أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مهند البراك - هناك . . عند الحدود (13)















المزيد.....



هناك . . عند الحدود (13)


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 22:12
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الفصل السابع
و اندلعت الحرب . .

في مساء يوم خريفي و عند جلوس بيشمركةالإدارة و الطبابة في باحة خيمة ابو جوزيف الذي انتقل الى بادينان آنذاك، و كانوا يتسمعون لنشرة الأخبار العراقية التي كانت تصعّد من هجومها الإعلامي على الحكم الإيراني الجديد بعد تواصل الأخبار عن احداث و عن اشتباكات مسلحة في مناطق متفرقة من الحدود . .
اعلن العراق رسمياً الحرب على ايران في ايلول 1980 !! و كان ذلك مفاجأة من نوع جديد للجميع . . حيث فرح البعض لأن النظام الدكتاتوري سيسقط بسبب الحرب كما كان يقدّر، و نظر البعض الآخر الى ذلك بريبة و خوف و توقع هجوماً على البيشمركةالأنصار . . لأن ذلك الحدث كان اعلاناً بأشتعال اول حرب دولية تخوضها البلاد منذ اعلان الاستقلال !!
و فيما ابتدأت قوات الدكتاتورية هجومها على الأراضي الإيرانية، و اخذ راديو بغداد يذيع المارشات العسكرية . . كان البيشمركةالأنصار يشاهدون الطائرات الإيرانية و هي تطير فوق مواقعهم متجهة للقيام باعمال قصفها الجوي و هي تعلن استهدافها مقار الدكتاتورية و منظماتها الأمنية، و كانت تطير بعلو منخفض على طول وديان كوردستان و بين جبالها للوصول الى اهدافها تفادياً لرادارات الدكتاتورية . . في وقت كان من الطبيعي فيه ان يثير تدمير مقار اجهزة قمع الدكتاتورية، الفرح بين البيشمركة، لأنه يقرّب من موعد تحقيق اهدافهم . .
لقد ادىّ الهجوم الدكتاتوري الغادر و المفاجئ و احتلاله اراضٍ ايرانية، و احتفاظه بها وفق مخططه، الذي احتاج لتحقيق ذلك الى وحدات عسكرية جديدة . . ادىّ الى تخفيف عدد الربايا العسكرية المنتشرة في كوردستان، و وفّر فرصاً افضل للبيشمركةالانصار للحركة و المرور بين الربايا العسكرية الباقية و اجتيازها بأمان و كان عاملاً هاماً لنشاطهم و نزول مفارزهم من الجبال العاصية البعيدة الى السهول و القرى التي في عمق كوردستان، كاسرة بذلك طوق شريط الموت الحدودي المهجّر و المحروق الذي تم اثر اتفاقية الجزائر عام 1975 .
الأمر الذي بدأ من ناحية أخرى يثمر عن مجئ التحاقات جديدة بسبب تواصل و تزايد القمع و اعلان حالات الطوارئ في المدن بسبب الحرب و سوق الرجال الى جبهاتها بالقوة، و يثمر عن التحاقات رافضي الحرب و الهاربين من السوق اليها . . و ادى الى بداية عودة ابناء من عوائل عدد من القرى المهجرة الى قراهم التي هدّمت، مشكّلين بذلك بداية اقامة جسور و حلقات ضرورية كانت مفقودة امام حركة مفارز البيشمركةالأنصار قبل ذاك .
الأمر الذي اطلق العنان للتفاؤل بتحرّك الأوضاع دون التعمق في ماهية مديات الحرب و آفاقها . . . كانت هناك موجة فرح رغم مجهولية الآفاق، فرح بأن الدكتاتورية تسير في طريق مسدود، و فرح بأمكانية تشكيل و نزول مفارز البيشمركةالانصار الى ارياف كوردستان و مدنها، في وقت اراد فيه الجميع النزول . . حتى ان احد القياديين رأى في حلم مناضلة قديمة حلمت بسقوط الدكتاتورية، دليلاً هاماً على قرب سقوطها " لأن احلامها تحققت دائماً، من خلال تجربتي الطويلة مع ما ترويه من احلامها " كما قال .
كانت هناك حركة لإعادة تنظيم القوى، مع تزايد قدوم الإلتحاقات الجديدة و السلاح من الخارج، وسط حماس شيّعه متحمسون بأن " النظام آيل للسقوط " . . و بدأ يتشكل مكتب عسكري مركزي يقود عمل الأنصار بعد ان تأمن الإرتباط بين الوحدات الأساسية بتوفر اجهزة الإتصال و تيسرّ الإتصال بها، و اخذ المكتب يتهيأ للأستقرار في منطقة نوزنك ـ نوكان، و ذهب انصار بهدنان الموجودون في توزله الى مواقعهم و قرب مدنهم في بهدنان، و جاء قسم من السليمانية و ذهب آخر من توزله باتجاه معاكس اليها . . كان هناك تحركاً كبيراً للطبابة، بسبب الحاجة الى وجود طبابات جديدة في العمق، تحتاج الى كادر طبي و الى ادوية كثيرة .
و اخذت تبرعات الأدوية و المواد و الأدوات الطبية التي كانت تصل من الخارج، من منظمات انسانية، كوردية و عربية و ايرانية و دولية صديقة، تتزايد. و بدأت التنظيمات السرية في المدن و المفارز تعمل حثيثاً على توفير الأدوية . . مثل ما كان يصل من مدينة اربيل باستمرار، وكما جلبت مفرزة بتوين بقيادة علي حاجي تجهيزات مستوصف من منطقة بالكايتي .
في تلك الأثناء بدأت الطبابة تنتقل الى اطراف قرية زلي، التي تتواجد فيها مقرات سرايا بشدر، بتوين، شوان . . حيث فرغت هناك قاعة من قاعات سرية بتوين، بعد ان نزلت مفرزتان من تلك المقرات الى مناطقها في بتوين و شوان. و كان ذلك الموقع مناسباً لبعده عن مقر المكتب العسكري المركزي، حيث لم يحبَّذ مرور الأهلين قرب موقعه .
