أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - الأخلاق















المزيد.....

الأخلاق


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4439 - 2014 / 4 / 30 - 17:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الاخــلاق
انه من الثوابت العالمية التي لا نقاش فيها أن العالم المتحضر، يحتاج الى نوع من القيّم والأخلاق التي لا بد منها في أي ثقافة أو حضارة حيّة ومتطوّرة. وتعدّ هذه الثوابت ضرورية للافراد والمجتمعات، إذ لولاها لما كان لدينا اليوم حضارة قائمة ولا ثقافة حيّة في عالمنا المعاصر.
فالعلاقة بين القيّم والاخلاق والدين، علاقة قديمة، قدم الانسان وقيّمه وأخلاقه، وحاجة الانسان اليوم الى الديانة هي حاجته الى القيّم التي توفرها الأديان للفرد والعائلة والمجتمع. لأنه لا يمكن للمرء ان يفصل بينهم كونهم من مصدر واحد، ولا يمكن أن يكون الواحد من دون الآخر. فعندما نفكر بالديانة، نفكر بالقيّم والاخلاق. لأن الاخلاق تعلّم الفرق بين الصح والخطأ، وبين ما هو جيد وما هو ردىء، وبين ما هو مفيد وما هو سيء. وأستطيع القول: أن كثيراً من القيم والاخلاق البشرية تختفي إذا ما الغيت الاديان، ولا ننسى محاولة بعض المجتمعات البشرية بإلغاء الدين بتأثير الآيديولوجيات العلمية بصنع القيم الخاصة بها، كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق، ولمدة 70 سنة من تدمير للدين والقيم والاخلاق، والنتيجة كانت كما هو معلوم للجميع من تدمير للفرد والعائلة والمجتمع بأكمله، الى أن أنهار كل شىء، ورجع الدين الى حالته الطبيعية، وعادت القيم والاخلاق قريبة من منبعها الاصلي.
وأما بالنسبة لوجهات النظر الاخلاقية، فيوجد تباين باختلاف الانسان والمكان والزمان، وتعد الميكافيلية إحدى وجهات النظر التي تكون عادة مصلحية ونفعية وتعتمد على المهارة والخداع في تحقيق المصلحة الفردية والاجتماعية. إذ تركز الميكافيلية عن الانسان المصلحي والاناني الذي يُبرر كل شىء في الحياة كوسيلة للوصول الى الغاية المبتغاة (الغاية تبرر الوسيلة)، فالانسان هنا لا يهمه المجتمع بقدرما يهمه نفسه.
والثانية هي وجهة النظر الفيلسوف الالماني "فريدريك نتشه"، عن "العرق الأسمى" الذي قَسّم البشرية إلى قسمين، وذلك على أساس اللون والعنصر البشري (العبيد والسادة)، مما أدى إلى ظهور النزعة العنصرية للانسان الأقوى أو الأذكى، والنتيجة كانت ظهور النزعة العنصرية الهتلرية النازية في المانيا والتي أشعلت نيران الحرب العالمية الثانية.
ووجهة النظر الثالثة هي" الماركسية" التي ادّعت خلق (الانسان الجديد) والذي لايحتاج الى الله أو الدين أو الاخلاق أو القيم الدينية، وترى الماركسية أن الدين خدعة تاريخية، بل هو مُخدّر للبشر يجب التخلص منه بأسرع طريقة كما قال الفيلسوف الشيوعي إنجلز: "ان كل القيم الاخلاقية هي من خلق الظروف الاقتصادية، وإنها خدعة البرجوازية والانظمة الاستعمارية التي خلقت الدين. واننا ننكر هذه القيم الدينية والاخلاقية التي لا تتفق مع أفكارنا الطبقية ونؤكد لكم أنها أفكار مكر وخداع يجب القضاء عليها وبكل قوة اذا أردنا الحفاظ على الجهود الطبقية البروليتارية". وكانت نتيجة هذه الافكار أن خلقت الشيوعية آلهة أخرى وهدّمت القيم السائدة منذ عهود بحجة بناء الدولة الجديدة أو بحجة محاربة الاستعمار والامبريالية العالمية، وخلقت كذلك الانسان الاناني الذي لا يعبد إلا نفسه، ولا يثق بأهله أو حكومته أو أصدقائه.
والوجهة النظر الرابعة هي "السارترية الوجودية" التي تُبشر بالأخلاق المادية وبالتهرب من كل الواجبات والالتزامات في الحياة اليومية والتهرب حتى من الحياة العائلية والعيش في زوايا الازقة والشوارع بحجة الحرية المطلقة واللامسؤولة. فالعيش بحسب هذه الفلسفات: الوجودية أو الماركسية أو الميكافيلية التي بدأت بقتل الله وانتهت بخلق إله آخر أو آلهة أخرى صمّاء، فشلت في هدم القيم والأخلاق، وإن نجحت في بعض المناطق الجغر افية.
وتجدر الاشارة، الى أن وجهات النظر هذه وغيرها، لم تستطع قتل الله ولا دفن القيمّ الدينية التي أوحاها الله للانبياء، بل العكس عدّت تجارب وإختبارات مهمّة كانت تحتاجها الاديان كيما تعدّ نفسها لمرحلة أخرى جديدة. فالأديان بشّرت بالاخلاق الروحية الهادئة وبالتضحية وبخدمة الآخرين. إذ أن ميدان الخدمة الدينية، ميدان واسع في عمل الخير وخدمة الآخر وإحترامه. وقد ركزت الديانات العالمية ولا سيما الديانات السماوية على الحقوق والواجبات، وان كان تركيزها على الواجبات أكثر من تركيزها على الحقوق، لان العطاء مطلب إلهي ومقدس، كما يقول الرسول بولس: "سعادتي في العطاء، العطاء المجاني". فنحن لنا الحق في الوجود والحياة، التي هي (هبة الهية مجانية)، وليس لأحد الحق في أن يحرمنا منه، إلا إذا خالفنا أو أرتكبنا جريمة ما، حينئذ نكون قد عرّضنا أنفسنا للخطر من ممارسة هذا الحق. ولنا ايضاً، حق العمل لانه في البطالة خطر على المجتمع، وحق الزواج والحب والراحة، والحقوق السياسية والدفاع على النفس بصدق وعدالة واخلاص. وحقوق اخرى لايقدر أحد ان يحرمنا منها كحق التفكير وحق الحرية: "لي الحق ان أختار مهنتي وعلى الغيران يحترم ذلك".
