أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي العباس - ازمة الحداثة -مقاربة للجذور















المزيد.....

ازمة الحداثة -مقاربة للجذور


سامي العباس

الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 09:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أزمة الحداثة - مقاربة للجذور
1-1-1
نشأ التعليم الحديث في الشرق الأوسط عموماً تحت ضغط الرّأسماليات الأوروبيّة بعد تحولها إلى إمبريالية (إنكليزية -فرنسية - ألمانية ...) لعب هذا الطابع الخارجي للتعليم الحديث دور المحدد لعملية انتشاره المتفاوت داخل اللطخ الدينية و المذهبية و الإثنية التي تشكل الاجتماع الشرق أوسطي .
و لعل الديناميات- التي ولّدها التدخّل الأوروبي طيلة القرون : العاشر - الثاني عشر الميلادي و الذي اصطلح على تسميتها بمرحلة الحروب الصليبية - هي على شيئ من القرابة بالديناميات التي أطلقتها الموجة الكولونيالية بعد ستة قرون . تتجلى أوجه القرابة بما يلي :
1- إطلاق جدلية داخلية تلعب فيها الإيديولوجيا الدينية دور الدينامو الرئيسي .
2- تراجع مستوى التسامح - بالمعنى الحديث التعايش مع الإختلاف - داخل الفضاء الثقافي المكون بنسب متفاوتة من الأديان التوحيدية و متفرّعاتها المذهبية و بقايا من الأديان الوثنية .
3- إعادة تمركز للثروة الروحية بحيث يحتل أحد المذاهب موقع الهيمنة مثال : المذهب الشيعي الإثني عشري في إيران الصفو ية و المذهب السني في إطار الرابطة العثمانية .
4- ارتفاع مستوى التجانس الديني - المذهبي داخل البيئات الجغرافية - السياسية ، و إعادة تتخيم هذه البيئات و تحويل ما عسر هضمه و تمثله إلى غيتوات مغلقة بإحكام .
أما أوجه التباين فتتجلى بما يلي :
1- كانت لحظتا التدخل الأوروبي متفارقتين بالمعنى التاريخي . فقد جرت الأولى في إطار تساكن نمطي الإنتاج : الإقطاعي في أوروبا - الخراجي في الشرق الأوسط . مع تفوق طفيف للثاني على الأول في المستويين : السياسي و الإقتصادي - الإجتماعي .
أما اللحظة الثانية : فقد جرت في ظل خلل خطير في التوازن بين نمط إنتاج رأس مالي يتقدم ظافراً و نمط إنتاج خراجي يتقلص منهزماً .
2- مارس التدخلان ( الأوروبيان ) دورين مختلفين حيال نمط الإنتاج المحلي ( الخراجي ) حيث اشتغل التدخل الثاني على تحطيمه و تمهيد الطريق لانتشار علاقات الإنتاج الرأسمالية . بينما رسّخ التدخل الأول ( الصليبي ) نمط الإنتاج الخراجي في مواجهة الجنين الرأسمالي الذي تشكل داخل الحواضر الكبرى ( بغداد -القاهرة - الإسكندرية ...)
3- كانت النتائج أيضاً متفارقة . فقد تمخض عن التدخل الأول ، إعادة ترتيب المنطقة من قبل ديناميات داخلية أخذت زمام المبادرة التاريخية ( المماليك أولاً ثم العثمانيون و الصفو يون لاحقاً ) .
أما التدخل الثاني فما زالت الديناميات الداخلية للمنطقة عاجزة عن تسلّم زمام المبادرة . و تتقاسم على نحوٍ متفاوت الحصّة ، لعبة إعادة ترتيب البيت الداخلي مع الديناميات الخارجيّة ( روس - أمريكان - أوروبيين )
إلا أن الكثير مما يفسر المسارات التي اتخذتها عملية التطور في المنطقة تختبئ عن العين المتعجلة تحت الركام الذي يخلفه التاريخ . ولعل الجهد المبذول لرفع الأنقاض ، و إعادة تركيب القطع الأثريّة المتناثرة و لحمها بأمانة و تجرّد ، يمكنه أن يضخم ريعيّة العوامل الذاتية ( الوعي ) في إطار الجدل مع الشروط الموضوعية . سيما أن الإنتقال المتأخر إلى الرأسمالية كما يلاحظ عبد الله العروي(1) بحصافة ( يتم تحت القيادة الواعية للفلاسفة لا تحت القيادة العمياء للمحامين و رجال الأعمال . )