و صار وضعاً جديداً للطبابة لكونها صارت ضمن مقر سريّة و بحمايتها و حراساتها، اضافة لقيام انصار السرية اساساً بتوفير الحطب للتدفئة و اعمال تنظيف الثلج و دكّ السقف، وقيامهم بكل ما من شأنه مساعدتها من مرافقة مرضى و جرحى، الى نقلهم و نقل ماتحتاجه من احمال .
و لوقوع الموقع قرب طريق القوافل و المفارز، صارت القاعة الثانية التي فرغت اثر نزول مفرزة اخرى الى مناطق كرميان، مكاناً لأقامة البيشمركة الضيوف القادمين الى المكتب العسكري لمهام متنوعة، وسط اجواء من تفاؤل و أمل اشاعتها كل مفرزة جديدة تنزل الى العمق و هي مصممة على تلقين اجهزة الدكتاتورية دروساً لن تنساها . .

كان عدد من الضيوف الذين جاءوا للالتحاق بقوات البيشمركةالانصار، عرباً و كورداً فيليين من مناطق بغداد الشعبية في باب الشيخ و شارع الكفاح (شارع الملك غازي سابقاً) ـ عكد الأكراد، قد التقوا بصدفة جميلة هناك فتآلفوا بسرعة مع بعضهم . . مثيرين حالة من المرح و الضحك، وهم يتحدثون بالعربية ـ الفيلية الشعبية بينهم، التي كانوا يلتذّون بالحديث و التمنطق و السخرية بها، و بصوت عالٍ كما كان يجري في مناطقهم تلك.
و كأي ابناء قومية او قوميات ما، في محيط جديد يتحدث الكوردية السورانية فقط، كانوا يجدون الفرح و السرور بالحديث بلغتهم الأم و بلهجات مناطقهم الشعبية، التي احتوت اضافة الى الكلمات العربية،كلمات تركية و كوردية و فارسية . . الأمر الذي كان يثير الحماس بينهم، و يبعث فيهم النشاط، لأداء كل المهام المطلوبة و بفرح، الى جانب دأبهم على تعلّم اللغة الكوردية السورانية، التي كان يدرّسهم ايّاها شيخ صالح، المسؤول السياسي لفصيل الضيوف .
و كانوا يساعدون بعضهم بعضاً في اعمال الخفارات اليومية، من اعداد الشاي و الفطور و حتى اعداد وجبات الطعام محيين احدهم الآخر بتحيات محلاتهم الشعبية و بالطبقة الصوتية المرتفعة هناك في مخاطبات يومية تتكرر :
ـ صباح الخير مولانا !!
ـ اهلاً بتاج الراس !!
ـ عزيزي، صبّ لعمّك شاي، من راس القوري !!
ـ عزيزي فدوه الك راس القوري، اتفضّل !!
فيصبّ له الشاي و هم يتضاحكون .
كان شيخ صالح يتسمّع لتلك المحادثة التي تتكرر بشكل يومي . . و هو يصفرّ و يحمرّ و يكاد يغلي من الغضب، الى ان قام بدعوة البيشمركةالأنصار الضيوف الى اجتماع عاجل في امسية احد الأيام و ذهب لدعوة د. صاحب يرجوه الحضور و المساعدة في حل مشكلة، لن يسمح لها ان تتفاقم لأنها "تهدد الأخوّة العربية الكوردية في الفصيل ؟! " ، كما قال .
وذهب صاحب الى قاعة الإجتماع ليرى عن اية مشكلة سيتحدث الشيخ صالح، و هو يعيش ضمن نفس الأبنية و يأكل مع الجميع و لايلمس الاّ روحاً جميلة و تعاون بين الجميع يخدم الجميع ايضاً، و يحقق نتائج طيبة للموقع و للطبابة .
و بعد مقدمات شيخ صالح عن اهمية التضامن الأممي، و كونه الأداة الرئيسية لصمود و فعالية وحداتنا و كفاحها ضد الدكتاتورية، قال :
ـ الاّ انه من المؤسف ان بعض الأنصار العرب خاصة و آخرون، يمارسون ممارسات انانية، لايمكن لنا ان ندعها تمر بسلام .
و بينما نظر الحضور اليه باهتمام و هو يحمرّ من الإنفعال، قال :
ـ لا اعرف لماذا يصرّ عدد من البيشمركةالأنصار العرب على ان يأخذوا " راس القوري " و لايقدّموه الى رفاقهم البيشمركة الكورد ؟؟
فسرت همهمات و شئ من الضحك الخافت من جميع البيشمركة الحاضرين عربا و كوردا و كورداً فيليين و كلدانيين، الى ان قال :
ـ اننا حزب ثوري و لا نسمح بالعبودية. و اضاف بتهكم: هذا يقول " يامولانا " و الآخر يقول " تاج راسي " . . نحن كلّنا "مولانا" و كلنا " تاج راسي " . . و لافرق بيننا ولايوجد اسياد و عبيد، كلنا ثوريون مناضلون من اجل الحرية و الديمقراطية . . !!
و لما يأس الحاضرون من كبت انفسهم، انفجر الجميع بضحك مدويّ . . بينما بقي شيخ صالح ساكتاً و هو ينظر بعينين جاحظتين، الى ان سأل صاحب الجالس قربه و الذي نظر اليه نظرة عتاب :
ـ ياعزيزي الدكتور، ماذا يعني "راس القوري" و ماذا يعني " مولانا و تاج راسي " ؟؟ هل اخطأت انا بشئ . . ؟!