وأما بخصوص الواجبات فهي الطريقة التي بها نستطيع ان نمارس ايماننا عمليا: "الايمان من دون اعمال يعدّ ايماناً ميتأً" (رسالة يعقوب). فعلينا إذن ان نمارس ايماننا بفعل الخير والتضحية والعطاء من جانب، ومن الجانب الآخر ان نعيش حياة شريفة ومستقيمة وخيّرة. أي ان نعمل كي نعيش من دون ان نعتمد على الاهل والاقارب أو حتى على الدولة. ويعدّ هذا إلزاماً علينا كبشر على العكس من سلوك الحيوانات الغريزية غير الملزمة بهذه القوانين الاخلاقية.
فالحقوق والواجبات وجهان لعملة واحدة، تتطلب احداهما الاخرى، ولا تكون الأولى من دون الثانية ولا الثانية من دون الاولى. أي ان حقوقك تزداد وتتعاظم عندما تكمل واجباتك ومسؤولياتك في الحياة اليومية: "من له يعطى ويزاد والذي ليس له يؤخذ منه الذي ليس له". فهما إذن مرهونان ببعضهما البعض، لذا علينا ان نكمل واجباتنا وأن نحترم حقوق الاخرين إذا أردناهم أن يحترموا حقوقنا. لأن كلمـة الواجب تعني: "الشىء الواجب عمله، أو السلوك الذي يجب إتخاذه". والواجب هنا، يعني المسؤولية التي يتحملها المرء في حياته، والتي يجب أن يجيب عن ذاته وعن الذين يعملون تحت إمرته: "اذا اعطى أمراً ما، عليه أن يتحمل وزر المسؤولية وأن يكون أمره واضحاً ". ومن هذا نستنتج، أن قمة الأخلاق الدينية والاجتماعية اذن هي: تطبيق مفهوم القاعدة الذهبية التي نجد آثارها في الاديان قاطبة كما بيّنا سابقا، والتي يمكن عدّها الأساس العالمي للاخلاق في العالم: "افعلوا للناس ما أردتم ان يفعله الناس لكم. هذه هي خلاصة الشريعة وكلام الانبياء"( لوقا 7: 12 ). وتنطبق هذه القاعدة في طبيعة الحال على الفرد أو العائلة أو المجتمع.
وتؤكد المسيحية وبنظرة معاصرة على مبادرة الله حول المحبة والتحرير من عبودية الخطيئة. وتركز التعاليم المسيحية بشكل أعمق على الحرية الدينية الفعلية، والمساهمة في بناء عالم تُحيّيهِ المحبة. ومن اللافت للنظر أن الطوباوية "تريزا الكلكاتاوية"، كانت ترى أن الاخلاقيات العالمية هي في أزمة حقيقية بسبب البخل في العطاء والابتعاد عن رؤية الله في البشر الضعفاء فتقول: "ان الذي لا يعطي الله فهو يعطي قليلا". وكذلك تقول: "فقر الشعوب الاول هو عدم معرفتهم المسيح لذا يجب ان نكشف الله فنراه في وجه المسيح الرحوم إذ أنه لا يمكن ان تُبنى حضارة على اسس متينة خارج إطار هذه الرؤية".
ونلاحظ الأمر نفسه في الاديان الأخرى ولا سيما عندما يتعلق الموضوع بالاخلاق والسلوك. حيث يقول القرآن الكريم، في سورة محمد: "ولنبلونكم حتى نعلم المجتهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم" (محمد 47: 31). وفي سورة المائدة: "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الالباب لعلكم تفلحون" (المائدة 5: 100).
ومع ذلك كله، كان لا بد من القوانين الجزائية والاخلاقية التي هي طرق مهمة للحفاظ على سلامة المجتمعات البشرية من الانفلات الخلقي والاجتماعي، ومن الاذى الذي يُصيبها بسبب القوة الشريرة والظلامية في مجتمعاتنا المعاصرة. ويحتاج هذا القانون الجزائي الى ضمائر حيّة كيما يكون كاملا وصحيحاً، فالضمير: "طاقة أوجدها الله في الانسان للتمييز بين الخير والشر، وما يجوز وما لا يجوز". وقد أعطى الله إضافة إلى الضمير، الشرائع والنواميس، لتُرشد الانسان ولكي تكون ميزانا يزن به أفعاله ونواياه. ولكن بسبب الجهل وقلة الايمان وضعف الرؤيا القانونية والتشريعية والاهمال في المراكز القانونية والمدنية والدينية، نرى البعض يفلتون من الجزاء الاخلاقي المدني.
ومن الممارسات الداعمة والمؤيدة للاخلاق في العالم اليوم هي:
الدفـاع عـن حقـوق الفقـراء والمظلومين، والا ما الفائدة من حضور القداس يوميا أو الصلاة الفرضية خمس مرات في اليوم اذا ما اهملنا المسكين الذي احبه الله "اريد رحمة لاذبيحة".
الدفاع عن حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها ضد المعتدي والمغتصب، دفاعا سلمياً حوارياً من دون الوصول الى درجة الترهيب والقتل.
الدفاع عن حقوق الأديان والمرأة والاطفال والسياسيين والاعلاميين والمفكرين ضد القوانين الفاشية التي تُرهب الانسان وتمنعه من التواصل الفكري والحضاري.
الدفاع عن الطبيعة من كل أنواع التلوث والدمار الذي يُصيبها بسبب تصرفات الانسان العشوائية واللامسؤولة.
الدفاع عن الحياة وكرامة الانسان ومعارضة الابحاث العلمية على الخلايا الجذعية للأجنة البشرية والاستنساخ البشري كونها ممارسة تتعارض والمبادىء الاخلاقية ولايمكن قبولها على الاطلاق.
الدفاع عن حقوق الجنين وتوعية النساء الحوامل بقدسية الحياة وباعتبار ان الحياة البشرية تبدأ في رحم الام منذ اللحظة الاولى لعملية الاخصاب: "رأتني عيناك جنينا وفي سفركَ كُتبت جميع الايام وصُوّرت قبل أن توجَد" (المزمور 139: 16 ).
الدفاع عن الانسان ضد القتل الرحيم، لانه يمس بنية الحياة الاجتماعية في كيانها، كون الحياة هبة من الله وهي في حوار دائم معه والانسان هو الغاية المنشودة وعليه أن يُتابع مسيرة الحياة حتى آخر نسمة من حياته.
الدفاع عن الانسان وعن كرامته وقيمته في المجتمع ضد كل ما يحط ّمن كرامته واصالته، وتَخليصه من واقع جَعله آلة مسيَّيَرة لارَونق لها ولاحياة. زد على ذلك أنه لا يجوز حتى للانسان ذاته أن يقصد اذلال نفسه أو أن يَحُطّ من كرامته، لأن الأمر يتعلق بواجبات نحو الله، عليه تأديتها وليس بحقوق يتصرف بها كما يشاء.



