أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل الفخري - ابو سميه ، عينه على الدالنوب و قلبه في العراق .














المزيد.....

ابو سميه ، عينه على الدالنوب و قلبه في العراق .


خليل الفخري

الحوار المتمدن-العدد: 4429 - 2014 / 4 / 19 - 16:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اذا كان الرحيل ضرورة للأحياء باعتباره المعادل الموضوعيّ لنمطية الحياة ، فأن الرحيل المفاجئ والمبكر لهو أسوأ أنواع الرحيل و أكثرها ايلاما و وجعا لأنه يشكل علامة تحد يتخطّى بها حدود الممكن و يظلّ قطبا أحاديّ الجانب صعب المعالجة ، كما يرسم أبعادا نبقى عاجزين عن فهم صيرورتها , ان المنظومة التي ندور في فلكها تطبق في كلّ الأحايين علينا فتخلق منّا سبيكة تعالجها وفق ارادتها و مشيئتها ، لأننا لا نمتلك السيولة التي نقاوم وليس لدينا قدرة الزئبق على الأفلات ، ذلك مما يولّد مرارة في الحلق و يباسا على الشفاه . كما و يظلّ حلم العودة طيفا لا يبرح مخيلة الواحد منّا ، أن لا يموت غريبا في المنفى الربذيّ و عينه على الدروب التي زرع خطاه يوما فوق ترابها صبيّا . أن يموت بين أهله و أحبّائه ، و أن يملأ رئتيه وهو في لحظاته الأخيرة من ذاك الهواء الذي تنشّقه حين ظهر لهذه الدنيا من رحم أمه أول مرّة .
لكن الأمل ظلّ محاصرا كما العين أتعبها الشدّ نحو حدود الوطن القتيل في عيون أبنائه , يبقى الأمل وبرغم سكين الموت طائرا يحلّق في سماء تمطر موتا و دخانا و رصاصا ، و برغم ان القلب قد تعب و أثمله التعب و الغربة و ملّ الأنتظار ، اننا بهذا النفس الذي نحارب نكون قد تجاوزنا بصبرنا صوفية الأوائل .
ان استرجاع أحداث خمسة عقود و أكثر ، في ظلّ الركام من البلوى و العذاب الذي يعيشه الواحد منّا عمل شاق و مجهد يحتاج الى رافعات عملاقة تزيح هذا الكمّ الهائل من الصدأ العالق في الذاكرة و الحطام الذي سدّ كلّ مسارب النور نحو نفس ظلّت تتوق لبقعة الضوء و المحبة والخير .لكننا نحاول في أحايين كثيرة ان نفتح كوّة للضوء في قحفة تعبث الغربة فيها كما الرياح في وجر ذ ئاب .
تعود بنا البدايات الى مطلع العام 1959 غبّ ثورة الرابع عشر من تموز العظيمة ، حين حطّ الشاب وهو يرفل بعشرينه صاحب عبد الكريم ، أبو سميه ، قدمه لأول مرّة خارج حدود الوطن مع آخرين على أرض جمهورية المجر للدراسة في جامعاتها ضمن أول وجبة تبعث بها حكومة الثورة الى الدول الأشتراكية وقد كان هذا الباب مغلقا بوجوهنا أبّان العهد الملكي . أمضى الشاب سنوات دراسته في كلية الأقتصاد بتفّق وفيها تخرّج ، و عاد الى وطنه يملؤه الزهو و الفخر بقدرته على ان يقدّم شيئا يردّبه فضيلة الوطن و يده عليه برغم طاحونة الموت التي أقامها فرسان الروبة و البعثيين لمن يخالفهم في العقيدة والرأي .
عايش أبو سميّة ، هكذا كنّا ننادي عليه ظروف الأنقلاب الدموي و أيامه السود . ظلّ الرجل يأمل و ينتظر انفراجا في سماء ظلّت تتلبّد بغيوم الطاعون الأسود الذي نشره البعثيون في سماء العراق الرائعة الألق . لم تتوقّف طاحونة الموت عن سحق عظام الطيّبين و الشرفاء ممن يريدون الخير لهذا الوطن .بل انها زادت في دورانها حتى دقّت العظم و النخاع معا ، و اختلطت بمياه الرافدين دماء أبنائها الطاهرة ، مما اضطره الأمر لحزم حقيبته و العودة الى المجر و كأنها صدر أمّه حين يرتمي عليه . عاش الرجل و كلّه انتظار لساعة يعلن فيها الحظ مراسيم العودة للوطن من دون خوف و موت يترصّد في الطرقات و على أبواب البيوت ، كي يعانق نخيل العراق و يشرب من رافديه ، و يكحّل عينيه برؤية أهله و أصدقائه و ملاعب صباه ، و لكن رصيف الغربة ظلّ يمتدّ و تطول به النهايات و تتلاشى، حتى صارت الحقيبة هي الوطن ، و الجروح هي الفراش و الدثار ، لكن الأمل لم يبرح ذاكرته ولو للحظة و يغادره .
ظلّ ابو سميّه أمينا لمواقفه ، حدّيا في خياراته . وفيّا لعلاقاته محبّا لأصدقائه .كانت سلوكيته تذكّر الواحد منّا بحضن امهاتنا وهي تجمع اليها صبيتها و بناتها و توزّع محبتها عليهم و حنانها . هكذا كان الصديق ابو سميه مع اصدقائه ، يتفقدهم حتى وهو في غربته بعيدا عنهم ، وهو في غربته الأخرى في السويد ، يزورهم كل صيف و يجتمع بهم و يجمعهم . كما انه لم ينس مساعدة المحتاج منهم . زارنا هذه المرّة وفي جعبته خزين من المشاريع و الأمنيات ، لكن القدر تخطّفه على عجالة ، ولم يترك فرصة لوداع . رحماك ايها الصديق . لقد بكتك حتى الدروب التي نثرت خطاك مرّة عليها . رحماك و ليس عند المحبين سوى ذلك . دعني اودعك بما هو ليس كاف وبحقك قليل ، فقد كان رحيلك على حين غفلة زلزالا هدّ نفوسنا . ستبقى ذكرى عطرة مع الأيام .
لا الدمع بعدك يجدي ولا الألم ما فات فات فماذا ينفع الحزن

