أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - عودة متعب الهذال














المزيد.....

عودة متعب الهذال


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1140 - 2005 / 3 / 17 - 12:08
المحور: الادب والفن
    


إلى عبد الرحمن منيف
الحجارة- ليست حجارة...فكرة صغيرة...لماذا ننظم العالم ونضع حجارة في طريق موحل؟ يطبع خطوات المطر. البوط نصف الساق ينكسر قليلا ويميل عن حد الحجارة ولأن المطر الذي لا ينقطع يرسم في الأرض مستنقعات راكدة.
الفكرة جاءت وتكونت كما يلي: إنني أمشي على حجارة مركونة في مستنقع مياه ممتد في ساحة فرقة التنقيب عن النفط- نسميها الفرقة الوطنية الاهتزازية لتصوير طبقات النفط السوري. المكان هو بادية التنف- على حدود العراق. رأينا عند الحدود الخندق العالي والتراب والردم والحفر رأينا كيف يتم تحديد اراضي الشامية. بين سوريا والعراق.
لا أحد بالطبع في هذا المكان! عشرون كرفانة (تريلا) كل واحدة فيها سرير وخزانة وطاولة مكتب مع تكييف- مكيفات امريكية تعمل على 60 هرتز. لقد حولناها من 110 الى 220 فولت لكن تردد الكهرباء ظل كما هو 60 هرتز. حين الإقلاع تهتز الكرفانة كانها تريد أن تتحرك، ويصدر عنها قرقعة.
عدد الفنين 18 والعمال 60 أي ان العدد الكلي هو 100. المجموع مع المطر والحجارة المركونة. هناك من بعيد رأينا تلتين متقاربتين على شكل نهدي امرأة- لقد تشكلت الفكرة فضحكنا: تريد الأرض أن تقلد جسد الإنسان.
والأرض في بادية التنف أرض عجيبة. يجب على رسامي الشام والعراق حمل أدواتهم والاتجاه الى هناك في باصات اجرة، تقريبا ألف ليرة سورية لمدة يوم واحد كي يرسموا البادية. ويلونها قليلا. ويحركوا الحدود او انهم... مايمكنهم أن يفعلوه هو مد أرض جديدة من دون سواد مثلا ومن دون ... في اعماقها حليب صاف أبيض كي ترحل حفارات هالبيرتون وشل وويسترن اطلس التي في القرن الفائت ابتاعتها بيكر هيوز. تقيم الآن بيكر هيوز في عمارة عملاقة في شارع ويستهايمر في مدينة هيوستن. يالله كم قريبة هي هيوستن من بادية التنف!
ينزل المطر وتتكون حفر وساق البوط تلتوي قليلا... فيحدث شرخ عظمي في عنق الكعب. تصدر آهة ُمطر، وقليل من الرعد السماوي كي أقع في مستنقع المياه. يراني سكان مخيم التنقيب... اسمع ضحكاتهم وأنا ممدد في الطمي.
حين يتأكد البعض أنني متوجع واحتمال مكسور. يركض نحوي. الرجال والشباب- الأطفال والبنات. لعبة. كما هي الحياة.
نريد سنوات قليلة كي نكبر ونصبح رجالا. الرجال الذين سيحكمون البلد الرجال الذين سيُحكمون من البلد. نركض نحوي وأنا ممدد في عرض مياه البحر. الرجال. كانوا الأطفال منذ ثلاثين عاما او منذ عشرين عاما.
لكنني لن أتخيل أبعد من ذلك. لن يركض نحوي مخلوق. في بادية التنف لا احد فيها. إنها أرض اللا إنس. أرض الربع الخالي.
لقد استعرنا- نحن سوريا- من صحارى بلاد العرب لربعنا الخالي قليلا من الرمل.
على ذكر اسم سوريا المرأة التي تتحلى بمياه البحر المتوسط. ترى الى شعرها ووجهها فترفع شفتها علامة قرف. تقول تقريبا في عهدها البائد: ... فلم يبق احد من العشاق خلفها...فكلهم هجروها.
فأقع مرة أخرى وترتمي معي الضحكات واستهزاء الوحل والمطر وأنني لا اعرف كيف أسير بقدمي هاتين على حجارة الجسر المعلق فوق المطر.
لو أنني وقعت في ارض غريبة؟! وانا أنظر الى السماء المتلبدة التي ترفع إلى عنانها لاهوت تركه الآخرون.
لو أنني في أرض غريبة لأحسست بالفرق! هناك فرق.
