وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 16:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
السلطة تعني قدرة الانسان ليس فقط على الفعل ,بل على الفعل المتناسق ,لذلك فهي ليست ميزة فردية وانما تاخذ ابعاد جماعية , لان الجماعة تكون موضوعا او مصدرا لانبثاقها . وباختفاء الجماعة تختفي السلطة ( البعث في العراق نموذجا لذلك ) .
ان السلطة لاتحتاج الى تبرير , انطلاقا من كونها لاتقبل اي فصل عن وجود الجماعات السياسية ,وما تحتاج اليه السلطة انما هو المشروعية .
ان المشروعية حين تجابه تحديا , تسند نفسها في التوجه الى الماضي , اما التبرير فانه يرتبط بغائية متصلة مباشرة بالمستقبل , اما العنف بحسب الفيلسوفة الالمانية – الامريكية ( حنه آرنت ) لن يجد له مايجعله مشروعا الا في حالة الدفاع عن النفس .
يبدو الارهاب مرتبطا بالتفتت الاجتماعي ,ان الانظمة الشمولية التوتاليتارية تقف بالضد من كل صاحب سلطة حتى الاصدقاء لها .
في نقد التوتاليتارية ( الشمولية ) :
يعد كتاب ( حنه آرنت ) الموسوم ب ( اسس التوتاليتاريا ) -1951 , الانجاز الاهم الذي دفعها لان تحقق مكانتها داخل مصاف النخب الفكرية في منتصف القرن العشرين . تؤكد آرنت ان التوتاليتارية عملت على تهديم وسائط المجال العام وما يخلص به من راي عام وتجسيد لارادة السلطة .وذلك ادى الى خلق مناخ متدهور لذلك الراي في جعل الناس راغبة في دفع الثمن على شكل تاييده
لقيام دولة بوليسية تمارس ارهابا خفيا هدفه ان يسود في الشارع شعار( القانون والنظام ) ( حنه آرنست – في العنف ص 70 ).
تهدف الانظمة الشمولية على القضاء على الفعل الا نساني والقضاء على كل ظاهرة عفوية , تلقائية ومبادرات ذاتية .ان النظام الشمولي هو غياب كل سلطة او تراتبية من شانها تعيين نظام الحكم . واكملت الشموليات خطها في الاقالة للفعل السياسي بخلق تصور لدى الناس بان ثمة خدعا جلبتها الديمقراطيات الغربية يجب فضحها , ومنها ان الشعب يشارك في صنع القرار . هنا تبدا الجماهير بتقديم قرابين الولاء والطاعة العمياء . ولم يكن الامر يتم من دون برامجيات صهر وتلقين ودعاية كانت تمثل العمود الفقري للانظمة الشمولية .انها توفر للسلطة ثقة لانظير لها في ان الاوامر ينبغي ان تنفذ على الدوام . ولذلك عولت الانظمة على (الجماهير)بوصفها الصورة البديلة للمجتمع بتمايزاته واستبدلتها بصورة هلامية من الذوبان والانفلات والضياع الذي تمثله الجماهير .
لذلك وصفت حنه آرنت نتاج الانظمة الشمولية بانه (اقفار ).
تشكل الحركة الشمولية بالاساس من تنظيمات تضم افرادا مبعثرين ومعزولين . اما الميزة الاهم فهي ضرورة الولاء اللامحدود وغير المشروط , وغير المتبدل , من قبل المناضل الفرد ازاء حر كته.
ان ولاء كهذا لايمكن توقعه الا من كائن بشري معزول بالكامل , كائن مجرد من كل روابطه الاجتماعية التي تصله بعائلته واصدقائه ومعارفه . فرد لايستشعر نفسه الا من خلال انتمائه الى حركة او حزب او كتلة بشرية قطيعية ضخمة . وعادة مايكون هؤلاء ( والكلام لكاتب المقال ) من هوامش المدن والمقتلعين من البوادي والارياف .
لقد راهنت الحركات الشمولية على تغريب المجتمع والاجهاز على امكانية العمل الحر , لذلك تقوم هذه الحركات قبل استلامها للحكم بايهام الناس انها تسعى لاقامة عالم منسجم مع عقائدها ,عالم يرضي حاجات النفس البشرية افضل من الواقع نفسه .ذلك ان الجماهيرالمقتلعة تدخل الى هذا العالم بمحض المخيلة , وتستشعر فيه الامان وتجد نفسها في منجى من الضربات المتواصلة التي تكيلهاالحياة الواقعية ,لايمكن تحقيق ذلك الوهم الا بالحملة الدعائية التي تعمل على اتمام قطع العلاقة بين العالم الواقعي والمتخيل العقائدي الذي تصنعه التوتاليتارية .
