خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 4332 - 2014 / 1 / 11 - 19:31
المحور:
الادب والفن
قيسُ بن سعد بن عبادةَ الانصاري !!!
----------------------------------
في قائمة أثرياء العالم واغنيائه يحتل أُمراء السعوديةِ وحكام دول الخليج موقعاً مُميزاً بين هؤلاء . فلو أجرينا تحقيقاً منصفاً عن مصادر ثروة هؤلاء لقادنا التحقيق الى مصدر واحد لا غير , الا وهو النفط المسروق من قوت شعوبهم ومن لقمة عيشهم حيث الغالبية تعيش تحت مستوى خطّ الفقر , وفي بيوت الصفيح والطين وما هو أشبه ببيوت الانسان القديم تفتقر الى الماء والكهرباء والشروط الصحية , في وقت ترقد فيه المنطقة فوق بحيرة من النفط , تستطيع بأيراداتها التي تذهب الى خزائْن هؤلاء الامراء والحكام , ان تطعم كل فقراء العالم وجائعيه .
ان سرقة مردودات النفط وعوائده منذ عقود خلتْ ضاقت بها خزائن هؤلاء , الى درجة تعذّر معها عثورهم على وجه آخر للانفاق والتبذير , فبعد دور اللهو والقمار والدعارة وحفلات الصيد , لجأ هؤلاء الى الأتجار بالسلاح واحتواء جماعات الارهاب من التكفيريين وانصار القاعدة والتيارات الجهادية السلفية , بهدف زعزعة استقرار المنطقة ونشر مذاهب تكفيرية تجيز في منظورهم قتل وذبح الابرياء من دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ . انه التعصب للمذهب الوهابي الاعمى المقيت الذي يغذّيه وفرة المال وسهولة الحصول عليه ما دامت مفاتيح ضخ النفط واسواق بيعه بأيديهم .فماذا قدّم أساطين المال لشعوبهم ؟ التي يفخرون بالانتماء اليها ديناً ولغةً وتراثاً وتاريخاً مشتركاً ؟ ليس سوى القتل والتجويع والأقصاء والقمع والمطاردة , بخلاف أثرياء الغرب . وهم في نظر أثرياء البترودولار سوى كفرة وأنجاس وملحدين , لأنهم ليسوا مسلمين!!!
لقد أقام هؤلاء الانجاس كما يراهم أثرياء العرب مؤسسات خيرية تعنى بشؤون الطفولة والأيتام ومنكوبي الزلازل والاعاصير ومساعدتهم للنهوض بهم من الواقع المزري و المصير الذي وجدوا انفسهم فجأة فيه . في وقت ذهبت فيه مجموعة اخرى من هؤلاء مذهبا أبعد حيث وزعت ارباح مؤسساتها وشركائها وأرباح اسهمها في البورصة على شكل جوائز عينية ونقدية على المبدعين والكتّاب والشعراء والفنانين , فيما شجّعت جماعة اخرى البحوث العلمية والفضائية والطبية وفي مجالات مكافحة الامراض وحماية البيئة .
ان مقارنة سريعة بين هذين النموذجين من الأثرياء يضعنا امام حقيقة واحدة لا غير ، وهي ان ايمان المجموعة العربية بالاسلام انما هو محض خرافة ولبوس مهلهل وفضفاض ، فالايمان لديهم لا يتعدى الهوية , والانتماء العائلي للاسلام , أما على صعيد الواقع فهم يرون في شعوبهم مطيّة للركوب و دواباً للحلب والصّر . إن فئة كهؤلاء لا تستحق من شعوبها سوى ان تداس جباهها بالمداس والنعال , وان تتمرغ بالوحل والنجس , وهذا قليل مما تستحق فقليلا من الحياء أيها (( السادة )) ومن العار كل العار بعد اليوم عليكم الادعاء بأنكم احفاد اولئك الذين ضجّ التاريخ بهم كرماً وشًجاعةً ومروءة وانسانية وايثاراً , وهم كُثر , ان الذي دفعني للكتابة في هذا , هو حال الشعب السوري النازح في الشتات يعاني الموت البطئ ويصارع الحياة في شتاءٍ لا يرحم , حيث البرد والثلج والجوع ونقص الادوية وانعدام الاسعافات مأساة يهتز لها ضمير العالم , أما انتم فلا تهتزّ لكم قصبه . اكتفيتم يا قردةُ بالتفرج . سأتناول في مقالتي هذه احد رجالات العرب , ممن لم يتعبِّ الباحثون في سيرته ولم يهتموا بشأنه كغيره , انه قيس بن سعد بن عبادة الانصاري .
