أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيرة أحمد - الحمّى














المزيد.....

الحمّى


نصيرة أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4429 - 2014 / 4 / 19 - 00:33
المحور: الادب والفن
    


جلسا في الحديقة الساكنة هنيهة من الزمن الخائر القوى.كانت الشمس منهكة تماما وهي تودّع الارض آخر مرّة , دون أن تعي أبدا أنها تسحبُ في أعطافها نهارا تحرّقت اطرافه بفعل حرارة تموز , والليل يحاول أن ياتي ويولد ساخنا دون اذن من أحد .سقطت دمعةٌ على أرض الارجوحة المتربة. أجهدت روحها المعذّبة وقالت بجفاء : أحبك . لقد أملى عليها القلب الحزين قولتها وأشاحت بوجهها الشاحب نحو الارض المعشبة حيث تغلغلتْ خطوط النمل الناعمة بين ثنايا العشب النافر . أغمضت عينيها للحظة كأنها تودّع العالم المؤذي بأرادةٍ قوية وأفاقتْ على صوته المشوب بحرقة : حبيبتي ..هل نذهب؟ ( ترى هل قضى عليّ السأم فلا مفر من مواجهة تفاصيل الحياة بغباء مملّ..؟) أمسك يدها برفق , واحتضنها بوجل مشوب بحبّ خائف مطارد. كان لايقوى على الكلام, أو ان حديثه سيكون اكذوبة كبرى لاتطاق . تمشيا سويةً في الممرّ المهمل وهي تكاد تسقط كأنها تلملم أجزاءها المثقلة بفعل حرارة الجسد المنهك .نظرت الى أعلى فاصطدمت نظراتها المشوشة بشباك الغرفة المتلفعة بأغصان الاشجار الكثيفة .لقد ضمّتهما عروسين منذ زمن بعيد ، وغادراها آسفين على ذكريات الدفء الاول , المتناثرة في جدرانها وزواياها الرخوة .( ماذا يحدث لي ...ألمٌ مخبأ في ذرات جلدي فلا أعي شيئا أهمس ...أناديه ...هل فقدت وعيي ؟..ظلمةٌ مقيتة وطنين الاجهزة الكهربائية يحفر رأسي وأنا مسجّاةٌ في الصالة الموحشة ...لاأسمع شيئا هل أنت قربي ..؟ لاأرى شيئا ...أناديه ...هل يظهر صوتي ؟ لاأسمع شيئا ....ماء ...أريد شيئا من الماء ..جفّ حلقي ويبس القلب تماما . وعيٌ مفرطٌ . صوتٌ يظهر في الاحشاء ...صوت أمرأة كانت قربي ذات ليلة . أو هذه الليلة .يدٌ تمسّدُ رأسي وجبهتي الساخنة . تسألني أو أسألها . صوت امرأة ليلية .تمتدّ يدي لتبحث عن شىء وهمي ..ماء ..ماء..يبس الماء . هل أنت هنا ؟..رأيتك أو حلمت بك . كنت تزمجرُ و تلوذ بالصمت . النوم يأكل جدران البيت المثقل بالظلمة ,أرفع جسدي المحترق بضعة سنتمترات عن الارض , وأزحفُ..أزحف ..وسادة قديمة مقرفة مبلولة بعرق المرض المجنون . وفراش عليل . أزحف .يدٌ هائمة ارتجفتْ بقوة . قطراتٌ من الماء غرقت ْ في بحرٍ من الحمّى . النوم يهاجمني والحمّى تلوذ به .جرذٌ يتقافز قربي , لاأقوى على حمله على الهرب ..لاأقوى على الهرب . أريد لأنسى..لكن رائحة الدم تطوّق المكان ..تطوّق قلبي. خوفٌ يزحفُ خوفٌ يصفع همسي ..هل انت هنا ..؟ أو كن ..(يدك تفارق يدي ..أستذكر وجهك, أو انني أهذي . الظلمة تبكي .الفجر يلوح ...) .كان أزيز السيارة الحبيب يحوط الاجواء ..لم يكن يمسكها شىء والشارع يتآكل تحت عجلاتها الناعمة .تكورّتْ في المقعد الوثير ككرةٍ من نار . لاتقوى على فرد جسمها الضعيف.خرجوا من المستشفى ويده تمسك يدها .أيها الدافىء ..لااريدك ...لاأريد دفأك .. شيئا من الثلج يطفىء قلبي .
