أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - ليليت لن تعود- قراءة في الثقافة العربية















المزيد.....

ليليت لن تعود- قراءة في الثقافة العربية


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:24
المحور: الادب والفن
    


قبل الدخول في موضوع المقالة لا بد من مقدمة قصيرة أعرض فيها موقفي العام من الأدب. واسأل ماهو الأدب أو لماذا يكتب الإنسان الأدب؟ لماذا بالتالي يقرأه؟ هذه الأسئلة لا يجاب عنها في مقالة واحدة لكن من الممكن البحث عن فعل اقتراب منها وبالتالي استشراف ظلال لمنطقة شائكة مشجرة مليئة بالوعول وبالنار..مليئة بالأسئلة الأولى.

في البحث عن الأجوبة دوما كنت أذهب إلى الجذور الأولى حيث عندها كانت قد تشكلت الأسئلة الكبرى. إنها بدايات النبع الأساس الذي يدور ويجري في الأعماق. فلم يستطع الإنسان أن يفسر سبب وجوده على هذه الأرض سوى أنه وجود خطيئة. والخطيئة هنا في عرفي ليست خطيئة أخلاقية أو خطيئة الدخول في المحظورات بل هي خطيئة تحسب للمجازفة أكثر مما تحسب للخطيئة بمفهومها التقليدي. المجازفة في اكتشاف هواء مجاور فيه الهولة والخوف، فيه الطبيعة المختلفة عن المكان الأول الدافئ الموفور والمسور بالأمان. فرحل لاكتشافه وبهذا الرحيل، بوضع أولى الخطى فيه كان قد نشأ حنين ومجاورة تخيلية للمكان الأول. إنها كانت هجرة روحية وابتعادا عن أرض المنشأ، ارتقاء بالمعنى النفسي، هذه الهجرة وما تبعها من حنين ولدا طاقة خيال وروح عودة لا يمكن التعبير عنهما أو التخفيف من لوعتهما إلا بفتح بوابة تسريب لخلق التوازن الروحي. وهذه البوابة التي يطلب فتحها من آن إلى آخر هي بوابة تعبير وتماس بين عالمين عظيمين هما الخارج والداخل. إنها محاولة لسقاية العالم بأحاسيس الإنسان ومحاولة إنسانية عظيمة تعاكس تسريب العالم الخارجي إلى الداخل. هذه الحركة الضاغطة المنبسطة هي القدرة التي يغتذي منها الأدب- الفنون بشكل عام.
هناك خيوط خفية تربط الأديان والأساطير والآداب ذلك لأن المواضيع التي تتناولها هي مواضيع داخلية يتوجب إعطاءها الشكل الذي يناغم الوجود ويناغم بالتالي إمكانية تلائم الكائن مع الوسط المحيط. وهكذا فأننا نجد أن أعمالا أدبية عديدة قد اعتمدت في تناولها للواقع المعاصر على أساطير وقصص النمط الأولي القابع في نواة الروح الإنسانية، لا يتغير هذا النمط، شكله، إلا ضمنيا- مضمونه ذلك مهما ظل الزمان يجري ويمد. وبعض الأحيان تأتي نصوص العمل الأدبي واضحة الاعتماد عليها، عن سابق قصد وعن سابق تصميم، كما كان في رواية نجيب محفوظ الخانقة للخيال "أولاد حارتنا". كان نجيب محفوظ قد وضع مادة الأسطورة مسبقة الصنع على الورق أولا فحولت- بينما كان يكتب العمل، من دون أن يدري الذهب إلى تراب وحولت القصص الأولى إلى نصوص أماتت الإبداع وشعلته التي تتقد بالقراءة. ولي قول في هذا المجال ذلك حين يعتمد الفنان بشكل واع في إبراز عمله على الأسطورة ومحركها النمط الأولي: لن تتم في هذه الأعمال الخفقات الروحية التي نريدها لإعمار العمل الأدبي ذلك لأن هناك خطة قد وضعت مسبقا في الوعي وهي أصلا كان مكانها في الخافية او ال subconscious وهكذا فأننا سنجد الطرق في العمل الأدبي مقطوعة ومحيرة وليس فيها الفتنة التي تأتينا عادة من الأعماق: الابتكار والخلق الراقص أنه يتموسق مع العمق ومع الترداد الرئيس Fundamental للنفس البشرية.