بودابست - خليل الفخري



#خليل_الفخري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمّي
- حتى لا ننفخ في رماد ... !!!
- حتى لا ننفخ في رماد
- قيسُ بن سعد بن عبادةَ الانصاري !!!
- فيروز ، مع الرعاة جئتُ أغنيك !!!
- فيروز -;- عند شُبّاكها يسهرُ الليلُ !!!
- فيروز ، شقائق النعمان و حاوية العسل !!!
- لقد سُرقنا مرتين .!!!! حذارِ من القادم !!!!!
- صائد جرذان مستشاراً للمالكي .!!! العراق الى اين؟.
- نوري المالكي و عبدالسلام عارف وجهان لعملة واحدة !!!
- فيروز ...!! ساقية الورد والنبع الذي لن يجفّ !!!
- الشعوب هي وحدها التي تصنع المستقبل !!!
- ....... و ضبابُ الليل يحجبُ الأسرار
- بيتها في البترا ، مزارٌ وطقوس !!!
- بيتها في آخر الدنيا ، مزارُ وطقوس !!!
- الليل والعشق والماء !!!ُ
- لا ينام الكريم على وجع جاره !!!!!!!
- فيروز !!! وجع التقاليد ، و النوم زوايا !!!!!!
- كان اللقاء الصدفة ، ثم سال الوجع مرايا !!!
- بسام فرج ، رسام الكاريكاتير !!! فنٌ في خدمة الانسان والحياة ...


المزيد.....




- -مفاعل نووي على سطح القمر-.. شاهد ما أعلن عنه وزير النقل الأ ...
- بنطال -جينز- وزير الدفاع الأمريكي يثير تفاعلا وتكهنات
- محمد بن زايد يزور روسيا الخميس.. وهذا ما سيبحثه مع بوتين
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- وزير الدفاع الإسرائيلي: رئيس الأركان ملزم بـ-تنفيذ- قرارات ا ...
- -إينولا غاي-: الطائرة التي ألقت القنبلة الذرية على هيروشيما ...
- شهدت كوارث مدمرة.. ما -حلقة النار- في المحيط الهادي؟
- لعبة نتنياهو الجديدة في غزة
- إسرائيل تحتجز جثة عودة هذالين وقاتله حر طليق بقريته
- إيران تعدم شخصا مدانا بالتجسس لصالح إسرائيل


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل الفخري - ابو سميه ، عينه على الدالنوب و قلبه في العراق .