أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - الأم في العام 1905














المزيد.....

الأم في العام 1905


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1100 - 2005 / 2 / 5 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


تطبخ الأم شوربة العدس فوق الموقد الكهربائي من دون فائدة. لا تفعل أن تنتهي. صحيح أن تحضير الطبخة سهل: ماء وحجارة وقليل من الملح. لكن الصعوبة تبدت الآن حيث أن الماء الذي يجمع المادة في القدر مازال باردا. وضعت يدها تلمس مقدار الحرارة. بالفعل البرودة والقشعريرة والماء ساكن صار مثل هضبة جليد تصلح للتزلج. مثل بركة يملأها المطر ثم يأتي المناخ محمولا من سيبريا كي يطرق ماءه ويجعله صلبا. لكن الطباخ الماهر يجب أن يتحلى بالصبر فتحلت بالصبر. فتحت كتابا مملا- مثل هذه القصة- كي تتعلم الصبر اكثر وتحمله. الكتاب كان عن الأم في العام 1905 وكيف كانت تحمل أوراقا من أبنها كي توصلها إلى أصحابه. تلاقي البرد في الطريق. وهناك مدخنة في الجانب المقابل. الوقت شتاء بالطبع لأن تلك البلاد لا تعرف سوى الشتاء- قريبة من سيبيريا. فتقف الأم قليلا عند دكان عربي يبيع شوربة عدس. كانت الأم ترتجف فحملها البائع الى الداخل كي تكون قريبة من كانون الفحم. والنار في الكانون تشع بهجة وفرحا لأنها غريبة في وقت الشتاء. النار تخاتل وتضحك. لو كان الوقت صيفا لما كانت كذلك. لكانت محبطة وعندها عقدة القنوط وال low self esteem لكن الشتاء جعلها تشعر بالعافية وبالصحة. النار. نار الشوربة نار الحب. حين شربت من الملعقة شعرت بالسخونة تسري في العروق فقامت وقد سرت الدماء. قال لها البائع بروسية تحمل لكنة عربية لماذا لا تقضين الوقت هنا حتى ينتهي الشتاء ويتعدل الجو وتصبح الطرقات من دون عواصف ثلجية. وتتفتح الأزهار. لماذا؟ لكن الأم التي احبت ابنها باول كثيرا رفضت. قالت له سوف يزعل مني.
لقد اقتفيت أثار الأم وهي تطبع قدميها على الثلج. لقد نزعت الحذاء وراحت تضربه على الأرض كي يقول الأثر أن الأم مرت من هنا. لكن المسكينة لا تعلم أن عملها لا ثمن له. عمل بارد لا روح فيه. لو كانت تعلم ذلك لظلت عند بائع الشوربة. تتدفأ وتشرب شوربة مع خبز محمص وملح وفليفلة حمراء ترفع الحرارة. وترمي الأوراق التي تحملها بين آن وآخر كي تغذي الكانون. لا تعلم إن مكان الأوراق في الكانون. مكانها هناك. فلماذا تحملها كل المسافة الى بيوت الأصحاب مع تحمل المجازفة والخطر المحدق بها؟ الرياح تثير زوبعة لا تنتهي فتغطي رأسها بيدها وتزم معطفها عند صدرها ثم تحني قامتها قليلا كي تمنع التسرب. الكثير يظن أن كل أم تفعل ما تفعله أم باول. حبها لأبنها هو الذي دفع الثورة كي تستيقظ وتحرك لسانها في البرد على شوربة مع خبز محمص والنار في الكانون ساخنة من دون كهرباء. أسال أمي لماذا إذن لا تفعلين كما فعلت الأم. فتقول لي بأنها عجوز لا تقدر أن تمشي. ثم الأمر هذه الأيام لا يريد حمل. لن نتعذب كما تعذب الناس في القرن الفائت. ففكرت بكلامها. بالفعل صحيح هناك طرق عديدة لإرسال رسالة باول: الى جميع الأصدقاء الذين حفظت عناوينهم في ذاكرتي. أضرب على الزر ضربة خفيفة "نقرة إصبع" ثم أرسلها وبدقيقة واحدة تنفتح عند الجميع. ثم بدقيقة واحدة يمحوها الجميع. ذلك لأن الأصدقاء لا يقرؤون رسائلي. لقد أصابهم الملل فحين يرون حسين سليمان يضغطون على ال Delete فتصيبني حيرة لماذا لم يتحرك أحد منهم؟ يجب أيتها الأم أن تتحركي. تقفي على قدميك مثل الأم في العام 1905 وتقومين تمشين في الثلج وفوق المياه وتزمين معطفك على جسدك الشيخ ذلك حتى ولو كان عملك من دون طائل، ولا روح فيه فيجب أن تمشي.
امشي- لكن من دون نتيجة. أوقدت نارا في الغرفة، نار الكهرباء وحملت عليه قدرا كبيرا وضعت فيه حجارة وماء وقالت أن الطبخة تريد أربع ساعات على الأقل حتى تنتهي. لأن فعل الطبخ هو فعل معقد- فعل كوانتم- تراكم كمي. قالها مرة ماكس بلانك وحققها بعد ذلك شرودنغر بمعادلاته النووية كي يقسم الذرة ويقسم العالم- تشظية وطبخ كوني للعالم الميكروي الذي لا تلمسه أصابع أم بل تحسه بالقلب وبالروح حتى لو كان الفعل فعل ثلج ومجازفة حياة. كم يمكن أن تجازف أم في الثمانين. سنة أو سنتين؟ لن تصل أم باول إلى هذا العمر. لقد اختنقت بالدخان فوقعت رزم الورق من معطفها.
لكن الأم التي قرأت- في انتظار الطبخ - كل هذه الصفحات صفحات أم باول. فكرت بأن
هناك بالتأكيد تكملة لهذه القصة. وقعت رزم الورق على الأرض ثم ماذا؟



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة ذات الوجه الأبيض- 2
- المرأة ذات الوجه الأبيض
- حب إيــه بعـــد ثلاثــين عـامـا
- الجنِِــة جيدة- قصة مكتوبة على حائط مهمل
- طالعة من بيت -أبوها-
- حبي لها كان كاذبا
- ما حال القصيدة إن انقطعت الكهرباء
- تترك قلبها على ظهر حصان يركض
- لعبة ورق
- تعبر من أمامه راكضة وهـي تخفق كطير( تمهــيد للقصــة – حرف ال ...
- يصل صوتها عبر المحمول... من القاهرة
- صحراء مثل الجنة
- مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - الأم في العام 1905