أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - حبي لها كان كاذبا














المزيد.....

حبي لها كان كاذبا


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1089 - 2005 / 1 / 25 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


حين انهينا الحياة ورحنا لمواجهة ربنا وجدنا أن الأمر ليس بهذه السهولة. ليست مواجهة ربنا بقدر ما هي مواجهة وجوهنا. فواجهنا وجوهنا- الوجه من دون ملامح. مثل صفحة بيضاء لا خطوط فيها. فمن أين نبدأ القراءة. لقد قالوا لنا أن لا نقلق بشأن القراءة. لا أحد يقرأ. كانوا يريدون منا أن ننظر فقط. فقعدنا في وسط غرفة ننظر الى الصفحة البيضاء. لعلها تنطق مثلا وتقول لنا عن مصيرنا الذي انتظرناه بصبر. كل حياتنا فوق الأرض كان انتظارا لهذه اللحظة. ننظر الى الصفحة الفارغة ببله وهناك صمت.
قام أحدنا واقترب يلمس الصفحة البيضاء. وضع يده عليها. وقف هناك يفكر بالذي يجب فعله. راح يداعب لحيته البيضاء. ثم التفت نحونا يقول يجب عمل شيء مفيد. ليس البله في الورقة البيضاء إنما في نفوسنا التي لا ترى.
انا أحبها. أقصد كنت أحبها. أين هي. لم تكن بيننا.
لم أتذكر سواها. لم أتذكر أمي ولا زوجتي ولا أولادي. إلا هي. تحضر بداخلي وتخلق ذكريات لا يتسع لها عقلي الصغير.
اقتربت من الرجل الشيخ ذي اللحية البيضاء. ولمست وجه الورقة البيضاء. لقد أحسست بما كان يفكر به. فالورقة ليست ورقة. حين ألمسها. يحدث هياج خلق.
يا ربي ماهذا. فلكزني الرجل يقول لا أحد بهذا الاسم في هذه الغرفة. على حين غرة خرج مني الذين عرفتهم في زماني الماضي. أمي وأبي وأولادي والأقارب ثم كل الموضوع. لقد كان الأمر تنزيل شبكة الزمان من رأسي. فنزلت. كان عندي إحساس بالبياض. لا احد بهذا الاسم!
لكن الحقيقة التي جرت في قلبي وغرزت رأسها هناك كانت هي. أين هي إذن؟ لقد تفحصت الورقة. أريد فقط أن أتذكر طيفها او وجهها. ضحكتها التي تنزل في تلافيفي مثل صدى يذهب ويجئ فيكون بالتالي ارتداد كوني بمعنى أن الفراغ قد ملئ بالطاقة. لقد قلت للرجل يا رجلي الأبيض أنظر هل ترى الذي أراه. فرد علي بسأم بأنه لا يوجد أحد. إن ما تراه هو الفراغ بعينه.
وضعت يدي في جيبه أبحث عن سكين. وجدته. في جيبه العميقة. لقد أدخلت يدي إلى مكان بين ساقيه وأخرجت منه سكينه. ورفعتها عاليا في وجه الورقة. قلت للورقة سأكتبك. إن في رأسي فورة وجهها الذي لم يغيبه الموت. الذي لم يغيبه غياب الزمان. الذي لم يغيبه الانتقال إلى لاء الخلق- ماهو لاء الخلق؟ لا أعرف. لم يغيبه شيء البتة. وجهها أن يتحضر للطلعة وهي تلمسه بيدها في المرآة ومعها عناقيد زينة وأزهار لشم النسيم ونهر كبير وعريض مياهه صافية مستوردة ترى فيها تكوين الأرض. وهناك من النافذة زمامير سيارات الطريق. تطويت. تطوت السيارات في العصر في الشارع. وهي لا تكف عن تزجيج حاجبها الثخينة. لا تكف عن تلوين قزحية العين. لا تكف عن تغيير صبغة الشعر. لا تكف عن رش عطور غابة على شعرها كي تخرج علينا ونحن حين ننظر إليها فإننا...يا عيني... لن ننساها أبدا.
هي لحظة فقط. حين تمر فوق الرصيف. نحن قاعدون نرمق مرورها المشي أمامنا ونسمع طق الكعب العالي وميلان الجسد عن قصد ومزاج. كأنها تؤلف أغنية. ميلان شيطاني يبزغ فيه على حين غره إله.