******
ينغمس الموقف المتوجس من التعليم الحديث الذي استبطنته النخب الدينية السنية و انسحب على نحو متفاوت في الزمان المكان على الأكثرية ، داخل الذاكرة التاريخية للطائفة التي حولها التدخل الأوروبي الأول ( المرحلة الصليبية ) ‘إلى حامل اجتماعي لمشروع التصدي ، و لاحقاً إلى اللون المهيمن داخل قطعة الفسيفساء التي حافظ على بقية ألوانها مستوى مميز من التسامح ظلّت شعوب المنطقة تحتفظ به حيال بعضها البعض عبر التاريخ.
و لا ريب أن عوامل أخرى قد عشّقت مسنناتها بشكل إيجابي مع المكنة ، إلا أن هذه الأخيرة ظلّت تعمل بهذا الوقود المستخرج من الذاكرة التاريخية .
لقد ظلّت هذه الأخيرة مستودعاًتمتح منه الأكثرية السنّية بنخبها و جمهورها ردود الأفعال على الحداثة ، عند كل المنعطفات الكبرى التي مرت بها هذه الأخيرة . فمن الليبرالية إلى القومية الإشتراكية إلى الماركسية ، ظل رد الفعل و التشخيص واحداً :
إنه الغزو الثقافي يرافق كالكورس الغزو العسكري .
من هذه الزاوية بدت كل الصيحات للتعلم من العدو بغية تحسين سبل مواجهته في أذن الأكثرية السنّية ، مجرد اختراقات لخنادق الدفاع ينبغي محاصرتها و تصفيتها ( هذا إذا جاءت الصيحات من داخل الطائفة ، أما اذا جاءت من خنادق الأقليات الاسلامية أو المسيحية فإن الذاكرة التاريخية جاهزة لتحضير ملف لهذه الطائفة أو تلك من أرشيف المرحلة الصليبية. إلا أن لصورة التعليم الحديث السلبية في عين الأغلبية السنّية أسباباً أخرى. ذلك أن التعليم التقليدي كما استقرّ تاريخياً بعد وصول الحضارة العربية و الإسلامية إلى المقلب الثاني من سيرورتها جرى اختزاله إلى القرآن و العربية
و اليسير من الحساب .
كان اتساع و تنوع الجرعة المعرفية التي يقدمها التعليم الحديث يهدد بتفجير كامل العمارة التقليدية للتعليم الإسلامي, المؤلفة من الزوايا و الكتاتيب ...
و كان وراء هذه العمارة التعليمة تراتب اجتماعي و مصالح طبقية و فضاء عقلي جاهز لإطلاق النار على كل محاولة ولو بسيطة للمساس بما هو مستقر و راسخ تاريخياً ... و كان العنف هو الوسيلة الناجعة التي يجري الاحتكام إليها عند كل منعطف. و لذلك فإن التعليم الحديث لم يصلب عوده إلا في
المرحلة الكولونيالية ، حيث أصبح للتعليم الحديث مخالب .
قد يصدم هذا التحليل المشاعر إلا أن الحقائق غالباً ما تفعل ذلك, و لهذا لاأحد يلتقطها رغم انها مبذولة على الطريق .
كانت البعثات التبشيرية هي الطرقات الأولى على بوابة العقل الإسلامي الغافي منذ قرون . و كان التوقيت : عند الهزيع الأخير من الليل العثماني
الطويل يبعث على القشعريرة . سيما و أن الأكثرية السنّية قد نامت قريرة العين على ما أمنته لها العصبية العثمانية ( ذات الشوكة ) من أمان .
فالتجربة التاريخية للإسلام في الاستعمال قد رسّخت هذه القاعدة الفقهية البراغماتية المنسوبة للخليفة الثالث عثمان بن عفان ( يزع السلطان