والأسطورة ليست حاضرة يختارها الأديب بإرادته. إنها هي التي تختاره وهي التي تعينه. وكي يكون الأدب حقيقيا يجب الاكتفاء بتوجيه العربة. أما الدفع فإنه عن طريق قوى مجهولة مازالت مؤثرة قابعة تحكم العالم عن بعد. مكانها مازال في الذاكرة- في النفس –في قصص الجدات وفي الحنين الذي تفعله الرغبة.
هناك نوعان من الأساطير. أساطير تخلقها الطبيعة كأساطير الولادة والموت فهي أساطير خالدة خلود الولادة والموت وأساطير تعتمد على النمو تموت كي تحيا أخرى في مكانها أكثر تطورا وقدرة على الاستمرار. ومثال أساطير الطبيعة هو أسطورة تموز. أما مثال الأساطير المرافقة للنمو فأسطورة النزول التي مازالت قائمة وأسطورة عشتار المستهلكة وآخذ على سبيل المثال الأسطورة الجزئية منها اسطورة ليليت للتوضيح:
من هي ليليت؟
تعود هذه الكلمة بالأصل الى النصوص السومرية والتي تعني wind الريح وليست هي ليلى ( (nightالعبرية كما كان يظن في السابق. وهي ليليت كما تقول الأساطير المتقدمة- السومرية أنها الأنثى المانحة جنسيا والمتعلقة بطقوس العشق والعهر. لكن لوهلة تأمل في هذه النصوص نجد أن ليليت التي تقول عنها نصوص التوراة المتقدمة أنها خلقت مع أدم من تراب ثم تمردت وخرجت كي تعيش في الخراب والليل. هذه الأنثى هي من مخلفات الانتقال النوعي الذي حدث في الوعي البشري في فجر التاريخ وما ند عنه من اختراع الكتابة. حين انتقلت الآلهة من مرحلة الأمومة إلى المرحلة الأبوية. (مرحلة الصيد الى مرحلة الزراعة- وبناء أول مدينة في التاريخ) هذا الانتقال لم ينتج عنه تمرد ليليت فقط بل تمرد أخر –إله الظلمات، الشيطان فيما بعد- هذان التمردان تداخلا بعض الأحيان وتطابقا في أحيان أخرى كما جاء في قصة النزول عن الحية التي قدمت وسواس التناول لحواء. فهي الحية ملتبسة قد تكون الشيطان وقد تكون ليليت! ليليت ليست هي الانثى الكلية بالمعنى الأمومي – المرأة – الأم الحبيبة. بل هي شيء آخر. إنها أعلى مرتبة من الشيطان وأقدم فهي على قرابة وصلة مع الربة الأنثى عشتار. إنها أقدم بكثير وكانت قد أهملت ووضعت في الدرجة الدنيا حين تم الانتقال الى مرحلة يهوه. لكن طيفها حين النزول كان مازال عالقا وجاءت تحضر باسم ليليث. وحضورها في الأساطير المتقدمة حضور يكاد يكون معدوما وغير مرئي. ذلك لبعدها في الزمان وكان الناس أوان ذاك قد نسوها. وبالتالي فإن ليليت هنا قد فقدت قوام النمط الأولي او انها قد فقدت معنى الضمني للأسطورة-حيث قد هجرتها الواعية والخافية بحكم التطور الانساني- وبالتالي ايضا فاننا حين نعتمد عليها في تعليق لوعة الفن فأننا لا نعلق الفن إلا بالفراغ. سيسقط حال رفع الأيدي عنه.
عطف الأدب على قصص الأساطير- إن لم يكن عطفا غير واع فأنه سيأتي مشوشا مركبا وفيه نقص. فيه الوعي الذي سيهدم بمعول العقل جدران العمل الفني بحيث ما يبقى إلا سقفا وحيدا يتقلقل مع الهواء. يلزم رجة خفيفة كي ينهار. فحين يتجه الأديب إلى إبداع عمله يجب أن يترك رأسه ويضعه جانبا إلى حين. ينصت فقط إلى دقات قلبه وإلى أحاسيسه. ينصت إلى التيار الخفي الذي سيدفع بجسد الكتابة- في الليل، مغمض العينين إلى المنجم الذي على بوابته كلمة السر. كأنه افتح يا سمسم. بالطبع سيظل يتحكم بالعمل وبمدى الخطى لكن الصور التي تحملها نصوص المقاطع هي صور لا تولد داخل العقل – بالضرورة العقلية- بل بالطبيعة الممتدة التي تحرك الفصول وتمنح بركة الحياة على الأرض.
الأعمال الناجحة – العظيمة- هي التي لا يدركها الأديب وقت العمل- لا يعرف صيغتها. لأنه بكل بساطة يكون في حمى النقل والتمرير من باطن النفس العظمى- الكلية- إلى الصفحة البيضاء تمتلئ بالجن وبأفعاله.
