أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مهند البراك - هناك . . عند الحدود (6)















المزيد.....



هناك . . عند الحدود (6)


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 4444 - 2014 / 5 / 5 - 20:11
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الفصل الثالث

الى مهاباد . .

بعد الحاحه على الأدوية و بسبب الضغوط على مكتب القوة من تكاليف العلاج الباهضة اللازمة لأرسال المرضى الى مهاباد و رضائية، و التي كانت تتصاعد . . اخبره يوماً ابو جوزيف ، بأنه يستطيع الحصول على الأدوية الضرورية من مهاباد، وعليه ان يسافر الى هناك و يلتقي مع " ابو سرباز"(1) لترتيب ذلك معه هناك، في اطار تقليل ذهاب البيشمركةالأنصار الى مهاباد لأغراض العلاج . . وانه ـ اي صاحب ـ سيذهب مع ملا حسن (2) و مام خضر اللذين سيذهبان باجازة و لأتمام عدد من الأمور الضرورية للمنظمة هناك.
فذهب الثلاثة مع بيشمركة من الإدارة و التموين عند الفجر مع ظهور اول خيوط النهار، باوراق عدم تعرّض متفق عليها بين بيشمركة العراق مع بيشمركة ايران و المعترف بها رسمياً في ايران آنذاك. و ساروا مشياً الى بيوران ومن هناك بسيارة باص ذاهبة الى كراج سردشت، ومن الكراج بباص آخر ذهب بهم الى مهاباد، التي وصلوها بعد الظهر .
كان صاحب في غاية السرور و هو يشاهد تلك المدينة المناضلة الشهيرة التي سمع بها و قرأ عنها الكثير، مدينة القاضي محمد رئيس الحكومة الكوردية التي اشتهرت باسم " جمهورية مهاباد الديمقراطية " ذات الحكم الذاتي التي اعلنت خلال واثر الحرب العالمية الثانية. ثم اسقطت بالقوة من قبل الجيش الشاهنشاهي الذي احتلها بعد معارك دموية قاد فيها قوات الحكومة الكوردية القائد الكردي الشهير الملا مصطفى البارزاني، و بسبب تفوق قوات الشاه عدة و عدداً و اطباقها الحصار على العاصمة الكوردية مهاباد، انتهت المعارك باعتقال و أعدام القاضي محمد و رفاقه و بلجوء الملا مصطفى الى حرب البيشمركةالأنصار لمواجهة الجيش، ثم مسيرته التأريخية بقواته المقاتلة الى الإتحاد السوفيتي، محققاً بذلك مآثرة حربية بتوجهه او بانسحابه بقواته و هو يقاتل و ملاحق من جيوش ايران، العراق، تركيا . . آنذاك .
كانت مهاباد رغم اهمال سلطات الشاه لها ادارياً وابقائها بدرجة " ناحية "، كانت مدينة كوردية صغيرة محدودة المساحة تفتقر الى الشوارع و الأبنية الحديثة، الاّ انها كانت جميلة باشجارها و بنهرها الوادع الجميل . . . مدينة غاصة بالحركة والنشاط والحيوية بنسائها الجميلات و رجالها، ترى في اكثر واجهاتها صور ابرز الشخصيات الكوردية العراقية و الإيرانية المناضلة، فاضافة الى صور قاضي محمد تشاهد صور الشيخ محمود الحفيد والملا مصطفى البارزاني . . و صور الزعيم عبد الكريم قاسم، المهداوي، سلام عادل والحيدري !! التي شاهدها صاحب بتعجب كبير .
كانت المدينة تعيش افراح انتصار كبير بسقوط الشاه و انفتاح آفاق جديدة امام الشعب الكوردي في ايران لتحقيق حقوقه القومية العادلة . . كانت المسيرات والمظاهرات الحاشدة نساءً ورجالاً شيباً وشباناً تطوف الشوارع بشكل احتفالي وهي تنشد النشيد الحماسي الكوردي الأشهر " اي رقيب ".
ذهب الثلاثة الى فندق بارس قرب ساحة " جوار جرا " الساحة الرئيسية في المدينة التي شهدت احداثاّ و احداث . . و التقوا في مدخل الفندق بالبيشمركة الشجاع بختيار من فصيل شوان، الذي عرّفهم سريعاً على موظف استعلامات الفندق، حيث طلبوا منه تسجيل اسمائهم على ضوء اوراق عدم التعرض التي يحملوها . . ليضمنوا مكاناً لهم للأستراحة و المبيت .
كان الفندق رغم كبره و الزخرفة الحائطية فيه . . قديماً، و يترائ للقادم اليه رغم نظافته كما لو انه كان مغبرّاً ، و يبدو ان الموظف عرف هويّاتهم فحدد لهم احدى الغرف لأقامتهم و كانت في الطابق العلوي . . فذهبوا اليها و وجدوا فيها رفيقهم مام بكر تالاني (3) الذي اشتهر في البيشمركة في منطقة شوان في كرميان . و كان قد قدم لمعالجة آلام أسنانه الشديدة . . و قد رحّب بهم كثيراً رغم آلامه الشديدة من اسنانه و حمله الملح بيده ليضعه عليها لتخفيف آلامها. وقد احتوت الغرفة على خمسة اسرّة رتّبت دائرياً، و في الوسط منضدة كبيرة و مقاعد للجلوس عندها .
بعد ان اغتسلوا بماء المغسلة الموجودة في الغرفة، تمددوا كلاًّ على سرير للأسترخاء حتى ناموا قليلاً، ثم استيقظوا نشيطين فرحين و هم يعيشون اجواء تعزز الأمل في الحياة و الكفاح بوجودهم في تلك المدينة. تبادلوا احاديث جميلة مع مام بكر، و رتّبوا ملابسهم متهيئين للخروج لتناول الطعام بعد ان اتفقوا على ان يتجوّلوا في المدينة اولاً ليختاروا مطعماً ما .
و بخروجهم من الفندق التقوا بدكتور فارس رحيم (4) الذي كان قادماً توّاً من مقرات البيشمركةالانصار الأخرى في هيرتا في السليمانية . . و بعد ان تبادلوا التحايا معه، تعرّف صاحب عليه و هو يشاهده لأول مرّة بعد ان سمع الكثير عنه، فانضمّ اليهم للسير معاً، و لضيق الرصيف و ازدحامه، سار د. فارس بصحبة صاحب، و استمر ملا حسن يسير مع مام خضر، و انتبه الجميع الى ان عدداً واضحاً من الشباب كانوا يحيّون د. فارس في الشوارع و الدروب التي قطعوها في جولتهم تلك .
كان د. فارس لايكف عن الحديث لصاحب عن مخاطر الإنعزال في الجبال، لأن الإنعزال يمكن ان يؤديّ الى تخلف الفكر، و فيما استمر يحدّثه عن رؤيته في انه حتى مشاهدة واجهات المخازن و البضائع المعروضة في المدن بحد ذاتها امر هام لتلافي التخلف و لأجل مواكبة تطور العالم . . و حيّاه احد الشباب و استمر يتحدّث معه طويلاً . .
فتوقف ملاحسن و مام خضر ايضاً لأنتظارهم، و بعد اتفاق ما مع الشاب الذي حيّا د. فارس ذاهباً، استمر الدكتور بالحديث مع صاحب عن جهوده لتوعية خدم الفنادق الشباب، لأنهم كادحون و تفيدهم معرفة حقيقة الصراعات الإجتماعية و الطبقية، خاصة و انهم كشباب يحبون المعرفة و يطمحون لمعرفة العالم و العراق و لمعرفة مايدور في انحاء كوردستان خارج ايران و خاصة كوردستان العراق التي اشتهرت بكفاح البيشمركة فيها . .
بعد ان توقّفوا لتوديع د. فارس الذي قرر ان يذهب الى صديق له في المدينة . . و قال لملا حسن و هو يفارقهم، ان هناك شباب يريدون معرفة شئ عن كوردستان العراق، و لماذا فشلت تجربة الحكم الذاتي في زمن البعث في العراق، و هم يلحوّن على ذلك لأن الحديث في صحف مهاباد و في المقاهي و مقرات الأحزاب الكوردية المفتوحة حديثاً يدور حول قضية المطالبة بالحكم الذاتي للأكراد على خطى جمهورية قاضي محمد في الأربعينات، و هناك جهل وفوضى و قلق من ان يعني ذلك الأصطدام مع النظام الجديد، و هناك خوف من ان ذلك قد يؤدي الى معارك دموية . .
و لأنه يتوجّب على د. فارس الذهاب الى مكان آخر، فانه يرجوهم ان يهتموا باولئك الشباب و يوضحوا ذلك لهم و يجيبوا على اسئلتهم لأنهم لايعرفون شيئاً عن معنى الحقوق القومية و كيف يتم الحصول عليها . . و ذلك في جلسة في بيت يدعو صاحبه المتحدثين الى العشاء.
وافقوا على ذلك و ذهبوا و انتظروا معه عند مقهى، مجئ الشاب الذي سيقودهم الى مكان الجلسة، حيث تناولوا فطائر مسكّرة ـ بالسكّر ـ لأسكات جوعهم قبل الحديث الذي من الممكن ان يستمر الى ساعة متأخرة من الليل . وعند سؤال ملا حسن لدكتور فارس عن كيفية تعرّفه على مثل هؤلاء الشباب، قال بأنه قد قدم مبكّراً الى مهاباد هرباً من رجال الامن مع بدء هجوم سلطة البعث على الأحزاب، وانه كان يتردد عليها خلال الشهور الأخيرة من زمان الشاه و ساهم في التظاهرات و الإعتصامات التي جرت .
و بعد مجئ الشاب اليهم في المقهى، افترق عنهم د. فارس و ذهب الثلاثة برفقة الشاب، ماريّن بشوارع فرعية شبه مظلمة عند الغروب . . و انتبه صاحب الى انه لاتوجد مصابيح عامة للشوارع، وانما كانت تضاء بأضوية البيوت الساطعة المطلّة على الشوارع ذاتها .
و بينما كان صاحب يتأمل البيوت في المدينة و كيف كانت مرتفعة الارضية، لأنها تستند في العادة على طابق بارتفاع كامل كشبه سرداب مؤسس على مستوى اوطأ من مستوى الأرض لتثبيت البناء، و الذي يستعمل عادة كصالة لأستقبال الضيوف، و يحتوي غرفاً اخرى منها مخزن للمواد البيتية، كما فهم بعدئذ .
وصلوا الى بيت الشاب المضيّف الذي قادهم الى صالة كان يجلس فيها بحدود عشرة شبّان على افرشة مدّت على الأرض دائرياً، و قد دلّت هيئاتهم على انهم طلبة و كسبة ، وبعد التحايا و الجلوس، ابتدأ ملاحسن باعتباره اكبر الحضور سنّاً و رحّب بهم و طلب معرفة اسئلتهم كيّ يرد عليها معاً، لأنه كان يريد معرفة مستويات تفكير الشباب و الى ايّ مدى يستطيع الدخول معهم بتفاصيل القضية الكوردية لأنها تتعلّق بأكثر من دولة مؤثرة في حياة و مسيرة الشرق الأوسط . .
و بينما كانت اقداح الشاي و اللبن تدور على الجميع، كان عدد الحضور يتزايد بشكل متصّل،
اضافة الى حضور النساء و الشابات ثم حضور رجال من عموم المحلّة، و كانت التساؤلات تعكس فهماً مشوشاً لمفهوم الحقوق القومية، و استفسارات و نقاشات حريصة على تكوين تصوّر لماهية الآفاق المتوقعة للعهد الجديد، من مجاميع تابعت و تتابع بدقة تطورات الأحداث . . كما قدّروا .