روى عبدالله بن المبارك عن جويرة , قال : كتب معاوية بن أبي سفيان الى مروان بن الحكم : أن إشترِ دار كُثير بن الصلت منه . فأبى بيعها , فكتب معاوية الى مروان , أنْ خُذهُ بالديْن الذي عليه , فإن جاء به وقبل , وإلاّ بِعْ عليه دارَه . فأرسل اليه مروان , فأخبره وقال : إني أؤجّلك ثلاثاً فإن جئت بالمال وإلا بعْتُ عليك دارك . قال : فجمعها إلا ثلاثين الفاً فقال : مَنْ لي بها ؟ ثم ذكر قيس بن سعد فأتاه فطلبها منه , فأقرضه إياه , فجاء بها الى مروان , فلما رآه قد جاء بها ردّها اليه كما ردّ عليه داره . فرَدّ كُثير بن الصّلت الثلاثين ألفاً على قيس بن سعد فأبى أن يقبلها ورفض .
كما روى ابو العباس المبرّد في الكامل ج1 ص 309 , أن عجوزا شكت الى قيس أنْ ليس في بيتها جرذان فقال سعد : ما أحسن وأسهل ما طلبتِ و سألتِ . أما والله لأكثرنّ جرذان بيتك . فملأ بيتها طعاما و وِدكاً و إِداماً .
وفي نفس المصدر ذكر المبرّد ص309 إنه توفي أبوه ( سعد) عن حمْل لم يعلم به , فلما ولد وقد كان سعد رضي الله عنه قسّم ماله في حين خروجه من المدينة بين أولاده . فكلّم ابو بكر وعمر في ذلك قيساً وسألاه أن ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة , فقال قيس : نصيبي للمولود ولا اُغَيّرُ ما صنع أبي ولا أنقضه . ذكر ذلك ابن عبد البر في الأستيعاب ج2 ص 525 ومن مشهور أخبار قيس , أنه كان له مال كثير ديونا على الناس , فمرض واستبطأ عوّاده فقيل له : إنهم يستحيون من اجل دَينك . فقال : أخزى الله مالاً يًمنع الأخوان من العيادة . فأمرَ منادياً ينادي : مَن كان لقيسٍ عليه مالٌ فهو في حلّ . فأتاه الناس حتى هدموا عتبة بابه من كثرة العُوّاد .
كان قيس في سريّة فيها أبو بكر وعمر فكان قيس يستدين ويُطعم الناس . فقال أبو بكر وعمر : إنْ تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه فمشيا في الناس , فلما سمع سعد بن عبادة قام خلف النبي (ص) فقال : مَن يعذرني مِن إبن ابي قحافة وابن الخطاب يبخِّلان عليّ إبني . ذكر ذلك صاحب أسد الغابة .
وقد جاء في (( الدرجات الرفيعة )) نقلا عن كتاب الثارات لابراهيم بن سعيد الثقفي , أنه كان قيس مع ابي بكر وعمر في سفر في حياة رسول الله ص فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما ويفضل . فقال له ابو بكر : إن هذا لا يقوم به مال ابيك . فامسكْ يَدك . فلما قدموا من سفرهم .قال سعد بن عبادة لأبي بكرٍ : أردْتَ أن تبخِّلَ إبني ؟ إنّا لقوم لا نستطيع البخل .
وحكى ابن كثير في ج8 ص99 من تاريخه الكامل , إنه كانت لقيسٍ صحفةً يُدارُ بها حيثُ داروا . وكان ينادي له مناد : هلمّوا اللحمَ والثريَد . وكان أبوه و جدّه مِن قبله يفعلان ذلك .
هذا شيء يسير استطعت جمعه عن شخصية اهملها الباحثون وكتب الرواية , وليس في وسعي إثبات أكان ذلك عن غرض أو جاء سهوا . ولكم اتمنى وكثيرون غيري ان يردّ عليّ أحد الموسورين من اصحاب المليارات بكشف بسيط لما قدمه للمعوزين والفقراء والمحتاجين , تمشياً مع ما ورد في القرآن الكريم . قال تعالى : وفي أموالهم حقّ للسائل والمحروم , وذكرِّ إن نفعتِ الذكرى .
الناصرية - خليل الفخري
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