أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - مفهوم الصليب والقيامة في المسيحية















المزيد.....

مفهوم الصليب والقيامة في المسيحية


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4321 - 2013 / 12 / 30 - 10:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مفهوم الصليب والقيامة في المسيحية
شكل يسوع خطراً كبيراً على قادة اليهود، إذ كان عمله التخريبي في الهيكل بنظرهم، دليلا كافيا على أنه يشتهي القيادة السياسية للشعب، وخطاباته التي أعلنها أمام الملأ بدنو حكم الله، كانت تتضمن رسالة سياسيّة عميقة ومُخيفة بالنسبة إليهم. وقد شكل طرد الباعة والصّرافين من الهيكل تهديداً مُباشراً لهم وللأيمان اليهودي الذي يُمثلونه، لأن الهيكل كان رمزاً للإيمان اليهودي بكامله، وكذلك بالنسبة الى السلطة الدينية التي تديره.
وقد يكون دخول يسوع في الهيكل، وقلبه للموائد وضربه الصرّافين، السبب المُباشر الذي أدى بالسلطات اليهودية الى أخذ الموقف الصارم ضده. إذ أن الهيكل كان مركزاً إقتصادياً مهمّاً بالنسبة الى التجار والكهنة والفريسيين، الذين كانوا يأخذون حصتهم من التجارة في الهيكل.
ولذلك كان دخول يسوع الهيكل لآخر مرة راكبا اتاناً، عملا مسيحانيّا رمزيا بحسّب التقاليد اليهودية، وذلك في أهم موسم من مواسم الأعياد اليهودية وهو عيد الفصح. وكان مؤيدو يسوع قد رتبّوا الفصح في الغرفة العليّة له ولتلاميذه، فيما يُدعى اليوم بالعشاء الأخير. وهناك في العليّة أسس يسوع العهد الجديد الذي يُدعى عهد الافخارستية(القربان المُقدس)، وبمشاركة تلاميذه، إذ أخذ الخبز وبارك وقال لهم: "هذا هو جسدي"، ثم أخذ كأس الخمر وقال لهم: "هذا هو دمي". ثم قال لهم: "إفعلوا هذا لذكري". لذا أصبحت الأفخارستية منذ القرن المسيحي الأول، الرمز الأعظم لذبيحة الصليب في المسيحية والى يومنا هذا، يعُاد ذكرها عند غالبية الكنائس المسيحية، ذبيحة غير دموية يحتفل بها الكاهن أو المطران مع الشعب المُؤمن كل يوم.
والخطر الثاني، الذي كان يمثله يسوع بالنسبة الى اليهود، هو الأعلان عن كون الله هو آب للجميع، وليس بعيداً كما كانوا يُصوّرونه. وبهذا المفهوم يكون بإستطاعة كل يهودي التقرّب من الله مباشرة. وهذا ما يجعل الشعب في المستوى نفسه مع الكهنة والفريسيّين، من دون وجود طبقات أو درجات. ولا ننسى ما يُشكل فقدان هذه السيطرة على الشعوب، من هلع وخوف على الكراسي وعلى المصالح الاقتصادية بالنسبة الى رجال الدين آنذاك.
والخطر الثالث وهو أن الشعب أعجب بشخصيّة المسيح وتعاليمه وعجائبه، التي كان يصنعها حتى في الهيكل أمام مسمع ومرأى من القادة والمسؤولين الدينيّين، ولاسيّما قصة الأعمى منذ مولده الذي شفاه يسوع، والذي نزل مثل الصاعقة على رؤوس الكهنة والفريسيّن، الذين أجروا محكمة على الأعمى وعلى أهله، وأرادوا تكذيب الخبر بالقوّة والتزوير، ولكنهم لم ينجحوا في مؤامرتهم.
وعلى أي حال، لم تكن كل تلك الأسباب تعني شيئا بالنسبة الى الحاكم الروماني (بيلاطس البنطي) والسلطات الرومانية الأخرى، التي لم تكن تهتم كثيرا بالصراعات الدينية داخل المُجتمع اليهودي، إلا أن التهمة الثلاثية التي ألصقت بيسوع، والتي كان فحواها تحريض الشعب ضد الرومان ومنعهم من دفع الضرائب وإتهام يسوع بإدعائه ملكاً لليهود، كانت كافية على إدانته وصلبه.
وبالرغم من أن يسوع لم يكن يهتم بتأسيس دولة سياسيّة، ولكن تعاليمه الروحية عن الله وحكمه وملكوته على الأرض شكلت تحديّاً صارخا بالنسبة الى المؤسسة اليهودية التقليدية وممارساتها السلطويّة اليومية. فكان لابد من التخلص منه بأية وسيلة، حيث أدين وعلق على خشبة الصليب، وكانت هذه الطريقة الرومانية المعروفة في إعدام الأشرار والمُجرمين والثورييّن والخارجين عن القانون.
وقد يتبادر الى الذهن؟ أما كان بالإمكان أن يفتدي يسوع البشر بكلمة واحدة أو بفعل سجود بسيط بإسم البشرية جمعاء، من دون أن يُقاسي الآلام الفادحة والإهانات القاسيّة. والجواب، يكمن في كوّن البشر لا يتأثرون إلا بما يقع تحت الحواس، لكونهم بشرا من لحم ودم تحكمهم الأحاسيس والمشاعر البشرية.
فكان لابد من الموت بهذه الطريقة المؤلمة بسبب فظاعة الخطيئة التي استوجبت التجسّد والموت على الصليب ثمنا للمُصالحة مع البشر الخاطىء، وإلا لما كان للتضحية من معنىً يُذكر، ولا للموت حُبا بالآخرين من هدف يبتغيه الأنبياء والسياسيّون والثوريّون من أجل أديانهم وأوطانهم وشعوبهم من دلالة لها إعتبار.
ولكن الصليب لم يكن إلا بداية المشوار في المسيحية، إذ عندما ذهبت النسوة بحسب عادة اليهود في اليوم الثالث ليطيّبن جسده، وفي غداة يوم الأحد وجدنَ القبر فارغاً، فبشّرنَ بطرس وإخوته(التلاميذ) أن يسوع ليس في القبر. إذ كان القبر فارغاً، والكفن والمنديل، ملقيان في الداخل. عندئذ فقط، خطرت ببالهما (بطرس ويوحنا) الكلمات التي تنبأ بها يسوع عن قيامته في اليوم الثالث وإنتصاره على الموت. وعندما ظهر لهم يسوع وهم مجتمعون، أزال شكوكهم وأوهامهم التي لازمتهم وقال لهم كلماته الأخيرة:"اني قد أُعطيت كل سلطان في السماء والأرض. اذهبوا الآن، وتلمذوا كل الأمم، مُعمّدين أياهم بإسم الآب والأبن والروح القدس، وعلمّوهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل يوم الى منتهى الأجيال" متى 28/ 18ـ 20.
لقد كانت قيامة المسيح حدثاً ظاهراً في العلن، الحدث الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني، إذ كيف يُسيطر الموت على من صرّح علانية أنه:"الطريق والحق والحياة"، وكان لا بدّ لمن هو الحياة أن ينتصر على الموت بالحياة، لأن الناس لا يعبدون ميّتا يظل في قبضة الموت، ولا يمكن أن يموتوا من أجل من يحكم عليه الموت، من دون أن ينتصر على شوكة الموت.
ولذلك أصبح المؤمن المسيحي بعد القيامة شجاعا لا يهاب الموت بعد أن تأكد أن معلمه يسوع هو صاحب السلطان على الموت وأنه بقيامته كسر شوكة الموت وغلب الجحيم وصار الموت بالنسبة له، إنتقالا من الحياة الأرضية الزمنية الى الحياة الأبدية: "فأين نصرك يا موت وأين يا موت شوكتك؟ إن شوكة الموت هي الخطيئة وقوة الخطيئة هي الشريعة، فالشكر لله الذي أتانا النصر على يد ربنا يسوع المسيح" كورنثوس الاولى 15/ 55ـ 57. وأصبحت قيامة المسيح مصدرا لحياة الله في شعبه. إذ لولاها لما كانت المسيحية نفسها، ولما كانت الشهادة من أجلها رمزا للبطولة والفداء. ولا تزال الشهادة جزءاً مهماً من التبشير بالمسيحية، إذ لا يزال يستشهد في سبيلها كل يوم عشرات المُبشرين في كل أصقاع العالم.
فالقيامة إذن هي بيان صدق رسالة يسوع ورفعه الى المجد وكشفه عن ذاته وقدرته على الموت. لأن موت المسيح على الصليب كان يبدو لأول وهلة وكأنه دليل على أن الله أباه قد أهمله، لولا القيامة التي أظهر الله بها صدق رسالة إبنه يسوع عندما أقامه من الموت.
وقد أصبحت القيامة ومنذ اليوم الاول من إنتشار المسيحية، عيدا تحتفل به المسيحية كل سنة طقسيّة، وهو عيد الغلبة والنصر على الخطيئة، وعيد انتصار الخير على الشر والحُب على البغض والحياة على الموت. وأصبح المسيحيون يتبادلون التحيّة الجديدة(المسيح قام ... حقا قام)... تحية لطيفة... تحية الاخوّة الحقة، تنبض بالمحبة والتسامح والسلام.