و بعد ان انتهت النقاشات، طلب عدد من الحاضرين، من الثلاثة تحديد مواعيد لأقامة جلسات اخرى، واهتم ملاحسن بذلك و سجّل عناوين و مواعيد و اماكن لقاء. ثم خرج الحاضرون و كانوا بحدود ستين شاباً و شابة، رجالاً و نساءً . . و استبقاهم ربّ البيت ليتناولوا طعام العشاء و كان عشاءً فخماً شارك في اعداده اكثر من بيت من المحلة . .
و بعد الطعام كان شرب الشاي و تبادل احاديث وديّة معاً، خرج بعدها الثلاثة مع الشاب ابن ربّ البيت، ليدلّهم على الطريق الى فندق بارس، حتى لاح الفندق و توادعوا مع الشاب، فيما لاحقهم عدد من الشباب يدعوهم لتناول الطعام لدى عوائلهم في الأيام القادمة، اعتزازاً منهم بالكورد العراقيين وعموم العراقيين وكانوا يجيبون على تلك الدعوات بالإيجاب . .
وصلوا الى الفندق و كانوا بمزاج طيب و فرحين لحيوية النقاشات التي دارت و الدفء الذي احيطوا به، و كانوا فرحين كذلك لتناولهم الطعام اللذيذ الذي لم يتناولوا مثله منذ وقت طويل وهم في الجبال ، وقال ملا حسن ضافيا جوا من المرح " عرف د. فارس مع من يتحدث و يكسب . . فالطعام لذيذ و مجاني و يمكن ان يكون المنام كذلك " .
و بينما هم في غرفتهم الفندقية مع مام بكر . . كانوا يسمعون تراشقاً بعيداً متقطعا بالنيران يتقطّع و يعود ثانية . . فالمدينة لم تكن مستقرة و لايمكن الجزم ان تلك الصدامات تدور بين من و من . . فاضافة الى الصدامات بين مراكز قوى عشائرية على الزعامة و السيطرة على مناطق ما . . كانت هناك صراعات بين بيشمركة كوردستان ايران و وحدات الجيش بضباطها الشاهنشاهيين، لحقدها على الشعب الكوردي و سعي ضباطها لإعاقة حصولهم على مطاليبهم القومية، اضافة الى صراعات مسلحة كانت تدور بين مجاميع تعود لقوى بيشمركة عراقية فيما بينها، اشتهر منها صراع مسلح مع جماعة سميت بـ جماعة " ملازم انور" الذي كانت تثار شكوك كثيرة حوله بكونه عائد لمخابرات صدام ..
ان تواصل الصراعات بين منظمات البيشمركة العراقية في مدن كوردستان ايران، كان يستهدف اعاقة بعضها البعض عن توفير عمق ساند لها هناك، العمق الضروري لأقامة العلاقات مع بيشمركة ايران، و لإتصالاتها مع جاليات لاجيئ كورد العراق الذين كانت اعدادهم في تزايد هناك بسبب حملات الدكتاتورية العراقية ضدّهم، واخافة بعضها البعض كي لايلتحقوا بالأخيرين . . و كان لأجهزة صدام دور هام في اثارة تلك الصراعات باساليب و حيل متنوعة .
. . . .
. . . .
فجأة طرق باب الغرفة طرقاً شديداً و صاح صوت اجشّ طالباً فتح الباب، فتهيأ من في الغرفة في اماكنهم بعد ان كانوا راقدين نياماً و متأهبين للنوم، و فتح مام خضر الباب، فكانت هناك مجموعة مسلحة قسم بملابس الشرطيين و قسم آخر بملابس بيشمركة، طالبوا بتدقيق الهويات، حيث قالوا انهم اكتشفوا وجود قنبلة في الفندق، علماً ان لوائح الفنادق تطالب النزلاء بتسليم اسلحتهم لإدارة الفندق مقابل وصل، ثم تعاد اليهم وفق الوصل عند مغادرتهم الفندق . . و بعد اتمام مهمتهم، ذهبوا .
بقي صاحب مستيقظاً حيث لم يستطع النوم بعدئذ، فعدل ملابسه و خرج الى الشارع و صادف عند الباب د.فارس و برهان (5)، فذهبوا يتمشون معاً في ذلك الليل الذي بدت فيه المدينة نشيطة كعادتها، رغم الظلام و قلة الإضاءة.
و وجدوا انفسهم امام مظاهرة كبيرة من رجال و نساء تطوف في الشارع الرئيسي و ينشدون بكل حماس نشيد " اي رقيب " . و قد حمل عدد من المتظاهرين رجلاً ملتحياً يلبس نظارات سوداء كان بملابس رجل دين، و قد علق على صدره بشكل واضح نجمة ماوتسي تونغ الخماسية الحمراء . . قيل انه رجل الدين " اية الله الحسيني " الثوري الكوردي القومية، و ان المظاهرة تتجه الى مقر الحكومة المحلية الكوردية المؤقتة لتبيان اعتراضاتها على قراراتها الأخيرة الداعية الى التفاوض مع الحكومة الإيرانية الجديدة في طهران . .
قال د. فارس و هو يجيب على اسئلة صاحب :
ـ تقول كيف ان رجل دين يضع نجمة ماوتسي تونغ الإشتراكية الحمراء ؟ دكتور سترى اعاجيب في ايران، والقضايا السياسية ليست نظريات فقط، انها عواطف و حماسيّات، فهناك الكثير من رجال الدين المصلحين لايرون بأساً بالإشتراكية مادامت تنصر الضعيف و تواجه الظالم . . وهناك ايضاً تجّار سياسة يتلوّنون مع مطالب الناس و مع المودة المنتصرة !!
و بعد ان ساروا مع المظاهرة لمسافة، قرروا تركها كي لايبتعدوا عن مكان الفندق كثيراً ثم يضيّعون طريق العودة اليه في ذلك الليل و في تلك الظروف. وقال برهان انه حاليا يسكن كضيف لدى عائلة مام حمه امين لأنهم اقربائه، بعد ان توادعا مع برهان عاد صاحب مع د. فارس الى الفندق .
و قد عرف صاحب ان هناك عدد غير قليل من العوائل الكوردية العراقية تسكن مهاباد، سواء كانت ممن لجأوا الى ايران بسبب الإضطهاد القومي في العراق في عقود سابقة، او ممن استقروا هناك بسبب اعمال تجارية و غيرها. وان الكورد العراقيين الذين لجأوا الى ايران اثر انتكاسة ثورة ايلول عام 1975 لم يسمح لهم بالسكن في المدن الكوردية الإيرانية و خاصة مهاباد، الاّ بقرارات فوق العادة او بعد سكن سنوات طويلة، لم يسجّل ضدّهم خلالها آنذاك اي اخلال بالقوانين الإيرانية التي تحدد بدورها حريّة الكورد القومية والإجتماعية و الفكرية . ً

كان اليوم التالي مشمساً و بينما كان الثلاثة ملاحسن، مام خضر و دكتور صاحب يتمشون في سوق المدينة الملئ بانواع الخضر و الفواكه، حيث كان صاحب يشاهد لأول مرة انواعاً من الخضروات و الفواكه لم يشاهدها قبلاً كالكاعوب (6) و الفراولة الطازجة و الكرز و كان ملا حسن يشرح له ماهية الكاعوب ـ الكنكر ـ، و ان اطيب طبخة له تسمى " كنكر ماسي " و هو الكاعوب المقلي بالبيض . . وسط صياح الباعة و هم ينادون بنشاط لبيع خضرواتهم .
التقوا بمجموعة من انصارهم، بينهم مام قادر (7) الذي اخبر صاحب، بأن ابو سرباز ينتظره في المقر و انه منذ اليوم عليه ان يترك الفندق و يأتي " معه الى مقر بيشمركتنا الانصار في مهاباد " . . . فافترق صاحب عن صاحبيه و ذهب مع مام قادر الى " فندق بارس " حيث جمع اغراضه و ذهبا الى المقر.
كان مقر منظمة البيشمركةالأنصار، عبارة عن بيت كبير حديث البناء مقابل بستان كبير للتفاح يدعى بستان القاضي نسبة الى عائلة القاضي محمد التي كانت تملكه، حيث التقى هناك ابو سرباز الذي رحّب به كثيراً، و دلّه على قاعة اقامة البيشمركة لوضع اغراضه و اخبره انه سيذهب معه الى طبيب الحزب الديمقراطي ـ حزب الأغلبية الكوردية آنذاك في المدينة ـ بعد الإتفاق على موعد معه، لترتيب امور ادويتنا و ماذا و كم يستطيعون تزويدنا منها، و كيفية مراجعة مرضانا من توزله اليه، واشار الى انه قد سلّم نسخة بقائمة الأدوية التي كتبها صاحب في وقت سابق، اليه. و قد فهم صاحب ان المقر ممنوحاً لهم من الحزب الديمقراطي الايراني الصديق .
انشغل صاحب بترتيب ادوية المقر المتناثرة الموجودة هناك و عزل التالف منها، و انشغل بالمعاينة الطبية لعدد من البيشمركةالأنصار الموجودين هناك، و قاده ابو سرباز الى الشخصية المعروفة في منطقة بشدر محمود فقي (8) لأخذ قياسه و خياطة بدلة بيشمركة جديدة له، فقام محمود فقي الذي هو خياط بالمهنة بأخذ قياسه، و قال له ان البدلة ستكون جاهزة في اليوم التالي . . و قد احتوى ذلك المقر على غرفة القيادة، قاعة البيشمركة، غرفة الخياطة، غرفة الإتصالات، مخزن و غرفة لمواد احتياطية لسيارات و اجهزة و غيرها .
التقى صاحب هناك بالبيشمركة الشجاع نوزاد السائق من السليمانية، الذي التقى به مراراً في السابق و تصادقا منذ سنوات طويلة. كان ضابط صف سابق عُرف بمهاراته المتعددة، خاصة مهاراته في التخلًص و الزوغان من المطاردات و اجادته لعدة لغات محلية. وكان يمارس هوايته في التأنق و الوقوف مع صديق او قريب لتداول النكات و الضحك . . و هذه المرة قرب مدخل حمام مهاباد للنساء المجاور لمدخل حمام الرجال عند الساحة الرئيسية " جوارجرا" ، حيث كان المقر لايبعد كثيراً عنها سوى بمسافة مشي لعشر دقائق .
ولم ينتبه صاحب لذلك، الاّ عندما استصحبه نوزاد ذات مساء لجولة في المدينة التي كان يعرف تفاصيلها بدقّة، و دعاه الى وجبة عشاء عند مطعم مشويات مقابل الحمام، وفيما كانا يجلسان، جلس نوزاد بمواجهة الساحة و كان مشغولاً بالنظر الى الخارج، و تصوّر حينها صاحب انه كان بانتظار شخص ما و سأله عن من ينتظر، فأجابه بتكتّم و بضحكة كتومة انه لاينتظر احداً و لكنه ينظر الى جمال النساء المهاباديات اللواتي يظهرن بمظهر باهر الجمال بعد الحمام و دعاه الى الجلوس الى جانبه ليلاحظ ذلك، ففعل . . و انتبه منذ ذلك الوقت الى جمال المهاباديات الرائع بحواجبهن شبه المعقودة و بقوامهن الجميل، الذي تبرزه اكثر ملابسهن الكوردية الجميلة المزركشة الألوان .
الاّ ان صاحب انتبه ايضاً الى ان احداهن رمقت نوزاد بنظرة ذات مغزى و هي تضحك مع من رافقتها و هما خارجتين من الحمام، بل و انها اشارت له بغمزة من عينها الى اتجاه ما. فانتبه صاحب الى نوزاد فوجده و كأنه يستجيب لها بل و يومئ لها بلغة العيون ايضاً. تحرّج نوزاد من وجود صاحب و تورّد وجهه و طلب منه اذنه بالذهاب، وقال له بان بامكانه العودة الى المقر ان اراد عبر هذا الطريق فقط و لمسافة قصيرة مشيراً له بيده اليه، وقد فهم صاحب سبب حراجته و هو الذي لايُحرج، فاذن له و اخبره بان له ان يطمئن الى سرّه. ابتسم نوزاد ابتسامة عريضة.