وهنا من السهولة الوقوع في الشرك. إن الأدب هو سفر تكوين ومغامرة فعلها كلكامش على سبيل المثال وهناك في أراض المغامرة حيوانات خرافية تقتل لتستولي على النص أو لتدفعه ميتا إلى فضاء العقل أو إلى الأنا العليا التي ستعوض السفر بسفرها الشخصي المريض وهنا ستظهر بوضوح، حين الفشل في الدخول الى أراضي النبتة، العقد المرضية- مدفوعة بEgo) ( على سبيل المثال- التي تنتهز الفرصة كي تمرر بضاعتها وما يكون العمل أخيرا في هذه الصيغة إلا اعترافا مضخما لكاهن كنيسة. سيشعر الكاتب عندها بالتفريغ وبالارتياح. ارتياح شبيه بالنصر الذي سيجنيه العائد من مدن النبتة الخالدة. المدن العميقة التي تسكن النفس الكلية. إن الأدب ليس كتابة وليس نحوا وسيطرة على اللغة. إنه قريب من النبوة حيث الحمى- حمى الإبداع من دون أن يدري سيترك مغطسه ويركض عاريا أو انه مثال دثروني! وبالطبع هناك تقييمان للعمل الأدبي تقييم حاضر يفعله ويسمه المجتمع الذي على كل حال لن يقول القول النهائي وتقييم مستقبلي-تاريخي يحضر بالتالي على مهل خطاه تكشف ما لم يكشفه عصر الأديب.
ماهو الحال عندنا في الشرق. حال الأدب. إنه فوضى. فوضى الثقافة العربية توأم للفوضى السياسية. ولهذا فأن الثقافة التي كادت أن تفقد رجالها مركونة في ركن خرب- مطمئن. لا قراءة ولا جمهور لأنه لا وجود للأدب. لا وجود للأديب الحقيقي الذي يملأ عصره. وهذا الوجود لا يأتي بالقوة أو بالإرادة. إنه وجود روحي خارج عن الإرادة الفردية. إنه تيار سحر وتلبس وليس المطلوب من الأديب- الفنان المنتخب إلا فتح نوافذه للاستقبال. بالطبع هنا لا أتكلم عن مبدأ التسيير- أي على بركة الله، بل أن شراكة العقل الضئيلة من جانب الوعي ترفع يديه الظاهرتين لتشرك يدا خفية مليئة بالحدس تقول له أريده هكذا أما لماذا فأنني لا أعرف، وهذا هو الطريق فلا تسألني. لأنه لا يملك الجواب المنطقي العقلي الحاضر. ومازال غامضا على مدارك العقل.
إن التربة الخصبة للإبداع الأدبي في أرض الشرق هي كالتراب من ذهب. إنه الوقت الأوان لظهور إبداع أدبي عظيم وإلا فلم العذاب لروح لا يمر يوم إلا وتغيب في متاهة الأسئلة ولم التاريخ العربي الذي يسكن بحرقة لا يريد أن يضمر وعمره ألوف السنين؟ لكن من المنظور القائم الآن فإنني أرى أن الأدب الشرقي لن يترك ظلال الغرب ولن يترك المجاورة وبالتالي فأنه يغلق نوافذه عن عمد ويفتحها إلى الجهة الساكنة التي لا تهب منها رياحه الذاتية- الذي أعنيه هنا هو التعبير عن النفس الشرقية العربية- وهكذا في كل عمل نرى مقاربة وتقليدا للغرب. لا يغيب عن صفحاتنا وعن عقولنا الثقافية أسماء – من اغريقية الى معاصرة...كافكا وسرفانتس كمثال غربي غوتة وشكسبير هناك فيضان الأسماء والمقارنة معها ما تجعلنا مقيدين ولا نملك نفوسا حرة. إن إطلاعنا على الأدب الغربي قد تجاوز حدوده فصار تقليدا ومحاكاة وصرنا نقتفي أثار أقدامهم ونقول ما يقولوه. إنه الغرب، بالطبع مازال يحمل مجناة القوة لكن لا سبيل للتقدم والمضي إلا باستخدام أقدامنا نحن، أحذيتنا ولباسنا وإرادتنا في الفعل. نحن نكتب الغرب. ادبنا هو ادب الغرب العربي. وهذا هو الخسران فيجب أن ينتهي كي نلتفت إلى شأننا.
أعرض هنا مثالا وليس بمثال واف لكنه قد يوضح رؤيتي وهو من مجموعة علي الحازمي الغزالة تشرب ظلها:
ليسَ في العُمرِ مُتَّسعٌ
كي نَسيرَ على ضِفَّتين
ولن نتمكَّنَ من سَرْدِ سيرَتِنا
في كتابينِ منفصلينِ
عن الوقتِ والروح
وليس لنا من خيارٍ أَخيرٍ
سِوى أَنْ نُخبِّيءَ
في جَسَدٍ جَسَدَين

