وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 14:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بداية لايستطيع الباحث المفكر ( والمصطلح من ابتكار المفكر والباحث محمد آركون ) ان ينكر التناقض الواضح جدا بين الديانات الابراهيمية الثلاث الكبرى :
( اليهودية – المسيحية – الاسلام ) على اصعدة متوازية , فمفهوم المطلق (الالوهة )مختلف من دين الى آخر , كما هو ايضا مختلف داخل الدين الواحدعبر التصورات التي انتجتها الفرق والمذاهب المختلفة . فمن اله يدعو ويشرع الى القتل , الى اله يدعو الى المحبة والقبول بكل الديانات (انظر: الفرق بين الاسلام الارثوذكسي والاسلام الصوفي ) . ولكن بوضع كل دين من هذه الاديان التوحيدية في سياق مرحلة انتاج الوعي البشري النسبي الذي انتجته يمكن ان تحل هذه الاشكالية . فكل دين انتج مخياله الاسطوري والابداعي وتاريخه الخاص من خلال وعيه النسبي ( المتغير )المختلف حسب معطيات كل بيئة وكل وعي ! .فالاله في التصور المصري القديم يمثل ( ذاكرة الطمى )وهو مختلف عن اله اليونان ( ذاكرة الملح ) ومختلف عن الاله العربي القديم (ذاكرة الرمل ) او الصحراء . وبالتالي يمكن ان نفهم هذا التطورمن خلال وضعه في تاريخ انتاج صلاحيته .
تكشف لنا آليات التاريخ عن نضج هذه الرؤى بتعاقب التواريخ التي انتجت فيها . وكذا المسافات الزمانية المكانية التي بلورت هذه العقيدة او تلك .
وهناايضا تنبثق جدلية الكشف عن الجذور التاريخية للتكفير (اتهام الاخر بالكفر ) واقتران هذا المفهوم ( التكفير ) بالتوحيد من جهة وبالسياج العقائدي المغلق من جهة اخرى . فقبل وصول العقل البشري في سياقاته التقليدية لفكرة الاله الواحد ( المطلق الفرد المفترض )لم تكن هناك صراعات او نزاعات حول المقدس , بحيث كان لكل شعب او طائفة الهها الخاص , وكانت فكرة الاختصاص في وظائف الالهة لاتنفي التعددية ,ولا يكافح بالضرورة كل متدين الاخر لاجل نفيه واثبات وجود الهه الخاص . وبالتالي كانت التعددية العقائدية مصدرا للراحة والسلام . ولم تحدث صراعات تكفيرية عقائدية بين اتباع الديانات التعددية .
ان الازمة حدثت عن انكشاف وتجلي فكرة التوحيد للعقل البشري ,فنزل اخناتون عن عرشه واضطهد الفرعون ( ممثل التعددية الدينية المتمركزة في يده )موسى واصحابه واضطرهم للهرب من بطشه (طبعا حسب الاسطورة التوراتية وليس حسب التاريخ الحقيقي ) . وصلب المسيح واضطهد اتباعه وسالت الدماء في سبيل نصرة المسيح .ثم اضطهدالنبي محمد نبي الاسلام من العرب . وحاول المشركون مصادرته هو وعقيدته تمهيدا لنفيه.
فهل انتصرت عقيدة التوحيد ؟ماذا حدث بالفعل ؟
ان التاريخ يثبت دائما ان البقاء للاصلح والافضل ( وربما للاقوى بحسب كاتب المقال ) وانه يسير نحو الصيرورة( اي التغير ) ولايخضع للثابت .
النص هو التراث الذي خلقته لنا كل العقائد والديانات والمذاهب والفلسفات . النص هو الوعي , المنتج في الزمن والمنتج لمخيلاته وامثولاته ونماذجه .
ثمة جدل محتدم بين النص والتاريخ . ينتصر فيه النص احيانا , لكن في الفضاءات الواعية .ينتصرالنص لصالح التاريخ ولا يسقط النص في هذا الصراع لان النص ثابت والتاريخ متحرك , النص صامت والتاريخ صاخب ..
هذا هو احد وجوه المفارقة بين النص – التراث بالتاريخ .