ليلة مجنونة..
....ألا ماأتعس هذا الليل . سؤال واحد كان يضنيها ..ترى هل سأفقد طفلي ؟ كان الهمس ينداح اليها وئيدا من الغرفة المجاورة . والنومُ يشكّل خطوطا من الارق المكتوم . أبحث عن شىء مهووس يبقي عقلي في مكانه . وأثاث الغرفة تتزاحم للانقضاض على ذكرى هازئة . لن أتحرّك.. كتبت عليّ لحظة الجمود المنفعل للابقاء على الحياة . هل يتسنى لي أن اسمي الاشياء باسمائها ؟ أن أحلم بالشمس المنكسرة تتغلغل الى عالم مملوء باليأس والافق المتفاقم..وحصارٌ قاتلٌ يدخل سنته الرابعة ...؟ قال الطبيب : لايوجد لدينا بنج ..نفعلها بدونه ...ياالهي ...دخل عليها فجاة وأودعها قبلة حب يحتضر . ومضت الى وحدتها المريبة والذكريات وصورٍ شتى , تثقل عليها .وتنبهت بعد اغفاءة مضنية على الوسادة المرتمية وهي غارقة بدمعٍ تصارع طويلا مع ساعات الليل الطويل . أماه ...أماه ..أختاه ....أيها الاحبة ..أنقذوني من شراسة الحدث .أنقذوني ..أرتجف ..لاشىء يمسك هذا الجسد من هجوم الالم الثائر . أريد لأنسى ...كلبٌ يعوي لشبح انسان يتخاطف سرا , نداءٌ أعمى .والليل وئيدا يمضي . يضحك في سرّه , وينثر في زوايا الغرفة خوفا أخر لايجدي ..أيها الاحبة ..شبحُ الموت يحاصر جسدا مرمى ..تهمله الذكرى ..شهورٌ ثلاثة من الحمل المتعب لكنها تشعر بسعادة لايضاهيها شىء .تمسّد بيدها الدافئة النبض العذب ..خيال جميل يشاور عينيها ..أنا مشلولة القدرة ..أنا الجانية ..خُنِق النبض الهامس بهوجاء مقيتة . الشمس تغطس باكرا ...آه ..اسرعي ايتها العجلات ..الالم يأكل دمي ..أغرق ..هل يعاد الزمن ثانية ..لهذا اليوم فقط ..آه ..لحظات ..زمن غائب يتكسّر في زوايا غرفة نتنة ..سرائر سكرى برائحة الاجساد المتناثرة .وضوءٌ خافتٌ مبهمٌ ...آه ..وجع مدمّر ..أصرخ ...أصرخ..سيلٌ هادرٌ من الدم الغضّ غسل المكان الموبوء ..ممرضّة شاحبة ..وامرأة غير عابئة . وعينان رماديتان تبحثان عن بقايا كنز زائف ..انتهى ...صمت ثقيل ..ها انهم ينبشون بقايا الدفء الممزّق في الاحشاء ..يبرد جسدي . يدٌ راجفةٌ تمسد جبهتي الغارقة . خفت الالم .خفت النبض . أمسك يدها بقوة .هيا ..والليل مازال طويلا ...وأنا وحدي ..أغرق في أنفاسي وصوت بكاء مرّ يتردّد في الممرّ البارد الموحش ..هل أحلم ..؟ أنظر خلفي .تسكن ريح ثكلى ..والظلمة تتعالى ...هلمّي ..ونجمٌ يسقط في أزبال شتى تتساقط حول سياج المكان الموبوء . وصوت غائم ينداح حزينا...( هل أغفو..؟) ....هيا ...وأمسك يدها برفق..



#نصيرة_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجنون
- اليباب هذا الفجر
- على فراش الموت -2-
- على فراش الموت-1-
- انا في محنة 1
- عناد غزوان ..المرفأ النديّ
- فيس بوك -1-
- كن معي
- زهرة حمراء..
- وجهك الصامت ...
- الفرن -2-
- الفرن-1-
- أين تكمن النهاية ؟
- صمت ..
- كأس بغداد -2-
- كأس بغداد -1-
- ذات ليلة..
- لو...
- شجرة التوت
- ستفتح بابا عليك...


المزيد.....




- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيرة أحمد - الحمّى