فلا بُدَّ لي أَنْ أكونَكِ أَنْتِ
ولا بُدَّ مِنْ أَنْ تكوني ... أَنا

في قصائد المجموعة مسحة عربية لا نراها في معظم الأعمال التي نقراها. تختفي منها وتزول الظاهرة الغربية. هل لأن السعودية المتأخرة بالعمل الشعري المعاصر آن الأوان لها كي تدخل بحليب صاف ينير وجه الأدب العربي؟!
من جانب آخر هناك جنون غربي اقتحم شعراء سوريا وبشكل خاص لبنان حتى تظن ان شعراء فرنسا قد رحلوا وعبروا المتوسط الى الجهة الشرقية. وخير مثال على ذلك أعمال الشاعر المتميز عباس بيضون. أما شاعر العرب الأول أدونيس فهو مازال يتلجلج بين الغرب والشرق ويريد الصعود فوق الإنسان العربي من دون سلالم.
لقد لفت نظري بإشباع أعمال الشاعر السوري منذر المصري. جاءت أعماله قريبة من الشفافية التي ننتظرها: امتلاك العربية الضائعة- ذلك لحريته الزائدة وتخلصه من هموم وموبقات الحاضر. فهو في كل مرة يعود إلى طبيعته الأولى ومن هنا فإن قصائده هي قصائد ضاربة تمتزج مع الأرض.
رأيت هذا التمثيل- تمثيل الضياع والهروب بامتياز- امتلاك العربية الضائعة (الخيال العربي الضائع) في قصيدة المتعب للشاعرة التي يبحث عنها الجنون ولا تبحث عنه- فاطمة ناعوت.
"ريم لن تعود....تدبر امرك إذا ثمة سبيل للنجاة بغير الحاجة إلى البرابرة او البكباشي طويل العنق." لكن القصيدة السريالية- متعب فاطمة ناعوت، نجد فيها تمثيلات غربية واضحة وتقف خارج العتبة وكان قد ظل في جهتها الأخرى علي الحازمي ومنذر المصري.
هناك إذن شعر عربي قادم. أتمنى أن أكون مقتربا من الصواب. لم يلفت نظر الميديا العربية. الشاعرة المصرية، أمل جمال، المعذبة التي حرقها بالنار موسم الهجرة الضارب بأيامه وسنواته الشباب العربي الذي ظن بأنه ذاهب الى الخلاص لكنه في واقع الأمر كان ذاهبا الى الشرك والسجن الأبدي. الجذور... والمهاجر الأسمر هو سجين مازال حتى الآن لا يهتدي بأرض، يتلبلب معذب الروح.
نشرت كيكا ديوانها الكامل: "حدث في مثل هذا البيت" إدانة شرقية للهجرة. رغم أنها طعمت القصائد باللغة الإنكليزية لكنها عربية قاحمة ترفع إصبع الإدانة إلى الزمان العربي الرديء.
يبدو لي بأننا لم نكتشف ذواتنا بعد، رغم محاولات التجريب والعودة إلى قراءة التراث والاعتماد عليه والتردد بين الداخل والخارج... ذلك بكل صراحة باننا لم نسترخ عند حدود البحر ونستمع إلى تياره الذي يحدثنا بلسانه عنا: أن نهجر المدينة ونهجر الصخب وننسى ما يعوم في الأفق الغربي.
هناك ظاهرة ملموسة عند المبدعين العرب يحاولون ويجتهدون بأرواحهم المزهقة أن يفتحوا مذاهب جديدة في الأدب والفن، المذهب الجديد من اجل المذهب الجديد (الغربي)...حيث المذاهب الجديدة المزعومة (تفجير اللغة وتفجير القصيدة...) لا تبدو إلا ضياعا وقصر رؤية. فكلمة الأول من نوعه لا تبارح الأذهان حاضرة ثقيلة تعذب صاحبها وتعذب الذين يدورون حوله. هناك قوة مرئية في رأس الفنان العربي لا نراها عادة عند الموهوبين الأصيلين حيث الحراك الرئيسي نابع من النفس ولا يعرف الفنان لماذا يختار هذا العمل ولا هذا الأسلوب إلا لأنه ملائم وكفى.