و لمّا اوضح له صاحب ان " راس القوري " لايعني الاّ اول قسم يسكب من قوري الشاي المعد حديثاً، و يقدّم كدلالة على احترام و اعتزاز لا اكثر، و هو تعبير آخر لتقديم الشاي الذي يُقدّم في العادة اولاّ الى الضيف العزيز او اكبر الحاضرين سنّاً. اما مولانا و تاج راسي، فهي ليست الاّ تعبير عن حفاوة و احترام متبادل . . و لكن لماذا لم تسألني قبل ان تدعو لأجتماع سريع، جعل البيشمركة يعتقدون ان هناك اخباراً هامة او اخبارا عن عمليات جديدة للبيشمركة ؟!
سكت مام صالح و هو يبتسم و انسحب من القاعة، التي تواصل البيشمركةالأنصار جالسين فيها ينشدون الأناشيد و يستمعون و يطربون للغناء الجميل الذي كان يغنيه البيشمركة كاوه مقلدا اغاني المطرب الكوردي الشهير " مظهر خالقي " الجميلة المؤثرة بموسيقاها الرائعة ، و خاصة اغنية " اكريماوا بو ولاته كه م " (1) . .

و في ليلة مقمرة جاء "سليم سور" (2) صحبة نصيرين الى غرفة الطبابة حيث يقيم صاحب الذي قفز من فراشه و هو يلمح سليم سور عند الباب، لكثرة ماعرف عن جديته في اعماله، و قدّر صاحب انه لابد و ان هناك امر هام بحيث يأتي هو شخصياً في ذلك الليل .
بعد ان سلّم سليم على صاحب، صافحه معانقاً ايّاه و همس في اذنه بأن يأتي معه حالاً مع لوازمه التي سيحملوها عنه، لأمر ضروري في مقر سرية بشدر، الذي لايبعد سوى مئتي متر عن موقع الطبابة. و بدون استفسارات قدّر صاحب جدية الأمر و لبس قمصلته السميكة و شدّ احزمة عتاد كلاشنكوفه و حمله و خرج معه، فيما كان سليم يبدي فرحه لفهم الطبيب الرسالة دون عناء في النقاش و التفكير . .
و عند وصولهم طرف مقر سرية بشدر، نطق سليم بكلمة السر للحرس الذي حيّاه و مرّا جنبه الى المقر، حيث انتبه صاحب الى وجود حوالي عشرين مسلحاً، كانوا متوزعين على النقاط المظلمة و هم يحملون اسلحتهم الأوتوماتيكية بوضع استعداد لإطلاق النار . .
خرج اليهم المسؤول السياسي للسرية محمود فقي، و الفانوس النفطي بيده ليضئ الطريق للطبيب في ذلك الجانب المظلم من بناء الموقع، و ادخل الطبيب و رسول سور الى غرفة المكتب، وكان هناك رجل ذو طلعة بهية جالساً، و قام من فوره محيياً الطبيب و معتذراً منه عن المجئ و ازعاجه في ذلك الوقت المتأخر، و قال :
ـ انا حسن بيوراني المسؤول عن هذه المناطق لدى الحزب الديمقراطي الكوردستاني حدكا، اقدّم اليكم آيات الشكر على ما تقدموه من خدمات جليلة لاتنسى لأهالي المنطقة، و كنا قد ارسلنا لكم ادوية كانت مخزونة في قرية احمد بريو قبل اشهر كتعبير صغير على شكرنا و عرفاننا لكم، و سنبقى نمدّكم كلما حصلنا على ادوية جديدة .
و بعد ان بادله صاحب الكلمات المناسبة، جلس الأربعة ليتداولوا بشأن تلك المشكلة التي تتلخص بالشابة الجميلة "جنار" من قرية بيتوش العليا، التي كانت لجمالها و لطفها قبلة انظار شباب قرى المنطقة الذين طمعوا بالقرب منها زواجاً او اعتداءً، الأمر الذي جعل والدها يبذل جهوداً كبيرة لحمايتها حتى فكّر بارسالها الى طهران لتعيش مع عمّتها المقيمة هناك.
الاَ ان شيخ عشيرتهم البشدري تعهد بحمايتها، في وقت صار فيه تزاحم شديد لطلب يدها، الاّ انها احبّت ابن عمتها كمال الذي باشر فوراً باختطافها كما تجري العادات عند عشيرتهم (3)، و عند قيامه باختطافها شرعاً ـ شرع المنطقة ـ و هروبه بها . . وقعا في كمين اعدّه لهما ابن عمها الكبير يحيى الذي كان يهيم بها حد الجنون . .
و اثر الكمين جرح كمال جرحاً بليغاً و حمله اهل قرية ابن عمه الى رضائية لعلاجه، و جرحت جنار جرحاً خفيفاً و لجأت الى مقر الحزب لحمايتها، حيث حمتها لجنة الحزب للمنطقة بعدد من المسلحين يحرسوها و هي في بيت ابيها.
و بقي ابن عمها يحيى يلحّ على لجنة الحزب و يوسّط متنفذين كي يسمحوا له بأخذ ابنة عمّه ليتزوجها و لم تستجب له اللجنة، و لمّا رأى ان اللجنة لاتستجيب و لن تستجيب لطلبه الاّ ان وافقت جنار . . صار يهدد و هاجم مقر اللجنة بالسلاح هو وعدد من اعوانه، و رغم انه تمّ صدّه . . الاّ انه لايزال مستمراً على تهديده و يتوقع الجميع انه سيعاود الهجوم مجدداً .
امّا جنار فزاد المها و وصل حداً انها لم تعد تتقبل الطعام ، و ان اكلت تقيّأت ، حتى صارت تتقيّأ دماً، امّا ابن عمتها كمال فأنه بعد ان تحسنت صحته خرج من المستشفى و عاد الى بيت اهله في مجمع بستستين عند اطراف قلعة دزة، و يدور الحديث عن انه يستعد لأختطافها مجدداً من مقر اللجنة التي قد تعطيه ايّاها ان وافقت جنار على الذهاب معه .
المشكلة ان ذلك قد يتسبب بصدامات مسلحة بين اطراف نفس العشيرة التي تقف بقوة مع البيشمركة الكورد العراقيين و البيشمركة الكورد الإيرانيين . . الأمر الذي قد يؤدي الى صدامات
تضرّ كل اطراف البيشمركة في المنطقة و على جانبي الحدود . .