ترى كيف تحول العقل البشري من السحر الى الدين متعدد الالهة , الى التوحيد في تطور طبيعي وعقلاني منظم , الى العلم ومنجزاته الفعالة , وتجاور السحر والدين والعلم ؟
ان النص هو تلك الايقونة الجميلة ذات الحضور المقدس ,
وسيظل هكذا مادام لم يستوعب حركة التاريخ مع كل المحاولات التي قامت بها النصوص الثانوية المؤسسة على النص الاصلي للسيطرة على حركة التاريخ من خلال امتثال سلطة النص . الا ان التاريخ كان يتجاوز النص الى افاق وابعاد جديدة (تشكل البروتستانتية مثالا لذلك ) .لذا تتضح دائما الهوة بين النص والتاريخ .فالقران لم ياتي بظرية سياسية , الا ان التاريخ اجبر المسلمين على الاجتهاد في امور السياسة والدولة , ورغم ذلك لم يخلف لنا التاريخ في تفاعله مع النص مايمكن تسميته ب :
( دستور الدولة في الاسلام ) .ويقع الاسلاميون في مغالطة وهي انهم يقارنون بين نص وتاريخ في المسيحية , ولا يتبنون النظرة نفسها بالنسبة الى الاسلام , فالمقارنة يجب ان تكون بين طرفين متعادلين لايجاد اوجه المقارنة .
ان النص (المدونة الرسمية النصية المغلقة ) او المصحف ( القران ) لاتجد فيه دولة ولا خلافة ولا كهنوتا ورجال دين , ولكن التاريخ الاسلامي اخترع الدولة الاسلامية والخلافة ورجال الدين وفقهاء الاسلام وتجاهل التاريخ النص.
ان التعددية التي كافح الاسلام من اجل تصفيتها ( في التوحيد ) ظهرت مرة اخرى على يد الفرق الاسلامية المتصارعة حول مفاهيم ذات الله ووجوده ووحدانيته ! .
ويبقى النص يشهد بالتوحيد والتاريخ يناصر التعددية!.فعندما نتحدث عن حقوق المراة في القرن الحادي والعشرين , لايمكن ان ندافع عنها بنصوص تنتمي الى القرن السادس الميلادي في شبه الجزيرة العربية , وننسى تاريخا طويلا من الممارسات الفقهية والاجتماعية والسلوكية التي تبخس المراة حتى حقها في الحياة !!!.
انها حركة التاريخ التي لابد ان تنتصر . وكما حدث في الغرب للعدل والعقل والحرية . فاذا كان النص يمتلك هذه المباديء فانه يسهم في تشكيلها , لكنه ليس منتجها الوحيد , فالفاعلون الاجتماعيون ( البشر )لهم اليد الطولى في تدشين او طمس هذه الافكار , وفي النهاية ينتصر التاريخ الذي يتحرك بارادة البشر وحاجاتهم لتجاوز حاجات الاقدمين .
ان حركة التاريخ تتجاوز كل النصوص التي انتجتها في فترات تقدمه , فكم من الاشكاليات يمكن حلها اذا اقمنا مبدا الفصل بين النص والتاريخ ؟.
ان ( ارخنة النصوص ) تمثل حماية مزدوجة للنص والتاريخ معا . لان لاتاريخية النص تجعله عرضة للضياع والوصول الى تبعثر الخطاب وفقدان مضمونه . هذه الارخنةهي مايمكنها تاسيس وعي علمي يفسر النص من خلال تاريخه الخاص , ولا يخضع التاريخ لتفسيرات متغيرة لنص ثابت .او بمعنى آخر لسلطة النص التي تمنحه الثبات الشكلي ( التقديس )والديناميكية المعنوية اوالمضمونية . وفي كلتا الحالتين يتعرض النص للتهرؤ وتهتز يقينيته المطلقة اذا وضعناه امام سلطة العقل !!!.
ان ثمة جدلا دائما وحركة دائمة بين سلطة النص وسلطة العقل . هذا العقل الذي يؤسس نصا يحوله التاريخ الى سلطة , تتعرض مرة اخرى للنقد من سلطة العقل . وهكذا لاتنتهي الثلاثية الجدلية الدائرة بين العقل والنص والتاريخ .لنصل الى نتيجة ان الوحدة الحقيقية هي التعدد . واذا اردنا احترام النص فعلينا فهمه في سياقه الزماني – المكاني , ولا نطلب منه تجاوزه , حتى وان ادعى الناطقون باسم النص بغير ذلك .حتى نحتمي بالنقد الفلسفي من الوقوع في مغالطات لانهائية , غالبا مايكشفها التاريخ لصالح العقل البشري منتج الوعي, وخالقه وطليعة الحركة للتغيير.
المصدر :
كتاب ( في نقد الاسلام الوضعي : دراسات في الخروج على النص الديني – للباحث ايمن عبد الرسول – الناشر : كنوز للنشر والتوزيع – 2010 م .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