الذي ينقصنا هو التأمل، التأمل لمراجعة النفس والتأمل المنسوج بالخبرة الروحية نجده عند الشاعر سعدي يوسف الذي ما فتئ يقدم نصوصا جديدة صامتة فيها الموسيقى المنسية لكن قصائده هي قصائد شرقي مهاجر.
ليليت تعود- عودة ليليت؟! مثال آخر عن حال الإبداع العربي المقتول.
حين يستعمل الفنان ثقافته ويدع لسانه- وعيه يتحرك على صفحات الكتابة فاننا بالتأكيد امام طامة كبرى. لكنني اخترت عودة ليليت لما فيها من مثال واضح معبر. خير مثال للتحرك واستخراج العبرة.
لكن ما حال! الذي لفت نظري كي آخذ هذا العمل مثالا هو كثرة ما كتب عنه في الصحف الدورية... آخر قراءة قرأتها كانت لشوقي بزيع. هذه القراءات المتعددة المتكاثرة لا تعبر إلا عن كساد السوق الثقافي. وعن تراكم كمي لا نوعي. وهذه ليست تهمة إنما قراءة. وإلا لكانت حالتنا أفضل وعالمنا مأمولا ومقبولا.
في العمل الذي حاولت الشاعرة جمانة حداد جاهدة أن تقدم فرادة وإبداعا غير مسبوق تكرار وتدخل مباشر للوعي الذي قيد الإلهام. ومن المفروض أن الطريق الذي سلكته هو طريق الحكمة والتأمل. فهي في العمل- ليليت، التي ستصف نفسها للقارئ وصفا مملا غامرا يحوي كل شيء ولا يحوي شيئا. ذلك لأن المبدأ الكلي الغامر التي تريده الشاعرة لليليت لا يكون بتجاور الصفات المتناقضة تجاورا لا بعد فيه. اسود وابيض. ليل ونهار..." الأولى والأخيرة المومس العذراء المشتهاة المهابة المعبودة المرذولة المحجوبة العارية..." لقد وضعت المتناقضات بفوضى في كيس خام وحملته على ظهرها تظن أن الكلية هي في حشر هذه الصفات مع بعضها كي تتكون صورة كاملة ليليت. إن لم يوضع مبدأ الليل مع مبدأ النهار بحذر وبحرص فإن الجملة- الكونية، التي تحتويهما سوف تغرق وتتداخل ببلاهة وفوضى. أورد هنا مثالا فيزيائيا على تجاور المتناقضات. هناك في النواة الذرية نجد السالب الى جوار الموجب إلا أن الذي يحفظ التوازن هو القدرة التي بينهما- البعد الذي له قانونه الخاص وقد وضح الصينيون هذا المبدأ في الين واليان. لقد كان المبدآن متناقضين في الصورة الظاهرة إلا أنهما واحد في الصورة الباطنية فما هما الموجب والسالب إلا وجه واحد للحركة. كذلك تموضع الين الى جانب اليان بحيث تدور دائرة الحياة كصيرورة وحركة لا تقف. إنها مد وجزر. لا يمكن اختيار مكانهما كما نشاء من دون حرص. لقد أنفق الحكماء والمتأملون سنوات عمرهم في عزلة كي يركبوا في ترس واحد استقطاب الحركة الكوني الذي يولده التناقض. في نص ليليت حمولة زائدة تخنق الخيال وتغرق القارئ فلا يعرف في الواقع من هي ليليت: هي كل شيء ولا شيء لا على مبدأ الكلية بل على مبدأ السذاجة التي أول العلم جهل. فيحسب أن افق البحر هو نهايته وماءه سباحة مخاضة.
عودة ليليت بالمعنى النفسي هو رجوع وتقهقر. لن تعود لأن الانسان المعاصر لن يعود الى العصر الحجري وبالتالي لن يأخذ رموزه. كان يجب على جمعيات مناصرة حقوق المرأة التي بدأت في اسرائيل 1976بطرح فكرة ليليث في الأدب والشعر البحث عن رمز آخر غير ليليث. رمز يناسب العصر ويناسب على الأقل الامكانية الباطنية للانسان المعاصر. هذا الرمز ستخور قواه عما قريب لأنه لا قوى له في الروح.