و اكّد حسن بيوراني، ان القضية الأساسية الآن هي ان تتعافى جنار، ثم نعمل على ارسالها سراً الى بستستين بصحبة ابن عمتها كمال، على ان يكون ذلك من مقر سرية بشدر حيث يجلسون، لأنها تقع على الطريق المؤدي الى هناك مباشرة . . و تكون اللجنة في حلٍّ عن الصراع بعد ان اوفت جنار حقها و بموافقة اسطه رسول (4) لأنه احد اعيان عشيرتهم، حيث انه بموافقة خطية منه جلبها من سردشت، و هو الذي ارسله شخصياً الى المناضلين محمود فقي و رسول سور. و المهم الآن هو شفاؤها.
و بينما كان صاحب يفكّر بأن اسطه رسول يدعم البيشمركة فعلاً و كما وعد . . و ان الحدود فعلاً شئ مصطنع املته ارادات لها مصالحها، و الاّ فكيف ابناء و بنات عمومة، يتزوجون و ينهون و يحللون، يعيشون معاً و ينفصلون و يتحركون عبر الحدود الدولية و كأنها جادات و طرق لمحلة واحدة تسكنها نفس العائلة او العشيرة . . كما هناك بين قلعة دزة و قراها و سردشت و قراها .
طلب ان يفسحوا له مجالاً لفحصها، فوسّعوا له طريقاً ليذهب صحبة حسن بيوراني الى الغرفة التي خصصت لها، و عندما شاهدها صاحب انعقد لسانه . . كانت جالسة تنتظر الطبيب و تضغط بيديها على معدتها من الألم . . كانت جميلة بحق . . جميلة كرائعة من روائع عمر الخيام بكل خيالاتها و سحرها و الوانها الحلوة.
شدّ نفسه شدّاً و اتخذ مأخذ الجد تماماً طالباً من حسن بيوراني عدم مغادرة الغرفة، في تطبيق صارم للأصول الطبية عندما يكون الطبيب رجلاً و المريض إمرأة، لايكونان لوحدهما او يتركان الباب مفتوحاً بموافقة المريضة. و بعد فحصه ايّاها و تدقيقه و رؤيته لتقيؤها، توصّل الى ان معاناتها تنحصر في المعدة و ان لديها قرحة نازفة، تتطلب اجراءات الإسعاف، سريعاً .
علّق لها مغذي بعد ان زرق فيه انواع الأمبولات من ادوية المعدة و المسكنات، الى المهدئات و المقويات لتلك الحالة الخطيرة، و طلب من محمود فقي و سليم سور، اتخاذ اللازم لأنه لابد و ان يبقى كي يعاينها كل نصف ساعة . . الى ان يقرر شيئاً آخر وفق حالتها، كما انها يمكن ان تنام . .
و بقي صاحب يمرّضها بوجود الحراسات الى حدود الفجر، حيث تركها و هي تسترجع صحتها و تنام نوماً عميقاً. و بقيت جنار سرّاً في مقر سرية بشدر، برجال حراستها الأشداء و تحسنت صحتها ثم زارها ابن عمتها . .
و عقد ملا قرية اتوا به من قلعة دزة قرانهما في السرية، و غادرا نحو بستستين و اهاليهما، كما غادر حسن بيوراني الذي اتى ليكون شاهد زواجهما، مقدّما آيات الشكر للطبيب و لسرية بشدر . . وكان ذلك نجاحاً هاماً للسرية في المنطقة .
. . . .
. . . .
في مساء ذات يوم كان الثلج يتساقط فيه بغزارة . . وصلت الى المقرات في زلي، مفرزة كبيرة
بصحبتها ثلاثة حيوانات تحمل مرضى كما كان يلوح من الطبابة الواقعة في مكان اكثر ارتفاعاً من بقية المقرات . . و شاهد الأنصار ان المفرزة تتجه الى الطبابة مباشرة، حين وصل منها ثلاثة انصار كانوا يمشون مشياً سريعاً تحت الثلج المتساقط . . الى الطبابة.
استقبلهم صاحب بحرارة و كان بينهم القائد الأنصاري المعروف ملازم خضر (5) . . الذي بعد العناق الحار طلب الأهتمام الفائق بثلاثة مرضى كانت تسوء حالتهم سريعاً . . ولم يعرف احد منهم السبب و لكنهم يرجّحون ان ذلك حدث بسبب التعرض الشديد للثلج لأن الثلاثة واصلوا السير على الثلج و تحت تساقطه من بهدنان الى كوستا، ثم روستي و الى زلي دون استراحة !! اثناء عملية كبيرة لنقل السلاح و الملتحقين الجدد لقوات البيشمركةالانصار، الذي كان غالبيتهم قادمين من الخارج . . و قد مرّت تلك المفرزة الكبيرة بين اعداد ليست قليلة من الربايا العسكرية.
و تبيّن بعد جهود كبيرة بذلت و بعد صرف انواع الادوية الموجودة في الطبابة . . ثم باجتماع و قرار كل الأطباء الموجودين في المنطقة آنذاك و من كل القوى، و الاستفسار الدقيق من المرافقين و ممن كانوا معهم في العمق . . ان الانصار المرضى بشدة كانوا متسممين بـ (الثاليوم العراقي) الموضوع في عصير شربوه عند مرورهم بقرية ورتى . . و كانوا : الوجه الأنصاري المعروف خضر حسين، النصير حسين، دكتور نوزاد . . .(6)
و أعتُبر ما قام به ملازم خضر ـ ابو عايد ـ انجازاً كبيراً لمنظمة الأنصار آنذاك، لأنه استطاع و لأول مرة ان يشقّ طريقاً يصل منطقة بهدنان بسوران، عبر الأراضي العراقية دون الحاجة للمرور لمسافات طويلة في الأراضي التركية، فصار الملتحقون القادمون من سوريا يمرون عبر بهدنان الى روستي و من هناك الى مناطق و مدن اربيل. حيث صار الطريق اقصر من السابق و اقل خطورة لجلب السلاح لاحقاً ايضاً من بهدنان الى سوران و اربيل .
