أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( محجر رقم 1 ) - قصة قصيرة -














المزيد.....

( محجر رقم 1 ) - قصة قصيرة -


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4447 - 2014 / 5 / 8 - 23:35
المحور: الادب والفن
    


في أقبية المجهول كنّا نمارس كتلة من الأحلام في قعر العالم السفلي، ننسج من همس الحزن والغربة المميتة صمتاً ينخر عباب المسافات، كانت العتمة وقوافي الفزع قبلتنا ، نختبىء خلف ظلّ الأنين والانتظار، نحمل طيوفاً على طرف الخيال وسط لهيب السياط ، ولمّا تزل أنفاسنا لاهثة نحو وجه الشمس ، منقوعة بغضب دفين ، كنّا في رحلة كسوف تماماّ ،كمّموا أفواهنا بالرعب ، والعيون لم تر غير الظلام ، كانت جروحنا تغسل بالملح على ضفة ضحكات استهزاء واحتقار ،وكلام نابي لم يستطع نطقه الا أبناء الشوارع ، كانت الكلمات مؤذية جداً :
- هل التقينا من قبل ؟ لم يجبني . كنّا نتّكأ شهوراً على دكّة الصوت ، يحتوينا الفراغ والعتمة قلقاَ وأرقاً ، يشكّلنا ضجراً مرّ المذاق ، نصول ونجول في مساحة لاتتسع للجسد ، مساحة تشبه القبر ، ربما كنّا نرقد في عالم من التوابيت ، لا أدري ، لكنّي أعلم أنّنا شربنا من كأس واحدة ، إنّه يرقد بين ضلوعي بقايا أسى ، دموعه تلامس مقلتي باشتهاء ، يداه النحيلتان فيهما شيءٌ من ارتعاشتي ، كان يحلم بالحياة وأنا لا أعرف غير أن وجهي يحمله ليل طويل ، ليل أطفأني غياباً على ضفة عالمٍ ليس له ملامح . وحين يستبدّ بي القلق واليأس يطفأ مخاوفي بدفء كلماته ، كلمات تنبّىء بحفيف أمل محمولٍ على كتف جراح البائسين :
- من رحم العتمة يطلّ النور ، والصبح يحمل نداه ، هذه الجراح ستحملنا يوماً ومضاً ، أنشودةً تهزأ من كلّ هذه الأطواق، سنتحرّر من قيودهم يوماً ما ، لاتخش شيئاً ياصاحبي.
- ألم نلتقِ من قبل ؟
- هو ذات الوجع والخراب، هي ذات الأحلام .
- لكنّك تحملني جرحاً ودمعاً بين الحدقات !
كنّا نبحث بين فراغات العتمة عن نسمة هواء أو شعاع ضوء ، غريبان منبوذان في العراء، لا لون لهما ، يختنقان بمجامر العزلة ، عزلة خانقة تغمرنا بالأنين والدموع ، تغمرنا بشهقات أقرب لشهقة الموت ، حاولت مراراً أن أعبر أمسي لحتفي الذي ينتظرني منذ شهور ، لكنّي لم أقوَ على الأمر ، ماكنت لأرغب أن أكون بقايا قبر ، لا أحد يسمع صراخي وأنين جرحي :
- من أين قدمت ؟
- لا أدري . وأنت ..؟
- من جادة الأمس ، أعدّ خطواتي التائهة فوق طرقٍ قذرة.
- وأين نحن الآن ؟
- في بطن الحوت . ابتسمت على رغم الوجع ، ياترى هل لمح ابتسامتي ؟ سيكون سعيداً بها...
لم يكن بيننا سوى مسافة أنفاس وبيننا وبين العالم أسوار من الصمت وجدران من الفزع ، صلبت عليها أحلاماً وأماني عصافير تحلم بزقزقتها، كنّا نحلم بصرير الباب ، نرتجي قطرة ماء من فصول ارتدت أقنعة الجفاف :
- إنّك مازلت ترقب خوفي ،وتبثّ في خواء الصمت أنفاسك النقية ، إنّي أراك لاتحصد من حقول السراب غير الأوهام كما الظمآن يلهث خلف السراب . ما زال خوفي ويأسي ينمو في فراغات العتمة والفراغ ، وهو يحمل شراع الرفض ، ويكتب بالجراح ذاكرة الغضب في ظلّ غيمة عابرة يحلم بالأمطار :
- دع أحلامك تتنفس المدى ، فخلف الجرح تسكن حراب الغضب وغفوة أمل ، خبّىء دموعك عنّي ، واسمع صدى العاصفة ،ارنو ببصرك بعيد أ ، ألا ترى معي ذلك الفنار الشامخ على مرفأ الغربة والعزلة ؟
لا شيء سوى أشباح وحدتي ، سأم يؤسر خطى الصبر ، أقتات منه جوعي وعطش المنافي ،وأعماق الروح تتلظى ألماً ، تتفجر لوعةً وجوى ، لم أرَ غير أشجار ذاوية وقوافل من الموتى تبحث في الظلام عن مأوى لها ، وخلف الغروب مدنٌ تلتحف أسمال أبنائها في عزّ البرد ، وأراني وسط الضباب ألتقط من بين متاريس الذاكرة وجهاً يسطع بظلّ أوجاعي ، أستظلّ به . فجأة وقبل أن يتداعى صرح الفجر عانقني صرير الباب ، تجندلت مثخناً بدموعي وبقايا ذكريات بعثرها النسيان ،تتواثب دقات قلبي للعناق ، حدّقت في الفراغ ، لم أرَ غير وجوه كالحة :
- أين خبأتم وجه الشمس ؟ تستّروا بجنوني :
- إنّك تهذي ، لا أحد غيرك .
ترجّلت من خطواتي العاثرة بأفق الشك ،وعيناي تترقران بالصراخ والدهشة :
- أين أنت يا أنا ؟ ها أنا أطلّ من أرصفة الوجع ، أطلّ على شمسك المتوهجة بالرغبة . يفترشني سقف الفراغ والعتمة ، يغتصب ذعري صمت مريع ، أتسوّل وضوح الرؤيا لعلي أدرك ظلّه ،ارتحل مهاجراً من منفى الى منفى ، من عتمة الى عتمة وسط حجب من ظلام ، لا أدري حين سمعت صرير الباب أ دخلت محجر المجهول أم خرجت منه ؟.... لا أذكر شيئاً سوى أنّني كنت محمولاً على ( بطانية ) خضراء تقطر دماً! .