كان صاحب لايتدخل في مثل تلك الأمور و لايثير شيئاً عنها بأعتبارها امور شخصية تماماً، ان لم تخرج عن الأصول العامة و مكانة و سلامة الجميع، بل و كان كطبيب يؤمن بأن الحب يخلق الشجاعة و المبادرة و يكسب الإنسان طاقات كبيرة في الإقدام، وان اساطير الحب و الشجاعة لم تكن بالصدفة متلازمتين، فكل بطولة و اقدام لابد و ان تخفي وراءها قصة حب . .
. . . .
. . . .
و في ضحى يوم جميل زارهم في المقر، السياسي و الأديب الكوردي المعروف كريم حسامي الذي قدم من اوروبا اثر انتصار الثورة الإيرانية ضمن عدد كبير من الكوادر السياسية و الثقافية و الأدبية الكوردية و عموم الإيرانية التي قدمت قبيل و اثر سقوط الشاه . و بعد احاديث متنوعة معه و عندما اراد الذهاب، اخبر ابو سرباز صاحب بأنهم سيذهبون معاً مع الأديب كريم حسامي و بسيارته الى طبيب الديمقراطي دكتور " خسرو " .
عند وصولهم الى عيادة دكتور خسرو، وفي غرفة المعاينة قدم ابو سرباز دكتور صاحب اليه، الذي رحّب به ترحيباً حاراً و تحدث معه بالأنكليزية، بأن ما يحتاجه من الأدوية سيجهّز مما هو ممكن منها و ستكون جاهزة بعد يومين و اخبره بانه سيخبر ابو سرباز بعنوان طبيب ثاني مستعد لمساعدتهم ايضاً هو دكتور " شاد " ، بعد ترتيب موعد معه .
بعد ان غادروا عيادة دكتور خسرو، اخبر ابو سرباز صاحب، بأنه لابد و ان يبقى ثلاثة ايام اخرى على الأقل لأستكمال استلام الأدوية من د. شاد ثم تصنيفها كلها معاً، و ارسال قسم منها الى قاعدة هيرتا في السليمانية، و قسم آخر يبقى لترتيب صيدلية لمقر مهاباد . . وهي امور ضرورية تماماً كضرورة الأدوية في توزله، علماً ان دكتور فارس الذي سيذهب الى هيرتا، هو مساعد طبيب و لكن لديه خبرة طويلة في طبابة البيشمركة، كما قال ابو سرباز .
و عند عودتهما الى المقر، شاهدا شاحنة عسكرية كبيرة عائدة للبيشمركة تقف عند المدخل، يفرّغ حمولتها عدد من البيشمركة الإيرانيين و العراقيين، حيث افرغوا عديد من المعدات العسكرية الخفيفة و اجهزة اتصال قديمة ثقيلة، قيل انها وجدت متروكة في معسكرات الشاه حينها و اخرى قيل انه تم شراؤها باسعار زهيدة من بائعين في السوق كانوا يبيعوها على الرصيف، ولايُعرف بعد ان كانت صالحة للإستعمال ام لا . . و فجأة سقطت حمولة ثقيلة على كتف احد البيشمركة عثمان . . عندما كان منحنياً يشدّ حمولة ثانية. فسقط ارضاً و كان لايستطيع تحريك ساعده.
فحصه صاحب بسرعة و قرر انه ليس كسراً و لكن الآلام الشديدة التي يعانيها تجعل الشكوك تظهر بكونه كسر في احد عظام الكتف، و ان من الضروري اجراء فحص شعاعي للكتف. قال نوزاد السائق انه من الممكن اجراء ذلك في المستشفى الحكومي، كما تمّ حين نقل عديد من جرحى معارك جرت في اطراف مهاباد وفي مدينة " نقده " و اجروا لهم الفحص الشعاعي و ادخل قسم منهم المستشفى .
تحرّك نوزاد السائق بسرعة لافتة و اتى بسيارة الجيب المكشوفة التي كان مسؤولاً عنها، و كان قد ركنها في زاوية تقع خلف المنزل، و يتم الوصول اليها عبر ممر سيارات ترابي يمتد على جانب المقر، وكانت سيارة قديمة من مخلفات الجيش الشاهنشاهي، و مضى سريعاً نحو المصاب عثمان ساندا ايّاه بوضع ساعده السليم على كتفه هو ، و اجلسه في السيارة وحمل آخرون غطاء و غطوّه به لتدفئته، و قال نوزاد و هو جالس خلف المقود و بلهجة حاسمة، بأن طلب من د. صاحب ان يرافقه هو فقط ليسند المصاب، وسط صمت الجميع، و انطلق الثلاثة بالسيارة التي قادها نوزاد .
مرّت السيارة عبر طريق مبلط على امتداد هضبة مطلة على نهر مهاباد الذي كان ينساب بهدوء، بعد ان اجبر مسلحون السيارات الواقفة بالإنتظار طويلاً على عدم المرور في الشارع الرئيسي للمدينة، بسبب مظاهرات كانت تطرح مطالب ملموسة يطالب المتظاهرون الأخذ بها عند تحشّدهم امام قاعة سينما تجري فيها اعمال اول مؤتمر للحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني بعد انتصار الثورة.
حيث رددت الجموع هتافات باصوات عالية كانت تنطلق معاً و تطالب بالمطالب الضرورية التي يجب ان تُطرح على الحكومة الإيرانية للتفاوض . .
فيما انطلقت فجأة مظاهرات حاشدة اخرى واجهت الأولى و هي تعلن رفضها للتفاوض مع الحكومة و تدعو الى الإستمرار بالثورة المسلحة حتى تحقيق الدولة الكوردية . . وسط الصوت الطاغي لنشيد " اي رقيب " على ايقاع الطبول .
سارت السيارة بسرعة كبيرة في شوارع شبه خالية في طرف المدينة، حتى صارت تواجه النهر من زاوية اخرى و استدارت الى بناية المستشفى المركزي في المدينة، فاوقفوا السيارة و نزلوا يستند المصاب عثمان على صاحب فيما كان نوزاد يبيّن للإستعلامات حالة المصاب، و ابدى رجل الإستعلامات تفهماً كبيراً و تلطّف معهم مساعداً ايّاهم للذهاب الى غرفة الطوارئ التي كانت مجهزة بلوازم عيادة جراحية تستقبل مثل تلك الحالات، اضافة الى احتوائها على جهاز اشعة . .
بعد ان مددوا المريض، طلب منهم رجل الإستعلامات انتظار الطبيب في الممر و ذهب. و بعد ان اطمأن صاحب الى رقود المصاب في وضعية تقلل آلامه، ذهب الى الممر حيث مسطبة الجلوس، التي وجدها خالية و استغرب من اختفاء نوزاد، الذي قدّر انه يمكن ذهب الى الحمام لقضاء حاجة ما، لكونه كثير التأنق رغم كل الظروف .
و بعد دقائق عاد نوزاد مهلل الوجه، حاملاً بيده صندوق كرتون كان يبدو ثقيلاً نسبياً قياسا بحجمه الصغير، و قال لصاحب بأنه يعرف ممرضة في المستشفى و انه اخبرها بحاجتهم الماسة الى ادوية و ادوات للطوارئ و يبدو انها اعدتها له، فسلّمه الصندوق الذي فتحه صاحب بسرعة للهفته، و بدقة كيلا يخرب كرتونه و اربطته و نظر الى محتوياته نظرة سريعة ثم اغلقه بسرعة كما كان، بعد ان وجد فيه ادوية و ادوات جراحية كان يفتقد اليها فعلاً. الأمر الذي افرحه كثيراً، و افرح نوزاد الذي اخبره بأن لايذكر شيئاً عن مصدرها و ان يكتفي بالقول ان سُئل، بانها تبرعات حصل عليها عن طريق نوزاد السائق .
بعد ان جاء الطبيب، ثم الممرضة المساعدة التي كانت تقود عدداً من الجرحى المصابين في اذرعتهم و رؤوسهم و وجوههم، و آخرين يمشون بمساعدة مرافقيهم، كانوا قد اصيبوا في المعارك المتصاعدة في نقده آنذاك . . دخل الجميع الى غرفة الفحص و اغلقوا الباب ورائهم . بعد قليل اطلّ وجه الممرضة من الباب و هي تسند البيشمركة المصاب عثمان و قالت بأن لاكسر لديه و لكن الطبيب يرى ضرورة بقائه لأربع ساعات على الأقل تحت النظارة للتأكد من صحته يعطى خلالها مغذي بالوريد، ومشيت معه تسنده و قفز اليها نوزاد لمساعدتها، حتى اوصلوه الى غرفة اخرى تحوي سريرين ليتمدد على سرير فيها .
و خرجت و هي تبتسم ، فيما بقي صاحب يقلّب افكاره و يحاول ان يتذكّر اين رآها قبلاً، الى ان استقر على انها نفس الشابة ذات الخدود الحمراء التي ابتسمت لنوزاد و هي تخرج من حمام النساء في ذلك المساء في جوار جرا . . و خطر في باله ان ذلك يمكن هو الذي كان سبب حماسة نوزاد لنقل عثمان الى المستشفى، و من الممكن انها هي التي جمعت الأدوية التي سلّمها ايّاه كتبرعات. و فكّر و لماذا لا ؟ . . مازال الأمر يحقق منافع للبيشمركة . .
و بعد ان توادعا مع عثمان على ان يعودا اليه بعد اربع ساعات . . قال نوزاد لصاحب، بأنه يستطيع الذهاب الى السيارة، فيما سيذهب هو اي نوزاد ليحاول الحصول على ادوية ممكنة اخرى. و بعد دقائق عاد نوزاد الى صاحب قائلاً بأن عليهما ان ينتظرا الممرضة نازنين، لأيصالها الى منزلها حيث انها ستزودهم ببعض الأدوية من هناك .
جاءت نازنين و جلست على المقعد الخلفي للسيارة و هي تربط رأسها باحكام بغطاء شعر، و سارت السيارة في طرقات المدينة بعيداً عن محلات الزحام، فيما كانت الشمس تميل الى الغروب، و اخذت تصعب الرؤية بالتدريج لبدء الظلام بالهبوط في ذلك المساء الصيفي، فيما كان الراديو يبث اغنية " ليمو . . هه ي ليمو . . ليمو شيرازي . . " للمطرب الكوردي الشهير حسن زيرك (9).
وصلت السيارة الى حي شعبي و اجتازت زقاقاً فرعياً ضيقاً حتى توقفت عند البيت الذي اشارت اليه نازنين و الذي كانت نوافذه شبه المظلمة تطل على الشارع، فنزلت و استأذن نوزاد من صاحب للذهاب معها الى البيت و طلب منه برجاء ان ينتظر قليلاً في السيارة ريثما يأتي . .
تفحّص صاحب الزقاق الذي كان اطفال الحي لايزالون يلعبون فيه كرة القدم، وكان منظره بناسه و اضويته الخافتة و محلات الباعة و المطعم الصغير الذي انهمك صنّاعه بتنظيف قدور الطبخ الكبيرة على جانب من الزقاق القيري، بواسطة خرطوم ماء، فيما كان المذياع يبث الحاناً فارسية كلاسيكية كان الصنّاع يرددون معها اغنية " اقبل النوروز . . نوروز آمت ".