و في تلك الفترة تكلّف احد القياديين بتدبير جلب اذاعة الى منظمة الأنصار و كان مسؤولاً عن نقلها سرّاً من الخارج الى كوردستان، و قد وصل في توقيت وصول احمالها (سرّاً) الى نوزنك ـ نوكان، و فيما كان يتحدث في ندوة للكادر عن آخر تطورات العراق و المنطقة، و فتح باب الأسئلة . . سأله احد الأنصار الحاضرين عن مكان و موعد بدء الإذاعة التي جاءت بالبث ؟!!
فاحمرّ و اشتاط غضباً و هو يجيبه قائلاً :
ـ عن اية اذاعة تتحدث ؟؟ ليس لدينا اذاعة كما تعرفون .
و قال نصير ثاني :
ـ و لكن كل الناس في السوق يسألون عن اذاعتنا التي وصلت منذ ايام . . . مع مفرزة وصلت قبل مفرزتكم !!
و اجاب :
ـ على حد علمي لاتوجد اذاعة . . و يجب ان تعرفوا ان الحديث في امور كهذه خاضع في العادة الى سريّة مطبقة لخطورة الموضوع . لأنه ليست الدكتاتورية فقط لن تسمح لها بالوجود و البث و انما كل دول المنطقة، الأمر الذي يعرّض مقراتنا كلها لقصف مدمّر متواصل حتى يسكتوها . . فتصوّروا ذلك !!
و بعد انتهاء الندوة خرج البيشمركةالأنصار و هم يهزوّن بأيديهم و رؤوسهم و لا يفهمون لماذا لايتحدث ذلك القيادي عن الإذاعة ، و الناس و المهربون و الكروانجية يتداولون خبر وصولها و يسألون عن مواعيد بثّها بشكل اعتيادي ؟!
و بعد تحقيق و متابعة حذرة عن كيفية تسرّب تلك الأخبار، و اتهام القيادي لأعضاء المفرزة التي جلبتها، بأنهم هم وراء تسريب تلك الأخبار، كانت النتيجة ان الكروانجية الذين حمّلوا اجزاء الإذاعة التي كانت قديمة و ثقيلة كانوا يوصون احدهم الآخر، بضرورة شدّ الأجزاء بدقة و ثبات "لكونها اذاعة !! ". . لأن من عادة اي كروانجي ان يعرف ماذا يحمل حيوانه، كي يستطيع اختيار الطريقة الصحيحة لتحميله و تسييسه على طول الطريق . .
و على ذلك فإن كروانجية مناطق الحدود، هم الذين شخّصوا انها اذاعة لخبرتهم بالحمولات رغم انهم اميّون، و كان مع كل تبديل حيوان بحيوان جديد يخبّر الكروانجي السابق الكروانجي الجديد ، بأنها اذاعة كي يضبط تحميلها مقابل مبلغ مجزي . . و تبيّن ان كل المنطقة كانت تعرف بذلك و البيشمركة الأنصار لوحدهم لايعرفون. الأمر الذي يلقي اضواءً عن طبيعة اهالي مناطق الحدود و خاصة تلك التي يتواجد فيها البيشمركة، و عن مديات معارفهم و ماهية الأسرار التي هي اسرار بنظرهم، و ماذا يعني حفظ الأسرار .
. . . .
. . . .
و بينما كان الشتاء في نزيعه الأخير، وصل طبيب الأسنان د. ابو الياس الى الطبابة مع مجموعة قدمت من الخارج ـ من لبنان ـ ، و كان البيشمركةالأنصار بأمس الحاجة اليه. . كان انساناً طيباً يحب مساعدة الآخرين و بذل كلّ جهوده على اعمال البيشمركةالأنصار اليومية تاركاً طبابة الأسنان . . ولدى اطلاع صاحب ايّاه على كلاّبات الأسنان و انواع ابر و مواد تخدير الأسنان المتوفرة في الطبابة و لم يجد عنده ردّ فعل ايجابي لممارسة تطبيب الأسنان، سأله لماذا يترك ممارسة مهنته و الجميع بحاجة اليه كطبيب اسنان.
قال، ان ما موجود هو ليس طبابة اسنان لأن الموجود من ادوات، هو فقط لقلع الأسنان اي تحطيمها . . اما طبابة الأسنان التي تعني الحفاظ على الأسنان و تصليحها و انقاذها و حمايتها، فانها تحتاج الى اجهزة و ادوات و مواد كلها غير متوفرة، وقال انه يرى ان توفير ذلك قد يكون مستحيلاً في ظروف البيشمركةالأنصار التي كنا نعيشها، وان انصباب عمله على قلع الأسنان سيحطم حتى معلوماته في طب الأسنان. فطلب منه صاحب ان يدرّبه على قلع الأسنان، فدرّبه فعلاً و منذ ذاك اخذ صاحب يقوم بأمر طبابة الأسنان ايضاً في حدود القلع و تداوي اللثة لا اكثر .
ابتدأ الربيع و تفجرت عيون ماء متنوعة في منطقة زلي في سفوح مامنده، كانت احداها مقابل باب الطبابة مكونة غديراً جميلاً ، و كانت العيون تنشر اصوات خرير يحوّل سكون الليل المظلم الى ليل ساحر جميل، فيما يعبق الهواء بعطر و شذى الزهور البرية الصغيرة التي تزهر قبل غيرها . . و اخذ البيشمركةالأنصار يتمشون على الممرات و الدروب المحيطة بالموقع في الليالي التي لم تعد حالكة السواد كليالي الشتاء . . و على اصوات اغاني و الحان الربيع التي كانت تبثها عديد من راديوات الترانزستور الصغيرة . .
