذي أفعله إنما هو المشي بالأقدام على رصيف يتحرك نحو الخلف. نحو الحزن مثلا. نحو الشيء الذي لا يحمل الفرح. نحو الزمان الذي نسيته في المنزل حالما وطأت قدماي ..النحو.. الخارج.. نحو الرصيف. في حالة كونية طارئة حلمت بأنني قد قطعت ساقي إلى ملايين السيقان كي تمشي معي. فمن يعرفني، فمن يعرف ساقي حين النظر من نافذة واطئة؟!



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر- الحلقة الأخيرة
- بعين التكنولوجية الى الأدب العربي المعاصر -2
- سعدي يوسف- يطرق ما تجمعه النافذة من فضاء
- تــداخل أمكنــــة - إلى فاطمة ناعوت
- تخفيف اللحظة
- ربما سحر
- تسخين الشمس- فاعلات ليلية للشاعر المصري اشرف عامر
- النبي المسافر
- الأدباء العرب هم اخر المدافعين
- عودة متعب الهذال
- صوت الأبجدية - قراءة في تقويم للفلك لأدونيس
- النيل الذي لا يكف، إلا أن يجري ولو متأخرا - قراءة في قصيدة ك ...
- ليليت لن تعود- قراءة في الثقافة العربية
- كوة الحائط العالي حد الدنيا
- رسالة إيميل- بعدما انتهى عيد الحب
- اجنحة ماركيز المقلوبة
- عن الحب فقط- مدن الحب
- الأم في العام 1905
- المرأة ذات الوجه الأبيض- 2
- المرأة ذات الوجه الأبيض


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - المشهد السفلي