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -
- قلبُ أمّي لم تخنْهُ النظرة - قصة قصيرة-
- خطوة على الطريق - قصة قصيرة-
- فلنرجم كلّ الفاسدين بإصواتنا
- إنّهُ يرتّلُ أنفاسي - قصة قصيرة -
- ليلة احتضار النور - قصة قصيرة-
- ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _
- كان الصوتُ ساخراً -قصيدة -
- ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -
- بقايا خطى عابرة - قصيدة -
- ( غرب الخوف ) - قصة قصيرة -
- ( حتّى متى ) - قصيدة -
- ثورة - قصيدة -
- الطريق الى المملحة... أو رسائل الموتى - قصة قصيرة -
- دهشة - قصيدة -
- بعدَ الغياب - قصيدة -
- كإنْ لم تكنْ أنت - قصيدة -
- بينَ الأمسِ والغد -قصيدة -
- أحلام يأبى لها أنْ تكتمل - قصة قصيرة -
- انتبه فقد تسرق الحناجر - قصيدة -


المزيد.....




- الرباط تحتضن الدورة ال 23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية ...
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161 على قناة ا ...
- -أماكن روحية-في معرض فوتوغرافي للمغربي أحمد بن إسماعيل
- تمتع بأقوي الأفلام الجديدة… تردد قناة روتانا سنيما الجديد 20 ...
- عارضات عالميات بأزياء البحر.. انطلاق أسبوع الموضة لأول مرة ف ...
- نزل تردد قناة روتانا سينما 2024 واستمتع بأجدد وأقوى الأفلام ...
- عرض جزائري لمسرحية -الدبلوماسي زودها-
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161.. مواعيد ...
- علماء الفيزياء يثبتون أن نسيج العنكبوت عبارة عن -ميكروفون- ط ...
- بعد نزول مسلسل عثمان الحلقة 160 مترجمة عربي رسميا موعد الحلق ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( محجر رقم 1 ) - قصة قصيرة -