و بدا البيشمركةالأنصار اكثر مرحاً و نشاطاً، مبتكرين اساليب جديدة في الحركة و النكات و الغناء و الدبكات التي كانت تتصاعد مع قرب قدوم عيد النوروز، الذي ما ان شارف على البدء حتى ازدادت زيارات العوائل لذويهم البيشمركةالأنصار، رغم مخاطر الطرق و مخاطر الإبادة بالمروحيات . . و ازدادت حركة قوافل الكروانجية و صارت تمرّ ليلاً و نهاراً . .
في وقت ادى اشتعال الحرب العراقية ـ الأيرانية فيه، الى زيادة حركة التهريب بين البلدين و اخذ يشمل مواضيعاً جديدة ومتوسّعة بأستمرار، و بدأ يحقق ارباحاً متواصلة صارت تتضاعف بشكل هائل ، حين شكّلت خطوط المواجهة في جبهات الحرب بين الجيشين اهم مصادر مواد التهريب العسكرية من اسلحة و عتاد و تجهيزات، سواءً التي جمعوها من ساحات المعارك بعد انتهائها، او من مؤخرات ساحات المعارك وقت اشتعالها . . و حسب المناطق . .
فحول مسرح كلّ معركة كان يتجمّع المئات مع حيواناتهم منتظرين، كي يعملوا على تجميع الأسلحة و المعدات العسكرية التي تخلّفها الوحدات المتحاربة، لتنقلها بالسرعة الممكنة على حيواناتها . . حتى صارت الحيوانات و خاصة البغال عملة صعبة الوجود للطلب الكبير الماس عليها في المناطق المحيطة بساحات المعارك المشتعلة، لأهميتها في نقل ما يتم الحصول عليه من تلك الساحات، و لقدرتها على النقل عبر الطرق غير المعبّدة و الشاقة . .
من ناحية اخرى، بدأت طغم متنوعة في الطرفين المتحاربين تتشكّل لتحقيق اعلى الأرباح و قد ضمّت : ضباطاً، رؤوساء جحوش، شبكات لمهربين عاديين، يبيعون لمن يدفع اكثر و مهما كان . . و تطوّر الفساد الى ان وصل الى جعل قسم من العمليات العسكرية ضد البيشمركة، مقاولات تدفع اثمانها، مقابل نتائج يراد لها ان تتحقق كتحقيق تقدّم و سيطرة على موقع او منطقة، او تحقيق ذلك كعرض يجري الإنسحاب منه بعدئذ وفق اتفاقات مدفوعة الثمن . . و غيرها من اساليب و وسائل تجارة الحروب السيئة الصيت . كما و وصلت تلك الطغم المتشابكة الى انشاء دور و مصالح ترفيه و شبكات دعارة في المدن و صلت حتى الحدود، ضمن اطار فساد عام يدعو لأمكانية بيع و شراء كلّ شئ . . مادامه يحقق ارباحاً .
و اخذ التهريب يشمل، تهريب الجواسيس وبناء شبكات المخابرات واعمال التخريب على اراضي الطرف المقابل، اضافة الى زرعها في مناطق الحدود، وخاصة من الجانب العراقي الذي كان ملاذ جنرالات الشاه المهزوم وكبار اخصائييهم المشهورين في اعمال المخابرات والتخريب .
ومن جهة أخرى ازدادت عمليات تهريب البشر المصممين على الهجرة من العراق بسبب الخوف من التدمير و الموت و هروباً من السوق الى الحرب التي اشعلتها الدكتاتورية و بسبب اعمال القمع المنقطعة النظير، اضافة الى تهريب مليونيرية بأموالهم مقابل عمولات مغرية، و تشكّلت لذلك ماسميّ بالمفارز الأهلية او مفارز القطاع الخاص المكونة من مسلحين لتأمين تهريب الأغنياء مع اموالهم المهرّبة، فيما ازدادت الهجرة بالأتجاه المعاكس ايضاً في مناطق اخرى .
لكل تلك الأسباب كانت الطائرات الحربية تغير بين فترة واخرى قاصفة "نوزنك" و مخلّفة اعداداً كبيرة من القتلى و الجرحى، اضافة الى الحرائق التي كانت تستمرّ ايّاماً في كلّ مرة. اثر ذلك كوّن رجال السوق موقعاً صيفياً مجاوراً لقرية " نوكان" الحصينة الواقعة في الجانب الأيراني والتي تبعد مسيرة نصف ساعة من " نوزنك"، اضافة الى موقع شتوي كان يُبنى على مهل في وادي ضيّق في الجانب الأيراني يُدعى "قاسم ره ش" كما مرّ، و الذي يبعد مسيرة أكثر من ساعة من "نوزنك"و تحوّل اليه السوق بغالبيته فيما بعد، جرّاء استمرار القصف وسقوط العديد من القتلى والجرحى من رجال السوق . عدا "أحمد صاروخ" الذي بقي في مكانه، بعد ان قوىّ تحصينه السابق لمحله هناك بمغارات حفرها في الصخر.
و كان يلاحظ تطور نوعية المهربين، و ظهور افراد يعرفون مصطلحات للغات عالمية، كانت ضرورية لإعانتهم على تمييز و نقل و ترويج و بيع بضائعهم الألكترونية الجديدة من ساعات و اجهزة تصوير و معدات عسكرية صغيرة لم يعرف في الغالب منشئُها كانواع من اجهزة الإتصال و الإستقبال و البث، اضافة الى تزايد حركة البضائع بشكل هائل عبر نوزنك، التي صارت في الليل ايضاً، حين كان يتم نقل مشروبات كحولية متنوعة الى ايران مثلاً، او نقل اسلحة صغيرة كالمسدسات، كما حصل عند الشك باحدى القوافل التي لم تتوقف عند نقطة الكمرك، و جرى ايقافها بعد تطويقها و اجبارها على فتح صناديق نقل بضائعها.