وفجأة سمع ضحكة مكتومة تأتي من الشباك القليل الإضاءة . . ثم ضحكة نسائية مجلجلة شبه مكتومة انخفض وقعها فجأة ليتحوّل الى اصوات كأنها اصوات عراك تخللته آهات . . و انتبه الى الشارع و وجد ان الأمور كانت تسير فيه بكل طبيعية تماماً .
و بعد فترة وجيزة خرج نوزاد بخفة و مرح . . و استدار صاحب لاشعورياً نحو الشباك القليل الإضاءة فشاهد نازنين بقامتها الهيفاء و هي برداء احمر يكشف شيئا ما عن ثدييها و ذراعيها، تضحك ضحكاً خافتاً و تحييه بذراعيها . . فابتسم لها .
اعطاه كيساً قماشياً صغيراً، وجد صاحب انه يحتوي على ادوية و امبولات هامة جداً تستخدم لقطع النزيف كان يحاول جاهداً الحصول عليها بلا جدوى. و لمّا انتبه نوزاد الى فرح صاحب بالأدوية . . انطلق يسرد قصة بطولته النسائية تلك، و كيف تعرّف عليها عند باب الحمام بعد ان تلاقت عينيهما مراراً، حتى حمل اليها يوماً قنينة عطر نسائي فاخر كهدية، و كيف استجابت للحديث معه و عرف منها بكونها مطلّقة، و انها ليست ممتهنة، و كيف انه كان يحذر و ينتظر كثيراً فرصة للقاء بها، وفق الصدف و الظروف . . و في ذلك اليوم كانت الفرصة مناسبة . .
و في طريق العودة الى المقر، مرّا بالسيارة على المستشفى و حملا البيشمركة عثمان الذي كان بصحة جيدة، و قد ربط ساعده و علّق برقبته. وقد تأخرّت السيارة عند منطقة السينما بسبب كثافة المظاهرات، حيث كان المؤتمر يواصل اعماله رغم هبوط الظلام . . و شاهدوا كيف تطورت النقاشات في غفلة الى . . . مشاحنات و اشتباكات بالأيدي، و بضرب العصي وصلت الى البدء باستخدام الأسلحة النارية، الأمر الذي ادىّ بالبيشمركة الواقفين لأعمال الحماية هناك، الى اطلاق نيران اسلحتهم بكثافة في الهواء و تقدّمت مجاميع منهم و ساقت قسماً من المتظاهرين مخفورين معها . .

كانت السلطة الفعلية في المدينة بيد البيشمركة الكورد، الذين ينتمون الى احزاب و تجمعات متعددة، كان اكبرها و اكثرها نفوذاً الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي تاسس و قاده القاضي محمد مطلع اربعينات القرن الماضي حين كان ساعده الأيمن القوي الملا مصطفى البارزاني رئيساً للجيش، و يرى كثيرون ان الكورد الأيرانيين كانوا بحاجة الى الخبرة و المعرفة في التعامل مع الواقع القائم و مع السلطة المركزية الجديدة في طهران آنذاك . .
فكانوا يستمعون باهتمام لآراء و مواقف السياسيين و البيشمركة الكورد العراقيين، الذين كانت تجربتهم مع السياسة و الحكم اغزر و اطول و اكثر حداثة ايضاً ، فساهمت المنظمات الكوردية العراقية باحزابها المتنوعة و بحرصها على نجاح اخوتهم الكورد الإيرانيين في مساعيهم، ساهمت مساهمة فاعلة تجلّت في نشاط افرادها معهم عشية انتصار الثورة الإيرانية، و استمروا معهم حتى صار لبعضهم مواقع هامة بينهم جسّدت تقاليد نضال الحركة القومية الكوردية التحررية، منذ بروزها زمان انتهاء الحرب العالمية الأولى . .
و كان يجسّد الفرق في عمق التجارب تلك، الفرق الملموس الذي يلاحظه المرء على الوجوه و الهيئات الخارجية لمظهر بيشمركة العراق و بيشمركة ايران، حيث يجلل الأولى الألم و طول المعاناة ، و الثانية الفرح اللامحدود الذي جسّده سقوط الشاه، و تصورهم ان الطريق صارت سهلة معبّدة لتحقيق الأهداف القومية العادلة .
و يرى مراقبون و خبراء ان فراغ السلطة في كوردستان اثر سقوط الشاه الإيراني في طهران ، هو الذي جعل السلطة بيد كل من استطاع تحقيق السبق للظفر بها، و استطاع حماية الناس و حماية الحياة اليومية لهم . حيث لم يتم اسقاط سلطة الدولة بشكل مباشر في كوردستان، الأمر الذي ترك تأثيرات كبيرة لاحقة . .
ففيما كان الجيش لا يزال بنفس قوامه الشاهنشاهي السابق حيث لم يجرِ تغيير حقيقي عليه، و كان يعلن عن وجوده و سلطته بالدبابات الراسية على قمم الجبال المحيطة بالمدينة . . و كان رجال السافاك المخيف (10) مطلقي السراح بغالبيتهم السريّة، عدا من هرب منهم او عوقب بعد انكشافه. اي ان رجال الدوائر العاملة على معاداة و تخريب القضية الكوردية، كانوا لايزالون على نشاطهم السري السابق في المنطقة الكوردية، اضافة لرجال الدوائر المعادية سواء كانت دولية او اقليمية.
عبّر عن ذلك الواقع المعقّد، و ما كان يحدث من اشتباكات مسلّحة بين مجاميع من البيشمركة من الكورد الإيرانيين ذاتهم، و الإشتباكات التي كانت تثار بين حين و آخر بينهم و بين وحدات من الجيش الإيراني الرسمي الذي كان اغلب عناصره الفاعلة معادين للكورد، من جهة . .
ومن جهة اخرى ما كان يدور من افعال تترك آثاراً اجتماعية ضارة، كقيام مجموعة ما بتخريب قبر قاضي محمد القائد الكوردي المهابادي ذي التأثير المعنوي و الروحي الكبير بين عموم الأوساط الكوردية، و كاعمال حرق لمكتبات و محلات تجارية و نشر الشائعات المخيفة التي تثير القلق العام في المدينة . .
كالشائعات عن تقدم الجيش الحكومي التي كانت تثير الرعب بين الناس، لتجاربهم المريرة مع قوات الجيش الحكومية، و تجعلهم يتهافتون على شراء و تجميع الأرزاق و الطعام، و تؤدي الى ان لايخرجوا من بيوتهم بعد هبوط الظلام . . و ادى ذلك الى قيام البيشمركة باقامة السيطرات و تشكيل المفارز الجوالة باسلحتها بشكل اكثف مما مضى .
في ظروف تتحرك فيها مخططات عالية المستوى اقليمية و دولية على دول المنطقة، وتسعى لتفتيت قوة الشعب الكوردي و اعاقة وحدة قواه و احزابه القومية او تقاربها، محاولة ايصالها الى الإختلاف الذي لاحلول له و الى الإقتتال فيما بينها، بأساليب مدروسة مبنية على دراسات تأريخية و سايكولوجية لمناطقها و شخصياتها و منابع فكرها القومي، الفكري، الديني و العشائري . .
اضافة الى اتباعها ستراتيجيات و طرق وفق الدول التي تشتمل على اقاليم كوردستانية . . فكانت تشدد في اقليم و ترخي في آخر . . ففي اقليم تشيع ان الكورد و القومية الكبرى اخوان من اصل عرقي واحد، و في الآخر تدّعي بان الكورد هم ابناء القومية الكبرى و عندما ذهبوا الى الجبال، تعلموا اللغة الكوردية !! ، وفي اقليم ثالث توجه عقوبات قاسية غير معقولة لمن يلبس الزي القومي الكوردي و اقسى لمن يتحدث بالكوردية علناً وغيرها . . حتى فهمت اغلب الأحزاب القومية الكوردية التحررية الدرس، فقابلت ذلك بسلاح المناورة . .
ففيما تستفيد احزاب و قوى كوردية مما تعرضه لها السلطات المهيمنة في اقليم ما من حقوق، لأسباب تتعلق بماهية تأثير نضالات الشعب الكوردي على الواقع العام هناك والواقع الذي تمر به دولة ذلك الإقليم . . لتدعم نضالات الشعب الكوردي و قواه في اقاليم اخرى بطرق متنوعة، تعمل احزاب و قوى كوردية على محاربة قوى كوردية اخرى للهيمنة او بسبب الدسائس تُثار . .
الاّ ان المحصلة العامة تتلخص في ان نجاح قوى كوردية في اقليم ما هو نجاح لكل القوى الكوردية في الأقاليم الأخرى، و يزيد من امكانات و فرص التعاون فيما بينها ما امكن في مواجهة الغطرسة القومية للقومية الكبرى ان انفلتت . . معتمدة في ذلك على السريّة و المناورة، حماية لكيانها القومي . . في منطقة يتغيّر فيها توازن القوى و المصالح بشكل لاينقطع . . و تتداخل و تؤثر فيها مصالح كبرى بفوضاها و صراعاتها .

في مساء ذات يوم بعد ان عاد من الزيارة للتعرّف على د. شاد بصحبة مام قادر، و التي كانت ذا وقع مبهج عليه لترحيب دكتور شاد الحار به، و بذله جهداً فورياً لتدبير ما ذكره له صاحب عن نوعية الأدوية التي يحتاج اليها ، فزوده بقسم منها من عيادته و وعده بارسال كمية مناسبة اخرى مما يحتاجه في اليوم التالي و انه سيرسلها بيد اخيه الى المقر، كما زوّده بجهاز لقياس ضغط الدم و كتاب هام في الجراحة العملية، و اعطاه نماذج روشتات للكتابة الطبية عليها و لتزويدها لمن يريد ارساله من المرضى اليه، ليشدد من اهتمامه به . . واختتم الزيارة بالشدّ على يديه، قائلاً بانهم بالتأكيد سيلتقون في الجبال في الفترة القادمة، فكل الدلائل تشير الى ذلك، كما قال .
و عند عودته الى المقر بذلك المزاج الفرح . . التقى هناك بالمناضلة المعروفة ام سليم زوجة القيادي الشيوعي ابو سليم، حيث سلّمت عليه بحرارة و قالت بانها كانت قادمة اليه، لمرافقته الى حيث تقيم الصحفية فاضلة لقلقهم على حالتها الصحية، وانها اخذت موافقة ابو سرباز بذلك . . فجهّز حقيبته بسرعة و خرج معها برفقة ابنها الشاب ناريمان الذي كان معها .
و بعد ان ساروا حوالي الربع ساعة وصلوا الى بيت مرتفع مكوّن من اربعة طوابق، و فتح رجل كهل اشيب الشعر الباب و رحّب بالقادمين و بالدكتور مقدما نفسه اليه بأنه " غالي " ، و اقتاد صاحب الى الغرفة التي رقدت على فراش فيها فاضلة و بجانبها كان يجلس زوجها حسن . .
كانت فاضلة راقدة في السرير ترتجف رغم الدثار الذي غطّوها به، و استطاعت النهوض بمساعدة زوجها بصعوبة كي تتهيأ للفحص . بعد ان سألها عن حالتها و شكواها فحصها صاحب بدقة، و قرر بأنها مصابة بالتهاب شديد في اللوزتين، الأمر الذي تسبب بارتفاع درجة حرارتها كثيراً، و بعد ان زرقها ابرة نوفالجين في الوريد، سأل عن امكانية الحصول على ابر بنسلين و عمن يستطيع زرق الأبر لها، فأجاب زوجها بأنه يستطيع زرق الأبر، و اضاف غالي بان صاحب يمكنه كتابة اية وصفة طبية يحتاجها، حيث بأمكانه تدبيرها حالاً، لأنه يمتلك دفتر للتأمين الصحي و يستطيع بواسطته الحصول على الأبر، بشكل اصولي .