ان الدعاية هو تلقين وعمليات غسيل للدماغ واعادة تاهيل للعقول .لقد مارست الشموليات الكذب باعلى درجاته , وهو كذب يوجه ايديولوجيا ويتحقق ذلك النجاح بالارهاب وليس بالاقناع .لذلك كان الكذب باسم المباديء وعلى المبدا نفسه هو سبب تخلف العقل السوفييتي والعقل العربي.لذلك كان الكذب( الارهابي )هو الذي جعله ينتهك عالم السياسة بجرائم فظيعة . ومما لاشك فيه ان الايديولوجيا هي بكثير من قسماتها انما هي دعوة توتاليتارية – شمولية : ( حنه آرنت : اسس التوتاليتارية ) .
1 – ادعاء الايديولوجيات انها قادرة على تفسير كل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل .
2 – ان الفكر الايديولوجي اذ يدعي تفسير كل شيء فانه لايؤمن باي اختبار يكون من شانه ان ياتي بجديد. لذلك فهو يقود لتصورات لعالم اخر غير واقعي , عالم خيالي ,يحاول ان يجعله حقيقيا من خلال التهويمات الايديولوجية .
لقد رات حنه آرنت ان الجديد في الاتحاد السوفييتي الستاليني والمانيا الهتلرية كان محاولة انتاج انسان جديد بشكل كامل , على ايديولوجية كلية وتعبئة جماهيرية واسعة . ومناورات منظمة , وتعليم عقائدي ونظرية سياسية تكنوقراطية منسقة .لذلك فالايديولوجيا بادعاءاتها السابقة رافقت النازية والبلشفية والفاشية بوصفها اعتى الانظمة التوتاليتارية الشمولية في القرن العشرين من فكرة الامة الهيجلية الى الشخصية السوبرمان مع نيتشه وتوظيفها في العقيدة النازية وخطابات هتلر, او مقاربتها معه ,او الدعوة للدولة القوية مع مكيافيلي , مما اسند موسوليني في ايطاليا ,او دكتاتورية البروليتاريا مع ستالين , وفي كل هذه النظم الشمولية سنجد مسوغات على شكل منظومات معرفية , قد تبدو مخططا شريرا جذريا , الشر الجذري في اصل العقيدة والايمان الايديولوجي بها في سبيل الغاء الاخر ,لا بل الغاء الذات من اجل البطل والزعيم والقائدالاحد :
( بالروح بالدم نفديك يا ...) .
متى ما امكن للشموليات ان تتسلق سدة الحكم , فانها تولد شكلا جديدا ومؤسسات مغايرة كليا لما كان قبلها . وتعمل على تحويل الطبقات الاجتماعيىة وصهرها وتحويلها الى مجرد جماهير ( قطيع)لاتعي مهامها ولا مسؤولياتها . ووضع نظام بديل لنظام الاحزاب وهو الحركات الجماهيرية . وتنقل السلطة من الجيش الى الشرطة , مع وضع خطط تهدف الى الهيمنة على العالم بوصفها سياسة خارجية .
ويعمل النظام الشمولي على تدميرمجال الحياة العامة وتدمير طاقات الناس السياسية والفكرية . وفي ذلك يكون العنف هو الاداة الضاغطة لتحقيق اهدافه . ان الجماهيريسهل تطويعها والسيطرة عليها وفق الطابع القطيعي , فقطيع اللامبالين من هوامش المدن يمكن سوقهم بالتلويح بالارهاب وينجح الامر بسبب بنيوي في طبيعتهم تلك .
ان الارهاب لايمكن ان يسود الناس الا في حالة كونهم معزولين بعضهم عن بعض. وبالتالي فان اولى اهتمامات كل الانظمة الشمولية هي احداث هذه العزلة .لذا يمكن ان تكون العزلة هي بداية الارهاب .
الخاتمة
ان الانظمة الشمولية تعمد الى تحقيق التالي :
1 – تحطيم المجال العام – النشاط السياسي .
2-حزب جماهيري يحتكر السلطة بزعامة دكتاتور .
3 – نظام ارهابي تديره اجهزة امنية سرية .
4 – احتكار السيطرة على استخدام القوة .
5 – اقتصاد مركزي موجه .
وقد عملت الشموليات على مسخ الانسان وتحويله من فاعل اجتماعي الى كادح فقط ,يعمل على جمع قوت يومه فقط .
المصدر :
كتاب (العنف والشمولية وامكان استعادة الفعل السياسي : استحضار حنه آرنت في فهم الوضع السياسي العراقي )- بحث وتاليف د. علي عبود المحمداوي – ط1 – 1014 – دار وكتبة عدنان – بغداد شارع المتنبي .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