ما لا يزعه القرآن )
*******
كان الجوار الجغرافي للأقليات الإسلامية - المسيحية الذي تمخض عن إعادة ترتيب البيت تحت ضغط ( التدخل الصليبي ) قد منح للتعليم عبر البعثات التبشيرية موطئ قدم أكثر قبولاً , قبل أن تنقلب موازين القوى بشكلٍ حاسم في المرحلة الكولونيالية .إلا أن موطئ القدم هذا بمقدار ما كان نتيجة منطقية للخلل الخطير بالتوازن بين أوروبا الرأسمالية و العالم الإسلامي الخراجي , بمقدار ما راح يضغط أكثر على الهواجس الأمنية للأكثرية السنّية مستعيناً بما احتفظت به الذاكرة التاريخية .
كانت اليافطة التي لا يدركها البلى رغم الاستعمال المديد هي الحفاظ على الهوية ... فكما هو الحال في كل الاجتماع البشري, ينتج البشر فضاء ثقافياً
مغلقاً أو مفتوحاً تبعاً للظروف. و يأتي الميل إلى الإغلاق أحياناً تحت ضغط تنامي الإحساس بالمخاطر الخارجية أو لأسباب محلية بحتة.
إلا أن إغلاق الفضاء الثقافي لجماعة أياً كانت الأسباب فا ن النتائج واحدة. هي الركود و الاستنقاع المفضيان للشيخوخة .
لقد طالت هذه الأخيرة في العالم الإسلامي كل شيئ . من وسائل الإنتاج إلى علاقات الإنتاج إلى أنماط التفكير و معايير السلوك . ووّحد اليباس العقلي
النخب و الجمهور و طمس الفوارق المعرفية بينهما ...
*******
لقد لعب الطابع التبشيري للتعليم الحديث في المراحل الأولى على إيقاظ الخوف من الآخر, هذا الخوف الغريزي الذي يغمس أقدامه في الذاكرة الجمعية للجماعية الإسلامية .
و لم تكن النجاحات المبكرة التي يحرزها التعليم الحديث داخل البيئات الأقلياتية الإسلامية - المسيحية أكثر من حوافز إضافية لإنبجاس موجات أكثر صخباً في مواجهة الحداثة . لقد تماهت الأقليات في عين الأكثرية مع الغرب و أصبحت نوعاً من طابور خامس يشيع الوهن في جسد الأمة ,لا جسراً للتلاقح الثقافي كما هو مطلوب أو متوقع ... و لكن هل هذه هي الأزمة ؟ قطعاً لا ... بل أحد وجوهها ...
*******
(1) - العرب و الفكر التاريخي - عبد الله العروي - فصل : الماركسية ومثقف العالم الثالث



#سامي_العباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفترق طرق
- قراءة باردة في موضوع ساخن
- محولة للتفكير بصوت عال
- بين نصين مقدسين
- شعر
- التغيير الديمقراطي في سورية
- قراءة في اية
- تحية لفالح عبد الجبار
- الراعي الكذاب..تراجيديا السياسة العربية
- مزاح ثقيل مع الدكتور طيب تيزيني
- دراما استعادة الليبرالية
- العرب والسياسة
- ستاتيكو لغوي
- العرب نظرة الى المستقبل
- الحزب العقائدي
- برسم الانتلجنسيا العربية
- ملاحظات على هامش الماركسية الايديولوجية
- الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط
- مشتركات الوعيين الاسلامي - السوفييتي
- رد على لؤي حسين


المزيد.....




- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي العباس - ازمة الحداثة -مقاربة للجذور