و لوحظ بعد ملاحقة قضية هروب فريدون آنفة الذكر الذي هرب الى الحدود التركية، و كيفية محاولة هروب ابونادية . . ان هناك اكثر من شبكة لمخابرات الدكتاتورية في نوزنك حيث مقرات عدد كبير من قوى المعارضة المسلحة ضدها، وهي في تطور من حيث العدد و الأساليب و اجهزة الإتصال الخفيفة المتطورة في محاولة التأكيد مجدداً على ان مخابرات الدكتاتورية قادرة على الوصول لأي مكان و لأي كان . .
من ناحية ثانية، بدأت الحرب تغيّر خرائط الحدود و مواقع و اسماء القرى، و ماهية ناسها تبعاً للتهجير و التدمير، و تبعاً لتغيّر خط جبهة الحروب . . حتى صار من السهولة ان تعمّر منطقة او تهجّر و تُدمّر، ليعاد بنائها . . كما تغيّرت الناس في مناطق الحدود و صارت كلها مسلحة لأسباب كثيرة التنوع و في مقدمتها الدفاع عن نفسها و عن حياتها، بعد ان امتلأ البلد بالأسلحة . .
و بدأت تزداد في مناطق الحدود، مساحات قاحلة خالية من القرى و البشربعد ان هجّرت و احرقت، اضافة الى غلق عيون المياه بتفجيرها . . لأسباب امنية و عسكرية مباشرة، او لتكوين محطات بشرية و الكترونية دفاعية واقية، لضمان سلامة المواقع الأكثر حساسية لها.
في وقت صارت فيه الحدود شبه مفتوحة في اماكن جبهات القتال، بعد نهاية المعارك الطاحنة فيها لفترة ما، حيث تصبح في عداد الجبهات الباردة . . تنشط عبرها و خلالها انواع المصالح و البيوتات التجارية الناشطة، اعتماداً على مواقع متفق عليها لتدبير اعمال و مقاولات حربية . . بعد ان اخذت الحرب تعمّق و تطوّر الفساد و آلياته بشكل شنيع في عموم البلدين. (7)

و فيما خططت الدكتاتورية لحرب خاطفة تستولي فيها على حقول النفط في محافظة الأهواز الإيرانية، في عبادان و المحمرة لتفرض شروطها على الحكم الإيراني الثوري الجديد، و فشلت خطتها تلك و استمرت الحرب بوتائر سريعة ازدادت فيها عنفاً و توالت خسائر الطرفين الهائلة بالأرواح و المعدات . . توسع نطاق الحرب حتى اشتعلت كل الحدود الطويلة بآلاف الكيلومترات، بين البلدين بنيرانها المدمّرة .
و لم تدخل مناطق كوردستان العراق و كوردستان ايران جبهات الحرب في البداية، لأن تركيز الدكتاتورية كان على احتلال مناطق النفط في ايران و لأهدافها الستراتيجية في الخليج، و يري خبراء ان ذلك لم يكن بمعزل عن محاولة الطرفين تفادي جرّ كوردستان للحرب الجبهوية و اشعالها بما لاتحمد عقباه لهما . . فالدكتاتورية و من خبرتها الطويلة مع الحركة القومية التحررية الكوردية، كانت تتجنب القيام بضغوط لامحدودة على كوردستان العراق، لأنها كانت تخشى من ان ان يؤدي ذلك الى تزايد التحاق الشباب الكورد، بالثورة الكوردية و منظمات البيشمركة، و كذلك الحال في ايران.
الاّ ان استمرار الحرب و اصرار الطرفين على مواصلة القتال، جعلهما يوسعان نطاقها ليشمل محاولة الطرفين توظيف معارضة الطرف المقابل لصالحه، كي يتمكن من ممارسة ضغط اكبر يساعد على حسم الحرب لصالحه، و شمل ذلك محاولة كل من الطرفين استخدام الورقة الكوردية لصالحه و هما يدركان تشابك القضية الكوردية في البلدين، و ان اي انتصار لأحداهما هو انتصار و دعم للأخرى، لأنهما تشكلان قضية واحدة . .
فعملت الدكتاتورية و في اوقات مبكرة كما مرّ، على تنشيط قنوات اتصالها مع الأحزاب و القوى الكوردية و منظمات البيشمركة العراقية المتنوعة بهدف ضمها الى جبهتها او بهدف ابقائها في دائرة و حدود افلاكها او حتى تحييدها على الأقل، نجحت مع قسم و فشلت مع قسم آخر و حسب الفترة الزمنية و الظروف المتغيّرة . .
و بذلك احدثت الحرب اصطفافاً جديداً في مواقع و مكونات الحركة التحررية الكوردية من جهة و في مواقع و سياسات و اساليب الحكومتين و حكومات دول المنطقة تجاهها من جهة اخرى. فبدأ كل من الطرفين بممارسة الضغط على الحركات التحررية الكوردية القائمة بوجه كلٍ في دولته، سواءً بالإغراءات او بالتهديدات، خاصة و ان لكل من الحركتين القوميتين الاف العوائل الكوردية الهاربة بسبب القمع الموجه على قسم الشعب الكوردي الموجود في بلاده، و اضطراره الى الهجرة الى الطرف المقابل، و تداخلت المصائر . .

(يتبع)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. و تعني " انا عائد الى موطني كوردستان " . . كوردستان .
2. سليم سور . . سليم الأحمر لأنه احمر الوجه، آمر سرية بشدر الوسيم الذي اشتهر بشجاعته في المعارك، و هو احد وجوه البيشمركةالأنصار المعروفين في بشدر.
3. يجري الزواج بالإختطاف لدى عدد من عشائر تلك المنطقة، و يتم عادة باتفاق غير معلن بين المتقدم للزواج و بين عروس المستقبل، فيأتي الشاب الى بيت الشابة المقصودة في العادة ليلاً، ليهربا معاً الى مكان غير معروف ليتزوجا بعيداً عن اهل الطرفين، ثم يرسل الزوج والدته و والده او اخاه، لأخبار عائلة الشابة بما حصل على سنّة الله، و يجري التراضي بينهما لمباركة ذلك الزواج . . و بعد اتمام المباركة التي قد تواجهها صعوبات تتطلب وقتاً للحل، يتم الإعلان عن مكان الزوجين . .