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوة الحائط العالي حد الدنيا
- رسالة إيميل- بعدما انتهى عيد الحب
- اجنحة ماركيز المقلوبة
- عن الحب فقط- مدن الحب
- الأم في العام 1905
- المرأة ذات الوجه الأبيض- 2
- المرأة ذات الوجه الأبيض
- حب إيــه بعـــد ثلاثــين عـامـا
- الجنِِــة جيدة- قصة مكتوبة على حائط مهمل
- طالعة من بيت -أبوها-
- حبي لها كان كاذبا
- ما حال القصيدة إن انقطعت الكهرباء
- تترك قلبها على ظهر حصان يركض
- لعبة ورق
- تعبر من أمامه راكضة وهـي تخفق كطير( تمهــيد للقصــة – حرف ال ...
- يصل صوتها عبر المحمول... من القاهرة
- صحراء مثل الجنة
- مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري


المزيد.....




- نجمة أمريكية تختفي من المسرح فجأة وسط ذهول الجمهور (فيديو)
- مغني الراب الأمريكي -ديدي- يواجه 6 تهم جديدة بالاعتداء الجنس ...
- أهم عشرة أفلام تناولت الانتخابات الرئاسية الأمريكية
- مسلسل العبقري الحلقة 4 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -المخبأ 42-.. متحف ستالين حيث يمكنك تجربة الهجوم النووي على ...
- البعض رأى فيه رسالة مبطنة.. نجم إماراتي يثير جدلا بفيديو من ...
- البحث عن الهوية في روايات القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الأل ...
- -لا تلمسيني-.. تفاعل كبير مع فيديو نيكول كيدمان وهي تدفع سلم ...
- بالمجان.. موسكو تفتح متاحفها ومعارضها أمام الزائرين لمدة أسب ...
- إسرائيل تخالف الرواية الأممية بشأن اقتحام قاعدة لليونيفيل


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - ليليت لن تعود- قراءة في الثقافة العربية