وبرد وتبلل، لقد شربت قليلا من ماء الوحل مخلوطا محلى.
جاءنا رجل امريكي مدعبل سمين، رقبة قصيرة وبطن متدلية إلى ساقيه كلما ينحني قليلا يقوم أو يقعد يضرط فيقول إكسكيوزمي. من تكساس ليقيس مقدار الدقة في التنقيب. مفتش الشركة لاختبار الأرض. يقوم أو يخرج من سيارته التويوتا البيضاء اليابانية بنوافذ مفتوحة. دوما مفتوحة. يحمل في فمه غليونا. الضرطة الأمريكية لها حساب عربي. فيضحك العمال بعد أن غيروا اسمه من مستر طوني إلى ابو ضراط. والاسم هذا منحنا نحن الذين نستمع إلى إرشاداته منحنا قوة جعلتنا لا نعيره انتباها فهو إنسان غير مؤهل كي نحترمه ونقدمه ونجعله مؤنسا.
لكنه جعلنا نغير موقفنا ذلك حين يرفع القلم ويسجل في دفتره علامات الدقة. دقتنا. ستطير العلامات الى مدير الشركة ثم الى القصر الجمهوري.
لقد اجتمعت مع رئيس الجمهورية لساعتين حكينا فيها عن نفطكم. ثم يضرط.
فتعترينا رجفة. لا نعرف إن كانت من الاجتماع مع الرئيس ام من صوت أمعائه. إنها كما تعلمون غازات. تضيعون سنوات العمر كي تستكشفون باطن الأرض. أنا هنا أعطيكم اياها ببلاش.
مساكين والله العرب!
لا يعرفون متى يضحكون ومتى يحزنون. نفوسهم قلبَها أبي الذي في السماء. فصاروا مسخرة عالمية!
اليوم حكيت لمدة ساعة كاملة مع شيكاغو. مع مترجمة شرق المتوسط المتوجعة المسكونة بالقلق. لن ترد عليها السيدة سعاد. وهي تقول لها انني قضيت وقتا طويلا في الترجمة. كانت هناك دموع في حروفها المنطوقة عبر التلفون. ولأنني اعرف السيدة سعاد فهي ليست الانسانة التي تجعلك تزعلين. الزعل الشامي. لقد أضعتُ موافقة عبد الرحمن منيف على الترجمة واطلبها مرة أخرى فلا أحد يرد علي؟ ماذا أفعل؟
ثم تقول قولتها التي فكرتُ فيها منذ اكثر من عشرين سنة: لا توجد رواية عربية؟
روايات العرب غير مكتملة- منقوصة. فيها حاجة ناقصة. والتفكير لا يروح إلى بعيد وغير عميق. يكتب العرب الشعر لكنهم لا يكتبون الرواية.
طيب خذي مثلا الجزء الأول من رواية مدن الملح. هي عن بادية التنف التي أنزلُ عندها كما ينزل المطر. أطأ حجارتها في ساحة الكرفانات والعمال- أنا متعب الهذال. أظهر مرة أخرى كي انظم العالم. حجارة ومستنقع ثم يروني أعثر من كسرة الساق البوط العربي الثقيل في الوحل وهناك ضحكات حيث لا احد في بادية كنا قد استعرناها من وادي العيون كنا قد استعرناها من الربع الخالي. لا أحد... أريد أن أصرخ عنكم في عمق الوادي لكنني لن أفعل. سوف أعدل عن الصرخة وأفكر في طريقة أقوم فيها.



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوت الأبجدية - قراءة في تقويم للفلك لأدونيس
- النيل الذي لا يكف، إلا أن يجري ولو متأخرا - قراءة في قصيدة ك ...
- ليليت لن تعود- قراءة في الثقافة العربية
- كوة الحائط العالي حد الدنيا
- رسالة إيميل- بعدما انتهى عيد الحب
- اجنحة ماركيز المقلوبة
- عن الحب فقط- مدن الحب
- الأم في العام 1905
- المرأة ذات الوجه الأبيض- 2
- المرأة ذات الوجه الأبيض
- حب إيــه بعـــد ثلاثــين عـامـا
- الجنِِــة جيدة- قصة مكتوبة على حائط مهمل
- طالعة من بيت -أبوها-
- حبي لها كان كاذبا
- ما حال القصيدة إن انقطعت الكهرباء
- تترك قلبها على ظهر حصان يركض
- لعبة ورق
- تعبر من أمامه راكضة وهـي تخفق كطير( تمهــيد للقصــة – حرف ال ...
- يصل صوتها عبر المحمول... من القاهرة
- صحراء مثل الجنة


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - عودة متعب الهذال