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مريم العذراء الحواء الثانية
- بولس رسول الأمم
- انتشار المسيحية الكنيسة الشرقية - (آسيا )الحلقة الاولى
- إنتشار المسيحية أوروبا (الحلقة الثانية)
- رموز عيد الميلاد: -البابا نوئيل ( سانتا كلوس Santa Claus )-
- مفهوم القربان المقدس (الافخارستيا) في المسيحية
- الطوائف اليهودية في عهد المسيح
- النصوص المسيحية غير القانونية (الكتب المنحولة)
- النصوص المسيحية المقدسة
- المسيحية: هل هي ديانة أم مُجرّد تعاليم أخلاقية وإنسانية
- نشوء المسيحية: البيئة والخلفية التاريخية
- المُختَصر في تاريخ المسيحية
- مفهوم الله في المسيحية
- العقائد المسيحية
- أساسيات الإيمان المسيحي
- تعاليم يسوع أجوبة مستفيضة عن الحقيقة والحياة ومعناها
- ميلاد المسيح تجسيد حقيقي لروح الأخوّة والمحبة والفرح والسلام
- خلق الانسان بحسب الألواح السومرية(قراءة جديدة للألواح السومر ...
- السومريون وانجازاتهم الحضارية والعلمية
- السومريون: اصلهم وجذورهم


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - مفهوم الصليب والقيامة في المسيحية