بعد ان كتب صاحب الوصفة الطبية، دعاه غالي الى الإستراحة في غرفة الضيوف، حيث جلس مع ام سليم و عائلتين اخريتين كانتا هناك . و تبيّن لصاحب ان ذلك البيت الكبير يعود الى غالي، الذي يسكنه مع زوجته و اطفاله حيث انه من المقيمين رسمياً في ايران، و انهم مسيحيين اضطروا للهجرة من العراق، لأنهم اضطهدوا بسبب ديانتهم من قبل الدكتاتورية الشوفينية العرقية الحاكمة .
و عرف بكون غالي كان من بيشمركة ثورة ايلول منذ اواخر الستينات . . و بعد الإنهيار المؤسف للثورة، اضطر لمغادرة بلدته عنكاوا و اهله مع زوجته و اطفاله بعد ان تشبّثوا بالوطن بكل السبل، و خرج مع عائلته واطفاله الى الجبال، وفق خرائط اعدها هو، بعد ان تعلّم اهمية الخرائط من مهنته كسائق شاحنة ثم كبيشمركة . الى ان استقرّوا في احدى قرى اشنوية مع الآلاف من العوائل الهاربة من جحيم الحرب .
و كانت مشكلته جزءاً من مشكلة اكبر، هي مشكلة معاناة مسيحيي العراق في زمان الدكتاتورية و هروبهم المتواصل من البلاد الى مناطق الحدود، التي انتظروا فيها لمدد متفاوتة منتظرين اية فرصة تسنح للإتصال بمنظمات الصليب الأحمر الدولي او اية منظمة تهتم بشؤون اللاجئين من العسف و التمييز القومي و الديني، كعائلة غالي التي عاشت سنوات في مناطق الحدود الى ان اتيحت لها فرصة الإنتقال الى مدينة ايرانية قريبة، بعد ان عمل غالي كسائق شاحنة لفترة طويلة مقابل اجر زهيد، حتى اوصلته شاحنته التي عمل عليها الى طهران العاصمة و تمكن من الإتصال باقارب له هناك ساعدوه على ترتيب اقامته في البلاد . .
في اثبات جديد على ماهية عالم الحدود . . الملئ بالأحداث و القصص و الروايات و الأسرار، فكم حمت الحدود و احتضنت و كم طفل ولد عند الحدود، و كم انسان توفي عندها . . الحدود التي بقدر ماتضجّ بالحياة و بمختلف البشر و مختلف اللغات و الأديان . . تحوي الكثير من المقابر المتناثرة لعشرات من الروّاد و القادة، و لمئات من حملة اديان و قوميات انكليزية، تركية، روسية . . ، كانت تعرّف نفسها من حجم المقابر و شاهدات قبورها، اهلّة و آيات قرآنية اسلامية، صلبان مسيحية . . طليقة او صلبان بزوائد كصلبان الكنيسة الارثدوكسية، و مقابر لعشرات الآلاف من البشر ممن ماتوا وهم في طريقهم الى مواصلة الحياة بعيداً عن الظلم . و كم شكّلت مناطق الحدود ملاذا دائماً لكل الهاربين و لكل الأسباب و شكّلت بذلك عالما عجيباً بما احتوى و ما يوعد . .
. . . .
. . . .
و ذهب صاحب لمعاودة فاضلة و وجدها افضل حالاً بفعل ابرة النوفالجين التي خفّضت حرارتها و اعادتها الى وضع اعتيادي شعرت معه بالجوع و بدأت بتناول الطعام بعد ان عافته ايّاماً . . و بين فرح الجميع بذلك دق جرس الباب و كان الزائر " ابو شاخو" الذي كان سياسياً و مسؤولاً عن المكائن و الأجهزة في المقر،وكان في زيارة لأقرباء له في ضيافة غالي، الذي كان بيته مفتوحاً لعوائل بيشمركة المقر و للمناضلات السياسيات الهاربات من ظلم الدكتاتورية .
ثم اخبرته ام سليم بأن لأحدى العوائل الصديقة، ابن يعمل كطبيب في رضائية و انه وعدها بأنه سيعمل ما باستطاعته لتوفير الأدوية المطلوبة للبيشمركة، الاّ انه بحاجة الى قائمة باسماء الأدوية. و بعد ان عرف ان اختصاص ذلك الطبيب في مجال الصحة العامة . . كتب صاحب قائمة جديدة باسماء الأدوية التي من الممكن ان تتوفر لديه في عمله و سلّمها لأم سليم، التي وعدت بأنها ستأتي بها اليه في توزله او ترسلها مع احد ابنائها اليه . .
اثر تزايد الصدامات المسلحة بين مختلف الأطراف في المواقع القريبة من مهاباد، و تزايد حدتها بشكل متواصل ليلاً، اتخذ قرار بتخفيف المقر و اخبر ابو سرباز صاحب بان عليه ان يتهيأ للسفر في اليوم التالي، و انهم سيرسلون الأدوية التي تجمّعت في المقر، اليه بعدئذ . .
تزايدت الأنباء عن حدوث اشتباكات مسلحة بين الجيش الذي يتقدّم لأعادة السيطرة على المدينة و بين البيشمركة العائدة لعدة منظمات لاتنسّق فيما بينها . . بل و دارت الإشتباكات الدامية الأخيرة على جسر نهر مهاباد . . في الوقت الذي تزايدت فيه المعارك في نقدة و وصلت الى حد انها كانت كثيرة الدموية و تساقط الكثير من الضحايا جرّائها، فتزايدت النداءات لأيقاف القتال، لأخلاء الجرحى و جثث الضحايا على الأٌقل، على حد تعبير بيان الإذاعة المحلية في نقده . .
فيما كانت الأمور تزداد تعقيداً و عنفاً بشكل سريع . . اكمل صاحب مراسلاته مع الأطباء الإيرانيين بالأنكليزية، و اكمل استلام الأدوية في مقر مهاباد من الطبيبين، و الأدوية التي وصلته من ام سليم و احتوت على سرنجات معقمة، حبوب مسكّنة و خاصة كمية كبيرة من الأسبرين، حبوب مضادة للملاريا . . و قسّمها بعزل كمية منها الى هيرتا سلّمها الى د.فارس. و غادر مهاباد مع المغادرين الى توزله . .
. . . .
. . . .
مع بدء الخريف الذي يبدأ باكراً في العادة في الجبال، حملت نشرات الأخبار التي يسحبها الترانزستور في توزلة من المحطات العالمية المهتمة باوضاع كوردستان ايران و خاصة اذاعة مونت كارلو آنذاك . . حملت اخباراً افادت عن فشل المفاوضات الكوردية مع الحكومة المركزية في طهران و انفجار الأوضاع في كوردستان ايران . .
وكانت الأخبار قد انتشرت في القرى القريبة من توزله التي تناقلت ايضاً اخباراً عن اعادة اصطفافات سياسية متنوعة بين القوى الكوردية ايضاً و عموم الإيرانية مما يجري، اختلط فيها الفكر و المصالح و عوامل متنوعة، عبّر عنها ظهور متنفذين جدد في القصبات و القرى، و اثار ذعراً بسبب تغيّر العلاقات بين القوى الكوردستانية الإيرانية و انعكاسات ذلك على قوى البيشمركة العراقية . . الذي يعني بدء فصل جديد من اقتتال الأخوة الكوردي في عموم المنطقة .
و اثر تلك التغييرات الحادة، اشتعل القصف الجوي الإيراني على مدن و ارياف كوردستان ايران، و شمل مدينة سردشت و عدد كبير من قراها بما فيها قرى ؛ كاني زرد، بنوخليف، مزره، قاسم رش ، المحيطة بـ توزله . . ثم بدأت الطائرات المروحية الإيرانية ترمي مطبوعات ورقية كبلاغات حكومية و انذارات للقرى تطالب اهلها باخلائها لأنها ستقصف من الجو اعتباراً من تواريخ و مُدَد جرى تحديدها و فقاً لخطط الحكومة في ملاحقة البيشمركة الكورد الإيرانيين . .
لم يغادر الأهلون قراهم بل كمنوا فيها و عززوا تسليحهم من البيشمركة الإيرانيين الخارجين حديثاً الى الجبال. حيث كانوا يعرفون ان تركهم المؤقت لقراهم . . قد يعني تركها الى الأبد، كما حصل للكورد العراقيين عند انهيار ثورة ايلول، كما كانوا يتناقلون. بل كانوا واثقين بانفسهم و بعدالة قضيتهم القومية، كما ثبت حقّهم بسقوط الشاه و انتصار الثورة عليه .
لقد مرت الأحداث سريعاً على صاحب الذي انشغل بين معالجة اعداد متزايدة من الجرحى القادمين و المحالين الى طبابته برسائل من منظمات بيشمركة ايرانية، حيث كان اغلب الأوقات لوحده فيها فيما كان د. شوان منشغلاً بالحديث مع مرافقي الجرحى و اهالي المنطقة، او غائباً عن الطبابة لا يعرف احد الى اين يذهب . و كان اغلب الجرحى من بيشمركة واهالي المنطقة بين سردشت ـ بيوران و قاسم ره ش، وكانت اصابات عدد منهم مميتة !!
و بسبب فقر الإمكانات، تطلّب منه انقاذ حياة المخطرين منهم ثم تسليمهم عند استقرار حالتهم الصحية بضماداتهم لرفاقهم من الديمقراطي الكوردستاني الأيراني (حدكا) لتدبير نقلهم الى مستشفى، في الوقت الذي كانت فيه طلعات السمتيات وناقلات الجنود السمتية العسكرية الأيرانية تتزايد في المنطقة قاصفة موقع توزله والقرى المحيطة بصواريخها المتنوعة . .
مرّ عليه ابو جوزيف عارضاً استعداد القوة لتلبية ايّة حاجة يبديها، مؤكدا ان مصير القوة يمر في اعقد حالاته، مؤكداً من جديد على اهمية الإهتمام بعلاج وتضميد جراح حيوانات النقل، لأنها الكنز الذي لايعوّض في تلك الظروف، والاّ انقطعت ارزاق و تموين القوة !!
وسط ذلك القصف المتقطع و لكن المستمر و المستمر في ارباكه للجميع و يجعلهم يتراكضون يميناً و شمالاً . . . كانت تتعالى ضحكات عدد من البيشمركةالأنصار لمشاهدتهم بحدود عشرة بيشمركة من حدكا كانوا راقدين على بطونهم تحت شجرة جوز كثيفة، كاشفين عن مؤخراتهم، لأنه الوضع الذي كان يخفف من آلام جراحهم نتيجة حروق مناطق الياتهم ـ مؤخراتهم ـ . .
و كانوا هم انفسهم يتالمون ويضحكون احدهم على الآخر بانتظار دور الكشف الطبي عليهم، بعد ان اصيبوا بشظايا كثيرة لمقذوفات حارقة حينما كانوا متخذين وضع الأنبطاح الضروري في حالات القصف الجوي المباشر كالذي كان يجري ذلك الوقت بكثافة . . . فاصيبوا في مؤخراتهم !
و فيما كان صاحب مشغولاً بعلاج الجرحى، اقترب منه " د. قاسملو" (11) مبتسماً شاكراً ايّاه على جهوده التي لابد و انهم سيردّون له و لرفاقه اضعافها، و عبّر عن شكره العميق لجهود انصارنا بقيادة ابو جوزيف في انقاذه ورفاقه من موت محقق وكان ابو جوزيف واقفاً جنبه، و اشّر بذات الإبتسامة على تزايد قيمة وجودهم في المنطقة . .