4. اسطه رسول، احد وجوه بيشمركة بشدر المعروفين، كان آمر فصيل بشدر في بداية نشوء المنظمة و صارت له مشكلة مع مام هندرين، حول موضوع زواج كما مرّ . . و الذي ترك منظمة الأنصار في توزلة بسبب تلك المشكلة، و استقر في سردشت.
5. و هو الفريق المتقاعد " نعمان علوان سهيل التميمي " ، الضابط و الشخصية الشيوعية المعروفة بنضالها الانصاري الطويل و مواقفها الجريئة التي كان منها دوره البارز في معركة هندرين الشهيرة عام 1966 . . رئيس رابطة الانصار الشيوعيين في اربيل.
6. فيما نجا دكتور نوزاد من اهالي هرموطه ـ كويسنجاق مستشار سياسي سرية شوان، حيث كانت نجاته من الموت لشربه كمية قليلة من ذلك العصير، استشهد الوجه الأنصاري البارز خضر حسين الرواندوزي آمر قوة رواندوز، لشربه كمية اكثر، رغم انواع العلاجات و المحاولات لمعالجته و باجماع اطباء كل قوى المنطقة و بالاخير قيام الجميع بمساعدته على الوصول الى المدينة لينقل بالكوبتر الاسعاف الى طهران التي لم تنفع . . و استشهد النصير حسين بشكل سريع لشربه كمية كبيرة من العصير .
7. و كان القادمون من ايران يعكسون تطورات مشابهة في المجتمع الإيراني و ان بتسميات و عناوين اخرى تناسبت مع المد الثوري و التغييرات التي احدثها انتصار الثورة الإيرانية، اضافة الى ما عكسه الملتحقون الجدد القادمون من ايران و هم من ابناء عوائل عراقية هجّرتها الدكتاتورية ظلماً . .
بعد ان اقام عدد كبير منهم حينها في محلة " كوجه مروي " (كوجه عرب) الشعبية ، الواقعة في قلب العاصمة حيث الأحياء القديمة و آلاف المشاغل الحرفية و ما لاعد له من مصالح البيع و الشراء القائمة منذ القدم في مناطق " امير كبير" و " التوبخونة "، اضافة الى اقامتهم في عشرات الأحياء الشعبية القديمة المحيطة بـ " بازار طهران الكبير " عصب التجارة و المال في البلاد، التي حالها كحال المحلات القديمة و محلات المزارات الدينية في المدن القديمة في المعمورة . . حيث يتواجد الوف الزوار المقيمين و مئات الألوف من الفقراء و المعدمين، من مختلف بقاع الأرض تيمنناً و طلباً للرحمة و المغفرة . . و حيث يسمع المار من هناك انواع اللغات و التعاويذ و القرّاء، اضافة الى المدارس الدينية المتنوعة المستويات .
فقد عاش العراقيون المهجرون في كوجه مروي بلا اوراق ثبوتية تثبت جنسيتهم و عائديتهم و مهنهم، لأنها سُرقت او أُحرقت على يد منتسبي اجهزة الدكتاتورية العراقية، و الأصعب من ذلك ايضاً انهم لايملكون تأشيرات او وثائق اقامة رسمية عدا تصاريح اذن بدخول البلاد، و صار كثير منهم باعة و تجار مفرد و مستخدمين لناشطي اعمال و مصالح غير مسجلة و غير قانونية، ممن يجري استغلالهم ابشع استغلال مقابل تأمين لقمة العيش .
و كما في كل المدن و ألأحياء التجارية و الحرفية التي يستقر فيها الغرباء، لرخص الإقامة فيها و رخص اطعمتها و لإمكانية حصولهم على اعمال مهما كانت . . يرى المرء و يسمع بأمور قد لاتصدّق و لكنها كانت تجري لوجود من لهم علاقة بتهريب الناس مثلاً، هناك .
فيقول بعضهم، أنهم تعوّدوا على مشاهدة قادمين من العراق صحبة مهربين الى مقاهي كأنها بانسيونات تستقبل القادمين الجدد من العراق صحبة من جلبوهم، حيث كانوا يتحدثون بالعربية بمختلف اللهجات العراقية. اضافة الى حديثهم عن جماعات هاجرت من كوجه مروي الى باب خيبر و الى الصين . .
و كان من المعروف أن هناك خطوط اتصالات شبة ثابتة تأريخياً، بين تجار و اصحاب مصالح متنوعة في اسواق الشورجة في بغداد، مع مماثلين لهم في " بازار طهران"، و بالعكس . . و يقوم بها و عليها ابناء عوائل توارثوها اباً عن جد . الامر الذي لم يكن بمعزل عن مراقبة أجهزة مختصة ايرانية او عراقية . . كان يمكنهم التعامل معها دوماً .



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك . . عند الحدود (12)
- هل عادت انتخابات الفوز ب 99,9 %
- هناك . . عند الحدود (11)
- هناك . . عند الحدود (10)
- هناك . . عند الحدود (9)
- هناك . . عند الحدود (8)
- هناك . . عند الحدود (7)
- اين -الدولة الجديدة- بديل الدكتاتورية ؟
- هناك . . عند الحدود (6)
- للإسراع باعلان نتائج الإنتخابات !
- هناك . . عند الحدود (5)
- هناك . . عند الحدود (4)
- هناك . . عند الحدود (3)
- ما معنى الإنتخابات و الى اين ؟
- هناك . . عند الحدود (2)
- هناك . . عند الحدود (1)
- ثمانون عاما من اجل قضيتنا الوطنية . .
- الشعب بين حقوقه و بين تقاعد الرئاسات
- 8 آذار و مخاطر مصادرة حقوق المرأة . .
- الى من يحاول تجميل جرائم 8 شباط الاسود (2)


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مهند البراك - هناك . . عند الحدود (13)