أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - لماذا أدمن ركوب القطار !! (5)














المزيد.....

لماذا أدمن ركوب القطار !! (5)


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 00:57
المحور: الادب والفن
    


لماذا أدمن على ركوب القطار !!(5)
ـالساعة تشيرُ إلى الخامسة والنصف صباحا بمحطّة فاس، درجة الحرارة مستطابة ، بل ومبهجة جداً .. عشرات الركاب يلجون المحطة ويخرجون .. دخل علينا المقصورة رجل ثلاثيني وقد هده التعب ، جلس في المقعد الفارغ بين سيدة مدججة بنقاب أسود لا يسمح لأي جزئ من جسدها بالظهور غير عينين جميلتين كلما أزالت عنهما نظارات داكنة هي الأخرى ، وبين رجل أربعيني مُجلبب وسمين .. شعر بالدفء بينهما وأحس وكأنهما يحتضناه .. وضع حقيبته -كل متاعه- فوق ركبتيه وأسدل عليها رأسه وغرق في نوم عميق .. لا شك في أنه قضى ليلة صاخبة أو شاقة ؟ ..
أثناء سير القطار هادراً لا أحد يأبه بالآخر ، الكل يمارس هوايته المفضلة في قتل الوقت ، واحد من الركاب ، وأظنه أجنبي ، يقرأ كتابا ضخما ، يظهر من عنوانه أنه في السوسيولوجيا ، وآخر يُسوِّد مربعات الكلمات المتقاطعة ، وثالث منهمك في إلتهام قطعا من لا ادري أي شيء يستخرجه خفية ويلقي به في فيه ويلوكه بتصنع مبالغ فيه ، ورابع ينظر إلى كآبة مناظر باديتنا المنسابة بسرعة خلف النافذة ، أما الخامس ، عفوا ، الخامسة ، لأنها فتاة جميلة ، كانت طوال الوقت تحاول تلافي نظرات الراكب السادس ، ذاك الشاب الوسيم ذي البذلة الرمادي وربطة العنق السوداء ، الذي جالس قبالتها ولم يحيّد عينيه عنها ، فكانت المسكينة ترسل نظراتها بعيدا دون ان تركز في شيء ما ، أما السابع وهي المرأة المنقبة التي ما فـتـئـت تختلس بين الفينة والأخرى ، نظرات متفحصة ومريبة إلى كل من في المقصورة ، ثم تعود لتغرق في مصحف صغير ، أما الراكب الثامن ، فقد أدار "برابولاته البيولوجية اللاقطة " آذان وعيون الصقر الصحافية ، نحو كل من بداخل المقصورة وحتى خارجها في المقصورات المجاورة ، لمراقب ما تجري الأمور بها . لقد كان ذلك الراكب الثامن هو أنا ، والذي رغم المقولة الفلسفية الصحيحة في الكثير من جوانبها القائلة بأن : الذي يتخصص في المراقبة نادرا ما يعيش ويستمتع غاية المتعة بما يحدث في القطارات ومحطاتها .. يمر بائع الأغذية ، يشتري الركاب أكلا وقهوة وشاي ومشروبات ، كل واحد يشتري لنفسه ويأكل أمام الآخرين ، بلا ضيافة .. بحث الرجل ثلاثيني في جيب سترته وفي جيوب سرواله ثم محفظته ، بعدها بدأ يدور في المقصورة وتحت كراسيها ، كمن يبحث عن شيء دقيق ضاع منه محاولا تخفيف منسوب الحزن الذي لم يستطع رغم رباطة جأشه وعناده ان يتغلب عليه أو يخفيه على الأقل .
انتفض من مقعده واقفا كثور اسباني انهكته السهام .. صاح : راها خدماتني بنت الق... (كلمة نابية نستحي من ذكرها مع أنها عبرة عادية تدل على بائعات الهوى) سرقت بزطامي ، فيه الباسبور والفيزا و"الكونترا" (عقد الشغل )والفلوس ديال فرانسا !! .. لم نفهم في البداية لكلامه معنى ..
شعر بدوار قوي ، خطرت بباله أفكار جعلته يطأطئ رأسه ويغمض عيناه ثم يفتحهما ، و كأنه يطرد رؤى مليئة بأشباح وأوهام تذكره ببؤس "الزلط " الذي كان قاب قوسين أو أدنى من توديعه نهائيا برحيله إلى الخارج .. شعر برغبة في البكاء لكنه يقاومها ، ثار على نفسه ، إتكأ على يديه وجمع كتفيه الى عنقه وتكور في مقعده ..
بينما هو في حيرة وارتباك ، فإذا بصوت رجل يناديه من آخر الممر : آآسي محمد ، آآسي محمد ، أنت اللي مشاو ليك لوراق ؟؟ أجاب بلهفة ، وكأن الأمل طرد الألم .. وهرول نحو مناديه الذي ليس إلا مراقب التذاكر : آييييه أنا !! رد المراقب : إوا أجي معايا عفاك راه لقينا هوم في بيت الما مع النقاب ديال شي وحدة !!.
دخل القطار محطة الرباط ، نزلت ووقفت أتفحص عيون الراكبات عليّ اتعرف على عيني السارقة المنقبة .. لم افلح في مسعاي .. انطلق القطار مغادراً محطة الرباط المدينة إلى وجهته المعتادة .. وضعت قدمي على السلم الكهربائي فأخذني للأعلى خارج بطن الأرض التي تقع تحتها السكة ..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أدمن ركوب القطار !! (4)
- الإعدام جزاء من جنس جريمة !!
- فضيحة الشكلاطة
- رد على اللواتي اتهمن حاسوبي بالتحامل عليهن!!
- المراحض العمومية والسياسة !!
- لماذا أدمن على ركوب القطار ؟؟؟ (3)
- هل تحرن الحواسيب هي الأخرى ، كالحمير !!
- لماذا أدمن على ركوب القطار ؟؟؟ (2)
- سحقا لك حظي الوغد ، ما أتعسك !
- الحدائق تتحدث دون وسيط أو مترجم أو حروف وكلمات !
- قرانا وقراهم !!!
- لهذا السبب أصبحت مدمنا على ركوب القطار !
- لكل جهنمه !!(4)
- مداخل مدن أم مفارغ زبالة ؟؟
- التعيين العائلي في الوظائف العمومية !
- خائن من يعتصب ورود مدينتي !
- لكل جهنمه 3
- المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق !
- لكل جهنمه !!!(2)
- فضائح أئمة المسلمين الجنسية !


المزيد.....




- -للسجن مذاق آخر-.. شهادة أسير فلسطيني عن الألم والأمل خلف ال ...
- المخرجة اللبنانية منية عقل تدخل عالم نتفليكس من خلال مسلسل - ...
- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)
- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - لماذا أدمن ركوب القطار !! (5)