وكان د. قاسملو والمناضل الكوردي الأيراني المعروف غني بلوريان ورفاقهم قد خرجوا الى الجبال مع ادلاء و عدد محدود من البيشمركة و ساروا في ممرات بعيدة عن القرى كي لايثيروا انتباه ما يمكنه ان يهدد امنهم و سلامة خططهم . . و اتصلوا بقوى البيشمركة الصديقة العراقية و الإيرانية المتواجدة في المناطق الجبلية لأرياف سردشت بعد استطلاعات قام بها بيشمركتهم لتكوين التصور الأخير لمكان يصلح ليكون مقراً لقيادتهم .
و قد فوجئوا بقصف جويّ عنيف استهدفهم و استمر يلاحقهم . . فانقذتهم مفرزة من بيشمركةانصار الحزب الشيوعي العراقي التي رافقتهم الى منطقة آمنة يمكن الإستمكان و التحصن بها ريثما ينتهي القصف الذي كان يهدد بالقيام بإنزال لقوة من المظليين . . بعد ان تمكّنوا من النجاة واصلوا طريقهم الى مقر قوة ابو جوزيف و بقوا في ضيافتها و حمايتها بحدود اسبوع غادروا بعده، مؤكدين على وعودهم بارسال عتاد ومواد جراحية، باسرع ما بامكانهم .
وقد استفاد صاحب من فترة وجود د. قاسملو بينهم و تبسطه بالحديث و النقاش مع الجميع خلال فترات استراحته من مهامه اليومية و خاصة في اوقات تناول الطعام حين كان يحاول من جانبه التعرف على تصورات البيشمركةالأنصار من العرب و المسيحيين و اليزيديين و الصابئة و غيرهم من غير الكورد . . التعرف على تصوراتهم عن الكورد و قضيتهم و كيفية تكوّن الأفكار و الأحاسيس لصياغة موضوعة النضال المشترك ضد الدكتاتورية، ساعده و ابهجه في ذلك استخدامه لأكثر من لغة محلية و عالمية كان يجيدها . .
و لم ينسَ حديثة و نقاشه عن ان الإستعمار قد لعب دوراً يمكن و صفه بكونه تقدمياً في مرحلة تأريخية ماضية في بلدان كبلديهم و خاصة العراق و كمثال على ذلك كون الأثنان كانا يستطيعان التفاهم معاً باللغة الإنكليزية مثلاً، التي لولاها لما استطاعا التفاهم و كذلك الحال بين القوى و الأحزاب السياسية في بلدان المنطقة عموماً . .
وقال بان المستعمرين رغم كل اعمال الإستغلال، فانهم ادخلوا الى بلداننا الصناعة كمصانع معدات سكك الحديد و المنشآت النفطية و منشآت البريد و البرق و الهاتف و بسبب حاجاتهم فانهم عملوا على تأهيل ايدي و كفاءات علمية و فنية من اهل البلد . . التي بدورها سارت و ساعدت اكثر على شق طريق التحرر الوطني لبلداننا . . و اشار الى اهمية معرفة ذلك بدراسة الكتيب الهام " البيان الشيوعي " لماركس و انجلس .
اثر ذلك الحديث الذي اثار قضايا عن (فوائد الإستعمار) ان صحّ التعبير، في حقبة تأريخية ماضية ما، كانت في عداد المحرّمات لدى الثوريين . . استمر صاحب في محاولة معرفة الأسباب التي تجعل كوردستان العراق اكثر تطوراً سياسياً و حقوقياً في مواجهة حكومتها المركزية قياساً الى كوردستان تركيا و ايران، وتوصل وفقاً لما توفر له من مصادر شحيحة آنذاك، بانه بالإضافة الى ماحققته الإنتفاضات الكوردية في العراق و التضحيات الكبيرة التي قدمها كورد العراق على طريق الحرية، فان خضوع العراق و كوردستانه للإستعمار البريطاني اثر الحرب العالمية الأولى و قيامه بالإنتخابات العامة و المحلية، ايضاً لعب دوراً لايمكن اغفاله في تحقيق ما وصل الكورد اليه في العراق الذي من الممكن ايضاً انه كان بسبب سعي البريطانيين لحماية منشآتهم النفطية ، قياساً بما حدث و يحدث في كوردستان تركيا و ايران . .

استمر قصف الطائرات المروحية الإيرانية للقرى الإيرانية بين آونة و اخرى . . فيما كان ابناء القرى يصوبون نيران اسلحتهم الخفيفة المتنوعة عليها، حيث كانوا يستخدمون الكلاشنكوفات، بنادق
البرنو، بنادق جي3 الأوتوماتيكية و حتى المسدسات و بنادق الصيد . . وبين تصديق و عدم تصديق اصيب طيار احدى المروحيات اصابة قاتلة في رأسه عندما اقترب كثيراً الى الأرض بمروحيته في قصفه بالصواريخ لقرية كاني زرد . . و تسبب ذلك بمقتله و بفقدان المروحية لتوازنها و بالتالي سقوطها، الذي تسبب بتقليل القصف المروحي على القرى . .
و يرى متخصصون في حروب البارتزان، ان استخدام الأسلحة الخفيفة باعداد كبيرة بالإطلاق الكثيف المستمر بها ضد الطائرات المروحية، يؤدي الى تحقيق كثافة نارية كبيرة من شأنها ان تصيب قائد الطائرة مباشرة و تؤدي بالتالي الى اسقاط المروحية كما حدث، او اصابة مراوحها او اجزاء حساسة من جسمها كمخزن الوقود مثلاً مؤدية بذلك الى تخلخل و اضطراب طيرانها و بالتالي سقوطها . . و بسقوط مروحية ثانية بطريقة الإستخدام الكثيف المتواصل للأسلحة النارية في قرية ميراوة، توقف القصف المروحي على القرى و ازدادت ثقة الناس بفاعلية اسلحتهم الخفيفة . . فازداد بذلك نفوذ الثورة الكوردية و بيشمركتها في الريف الكوردستاني .
بعد منتصف ذات ليلة ايقظه حرس الموقع، فنهض من نومه مستعداً لأستقبال مريض او جريح، فوجد امامه البيشمركة المعروف خضر حسين الراوندوزي(12)، بصحبة عدد من البيشمركة الكورد الإيرانيين، حيث طلب منه تزويده بادوية و ضمادات اساسية للجروح بحجم حقيبة ظهرية لمفرزة قتالية مكونة من خمسة انصار، وكان قد اتى بتلك الحقيبة، واخبره بأنه اخذ اذن من ابو جوزيف بذلك . .
فاعد له الحقيبة و هو يفكّر بوجهة المفرزة . . و بقي الأمر سراً بعد ان اخبره ابو جوزيف بأن لايتحدث بذلك الموضوع، و ان هناك مهمات متنوعة مدروسة بدقة تهدف الى تعزيز منظمة البيشمركةالأنصار، قد لا يفيد انتشار اخبارها الاّ في الوقت المناسب . . .
. . . .
. . . .
أُعلن في تموز 1979 من اذاعة بغداد الرسمية عن صدام حسين كرئيساً للجمهورية، وكان ذلك نكسة كبيرة لأحزاب التجمع القومي العربي المعارضة، بشخصياتهم القيادية الموجودة في منطقة توزله ـ نوزنك و اعلنوا عن توقعهم بأن التعاون العراقي ـ السوري المعلن سينتهي نهاية مأساوية لمعرفتهم عن قرب بشخصية صدام و طراز تفكيره، و عن توقعهم لمزيد من التوتر و تصعيده مع ايران و احتمالات ايصاله الى اشتعال حرب بين الطرفين، التي لم يفكّر احد قبلاً انها من الممكن ان تجتاح البلاد و المنطقة . .
و فجأة صدر عفو عام عن كل المعتقلين و المطاردين السياسيين، و ذكر البيان بأن العفو هو " هبة و هدية السيد الرئيس للشعب لطوي صفحة الماضي و للبدء بصفحة جديدة " . . . و فيما استقبل الجميع العفو بلا مبالاة فالكورد منهم سأموا تلك الخدع بعد ان عاشوها عقود و عقود، الاّ انه كان فرصة للمرضى و الجرحى الذين لم يكن بالأمكان اتمام معالجتهم في الجبال و لأصحاب العوائل للعودة الى عوائلهم و اعادة ترتيب حياتهم ليشدواّ احزمتهم مجدداً للنضال ضد الدكتاتورية رغم كل المخاطر، لأنها كانت سلطة لايطمئن لها احد . .
و العرب من الأنصار لايطمئنون ابداً لمثل ذلك العفو الذي لم يكن عفواً بل فخاً للعرب لسوقهم الى ساحات الإعدام بتهمة التصدي للسلطة بالسلاح و حيازة اسلحة من مدنيين عزّل . . فالدكتاتورية خططت للقمع و التدمير وفق برامج مخصصة لمواجهة كلّ قومية او طائفة باساليب تخصها، منذ ان كان الرئيس الجديد نائباً . .
و قد فهم مجربون العفو المقرون بوصول صدام حسين الى الرئاسة، بكونه ليس اكثر من تكتيك سياسي، يستهدف تكوين حالة استرخاء، لكشف ماممكن كشفه في مناطق العمل السري، و هو محاولة فتح ابواب للقاء بالمعارضة و مناقشتها و التشبيك عليها لضربها . . اضافة الى خلق امكانية جديدة لكشف المطاردين ممن اختفوا عن نظر و يد الدكتاتورية . .
. . . .
. . . .
فاجأ الجميع في توزله بيشمركةنصير كهل عربي القومية كان هو القائم على شؤون المخبز (13) في نهار يوم آنذاك بصياحه وهو يسير وحاجاته على ظهره:
ـ رفاق انا واثق من انتصار قضيتنا . . لكني لااستطيع الأستمرار معكم، انا اب لأربع فتيات قاصرات وامهن مريضة، ليس لديهن اخ، وليس لديهن معيل سواي . . انهم يهددونهن الآن بشرفهن !! انا لا احس اني اقدم هنا شيئاً يحسم قضية اسقاط النظام مقابل ما اسببه انا ايضاً لهن من معاناة !! اتمنى لكم النصر !! وصاح بصوت اعلى وبنشيج مؤلم : " انا لست خائن ولكني لااستطيع الأستمرار لكل ذلك . . وتوجد الآن فرصة !! "
وفيما تسبب ذلك بردود افعال متنوعة من الأنصار غلب عليها طابع المفاجأة والسكون والحيرة، و انبرى عدد من المقاتلين لأسكاته بايديهم و استعد آخرون لحمله الى مكان آخر !! وصل نصير بسلاحه من طاقم حراسة مكتب القوة وتحدث بهدوء وحزم :
ـ ابو جوزيف يقول، انه موافق على ذهابه . . دعوه يذهب بمرافقتي !
استدارت الرؤوس الى موقع خيمة ابو جوزيف حيث كان واقفاً بوجه جامد متأسّف وكان يؤشّر بيده بأن اتركوه !
و قال ابو جوزيف لأعضاء اللجنة السياسية للقاعدة :
" يا اعزائي، انه انسان شريف مخلص من كل سلوكه و خدمته معنا و من المعلومات حوله وقد فاتحنا هو بما يريد عمله، وماقال عن وضعه العائلي صحيح، وكان يبكي بصمت في الفرن في ليالي عديدة، انه يمكن ان يصلح لمهمة اخرى غير البيشمه ركة ( . . ) و هو يعرف دجل السلطة الدكتاتورية ويعرف بانهم قد يقتلوه . . وان ضغطوا عليه وهددوه بمعلومات عنّا، فصدّقوني انها لن تشكّل اية خطورة لا علينا ولاعلى القوى الأخرى . . الأسماء هنا مستعارة، وكان سلوكه طبيعياً تماماً، ولاتتصوّروا ان السلطة لاتعرف مواقعنا ؟! . . لم يعمل في مكان فيه خطورة كالمخابرة او قرب البريد او السلاح . .