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصوفية طريق لممارسة الحب الالهي الأصيل
- دور الاسطورة في حفظ الكلمة المقدسة
- هل نحن وحدنا في الكون الواسع واللامحدود
- روسيا تعود من جديد
- من يقود الحركة التنويرية في العالم الإسلامي اليوم؟!!
- متى تتحرر مجتمعاتنا من تصلب العقول والإنغلاق الفكري؟!!
- الديمقراطية انجح وسيلة لتحرير العقول
- 90 مليون تحية للشعب المصري
- لماذا لا يحق للأكراد، ما يحق للآخرين
- مفهوم الصليب والقيامة في المسيحية
- مريم العذراء الحواء الثانية
- بولس رسول الأمم
- انتشار المسيحية الكنيسة الشرقية - (آسيا )الحلقة الاولى
- إنتشار المسيحية أوروبا (الحلقة الثانية)
- رموز عيد الميلاد: -البابا نوئيل ( سانتا كلوس Santa Claus )-
- مفهوم القربان المقدس (الافخارستيا) في المسيحية
- الطوائف اليهودية في عهد المسيح
- النصوص المسيحية غير القانونية (الكتب المنحولة)
- النصوص المسيحية المقدسة
- المسيحية: هل هي ديانة أم مُجرّد تعاليم أخلاقية وإنسانية


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - الأخلاق