الآن الورقة البيضاء والسكين ولا شيء سوى وجهها الذي يعرفه القلب. لكن الرجل الشيخ نبهني بأننا، بأنني من دون قلب أيضا. لقد نزل مع تنزيل شبكة الزمان من رأسي. أنا والورقة البيضاء ورحت بالتالي أشك بمسألة وجهها. من أين حضر يا ربي. لكزني الرجل أيضا يقول: لا أحد في هذه الغرفة بهذا الاسم.
إذن أنا والورقة البيضاء والسكين وحالة...حالة وجهها.
غرزت السكين بعد تردد وخوف فيها وسحبتها على طول إلى حد القطع. الورقة التي لم يمزقها حد ولا سحب. لم تمزق. لا آثر فيها. ظلت بيضاء. فقال الرجل لأن الذاكرة غائبة والزمان متروك. فأجبته: لكنها حاضرة يا عمي. أنظر في رأسي قليلا يمكن تراها هناك. هي بالفعل قاعدة. كل مرة تتزين أمام المرآة ثم تطلع فسحة العصر تمشي على الرصيف، أنظر فقط! لكن الرجل لم ير شيئا. لم ير تلافيفها. قال لي بأنها ورقة بيضاء وحد السكين الذي تغرزه فيها ولا يفعل لن يعيدها إليك.
تقريبا، شعرت بالضياع.
ماذا لو كان كلام الرجل صحيحا، لا شيء في رأسي سوى الورقة البيضاء؟!
أشعر بأنني كنت أحبها. أذكر وجهها وعينيها الواسعتين مثل عيون العجم أو الأتراك- باشاوات تركية يهبطون علينا في القرن السابع عشر عصر عبد الرحمن وعبد الحميد- من هو عبد الرحمن؟
يهبطون علينا في العصر. عصر دمشق مثلا. عصر القاهرة وعصر بغداد. لم يستطيعوا أن يدخلوا عصر اليمن لأن بلادهم محجوبة وممنوعة بالحجر. يهبطون علينا مثل النمل ومعهم عيونهم الواسعة مع أغاني طورها عمر البطش وطورها معه – كان يدا بيد. سيد درويش. لم تكن عيونهم واسعة فقط بل كان شعرهم الأسود النازل مثل شلالات براكين توها انطفأت..فيها عوالج حب. الأتراك من استنطبول يهزون فراغاتهم على دائرة بحرية كانت تتحضر للغرق. غرق الحب. الذي إن غرق فأنه لن ينسى.
لكن كل هذا لن يفيد. فلن أعرف من هي. إنما أعرف بأنها في قلبي. قلبي الذي رميته منذ زمان. وظلت مختبئة. لا أعرف أين. حين كانت مضخة النهر توّلد بالقوة صعودا عموديا لهدير لا تحمله مدينة كاملة. تضخ المياه بسعة ملايين الكالونات في الثانية. كانت بين فراغات الماء. نهر. على وجهها ابتسامة. في محياها إمارة. وأسنانها من التدخين الدائم- تغلق فمها وقت التصوير. وعلى الطاولة الكسلى ثلاث علب دخان وطني ثقيل. بعض الأحيان يهدونها الأصدقاء علبة سكائر كنت خفيف كي يخففوا عليها العذاب.
أسال نفسي المعذبة البيضاء من هي. متى أقامت؟ أسئلة تعجيز، لأنها لم تكن يوما إلا انا ولم أكن يوما إلا هي. وحبي لها كان حبا لي- حبي لها كان كاذبا.

23 كانون الثاني- يناير 05



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما حال القصيدة إن انقطعت الكهرباء
- تترك قلبها على ظهر حصان يركض
- لعبة ورق
- تعبر من أمامه راكضة وهـي تخفق كطير( تمهــيد للقصــة – حرف ال ...
- يصل صوتها عبر المحمول... من القاهرة
- صحراء مثل الجنة
- مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري


المزيد.....




- قصة القلعة الحمراء التي يجري فيها نهر -الجنة-
- زيتون فلسطين.. دليل مرئي للأشجار وزيتها وسكانها
- توم كروز يلقي خطابا مؤثرا بعد تسلّمه جائزة الأوسكار الفخرية ...
- جائزة -الكتاب العربي- تبحث تعزيز التعاون مع مؤسسات ثقافية وأ ...
- تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - حبي لها كان كاذبا