كان طيلة الوقت ينضح عرقاً ليصنع الخبز للجميع . . لاتدوسوا على الناس . . التحق بنا لخوفه من مطاردة السلطة وقال ذلك لنا منذ البداية، ولم يقل انه سيجترح بطولات او سيقود مجموعة مقاتلة ولم يدّعّ بما ليس لديه من قدرة عليه. علينا ان لانجعل من ناسنا اعداءً لنا. عدونا وعدوه هو النظام الدكتاتوري . . علينا الحفاظ على مواقف الناس الى صفّنا وضد الدكتاتورية المجرمة . . سنواجه حالات وحالات اصعب . . لاتنسوا اننا بشر !! "، فيما كانت عيناه تزداد لمعاناً وذهب بعد ذلك اللقاء ليختلي بنفسه وحيداً في مكان ما اعلى الموقع .
اثر العفو الذي اعلن عنه صدام حسين، اطلق سراح عدد من المحكومين الشيوعيين الذين وصلوا الى قواعد البيشمركةالأنصار منهم المناضل كمال شاكر(14)، كما وصل عدد من مناضلي العمل السري، لغايات متنوعة اثر فك الحصار العسكري عنهم، منهم المناضلة ام بهار(15)، و مناضلين معروفين آخرين قدموا من مدن متنوعة و من العاصمة بغداد .
في الصباح الباكر لأحد الأيام جاءت مجموعة جديدة من الملتحقين من الخارج، بينهم المناضلين ابو ناصر، ابو فيروز (16) و آخرين و حملوا معهم رسائل من سوريا الى البيشمركةالأنصار، و قد حمل ابو فيروز و هو يرتدي الملابس الكوردية، ادوات فحص الأنف و الأذن و الحنجرة التي بعثت بها الى صاحب شقيقته سامية الموجودة في الشام . . و قدّمها اليه و هو يبلغه تحياتها و يسلمه رسالة حملها شخصياً منها اليه و هو يحييه و يعانقه . و فيما حيّاه صاحب و عانقه بنفس الطريقة . . ابتسم ابو فيروز و قال له :
ـ دكتور ! اعتقد انك لم تعرفني ؟!
و في الحقيقة لم يتعرّف عليه صاحب فوراً بسبب ارتدائه للملابس الكورديه من جهة و اطلاقه لذقنه من جهة اخرى، الاّ انه عندما دقق النظر بوجهه جيداً . . تذكره و تذكّر صديقه العزيز د. حسان الذي كان اخا ابو فيروز الأكبر . دارت به الأرض و كأنها لم تستطع ان توازن حمله و هو يتذكر الحال في بغداد قبل ما قارب السنة، حينما طاردت الدكتاتورية و اجهزتها القمعية مئات الآلاف من الشباب و الشابات و المناضلين و العوائل . . تذكّر كيف كان يتخفى في البيوت الصديقة و عند العوائل الشجاعة التي استعدت لتحمل انواع المخاطر و هي تخفيه . .
دارت الأحداث متتالية في رأسه من اختفائه عند اخيه، الى اختفائه في بيت تركه اصحابه هرباً من البطش الذي لايرحم، الى بيت فنان احتضنه في تلك الظروف القاسية و كيف اخفاه في مخزن ملابس الفنانات العابقة بروائح انواع العطور الباريسية، و هو يشاهد من ثقب مفتاح الباب، كيف يهدد الشرطيون السريون الفنان و يتوعدوه بانواع العقوبات . . و تذكّر غرفة السطح المتروكة و البرد و الأمطار . .
و كيف استقبله الوفي د. حسان و هو يوضح له ان البيت مخطور، لأن كل من في البيت كان مناضلاً مهدداً بالإعتقال في كل لحظة و كان و هو يعلم ذلك يتفاهم مع ابو يسار . . وسط ترحيب الأم الحنون و الأب الشجاع الذي عركته التجارب و السنين . . وتألم اشد الألم و هو يسمع من ابو فيروز كيف اعتقلوا د. حسان (ابو يسار) من مشفاه حيث يطبب و كيف اطلقوا سراحه و هو مهشّم الساقين . . و كيف و كيف . .
عانقه صاحب مرّات و مرّات و هو يستمع اليه . . وكأنه يستمع في حضرة ملاك من ملائكة الشوق قادماً من الأهل و الأحبة !!
كانت احاديث الملتحقين الجدد القادمين من الخارج، الذين صعّدوا معنويات البيشمركةالأنصار بقدومهم . . احاديثٍ تناولت كيف جاءوا عبر الحدود التركية . . و فتحت تساؤلات لم يستطع احد تفسيرها بسهولة، هل كانت السلطات التركية متهاونة تجاه العابرين ؟ ام ان ذلك جرى بسبب نوعية العسكريين هناك، الذين كانوا مرتشين بشكل خيالي، اضافة الى الحالة المالية المزرية للجنود الأتراك التي تركت آثارها على نوعية ملابسهم و ارديتهم في تلك الفترة، حيث كان بالإمكان رشوتهم بعلبة سيكاير افرنجية واحدة (17) او بمبلغ مالي صغير يغطي وجبة طعام في مقهى شارع شعبي . .
ام ان مرورهم تم عبر طرق و مناطق مهجّرة خالية، لايوجد فيها حتى ماء لمسافات طويلة، لايصدّق احداً ان بأمكان انسان قطعها حيث لا توجد غاية معقولة من ذلك . . فكانت مهملة من جانب قوات الحدود التركية، و الوحدات العسكرية الفاعلة ؟
الاّ انه كان من المعروف و المنتشر بين اهالي مناطق الحدود تلك . . بانه بعد اتفاقية الجزائر بين الشاه و صدام عام 1975 الموجهة ضد ثورة ايلول لكورد العراق، صار هناك منعاً و غلقاً تاماً للحدود بين كوردستان العراق و كوردستان ايران باقامة شريط الموت الحدودي (18) وفق الإتفاقية تلك . . من ناحية اخرى عقدت اتفاقية امنية بين صدام و تركيا قضت بحرية دخول القوات العسكرية للطرفين لأراضي كلّ منهما المتجاورة ـ اي منطقة كوردستان ـ ، عند حاجة كلّ منهما الى ذلك لغرض تعقب متمردين، و التي عنت وفق متخصصين ان ذلك ممكناً عند وجود حالة تمرّد . .
في وقت كانت فيه دوائر عسكرية عليا للناتو، ليست مع تشديد الضغط على الكورد في جميع الأقاليم و الجهات خوفاً من انفجار انتفاضة كوردية لايستطيعون الوقوف امامها، و رأت دوائر تركية في الإتفاقية الأمنية تلك بكونها تجعل ايديهم طليقة اكثر في الدخول الى الأراضي العراقية و الى كركوك تحديداً . . حيث ان دوائر معنية بدأت تعي خطورة القضية الكوردية العادلة على مصالحها، و التي بدأت تتخذ ابعاداً اعلى منذ ثورة ايلول 1961 بقيادة الملا مصطفى البارزاني . .
و تحاول دول المنطقة كلاً على انفراد الإستفادة من ورقة القضية الكوردية لتحقيق مصالح و اطماع عليا لها بوجه الدولة المقابلة . . الأمر الذي تعاملت و تحرّكت او اجبرت على التحرك عليه المنظمات الكوردية في البلدان الثلاثة باعتباره امراً واقعاً لامفر منه . . فعندما شعرت الحكومة التركية ان واقع الحدود العراقية الإيرانية قد تغيّر بعد انتصار الثورة الإيرانية حيث لم تعد الحدود مغلقة بشكل اصم . . سارعت الى تخفيف الضغط من جانبها على الحدود العراقية ـ التركية في محاولة منها لفتح الملف الكوردي لصالحها . .
و قال السياسي ابو ناصر (19): القضية ليست قضية سيادة دول بقدر ماهي قضية تحقيق اموال هائلة لبيوتات تجارية عن طريق تهريب السلاح، المخدرات، تصريف منتوجات المصانع التركية باسعار زهيدة و هي منتوجات ناجحة و خاصة منتوجات مجمع سامسون التي تتنوع من الأحذية الى الشوكولا المنتشرة في مناطق الحدود التركية و حتى توزله و نوزنك . . حيث تتواجد اعداد هائلة من العسكريين المرتشين و المتعاملين مع المهربين مقابل عمولات، فيما يجري الحديث عن عودة الحياة الى طريق الحرير التأريخي الذي يمرّ بمناطق الحدود . .
من جهة اخرى فإن وكالات الأنباء العالمية كانت تشير الى ان ضعف الحكومة التركية و الجيش متأتي من انشغالهما بالأحداث الثورية المتصاعدة في العاصمة التاريخية اسطنبول و اضرابات العمال فيها المهددة بالإنتشار، اضافة الى انتعاش قوى المعارضة بفعل تاثير انتصار الثورة الإيرانية . . و يبدو ان الحكومة التركية بتأثير ازمتها المالية آنذاك، قد تركت مصاريف حماية الحدود وفق الإتفاقية الأمنية للجانب العراقي بسبب اهتمامه غير العادي بذلك .
و ما حدث بشكل غير مسبوق في منطقة سناط الواقعة على مثلث الحدود العراقي ـ التركي ـ الإيراني . . حين هاجمت اكثر من عشرين طائرة سمتية مجموعات معارضة عراقية كانت تعبر الحدود هناك في طريقها الى وطنها، و تسببت بمقتل و اسر الى ما يصل الى المئة شخص من عسكريين و مدنيين (20) شكّل دلالة كبيرة على خوف سلطة صدام من مخاطر الحدود على امن سلطتها، حيث بدأ الجانب السوري عمله على دعم معارضة سلطة صدام المعروف بتشدده تجاه الحكم السوري، و ما يعنيه لها اعلانه كرئيس للبلاد . . بالتالي تخفيفها من التشدد في منطقة الحدود. حيث قال ابو ناصر و ابو فيروز القادمين حديثاً من هناك . . ان ملتحقين جدد الى منظمة البيشمركةالأنصار سيأتون قريباً و باسلحتهم .
في وقت كانت الصحف التركية فيه، تحذّر من مخاطر قيام انقلاب عسكري، مستنداً الى عدم سماح القوات المسلحة التركية بقيام فوضى و اعمال عنف لتغيير النظام الدستوري في تركيا، على حد اعلامها العسكري .
من جهة اخرى و اثر قرار العفو العام، تحركت سلطة صدام ( بعد ان رتبت امور حزبها دموياً) (21) بطبخات و اتفاقات دولية و اقليمية لجس مواقف اطراف معارضتها الداخلية العربية و الكوردية تحت واجهة الإعلان عن فتح صفحة جديدة ، لم تسد الباب بوجهها اطراف كوردية، الاّ انها ابتعدت عنها و هي تلاحظ انها لن تأتي للشعب الكوردي بشئ، سوى انها ستأتي بفسحة لسلطة صدام التي لاح انها تتهيأ لأعمال عسكرية كبيرة .
. . . .
. . . .
مع بدء تساقط اوراق الأشجار الكثيفة التي تستر مقر توزله، و الذي سيؤدي الى ان تكون مواقع المقر عارية تماماً في ذلك الموسم، و يعرّضها بالتالي الى مخاطر التدمير بالقصف الجويّ و عمليات إنزال القوات من الجو، و بعد التأكد من اهالي المنطقة عن كيفية و مدى كثافة الثلج الذي سيغطيّ المنطقة في العادة شتاءً، كي لاتنقطع مواقع الفصائل عن مكتب القوة و عن بعضها البعض بسبب الثلوج . . و تحسباً الى ما قد يؤدي اليه موضوع العفو وتسليم عدد من بيشمركة كل القوى لأنفسهم للحكومة. . التي لا بد و انها ستحصل على معلومات تفصيلية احدث .
قرر مكتب القوة المباشرة بتهيئة المكان الجديد للشتاء، و البدء باعمال البناء الضرورية لمواقع الفصائل وفق الخطة الدفاعية عن المنطقة بالتعاون مع كل القوى الموجودة فيها . . و توزيع مواقع الفصائل بما يحقق انتشاراً للقوة وقاية من الطيران و المدفعية . . و بدأت الفصائل ترسل انصارها على دفعات يومية للقيام بأعمال تنظيف البيوت المهدمة و بناء جديدة في وادي " خري نوزنك " حيث سيكون مقر مكتب القوة في اعالي وادي عميق ضيّق، يقع بين نوزنك و مرتفعات مامنده من جهة منطقة هلشو الشرقية .
و بدأ البيشمركةالأنصار غير المكلفين بمهام قتالية بعد باعمال تهيئة الحطب، و نقل المؤن الجافة و المعلبة، شراء و نقل الصوبات و الملابس و الأحذية . . اضافة الى الأعمال الإدارية الضرورية
كجمع الجوز من اشجار حواف جدول توزلة و شراء كمية اخرى منه . . بناء و تنظيم المخبز الجديد . . تهيئة مقرات الفصائل التي ستنتقل الى مقرات جديدة و نقل امتعة بيشمركتها . .
(يتبع)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ابو سرباز، الفقيد احمد باني خيلاني عضو ل.م للحزب الشيوعي، مناضل سياسي معروف واجه سجون و مطاردات متنوعة استهدفت حياته، و كان من البيشمركة الأوائل في ثورة ايلول 1961 ،من اهالي باني خيلان في دربنديخان في السليمانية ـ كوردستان، قضت زوجته و ابنه البكر سرباز شهداء في حركة البيشمركةالأنصار . . تولىّ مسؤوليات قيادية في منظمة البيشمركةالانصار منذ تأسيسها ، و كانت آخر مهمة شغلها، هي آمر قاطع سليمانية ـ كركوك لقوات الانصار .
2. ملا حسن . . الفقيد ماموستا فتاح، مدرّس و شخصية اجتماعية و سياسية معروفة، كوردي القومية من اهالي قضاء رواندوز، و قد عانى الأمريّن بسبب مواقفه السياسية من سجون و ملاحقات له و لعائلته الكبيرة . . من اوائل الملتحقين و المؤسسين لحركة البيشمركةالانصار عام 1978 و عمل في المجال المحلي كمسؤول محلية اربيل ثم العسكري كعضو قاطع اربيل . . توفي في السنوات الاخيرة بعد ان انتخب كسكرتير للحزب الشيوعي الكوردستاني و بعد ممارسته دوره في سنوات صعبة مرّ بها الأقليم الكوردستاني
3. مام بكر تالاني : احد ابرز كوادر البيشمركةالانصار، كوردي من ناحية شوان العائدة الى كركوك، من نشطاء الاصلاح الزراعي في كوردستان . . عرف بالطيبة و الشجاعة الفائقة و برز في المعارك الصعبة حتى صار آمر سرية منطقة شوان التي سميّت على اسمه . . استشهد عام 1981 في معركة من اقسى المعارك ضد القوات الخاصة الحكومية و مرتزقتها و مقاتلاتها و هيليكوبتراتها و مدرعاتها في قرية بولقاميش حيث قاتل حتى قتل مع من ابيد من بيشمركة المفرزة . . معركة بولقاميش التي هزّت كل قوى البيشمركة لكل القوى و الاحزاب الكوردستانية، التي حاولت نجدة المفرزة الاّ انها لم تستطع بسبب كثافة القوات المشاركة .
4. فارس رحيم. . اشتهر باسم د.فارس ، معاون طبي من أهالي السليمانية ، مناضل شيوعي منذ الخمسينات ، تعرّض مرات عديدة للملاحقة والسجن من قبل اجهزة السلطة او في اقتتال الأخوة في كردستان العراق، وكان على كبر سنه ومرضه، نشيطاً ككادر سياسي ومعالج ، توفي عام 1985 نتيجة تفاقم مرض السكر عليه بسبب مشاق حياة الأنصار . قاعدة هيرتا، هي قاعدة البيشمركة الأنصار التي تشكلت في محافظة السليمانية بعيد قاعدة نوزنك ـ توزلة .
5. برهان . . " بوتان كريم احمد " كوردي القومية ابن القيادي بالحزب الشيوعي كريم احمد المعروف بـ (ابو سليم) . من اوائل الملتحقين بعد ان ادىّ ادواراً هامة في التنظيم السريّ الذي غطىّ انسحاب المنظمات اثر ضربة البعث المجرم في 78 / 1979. كان في فصيل اربيل من البيشمركة الشجعان و نزل في المفارز الاولى لفصيل اربيل و دخل مبكراً في المعارك ضد السلطة و قوات مرتزقتها، سقط شهيداً في اشتباك مع المرتزقة الجاش عام 1980 قرب ناحية باطاس التابعة الى قضاء حرير .
6. كاعوب، ثمرة ورقية برية تنمو في الربيع من جذور شبه دائمة في التربة . .
7. مام قادر، مسيحي كلداني القومية، كادر سياسي معروف من اهالي عنكاوا . . رغم معاناته من امراض عينيه، كان مع المجاميع الاولى التي خرجت من اربيل مطلع عام 1979 هروباً لتقيم في مدينة سردشت و تؤمّن و ترتّب الصلة مع الاحزاب الكوردية الإيرانية لتمهيد استقبال اعداد اكبر لتشكيل منظمة البيشمركةالانصار.
8. محمود فقي، وجه اجتماعي و سياسي من قلعة دزة، كادر معروف في محلية السليمانية، لعب دوراً هاماً في تأسيس منظمة البيشمركةالأنصار . . المسؤول السياسي لسرية بشدر .
9. اغنية حسن زيرك الغرامية الشهيرة " ليمو . . هه ي ليمو . . ليمو شيرازي ".
10. البوليس السري الشاهنشاهي .
11. قاسملو، هو الشهيد د. عبد الرحمن قاسملو الذي كان السكرتير العام للحزب الديمقراطي الكوردستاني الأيراني (حدكا)، من ام آشورية سريانية و اب كوردي من وادي قاسملو في كوردستان ايران. سياسي كوردي ايراني معروف، اكاديمي في الإقتصاد و عمل استاذا جامعياً في جامعات جيكوسلوفاكيا و فرنسا و ايران و العراق ، كان يجيد اكثر من عشر لغات عالمية و محلية، اغتيل اواخر الثمانينات في فيينا ـ النمسا اثناء لقاء لوفد من حزبه و المعارضة الإيرانية مع موفدين ايرانيين حكوميين.
12. خضر حسين، من أهالي ريف " رواندوز"، لعب دوراً بارزاً في تشكيل ونشاط منظمة البيشمركةالأنصار. في احدى المهمات الصعبة في منطقة "بالك" في شتاء عام 1981 ، دُسّ له السم (الثاليوم) مع رفيقيه الذي قضى احدهما، " " في الحال، فيما امكن انقاذ حياة د. " نوزاد " لأصابته اصابة جزئية به .
13. كان النصير الكهل يعمل في فرن الصمون الذي يجهّز جميع الفصائل بالخبز لثلاثة وجبات بعد ان تهرّب كثيرون من تلك المهمة في ظروف التصدّع والتفكك آنذاك. وقد تبرّع للقيام بذلك العمل رغم مشقته عليه لأنه كان ينهض في الثالثة صباحاً لأعداد وشجر التنوّر ـ اشعال النار فيه وانتظار ارتفاع الحرارة فيه ـ لينتهي العمل بعد الظهر. كان التنور يقع في موقع بعيد عن المقراّت ضمن خطة الوقاية من القصف، ويعمل بحدود 500 ـ 700 رغيف خبز يوميا لكل الوحدات آنذاك ولضيوفها وللعابرين الذين تقطّعت بهم السبل.
14. كمال شاكر، كوردي القومية من اهالي خانقين، لاعب كرة قدم و رياضي معروف و مناضل عمالي و شبابي . . طورد و لوحق و تعرض مرات للسجون، اخرها اعتقل و حكم عليه بالإعدام عام 1975 و اطلق سراحه بالعفو في ذلك العام، استوزر في حكومة كوردستان الأولى، سكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني في العراق الآن .
15. مناضلة طلابية و نسائية معروفة، احدى مناضلات العمل السري البارزات و بيشمركة نصيرة في النضال من اجل اسقاط الدكتاتورية، عضوة برلمان كوردستان، رئيسة اللجنة العليا للمرأة في كوردستان العراق .
16. ابو فيروز، جمال عاكف العاني، من بغداد، مناضل طلابي معروف، من عائلة قدّمت الكثير في النضال ضد الدكتاتورية . . التحق في الأنصار عام 1980 بعد تدريب و مشاركة حيّة في معارك بيروت في صفوف المقاومة الفلسطينية و اللبنانية، شارك في معارك عديدة و جرح عدة مرات، معاون آمر سرية راوندوز، استشهد و هو يقود البيشمركةالانصار في عملية بطولية لأقتحام ربيئة عاصية على جبل كورك اواخر عام 1982 .
17. علبة سيكاير مفردة و ليس كروص سيكاير، من ماركات روثمان او كينت . .
18. شريط الموت بعمق 10 كم من الجانبين . . هو الشريط الذي منعت الحياة فيه، بالتهجير و الحرق و اطلاق النار على كل حي دون انذارات، من قبل الدوريات البرية و الجوية، اضافة الى الحرق الدوري للمناطق و النقاط الستراتيجية عسكرياً، لجعلها ارضاً مفتوحة واضحة المعالم امام اجهزة المراقبة .
19. ابو ناصر، طه صفوك، مناضل طلابي و سياسي معروف، من اهالي الخالص، كادر قيادي في حشع، احد الكوادر التي عملت مع المقاومة الفلسطينية في لبنان و جاء الى الانصار عام 1979، مستشار سياسي لفوج ثم لقاطع السليمانية، عضو ل.م للحزب .
20. الهجوم في سناط تسبب بخسارة كبيرة للقوى القومية العربية المعارضة لنهج صدام، حيث تواصلت معها تصفيات بين الضباط القوميين منهم العقيد وليد محمود سيرت.
21. المذبحة التي نظمها صدام لقسم فاعل من اعضاء القيادة القطرية لحزبه، بسبب عدم حماسهم لتسلمه منصب رئاسة الجمهورية التي اشتهرت بقضية (محي عبد الحسين ) .



#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للإسراع باعلان نتائج الإنتخابات !
- هناك . . عند الحدود (5)
- هناك . . عند الحدود (4)
- هناك . . عند الحدود (3)
- ما معنى الإنتخابات و الى اين ؟
- هناك . . عند الحدود (2)
- هناك . . عند الحدود (1)
- ثمانون عاما من اجل قضيتنا الوطنية . .
- الشعب بين حقوقه و بين تقاعد الرئاسات
- 8 آذار و مخاطر مصادرة حقوق المرأة . .
- الى من يحاول تجميل جرائم 8 شباط الاسود (2)
- الى من يحاول تجميل جرائم 8 شباط الاسود (1)
- اصلاحات الكنيسة الكاثوليكية و احزابنا الثورية (2)
- اصلاحات الكنيسة الكاثوليكية و احزابنا الثورية (1)
- المالكي يراهن على موقف المرجع الأعلى / 2
- المالكي يراهن على موقف المرجع الأعلى / 1
- اعلان تحالف -كوردستاني ديمقراطي مدني-
- هل هو تخوّف من نتائج الانتخابات ؟
- المالكي : الشعب لايحب الحكومة !
- هل ستعود الإنقلابات العسكرية ؟


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مهند البراك - هناك . . عند الحدود (6)